شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

حماس والتيّار الإسلامي السياسي

 

هل ستعيد حماس ومقاومتها الباسلة للإسلام السياسي انتشاره وجماهيريته ويدفع بالآخرين من الأحزاب السياسية لتغيير مواقفهم وبرامجهم بإتّباع منهجيتها؟ سؤال نحاول الإجابة عليه من وجهة نظر سياسي.

 

 لا شك أنّ التيارات الإسلامية المخلِصة لدينها ووطنها ومجتمعاتها غالباً ما تكون الأقرب إلى قلوب الناس ومشاعرهم لأننا مسلمين ومعايير الدين تكون حاضرة في نياتنا وفي توجهاتنا السياسية والاجتماعية والأخلاقية وغالباً ما تدفع أيدولوجيات الأحزاب السياسية  بجماهيرها لاتخاذ سلوكيات فردية  تحمل قيم ومعايير هذه التيّارات وما تقدمه من نجاحات أو إخفاقات في تجربتها السياسية ينعكس على مساحة انتشارها جماهيرياً وبما أننا بشر فنحن نخطأ ونصيب ونرتقي ونعثر فينعكس ذلك على مسيرتنا السياسية وأثرها الجماهيري وقدرتها على قيادة الدولة والمجتمع .

 

 أنَّ الشريعة الإسلامية ليس ملك لأحد وبالتالي فإن وصف أي حزب سياسي بأنه إسلامي لأنه يطرح برنامج إسلامي دون مراعات لتحقيق قيم الإسلام على أرض الواقع والّا فلا عصمة له ولا يمكن أن نُضفي قدسية لحزب سياسي لأحد الّا من خلال العمل الصالح الّذي يخدم البشرية ولا قدسية لأي فكر سياسي حتى وإن ارتبط بأفراد لهم توجهات دينية واضحة لأن الغاية ليس الفكر بل الأساس هو الأمر بالمعروف والإحسان فيما نقول ونعمل والعمل على بناء الأنسان والوطن وتحقيق رفاهيتهما والحفاظ على هوية الدين وتحصين أفراده من الإزلاق في هاوية الدنيا وبهجتها والحياة ومغرياتها وهذا للأسف قد وقع به كثير من قيادات الأحزاب السياسية بعد وصولهم للسلطة بغض النظر عن أيدولوجياتهم ومعاييرهم العقائدية فكانت مسيراتهم مليئة بالأخطار والأخطاء والانحرافات فانعكست على روادها وقواعدها وطلائعها في مراحل مختلفة من الزمن حتى تعرضت نُظمها السياسية للتغيير سواء بالقوة أو بالتوجهات الديمقراطية فكانت الأوطان والمواطنين هم الضحية مما يبرهن على أنّ أي فصل بين الأحزاب السياسية والاستحقاقات السياسية وبين الأحزاب الدينية وسعادة الإنسان وخدمته وتنميته وطُهره لا يخدم أي توجه سياسي حتى لو كان هذا التوجه سياسي إسلامي.

 

فلا يكفي أن نصلي ونصوم يغم أهمية ذلك ونترك استحقاقات الدين الأخرى ومصالح الأوطان والشعوب ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ) وما ذكره الله في محكم كتابه في سورة البقرة وفي هذه الآية بالذات  دليل على أنّ قيم ديننا رائعة إن أحسنّا فهمها وترجمنا استحقاقاتها لأحدثت تغيير وتأثير اجتماعي وسياسي واقتصادي عالمي كبير وشامل ولحققت الغَلبَة على جميع سياسات العالم وأحدثت انفجارا جماهيرياً واسعاً من خلال إقامة نظام مدني رشيد وتنموي يقف بوجه جميع حملات التضليل والتشويه الّذي يستهدف الأحزاب السياسية الدينية ويحضرني قول الدكتور علي الوردي (لو خيروا العرب بين دولتين: علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية) واليوم لو سألنا أي مواطن عربي أين تفضل العيش؟ لأجاب بلا تردد في الدول الديمقراطية أو الليبرالية أو العلمية رغم كل الاختلافات بين مجتمعاتنا ومجتمعاتهم وأنظمتنا وأنظمتهم وعاداتنا وتقاليدنا وديننا ودنيانا ودنياهم لا حباً بمجتمعات الغرب وتوجهاتها السياسية والدينية والاجتماعية بل حباً بالاستقرار والأمان وحرية الكلمة وقانونية الوجود وهي بالتأكيد مفصلة لمجتمعاتهم الديمقراطية فهم ينقذون عصفور من الهلاك ويقتلون ملايين البشر بلا رأفة ولا رحمة.

 

إنّ الدعوة للدولة المدنية يدفع باتجاه شيوع القيم القانونية والإرادات العقلانية والرشادة التنموية والسياسية والاجتماعية ولا بأس من تنظيرها بمعايير الدين وأحكامه فتبدأ عملية الشروع بالتعاون ما بين الاجتماع الوطني السياسي والاجتماع الديني السياسي ولا أرى وجود تعارض ما بين الدولة المدنية والدينية حيث لا توجد أي خلافات بين الدين والعلم بل كلما تطورت علومنا وأبحاثنا ومعارفنا نصل الى حقيقة الدين ووجود خالقه سبحانه وتعالى ولهذا فإن كثير من الملحدين دخلوا الى الإسلام بفضل العلوم والتطور التكنلوجي الّذي أظهر حقيقة الوجود فالمدنية لا نعني بها التسيب الأخلاقي والديني الّذي تتسم به دول الغرب أو الفساد المستشري وبيع الذمم والانحطاط السياسي والاجتماعي والتسلط والظلم الّذي تعيشه مجتمعاتنا  بل بالعكس فالأخلاق الفاضلة والأمر بالمعروف واحترام حقوق  الآخرين والحفاظ على كرامة الفرد وسعادة الانسان وتحقيق خدمته والتعامل بالمعروف بين الناس والشورى والإخلاص والصدق وإداء حقوق الله وعباده هي مفاهيم دينية قبل أن تكون دنيوية ولكن قل من يحمل هذه السمات من الأحزاب السياسية على اختلاف مناهجها ولهذا فلقد شهدت رؤى وبرامج الأحزاب السياسية والدينية خاصة تطورات واضحة منذ أن طرح المفكر رشيد رضا مفهوم دولة الخلافة والدعوة للإصلاح الديني والاجتماعي التي لا تتعارض مع معايير الاسلام فلا تعارض بين العقل والعلم ولا تصادم بين قيم الدين وأحكام الشريعة والدعوة للإصلاح والتجديد ونبذ الخرافات وتجاوز دعوات التخلف التي لحقت ببعض روّاد الفكر الإسلامي .

 

ظهرت الدعوة لمفهوم الدولة الإسلامية على يد حسن البنّا ومحمد باقر الصدر وآخرون رحمهم الله جميعاً وارتبطت هذه الدعوة بضرورة الالتزام بالقيم السياسية الإسلامية ومراعاة مقاصد الشريعة وفهم السنن الكونية والاجتماعية التي تحكم الوجود الإنساني وبعدها جاءت الدعوة إلى ( دولة الحاكمية ) لدى سيد قطب رحمه الله ثم تلتها الدعوى إلى الدولة المدنية على يد المفكرين الحاليين أمثال الغنوشي والترابي ومحمد عمارة وغيرهم ) ولكن هل استطاعت الأحزاب السياسية الدينية بناء الدولة المدنية الإسلامية على أرض الواقع الا ما ندر وفي قلّة قليلة من الدول وكما هو الحال بالنسبة للأنظمة الوطنية والقومية والتي ارتبطت بشكل مباشر بقيادة النُظم السياسية التي تحكم بلداننا العربية فكانت الناصرية والبعثية والشيوعية قد حملت نتائج مسيراتها في قيادة هذه الأنظمة فينعكس ذلك على جماهيرية هذه الأحزاب ومواقف العالم منها ومساحة الشرعية السياسية التي تملكها هذه الأحزاب وكما حققت الأحزاب الوطنية والقومية انتشارا جماهيرياً في ستينات القرن الماضي وما بعدها واستطاعت استقطاب الملايين بفضل الإنجازات العديدة التي حققتها هذه الأحزاب وتأتي  العمليات البطولية في 7 أكتوبر التي نفذتها فصائل المقاومة المسلحة في فلسطين ضد الكيان الصهيوني المحتل لتُعلن انبثاق عهد جديد قد يُعيد للأحزاب السياسية الدينية حضورها من جديد فالمواطن العربي اليوم يبحث عن حل لأزماته وتخاذل أنظمته وضياع حقوقه وقد يجدها في آفاق الانتصارات التي حققها المجاهدون في الأرض المحتلَّة على عدوهم رغم تمتعه بدعم عسكري ومالي وإعلامي ودبلوماسي غير محدود من  قوى الظلم والضلالة والتسلط والهيمنة الغربية وإني على يقين أن هذه المعارك ستحقق  آثاراً مستقبلية على حركة حماس وجماهيريتها وقواعدها وبرامجها بشكل خاص مما قد يُحرج بقية الأحزاب السياسية الدينية للعمل بتوجهاتها السياسية والعسكرية والّا ما فائدة شعارات الدين والرايات الكاذبة التي لم تعد تنطلي على أحد .

 

إنّ هذا الانتصار اللامع لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة تربية أخلاقية مدنية ودينية وجهوزية تدريبية وقتالية شرسة لفصائل المقاومة أظهرت حرص قادتها على غرس روح  العدالة الاجتماعية والزهد والإخلاص للدين وللوطن في نفوس رجالها وزرعت في وجدانهم مراعاة قوة العزيمة وصدق الإيمان ونزاهة النيّات والتي سيكون لها تأثيرها الجماهيري المستقبلي في توسيع قاعدة الحركة وانخراط كثير من المقاتلين في صفوفها لرفع راية المجد الوطني والديني وكما شجّعَت مقاومة حماس الملحدين على قراءة القرآن والاطلاع على شريعة الدين الإسلامي وأحكامه لمعرفة سر الاعمال البطولية المدفوعة  بالإيمان المطلق بالله وإرادته وعدالة القضية التي يقاتل من أجلها  المقاتل الغزاوي رغم كل الدمار والقتل الذي يتعرض له أهل غزة فالتف الجميع في الداخل والخارج لمناصرتهم وتفجرت ينابيع الغضب في كل أرجاء العالم وأحدثت تغيير هائل في توجهات العالم رافقتها دعوات لتحرر نفسي وميداني وفكري في المجتمعات الغربية وشعوبها المعادية للإسلام والمسلمين وهي المعروفة بمساندة الكيان العنصري الصهيوني بالباطل  فلقد أيقظت آلة الحرب الصهيونية - الغربية الضمير الإنساني العالمي متمثلة بالمظاهرات العارمة في أمريكا وبريطانيا والمانيا وفرنسا ودول العالم قاطبه وظهور إعلامي داعم لفلسطين من شخصيات سياسية وإعلامية وفنية ودبلوماسية غربية أكسب القضية الفلسطينية امتداد إنساني وصوت داعم وقبول عالمي غير مسبوق وأعادت للعربي هيبته وللتاريخ العربي زهوه وللحقوق العربية انتصاراتها  وسيكون للفلسطينيين كلمتهم في العلاقات الدولية اليوم وغداً وسيكون للإسلام ظهور واضح ومؤيدين كُثر وستعيد كثير من الأحزاب السياسية مواقفها وتوجهاتها لكي تنسجم مع مواقف الجرأة والبسالة والإقدام التي سطرها المخلصون من رجال المقاومة بإذن الله وبفضل رجال المقاومة البواسل ولا نامت أعين الجبناء.

 

الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي

 

أوسلو

 

7-11-2023م

 

 

 

 

 






الثلاثاء ٢٣ ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / تشرين الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة