شبكة ذي قار
عـاجـل










 

ما هو مصير المصانع والمعامل العراقية

 

تعاني الصناعة العراقية من تجاهل واهمال متعمد للمعامل والمصانع بعد سنة 2003 م، نتيجة الاحتلال الأمريكي والسنوات التي تلته حيث تسبب كل ذلك في تدمير وسرقة وبيع العديد من المنشآت الصناعية من قبل مسؤولين في الدولة، وقد شمل ذلك على سبيل المثال وليس الحصر، مصفى بيجي، ومعمل السكر السائل في طويريج محافظة كربلاء، وغيرها الكثير.

 

وكانت تلك المصانع الكبيرة قد أُسست غالبيتها في فترة السبعينات وفق خطط التنمية لتطوير إنتاج العراق، وكان عدد منها مصانع ضخمة فيما إذا قورنت بالمصانع الأخرى في منطقة الشرق الأوسط في حينها. فعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن مصنع إنتاج السكر السائل في محافظة الحلة – طويريج -  كان ينتج السكر السائل وعدد من المنتوجات الأخرى التي تدخل في صناعة الغذاء.  وهذا المصنع هو واحد من أصل خمسة مشاريع غذائية استراتيجية في العراق للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي للعراقيين، وهو أكبر مصنع في الشرق الأوسط تم بناءه عام 1975 بمعدات ألمانية وهنغارية، وفيه ثلاثة خطوط إنتاجية ضخمة تعتمد على التمر كمادة خام لإنتاج مواد غذائية أساسية، وتحتل حيزاً هاماً في الاقتصاد العراقي منها السكر السائل، والمعجون، والدبس، والخل، ومنتجات أخرى.  وقد حقق مستوى الإنتاج فيه نوعاً من الاكتفاء الذاتي للبلد، كما وكان يتم تصدير الكميات الفائضة من الإنتاج إلى خارج القطر لدعم الاقتصاد الوطني. وهكذا بالنسبة للمصانع والمعامل الأخرى الكبيرة منها والصغيرة.

 

وقد كانت تلك المصانع تستوعب الملايين من الموظفين والأيدي العاملة في تلك المرحلة، ولكن وعلى ما يبدو فإن الحكومات الأخيرة قررت هدم تلك المصانع، ومنها مصفى بيجي ومصنع إنتاج السكر السائل على سبيل المثال، وتفصيخ معداتها وتهريبها وتوزيع أو بيع أرضها كقطع سكنية.

 

فهل بمثل هذه السياسة يدار البلد؟! فهذه السياسة لا تخدم العراق ولا العراقيين لا في وقتنا الحاضر ولا في المستقبل، وإنما تفضي إلى تدمير الاقتصاد العراقي وزيادة البطالة، ومنع نهوض البلد، وابقائه بحاجة إلى المنتجات الخارجية، وخاصة الإيرانية منها.

 

وكان العراق في السابق قد شهد طفرة نوعية داخل الاقتصاد الوطني، حيث كان أشبه بمصنع العالم العربي والشرق الأوسط فلا تطلب شيئاً إلا وتجده صنع في العراق الذي كان رائداً في صناعات كثيرة، وسباقاً في تأمين حاجيات الشعب. إذ كانت لديه عدد كبير من المعامل والمصانع، كمعامل الغزل والنسيج، والسكر، والصناعات الغذائية والألبان، والصناعات الإنشائية، والصناعات الكهربائية والالكترونية، والاسمنت، والأسمدة، والفوسفات والحديد والصلب، إضافة إلى البتروكيميائيات الاستراتيجية. وقد حقق الاكتفاء الذاتي حتى بلغ العدد الكلي للمصانع   178 ألف مصنع تابعة لوزارة الصناعة والمعادن، والقطاع المختلط، والقطاع الخاص. 

وبعد كل الذي جرى في العراق فإن الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من عقدين من الزمن تترك القطاع الصناعي لمواجهة مصيره بإهمال متعمد، وفتح أبواب الاستيراد من دول الجوار، وتحديداً إيران بدون رسوم جمركية.

ولابد لنا أن نشير إلى الأسباب التي أدت إلى تردي مستوى إنتاج المصانع والمعامل والتي أبرزها:

تأثير الأحداث السياسية والاقتصادية بعد الاحتلال في 2003 على القطاع الصناعي.

التحديات البنيوية التي تتضمن تداخلاً كبيراً من التحديات من حيث الإدارة ووضع البنية التحتية الصناعية.

ضعف دور القطاع الخاص في النشاط الصناعي.

غياب السياسات الصناعية الحديثة الفاعلة في تطوير ونمو الصناعة وعدم تفعيل قوانين التعرفة الجمركية.

عدم جدية الحكومة لتطوير هذا القطاع وانتشار الفساد الإداري والمالي وعدم تهيئة أي برنامج للإصلاح.

 

التحديات التقنية:

يعاني القطاع الصناعي من نقصٍ في التكنلوجيا والابتكار مما يؤثر سلباً على تطوير المصانع وقدرتها على المنافسة على الصعيد المحلي والدولي.

وهذا أدى إلى انخفاض الاستثمار وتردي البنية التحتية الصناعية، إضافة إلى النقص في الطاقة الكهربائية والمياه الذي يؤثر سلباً على كمية الإنتاج الصناعي كما وأن عدم استقرار الوضع السياسي أثر بشكل كبير على تحسين   البيئة الاقتصادية وجذب الاستثمارات.

 

وتمثل الصعوبات في الجانب التقني عاملاً مهماً يؤثر على تطوير المصانع وقدرتها على المنافسة، لذلك فإن نقص التكنولوجيا يقلل من قدرة الصناعة على تحسين نوعية المنتجات وكمية الإنتاج، حيث تعتمد العديد من الصناعات في العراق على تقنيات ومعدات قديمة متهالكة وتقليدية، الأمر الذي يقلل من مستوى كفاءتها وقدرتها على المنافسة، حيث أن القطاع الصناعي يواجه تحديات تتعلق بالبنية التكنلوجية مثل الاتصالات عالية السرعة والمعلوماتية إضافة إلى النقص في تدريب العمالة العراقية على التكنلوجيا الحديثة.

 

التحديات البنيوية:

تتضمن التحديات البنيوية تداخلاً كبيراً من المشاكل مثل ضعف الإدارة والبنية التحتية الصناعية. إن التداخل بين هذه التحديات يزيد من صعوبة التصدي لها، مثل ضعف الإدارة الذي تعاني منه العديد من القطاعات إضافة إلى الفساد الذي يعيق الجهود الفعالة لتطوير البنية التحتية الصناعية وتحسين البيئة الاستثمارية. ونتيجة   للنزاعات والهجمات من المجاميع المسلحة وسوء الاستخدام، تعرضت العديد من المنشآت الصناعية والبنية التحتية للتدمير، ومن المهم الإشارة إلى أن سياسة زج العراق ليكون مسرحاً للصراعات الإقليمية والجيوسياسية قد فاقم من حجم التأثير المدمِّر على الاقتصاد والقطاع الصناعي.

 

ضعف دور القطاع الخاص في الجانب الصناعي:

بسب التحديات الأمنية والسياسية والقانونية يواجه القطاع الخاص صعوبة في النهوض بدوره أو جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، مما يؤدي إلى نقص التمويل والتحديث في المنشآت الصناعية، كما وأن ضعف القطاع الخاص يجعل الاقتصاد أكثر تبعية لأسعار النفط، وغالباً ما يواجه القطاع الخاص معوقات تدخل في تطوير البنية التحتية اللازمة لتشغيل الصناعات بكفاءة مما يقلل من امكانية تحقيق النمو المستدام.

 

غياب السياسات الصناعية الحديثة وعدم العمل بقوانين التعرفة الجمركية:

إن انعدام وجود سياسات صناعية نزيهة تقلل من جاذبية البلاد للمستثمرين ويقلل من التمويل المتاح لتطوير الجانب الصناعي، وإن عدم العمل بالتعرفة الجمركية يؤدي إلى منافسة غير عادلة بين الصناعات المحلية والمنتجات المستوردة، وهذا بدوره يعرض الصناعة المحلية للخطر ويقلل من فرص النمو والتطور.

 

قطاع الصناعة وانتشار الفساد الإداري والمالي.

إن انتشار الفساد الإداري والمالي يقضي على فعالية الإجراءات الحكومية ويؤدي إلى اهدار الموارد، والتأثير على بيئة الأعمال والاستثمار في الصناعة، خاصة وأن الأحزاب والكتل السياسية في العراق تتدخل بشكل مباشر في القرارات الخاصة بالقطاع بموجب المحاصصة الطائفية، ومن قبل أشخاص بعيدين كل البعد عن معايير الكفاءة أو الاختصاص أو الخبرة، لذلك فإنه ليس غريباً أن يكون هناك نقص كبير أو حتى انعدام في برامج الحكومة الإصلاحي وعدم وجود أية رؤية استراتيجية لدعم الإنتاج الصناعي.

 

إن أية حكومة حريصة على العراق وعلى مستقبل أبنائه وأجياله عليها أن تعتمد على معالجات أساسية فورية ومنها:

مكافحة الفساد، وتطبيق إصلاحات لمكافحته في القطاع الصناعي ومحاسبة السراق والمتورطين، ووضع قوانين رادعة للفساد المستشري في مؤسسات الدولة.

تطوير البنية التحتية اللوجستية، وتحسين البنية التحتية للنقل واللوجستيات لتسهيل تداول المنتجات والمواد الخام.

ضمان امداد الكهرباء والمياه للمصانع.

تعزيز التكنولوجيا الحديثة في القطاع الصناعي.

التدريب وتطوير المهارات وتوفير برامج بذلك للقوى العاملة.

تعزيز البحث والتطوير ودعم الأبحاث والابتكارات في الصناعة لتحسين عمليات الإنتاج وتطوير منتجات جديدة.

الحفاظ على البيئة وتطبيق معايير بيئية صارمة للحفاظ عليها خاصة وأن الحروب   التي شنت على العراق أسفرت عن إطلاق العديد من المقذوفات والقنابل والأسلحة في مناطق متعددة من البلد وتأثير هذه المقذوفات على البيئة كان ولا يزال كبيراً وخطيراً.

 

ولكن أين العراق من كل ذلك في ظل سياسات الفساد الغير مسبوق، والسلب والنهب وتفكيك وتهريب المصانع والمعامل العراقية؟

 

ملتقى

الخبراء والاختصاصيين العراقيين

16-9-2023






السبت ١ ربيع الاول ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ملتقى الخبراء والاختصاصيين العراقيين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة