شبكة ذي قار
عـاجـل










حسبُنا الله

 

د. أحمد قايد الصايدي

 

أرى الصَّغيرَ من هنا

مبللاً بالطينِ والدِّموعِ والدِّماءْ 

يدورُ حولَ نفسهِ

يلمُّ بعضاً من بقايا أختِهِ 

يبحثُ باكياً عن أهلهِ بين الرُّكامْ

عن أمِّه وعن أبيهْ

عن صحْبِه الذين قبلَ ساعةٍ كان صدى أصواتِهم ملءَ المكانْ

أرى فجيعةَ السؤالِ في عينيهِ

حائراً لا يعرفُ الجوابْ

في لحظةٍ مشؤومةٍ جميعُ أهلِه غابوا 

وخلَّفوا أسئلةً وراءَهمْ

ليس لها لديه من جوابْ

من ذا أتى لقتلِهمْ،

لردمِهم تحتَ التُرابْ؟

هل كانتِ الأختُ التي تكبُرهُ _ ذات السِّنين السِّتْ _ تمارسُ الإرهابْ؟

لعلَّها قد لعبت ألعابَ عسكرٍ تهاجمُ اللصوصْ

وألحقت فيهم خسائراً

 لعلَّها قد هاجمت معسكراً

ودمَّرت مخازنهْ

وطاردت وصحبها جنودَه المسالمةْ

*    *

ويهمسُ الطَّفلُ

معاتباً أشلاءَ أختِه:

يا أختُ هل ترينَ ما جنت يداكْ؟

ماذا دهاكْ؟

ماذا ظننتِ حينما مضيتِ تلعبينْ،

تمارسينَ ما يدعونَه (الإرهابْ)؟

هل كنتِ تحلمينْ،

بأن تطهِّري ترابَنا من اللصوصْ؟

من عساكرِ الأعداءْ؟

من رجسِ مصَّاصي الدِّماءْ؟ 

وتُرجِعي إلى حقولِنا ابتسامةَ الزيتونْ،

وبهجةَ السَّماءْ؟

ألا ترينَ أنَّ هذه الأحلامَ لا تناسبُ الصِّغارْ؟

وأنَّ وعدها آتٍ غداً

إن قدَّرَ اللهُ لأُمَّتي الحياةْ

واستيقظ الكبارْ؟

*    *

وفجأةً تحوَّلَ الهمسُ إلى صراخْ

فأختُه صامتة

 أشلاؤُها لا تسمعُ العتابْ

قد غادرتْ

قد أعلنت رحيلَها معْ أهلِهِ وصحبِهِ

وكلِّ من يعرفُه في حيِّهِ

لقد مضوا جميعُهم

فهل نسوهُ وحدَهُ،

يهيمُ تائهاً بين الركامْ؟

محاصراً

لا ماءَ لا غذاءْ

لا ضوءَ لا دواءْ

لا يسمحُ الأوغادُ أن يأويهِ بيتٌ أو ملاذْ

*    *

تلفَّتَ الطفلُ

وحولَه الخرابْ

لم يبق غير صوتِه

يعلو ... ويعلو ...

ضائعاً وسطَ الغبارِ والدُّخانِ والسَّحابْ

هل تسمعونَ صوتَهُ يا أُمَّةَ السَّرابْ؟

يخاطبُ الكونَ الذي لا يسمعُ البكاءَ والعويلْ

يخاطبُ الضميرْ

هل هناك من ضميرْ!!

يناشدُ القريبَ والبعيدْ

يستنجدُ السَّماءَ

بعدما أشاحَ قومُه وجوهَهم عن وجهِهِ

قد ضاعَ صوتُه، وسطَ الغبارِ والدُّخانِ والسَّحابْ

وعينُه ترمقُنا 

أرى دموعَهُ

دماءَهُ

أشلاءَ أهلِهِ

أنقاضَ بيتِهِ

أحسُّ بالدُّوارْ

أبكي 

وهل يجدي بكاءُ العاجزينْ!!

*    *

أينَ الجيوشُ وأينَ من خطبوا ومن وعدوا ومن رعدوا؟

أينَ الصَّواريخُ التي قد جُهِّزتْ للمعتدينَ إذا بغوا؟

ستُحيلهم _ في زعمِهم _ كالعهنِ أو بعضِ الحطامْ

ها قد بغوا

أينَ الوعودُ وأين فرسانُ الكلامْ؟

أينَ الحكوماتُ اليعربيِّةْ

هل من بقايا نخوةٍ

أو غيرةٍ

أو هبَّةٍ كبرى أبيَّةْ؟

هل يسمعُ الحُكَّامُ صوتَ الماجداتْ؟

من وسط غزَّةَ صوتهنَّ يمزِّقُ الأكبادَ

لكنْ كلَّها مشحونةٌ بالعزِّ يملؤُها الإباءْ

لا يرتجينَ من الألى جبنوا سوى أن يصرفوا عنهنَّ ما جُبلوا عليهِ من الأذى 

كفُّوا أذاكمْ

حسبُنا اللهْ

*   *

يا طفلَ غزةَ

يا شموخَ الماجداتْ

يا جندَ عزِّ الدينِ

يا كلَّ الرِّجالِ الصَّامدينْ

فلتعذرونا

إن ترونا نكتفي _ في أغلبِ الأحوالِ _ بالدمعِ السَّخينْ

أو بالخطاباتِ التي ما أنقذت طفلاً

ولا امرأةً

ولا صدَّت ذئابَ المعتدينْ

عظُمَ البلاءُ

ومن يسوسوا أمرَنا

عند العدوِّ مدجَّنينْ

 لكنْ متى ما أَنجزتْ فرسانُكمْ وعدَ الإلهِ بنصركمْ

وتطهَّرت من رجسِ أعداءِ الحياةِ ديارُكمْ

وتراجَعتْ قطعانُهم عن أرضِكم

بصمودكمْ

ودمائِكمْ

واهديتمونا عزَّةً نحيا بها بين الشُّعوبْ

فلتبشروا بُشرى اليقينْ

سترونَنا (ما دامتِ الدُّنيا عَوافِيْ*) كالرجَّالِ الغاضبينْ

سترون نخَوتَنا ونجدتَنا وصولتَنا

وكأنَّنا أُسْدُ العرينْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عبارة (الدنيا عَوافِي) بلسان أهل اليمن، تعني: الأمور كلها على ما يرام، وليس فيها ما يثير القلق أو يوحي بالخطر. عندها ستظهر بطولاتنا، التي اختفت عندما جد الجد وعظم البلاء.






الثلاثاء ٢٣ ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / تشرين الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أحمد قايد الصايدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة