شبكة ذي قار
عـاجـل










من ورط القيادة العسكرية لحماس؟

د. أبا الحكم

 

حين يحدث الفعل وتشتعل الحوادث، يقول علماء الاستخبارات (فتشوا عن المستفيد).. ولما كان المستفيدون من اشتعال غزة بالنار "الإسرائيلية" هم الأطراف الثلاثة الذين تم الحديث عنهم بالتفصيل في مقال سابق قريب، وتجنباً للتكرار.. فإن المستفيد الأكبر هو الكيان الصهيوني الذي لم يستطع طيلة عقود من السنين أن ينهي القضية الفلسطينية رغم المحاولات اليائسة التي اشترك فيها فرقاء متعددون ومنهم عرب، إلا أن الأكثر استفادة من إنهاء القضية الفلسطينية لصالح أمن لكيان الصهيوني هي إيران على وفق المعايير بعيدة المدى.

دعونا نتحدث عن السلوك الإيراني تجاه المنطقة العربية، الذي كان مدخله قضية (القدس) و (قضية فلسطين)، اللتان جعلت من السياسة الايرانية (المنقذ) من أجل التحرير، بعد أن (خذل العرب الفلسطينيين وخذلوا فلسطين):

ماذا فعل الإيرانيون من خلال سياستهم الاستراتيجية؟

اولاً- أعلنوا أنهم الذين سيحررون القدس ويحرروا فلسطين.

ثانياً- أعلنوا يوماً عالميا أسموه (يوم القدس)، وقدموا المبالغ السخية للزائرين الاجانب والعرب المخدوعون من بطاقات سفر مجانية وإقامة في فنادق طهران مجانية ودعوات مجانية وسياحة مجانية ودعارة للشباب وغيرهم مجانية.. وفي هذا اليوم العالمي تعلن المواقف والخطب والكلمات الرنانة التي تعطي الانطباع العام بأن إيران عازمة وقادرة على تحرير (القدس) وتحرير (فلسطين).. وبانفضاض اليوم العالمي هذا تبدأ عملية صرف النقود بالعملة الصعبة الى القوى الفعالة والمهمة المشاركة في هذه الفعاليات لأغراض العمل الاعلامي والعملياتي من جهة، وصرف المبالغ الطائلة للوسيط الثالث الذي يتبنى شراء الأسلحة والمعدات واللوازم الضرورية للصراع، ليس لكل الفصائل الفلسطينية المسلحة، إنما فقط لـ 1- منظمة حماس 2- ومنظمة الجهاد الاسلامي.. أما بقية المنظمات الفلسطينية المسلحة فلم تتسلم من إيران دولارا واحدا.. وليس غريباً التساؤل، لماذا فقط منظمة حماس والجهاد الاسلامي؟ والجواب: هو منهج التقارب المشترك بين هاتين المنظمتين الفلسطينيتين من جهة، ومنهج ولآية خميني ثم ولأية خامنئي من جهة أخرى.. ولا اريد ان ادخل في تفاصيل لماذا هذا الاختيار وأبعاده السياسية - الاستراتيجية على الشعب الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية، لأن المحصلة النهائية لزلزال غزة الراهن، هي التي ستفصح عن ذلك.

ثالثاً- أسست ايران تنظيماً عسكرياً يرتبط مباشرة بالحرس الثوري الإيراني أسمته  (فيلق القدس) واستقطبت لهذا الفيلق الكثير من عناصر المتطوعين - العرب و الأذربيجانيين و الباكستانيين (زينبيون وفاطميون) والأفارقة و غيرهم – واغدقت عليهم الرواتب الشهرية وخصصت لعائلاتهم اموالا تقاعدية واسكنت هذه العائلات في معسكرات التدريب على الأراضي الايرانية و كلفت حزب الله في الجنوب اللبناني بعملية الاستقطابات الخاصة بالتطوع والتدريب وتأجير الجزر الإريتيرية كقواعد لتدريب المتطوعين المغرر بهم من العرب وغيرهم ومن ثم توزيعهم عناصر مقاتلة وخلايا نائمة وخلايا تجسسية إلخ .. ويتضح من هذا التوجه السياسي العسكري الاستخباراتي الايراني طبيعة التخطيط واهدافه التي تصب ظاهرياً في مصلحة الفلسطينيين ولكن باطنياً تصب في هدف إنهاء القضية الفلسطينية، لماذا؟

لأن: 1- الفلسطينيون عرب وسنه والإيرانيون الفرس عنصر يحمل حقد التاريخ وكراهيته العنصرية والطائفية بالضد من العرب ومن ثم الكرد والتركمان وكل القوميات المحيطة بالهضبة الإيرانية، والهدف "الإسرائيلي" الايراني المشترك يقضي بإنهاء الوجود العربي على مراحل. 2- وما يشغل دولة الكيان الصهيوني ويقلقها عدم قدرتها على إنهاء القضية الفلسطينية منذ عام 1948.. ومن هنا بات التخطيط المشترك (الاسرائيلي الايراني) ضرورياً لضرب القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة.

رابعاً- الجميع يعلم بأن القدرات الصاروخية لدى (حماس) هي نفسها لدى (حزب الله – حسن نصر الله) في الجنوب اللبناني، ليس في الكم إنما في النوع أيضاً، وهي صواريخ مستنسخة عن الصواريخ الروسية وصواريخ كوريا الشمالية، التي استوردتها إيران وسوقتها الى حماس لإيهام الاستخبارات العالمية بأن حماس هي التي استوردت الصواريخ من كوريا الشمالية، ولكن الاخيرة لا تتعامل في مثل هذه الصفقات مع منظمات مسلحة، إنما مع دول لضمان الالتزامات والعهود والتقيد بشروط المبيعات من هذه الاسلحة.

خامساً- تقوم إيران (الحرس الثوري الايراني) و (قادة فيلق القدس) بإدارة العمليات الخارجية وإدامتها وتمويلها وتوسيع نشاطاتها لتشمل العمق العربي والافريقي والأوربي.

سادساً- الوضع السياسي في الكيان الصهيوني هش ومتآكل وينطوي على انفجارات سياسية وتنظيمية وديمغرافية تحمل ملامح مؤكدة لـ(الهجرة المعاكسة) وهو الأمر الذي يخيف القيادات السياسية في الكيان الصهيوني.. هذا العامل كان له تأثيره في الإسراع لعمل خارجي لصرف الانتباه عما يحصل من تآكل في داخل الكيان الصهيوني..  وكان لطهران المهمة الكبرى فيما يسمى (رمي البركة الفلسطينية الراكدة بحر حماس) بهدف: 1- إنقاذ نتنياهو السفاح 2- شد الداخل "الإسرائيلي" 3- وضع الكيان الصهيوني في حالة الدفاع 4- جعل الفلسطينيين (معتدين) 5- استقطاب العالم المعادي للعرب 6- تشريد الشعب الفلسطيني من غزة).

وخيارات التهجير المطروحة يصعب تقبلها بالمرة 1- التهجير إلى سيناء - رفضته مصر، لأن ارض سيناء مصرية 2- التهجير الى العقبة - قالت مصر ان ارض العقبة هي ارض مصرية 3- قالوا التهجير الى ارض العراق في الأنبار، ولم يدلي أحد من حكومة طهران في بغداد بشيء، رغم تظاهرات استعراضية فاضحة قام بها (الصدر) بيضة القبان الايرانية المعروفة في وقت الأزمات.

سابعاً- المحصلة السياسية، التي ابدتها إيران بعد ان قامت حماس العربية بفعل مسلح عظيم ضد الكيان الصهيوني وظهور ملامح المخطط المعني بإبادة الفلسطينيين في غزو 1- أنها ليست لها أية علاقة بما يجري في غزة من أحداث 2- وصرح حسن نصر الله بأن القوة الصاروخية التي لديه فقط (لردع اسرائيل إذا شنت هجوماً على إيران)، وهذا يعني ان صواريخ إيران في الجنوب اللبناني هي لضرورات الاستراتيجية الايرانية التي تتعلق بـ(الأمن القومي الفارسي).

ثامناً- الفلسطينيون في غزة على وجه التحديد بين فكي كماشة يطبق عليهم الإسرائيليون والأميركيون بصورة علنية وصارمة تهدد بالإبادة، فيما ينظر إليهم الإيرانيون من خلال التنصل ومفاهيم الردع المشروطة بالحرب على إيران التي لن تحدث أبداً.!!

تاسعاً- التوريط الايراني لحماس العربية المقاتلة واضح تماماً.. والعراقيون يقولون في مثل هذه الحالة (الايرانيون زحلكوا حماس لحسابهم ولحساب الكيان الصهيوني  ولحساب مشروع الشرق الأوسط الجديد) في هذا العمل، زينوا لحماس بأن 1- صواريخ حسن نصر الله ستشتغل فورا على الكيان الصهيوني.. وهذا كذب، لم يطلق حزب نصر الله صاروخا واحداً على الكيان الصهيوني في الوقت الذي يمتلك مئات الآلاف من الصواريخ الايرانية الصنع بأبعاد مختلفة.. وإذا كانت هناك مناوشات هاونات فان مصدرها فصائل فلسطينية وليست من حزب الله الذي يلتزم بقرار طهران. 2- صواريخ الحوثي ستنهمر على الكيان الصهيوني، ولم يطلق الحوثي ولا رصاصة واحدة بأمر من طهران 3- ستعالج طهران بالصواريخ على الكيان الصهيوني إذا ما فكرت بقرار إنتقامي أو بإجتياح غزة.. ولم يحدث أي رد فعل عسكري ايراني سوى التنصل مما يحدث في غزة.

ألم يكن ذلك توريطاً لقيادة سياسية طالما اجتمعت مع خامنئي وقادة فيلق القدس والحرس الثوري الايراني وهي القيادة السياسية المقيمة في دولة قطر.. قيادة قطر أقرب إلى طهران من فلسطين في الجغرافيا والمشاعر الأيديولوجية.. وكما ورطت إيران القيادة السياسية لحماس، ورطت القيادة السياسية لحماس القيادة العسكرية والاستخباراتية لحماس ... العسكر دائما ينفذون القرارات التي تصدرها إليهم قياداتهم السياسية.. هكذا هو فعل السياسة في كل زمان ومكان، ولكن القيادات السياسية النظيفة لا تخون أبداً.!!

 






الاحد ٧ ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تشرين الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة