شبكة ذي قار
عـاجـل










الآنَ، الآنَ ولَيسَ غَداً يَا أُمَّةَ العُرْبِ الأَبِيَّة

فَتَأَهَّبِي واعصِفِي عَصْفَا، فقَد دَمْدَمَ "طُوفَانُ الأَقصَى"

 

د. محمد رحيم آل ياسين

 

في اللحظات الاستثنائية الفارقة من تاريخ الشعوب والأمم الحيَّة والفاعلة في التاريخ الانساني، تستدعي هذه الشعوب بشكلٍ تلقائيٍّ دونما تأخير ما رسُخ في ذاكرتها التاريخية وانجازاتها في الماضي القريب والبعيد، خلال هذه اللحظات المصيرية المهمة والنادرة في حياتها. واليوم يستدعي شعبنا الفلسطيني البطل ومقاومته الباسلة، ذلك التاريخ التليد والتراث الثرّ المجيد باعتباره جزءاً من تاريخ الأمة العربية الغائر في القِدَم وتراثها المشرق والمشرِّف في عهود الانجازات والبطولات والملاحم التاريخية الفذَّة، في ظل سخونة المواقف والأحداث وتكالبها تباعاً بفعل الاحتلال الصهيوني الغاشم ودويلتهم المُسخ، التي اغتصبت حقوقهم الوطنية والقومية والانسانية التي أقرَّتها الشرائع السماوية والقوانين البشرية، فأهانت كرامتهم، واستباحت مقدساتهم وأعراضهم وأرضهم. فما كان من هذا الشعب المقاوم الَّا أن يستحضر ذاكرته الوطنية والقومية وأن يستدعي تاريخ أمته العربية المجيدة، في عهود العنفوان والإباء والمجد العربي قبل أكثر من ألفٍ عام مضى. لقد قدَّم هذا الشعب الأبيّ كلّ غالٍ ونفيس، وضحُّى بدماء أبنائه الزكيَّة للدفاع عن العِرض والأرض والشرف، واستعادة العِزَّة والكرامة لهم ولأمتهم العربية.

خمسونَ عاماَ بين عبور القناة وعبور سياج غزة

كانت فلسطين والأمة على موعدٍ في صباح السبت السابع من تشرين أول (أكتوبر)، مع صولة الأبطال في "طوفان الأقصى"، صباح العِزَّة والكرامة، صباحٌ اعصارٌ جارفٌ قضَّ مضاجع الصهاينة في مواقعهم وثكناتهم العسكرية الحصينة، اجتاز فيه المقاومون وتجاوزوا سياج الصهاينة المنيع والذي يفصل مدينة غزة الباسلة عن مستوطناتهم فيما يُسمَّى (غلاف غزة)، ذلك السياج الممتدّ عشرات الكيلومترات وبعمق أمتار تحت الأرض لتفادي أنفاق المقاومين الأبطال. فما كان من هؤلاء المقاومين إلَّا أن ينقضُّوا على الصهاينة جواً وبرَّاً وبحراً في معارك وعمليات غير مسبوقة، فلم يكن للصهاينة من عاصمٍ أمام اقتحام ومفاجأة وبطولات رجال الصولة العزوم، صولة رجال الحقّ واسترداد الكرامة، ومقاومة المحتلين الأوباش كما أقرَّته كل شرائع السماء (وما جعله اللهُ الَّا بشرى لكم ولتَطمئنَّ قلوبكم به وما النصرُ الَّا من عندِ اللهِ العزيز الحكيم) آل عمران126. نعم هي معركة تحرير وطنية وقومية وليست حركة تمرُّد أو عصيان كما يدَّعي المغتصب الصهيوني ومَن تحالف معه من أمريكان وغرب استعماري. لقد ثبت أنَّ معسكرات وثكنات ومواقع الصهاينة العسكرية هي ليست أكثر من بيوتِ عناكب واهنة هشَّة رغم ما أحاطوها بأبراج مراقبة شديدة الدقَّة والتحسّس، لكنها هوت وانهارت من أول صولة لفرسان المقاومة الأشاوس. فما أوهن بيوت العنكبوت لقول ربِّ العِزَّة والجلالة:(وإنَّ أوهَن البيوتِ لَبيت العنكبوت لو كانوا يَعلمون) العنكبوت 41. انَّه غيضٌ من فيضٍ فلسطينيٍّ آتٍ قريباً بإذن الله تعالى. لقد تنفَّس أبناء الأمة الصعداء، وكبُرَت في نفوسهم الآمال والأحلام بتحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة من براثن الاحتلال الصهيوني الهمجي والوحشي بعد هذه المعارك الملحمية. انَّه يومٌ تاريخيٍّ مشهود جاء بعد خمسين عاماً وفي نفس اليوم والشهر من عبور الجيش العربي المصري البطل قناة السويس وتحطيم أسطورة خط بارليف الحصين الذي أقامه المحتلّ الصهيوني شرق القناة. فكتب المقاتل العربي المصري بدمه الزكيِّ أحرفاً من نور، وحطَّم خط بارليف ونجح في استرداد أرض سيناء من دنَس الصهاينة، بعد تكبَّد المحتل الصهيوني عدداً كبيراً من القتلى والأسرى، وأثبت أنَّه كيان هشّ، وتحطَّمت أسطورة الجيش الذي لا يُهزَم. وها هُم أبطال المقاومة الفلسطينية الباسلة يثبتون للدنيا كلَّها هشاشة هذا الكيان وجيشه المهزوم، فكبَّدوه أكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى وعشرات الأسرى استقدمهم المقاومون الى غزة محسورين أذلَّاء بعد أن عاثوا بطشاً ووحشية واجراماً بحقِّ أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس والضفة الغربية المحتلة. مَن يُصدِّق أنَّ شبَّاناً بأعمار الزهور وبعدد محدود يصولون صولتهم العزوم، فيدمروا فرقة عسكرية كاملة ويخرجونها عن الخدمة والمسماة "فرقة غزة"!!،(لن يضرُّوكم الَّا أذىً وإن يُقاتلوكم يوَّلوكم الأدبارَ ثمَّ لا يُنصَرونَ)آل عمران111.

وبعد هزيمة الكيان الصهيوني العسكرية أمام عشرات من المقاومين البواسل، تأتي هزيمته الأخلاقية المنكرة، من خلال استهداف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ في غزة، بل ولم تسلم من وحشية الصهاينة المستشفيات والمساجد خلافاً لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.

عندما نقول أنَّ شعبنا الفلسطيني البطل ومقاومته الباسلة قد استحضروا تاريخهم العربي، وما أنجزه قادة الأمة ورجالها من بطولات وملاحم تاريخية، فإنَّ مرادنا هنا أن نشير بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ ما أنجزه جيش العروبة المصري والعراقي في حرب تشرين فعبور القناة وتحطيم أسطورة خط بارليف هو ملحمة عربية تاريخية شارك فيها مع الأشقاء المصريين صقور الجو الشجعان من العراق والذين أُستُشهِد الكثير منهم وهم يؤدون واجبهم القومي على الجبهة المصرية، بعد أن لقَّنوا الصهاينة دروساً في التضحية والفداء، وما قدَّمه الجيش العربي السوري في جبهة الجولان مع طلائع ليوث البرّ الشجعان من الجيش العراقي الوطني الباسل، الذين حموا دمشق بأرواحهم ومنعوا الصهاينة من الوصول اليها، وما كان لشعبهم العراقي الأبيِّ وجيشه البطل في التصدِّي للعدوان الإيراني الفارسي الصفوي في العام 1980م في قادسية العرب الثانية المجيدة دفاعاً عن البوَّابة الشرقية للأمة العربية. ولم تكن المقاومة الشرسة لأشقائهم في العراق للاحتلال الأمريكي الغاشم طيلة سنوات ببعيدة عنهم في استلهام الدروس والعِبَر منها.

مَلحَمة طوفان الأقصى وابداع المُقاومين الأبطال

لقد كانت صولة فرسان المقاومة الفلسطينية في ملحمة "طوفان الأقصى" معارك وقتال بمستوى دولة أو دول، وبإمكانات فصائل مقاومة ذاتية متواضعة، نعم انَّها معارك دولة بإمكانات قوى محدودة فكيف كانت بهذا المستوى الراقي في التخطيط والترتيب والتنفيذ؟!

أولاً: استحضار وتفعيل العقل العربي(الحربي) المبدع، فكما كان مجاهدو التصنيع العسكري في العراق يُسابقون الزمن في انتاج الأسلحة المتطورة من صواريخ بالستية ومدفعية وطائرات انذار مبكر وغيرها كثير، فقد تفتَّح العقل الفلسطيني المقاوم في انتاج الطائرات المسيَّرة "الزواوي" والتي كان الفضل بها يعود الى ضابط مهندس عراقي كان يعمل في التصنيع العسكري في العهد الوطني المجيد. وهكذا أبدع المقاومون واستعاضوا عن الطائرات والحوَّامات في سبيل الأنزال المباشر داخل معسكرات الصهاينة، بتطوير المناطيد وتزويدها بمراوح كبيرة سريعة الحركة، رحم الله البطل الطيار العربي "ابن فرناس" الذي لقى حتفه بصنعه جناحَين يطير بهما، فأخذ عنه أبطال المقاومة الفلسطينية عندما طاروا بأجنحة تحملهم وبمراوح تُسرع بهم لينقضُّوا على عدوهم كطيرٍ أبابيل....لله درهم هؤلاء الأبطال النشامى.

ثانياً: لم تعد التكنولوجيا والابتكارات والعلوم حكراً وحصراً على الصهاينة والأمريكان والغرب الاستعماري، فكما طوَّر أجدادهم العرب ابَّان الحضارة العربية الإسلامية الكبرى علوم الآخرين وإنجازات السابقين، ليستحدثوا ويُجدِّدوا فيها فأنتجوا ما لم يسبقهم اليه أحد، فعل هؤلاء المقاومون الأبطال.

ثالثاً: ابداع العقل العربي (الحربي) لدى المقاومين، من خلال التخطيط والتهيئة واستثمار عناصر المفاجأة والمباغتة والسِرِّية التامة، فلم تكن صولتهم العزوم آنيَّة أو وليدة الساعة، انَّما استغرقت شهوراً وربما أعواماً لترى النور بهذه الفعَّالية المتقنة والمبدعة والتي باغتوا بها عدوهم في عقر داره(معسكراته) على الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

رابعاً: ابداع وتفنُّن وابتكار العقل العربي (الحربي) في تصنيع وانتاج الأسلحة المستخدمة في المعارك بإمكانات ذاتية وبيد فلسطينية صرفة وهذا ما سهَّل مهمة المقاومين بتيَّسر ما بحوزتهم من أسلحة صنعوها بأيديهم، امتثالاً لقول الحقّ تعالى:(وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوَّةٍ ومن رِباطِ الخَيل تُرهبونَ به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم) الأنفال60. وهو يتماشى أيضاً مع ما قدَّمناه من أنَّهم استلهموا من أجدادهم العرب ما كانوا يقومون به في معاركهم الكبرى، فقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وجيوشه يقاتلون عدوهم من فرسٍ ورومٍ ويهودٍ بسيوفٍ ودروعٍ ورماحٍ صنعوها بأنفسهم ولم يهدِها لهم الروم أو الفرس، وكان صلى الله عليه وسلم يقتحم معاقل أعداءه بخيولٍ عربيةٍ أصيلة، ومن بعده عمل الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم وخلفاء الدولة العربية الكبرى من بني أميَّة وبني العباس. وتالياً فإنَّ الأمة العربية لن تغلب أعداءها من صهاينة وفرس واستعمار غربي وأمريكي إلَّا عندما تُصبح قادرة على أن تزرع غذاءها، وتصنع سلاحها، وتمتلك مقدراتها، وتستقل بقرارها. عندما يصبح العرب بقادرين على فهم أنفسهم قبل معرفة عدوهم، وحقيقة وجودهم وما آثرهم به الله من رسالةٍ حمَّلهم أمانتها الى يوم الدين، عندما يتحرَّك العربي من الخليج العربي الى المحيط دونما تأشيرة وأسلاك شائكة تمنع حركته.

خامساً: استخدم المقاومون أسلوب الخداع العسكري، من خلال عنصرَي المباغتة والخداع والمفاجأة، واختيار مناسبة ما يُسمى (العرش اليهودي الديني).

سادساً: امتلاك المقاومة للخطط والضربات الاستباقية، وفي الجهوزية العسكرية والتعبوية العاليَتَين اللتان تميَّزت بهما فصائل المقاومة الفلسطينية

سابعاً: ولابدَّ لنا هنا أن نؤكِّد على أهميَّة وحدة الفصائل المقاومة وتآلفها في التصدِّي للمحتل الصهيوني، فوحدتها واتحادها في مقاومة جيش الاحتلال كان له الأثر الفاعل والمهم في نجاح معاركها البطولية مع قوات الاحتلال الصهيوني، ولا يفوتنا هنا أن نذكر بكلّ الاعتزاز والامتنان والتقدير للقيادة الجزائرية في توحيد ولمّ الشمل بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة الجزائر قبل عام من الآن. 

ثامناً: النخوة والشهامة العربية احدى مميِّزات العملية العزوم "طوفان الأقصى" فكما انتخى الخليفة العباسي المعتصم بالله(توفي227ه) عندما استغاثت به عربية بعد أن آذاها الجنود الروم وسحلوها الى السجن في عمورية فكانت صرختها المدويَّة: وامعتصماه...وامعتصماه، فهبَّ للدفاع عنها وتحرير الأرض من احتلال الروم في العام223ه، وهنا ينتخي المقاومون الأبطال للثكالى والأرامل والأمهات اللائي تجاوز عليهنَّ جنود الاحتلال في القدس الشريف والضفة الغربية المحتلة. انتخى الأبطال لنداء الأقصى وهو يستغيث من تدنيس أقدام المستوطنين الغزاة الذين استباحوا حرماته، وهي مقدسات لدى المسلمين والمسيحيين على حدِّ سواء في كلِّ العالم.

نقول، لقد جرَّب الصهاينة كلّ وسائل البطش والترهيب والقتل والتنكيل بوحشية وهمجية غير مسبوقة في التاريخ، كلّ محاولات الاحتلال لم تثنِ أهلنا في فلسطين عن مطالبهم وحقوقهم المشرعة التي اغتصبها الكيان الصهيوني منذ تأسيس دويلته المسخ قبل سبعين سنة. فقد فعل الصهاينة كلَّما أرادوا هُم وأمريكا والغرب الاستعماري، فكانت سنوات من القهر والضَيم والظلم والاستبداد لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، فهل استكان ورضخ واستسلم وخنع هذا الشعب الأبيّ؟! لا وألف لا.

انَّه الجيل الفلسطيني الجديد، هم شباب الحجارة والانتفاضات الفلسطينية، هؤلاء يتصدّون للمحتل الصهيوني فيقتحمون عليه سياجاته الأمنية الحصينة، وتحصيناته وآلياته الحربية داخل أراضي فلسطين المحتلة. ليثبتوا يوماً بعد يوم أنَّ هذا الشعب المقاوم لن يفرِّط بأرضه ومقدساته وإن تعاقبت الأجيال، حافظاً لعهده أمام الله ونفسه وأمته بأنَّه سيقدِّم أرواح أبنائه قرابين من أجل الوطن (أُذِنَ للذينَ يُقاتَلونَ بأنَّهم ظُلِموا وإنَّ اللهَ على نصرهم لقدير) الحج39.

لم يكن للعقل الصهيوني المغترّ المغرور والمتكبِّر أن يتوقع يوماً ما حدث في "طوفان الأقصى" فقد انقضَّ المقاومون على أكثر من أربعةٍ وعشرين موقعاً عسكرياً مدجَّجاً بأحدث الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة والانصات المتطورة.

لقد كانت عمليات نوعية ابداعية مُبتكرة وغير مسبوقة في التوقيت والمفاجأة والتمويه العسكري، هي بحق كما قدَّمنا تأتي بمستوى دولة وليست فصائل مقاومة، فكانت كابوساً كارثياً حلَّ بدويلة الصهاينة المسخ، ضربتهم في الصميم ، وانتهى وهَم أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر بتفوقه العسكري والاستخباراتي المزعوم(لَن يَضرُّوكم الَّا أذىً وإن يُقاتلوكم يُوَّلوكم الأدبارَ ثُمَّ لا يُنصَرونَ)آل عمران111.

المُرجِفونَ والمُعوِّقون

انَّ موقف النظام العربي المعروف بالتخاذل والخنوع والتكاسل عن نصرة أهلنا في القدس والضفة وغزة الصامدة التي تحولَّها طائرات العدو الصهيوني الى رمادٍ وأثرٍ بعد عين، بل وصلت وقاحة بعض الحكومات الى عرض الوساطة بين شعبنا الفلسطيني ودويلة الصهاينة!!

والبعض منهم يدعو الطرفين الى ضبط النفس وعدم التصعيد!!، ولا ندري كيف يدعون إلى ضبط النفس والعدو الصهيوني قد استباح كلّ شيء؟، وهكذا وضعت بعض الأنظمة نفسها وسيطاً بين الجاني والمجني عليه، بين الجزَّار والضحية، بين المعتدي الآثم والمُعتدى عليه، بين المحتل الغاصب وصاحب الأرض ومالكها المهضومة حقوقه وكرامته!! فهل بعد كل هذا من مهانة واستهانةٍ بشعبنا في غزة، استهانة بالقيَم والحقوق التاريخية لهذا الشعب الأبيّ؟!

هؤلاء أسماهم الإعلامي والصحفي العراقي المبدع الأستاذ مصطفى كامل رعاه الله بـ(المخذّلين)، وهو على حقٍّ ولكنَّنا وجدنا أنَّ الحق تبارك وتعالى قد أسماهم في كتابه العزيز بالمرجفين لقوله سبحانه:(لئن لم ينتهِ المنافقونَ والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة) الأحزاب6، وفي آية أخرى أسماهم بالمُعوِّقين:(قَد يعلم اللهُ المُعوِّقينَ منكم) الأحزاب18.

وكلا الصفتين والوصفين تناسب هؤلاء من حكومات بعض أقطار العرب، فهُم ملاقيح الفتن والكذب، الذين يبالغون في تعظيم قوَّة العدو الصهيوني وقدراته وبأنَّه يستحيل هزيمته، وكسر شوكته، وكلّ ذلك من أجل اخضاع العرب وتخويفهم وتثبيط عزائمهم في التصدي لهذا الكيان المُسخ، الذي أثبت المقاومون في "طوفان الأقصى" بأنَّه كيان هشّ متآكل ومتهافت. وتالياً فهؤلاء المُرجِفون والمُعوِّقون يصدُّون شعبنا العربي عن قتال ومقاومة العدو الصهيوني من أجل تحرير فلسطين، وبالتالي تخذيل أبناء الأمة.

إنَّنا نقولها بكل وضوح وصراحة، بأنَّنا لسنا متفائلون من ردة فعل النظام العربي على جرائم الصهاينة في فلسطين وفي غزة الباسلة الصامدة. فأغلب هذا النظام قد ساوم وباع قضية الأمة المصيرية، وانتهج منهجاً ونهجاً متخاذلَين، واستبدل الحق الفلسطيني والعربي بالتطبيع المُذلَ مع الصهاينة. لقد قالها المفكر العربي القومي الكبير الأستاذ أحمد ميشيل عفلق رحمه الله قبل أكثر من خمسةٍ وسبعين عاماً مضت، بأنَّ فلسطين لا تُحرّرها الحكومات العربية، وانَّما تَتحرَّر بالعمل الشعبي العربي، أي بالمقاومة الشعبية وبالكفاح الشعبي المسلَّح. وهذا ما قامت به المقاومة الفلسطينية الباسلة وقبلها المقاومة الوطنية الجزائرية للاحتلال الفرنسي الهمجي وما فعلته أيضاً المقاومة العراقية الوطنية البطلة في دحر الاحتلال الأمريكي الأطلسي الغاشم، وما ننتظره من ثوَّار تشرين النشامى في التصدي للمحتل الإيراني الفارسي العنصري والحكومة العميلة الباغية في المنطقة الغبراء.

وختاماً نقول: إنَّ ما بعد "طوفان الأقصى" المباركة هو ليس كما قبلها، فقد وُلِد واقعٌ فلسطينيٌّ وعربيٌّ جديد، واقعٌ فرضَ نفسه، وتغيَّرت فيه أشياء كثيرة، وعلى المُرجفين والمُعوِّقين أن يعوا ذلك جيداً وينتبهوا الى أنفسهم قبل فوات الأوان، لأنَّهم سيدفعون ثمناً غالياً بأكثر مما يتصورون، فشعوبهم والتاريخ لن يرحموا بهم، وليعلموا أنَّ التطبيع المُذلّ والتنازل عن قضية الأمة الكبرى التي انتهجوها مع العدو الصهيوني لن تجدي نفعاً مع هذا الكيان العنصري الاحتلالي المتعطِّش للدماء.

    إنَّ رياح النصر آتية بإذنه تعالى، وأنَّ أبناء الأمة العربية الغيارى سيعصفون بهذا الكيان عصفاً، وسَيقتلعون جذوره الخاوية، فللباطل جولةٌ وللحقِّ جولات وإنَّ غداً لناظره قريب، وما النصر إلَّا من عند الله العزيز الحكيم.

 






الاربعاء ٢٦ ربيع الاول ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تشرين الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. محمد رحيم آل ياسين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة