شبكة ذي قار
عـاجـل










التهجير القسري من غزة والضفة لتنفيذ مشروع

"الشرق الأوسط الكبير"

إنهاء لهوية الأمة العربية

 

الدكتور حسن شاكر

 

ذكرنا في الحلقة الاولى ان جريمة التهجير القسري التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق شعبنا العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعد خطرًا حقيقيًا وداهمًا، حيث يتعرض السكان المدنيين للتطهير العرقي والإبادة والتهجير القسري لإفراغ قطاع غزة ولاحقا الضفة من سكانها المدنيين وبدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكندا ومعظم دول أوروبا. وان خطر التغيير الديموغرافي ما زال قائما مع استمرار استخدام أبشع الوسائل واكثرها اجراما وفظاعة وان كل ذلك غير معزول عما جرى ويجري من خطوات لتحقيق مشروع " الشرق الاوسط الجديد" الذي هو في حقيقته "اسرائيل الكبرى"، عبر التغيير الديموغرافي الذي جرى ويجري تنفيذه في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان. والتي ستكون على حساب الأمة العربية، وجوداً وهويةً وحقوق.

 

-     الحلقة الرابعة -

التهجير والتغيير الديموغرافي في سوريا

قامت السلطات السورية بمساعدة حلفائها وعلى راسهم إيران بتهجير مئات الألوف من المدنيين من المناطق الريفية والحضرية في دمشق، وحلب، وحمص، متسببين بذلك بأزمة شهدت تهجير أكثر من نصف السوريين بعيداً عن ديارهم فضلاً عن الأضرار الكارثية في البنى التحتية، في المناطق التي تم إخلاؤها من السكان والضرر النفسي والجسدي الهائل الذي يلحق بالمهجرين، فإن لاستراتيجية التهجير القسري هذه تداعيات ثقافية واقتصادية واجتماعية طويلة الأمد ويمثل نطاق وحجم وطبيعة التهجير من مناطق مثل حمص وغيرها تهديداً هائلاً للاستقرار المستقبلي في سوريا( 60- 62).

 

وتشير الأدلة الى أن استراتيجية التهجير السكاني تأخذ طبيعة التغيير الديمغرافي بالتلاعب في تواجد المجموعات الأثنية (63) ، من اجل احداث تغير توازن القوى بين المجموعات الطائفية واقحام متعمد لكل ما يفرق بين ابناء البلد الواحد والتي تنطوي على آثار ثقافية واقتصادية واجتماعية بعيدة الأمد تغير مستقبل سوريا واللاجئين كذلك، اضافة الى ان هذه التغيرات الديمغرافية الجارية لا تؤثر على ملايين السوريين فحسب، بل تعقد آفاق السلام المستقبلي وإعادة الإعمار وجهود المصالحات التي تتأثر جميعها بالقضايا المعقدة المحيطة بقضية النزوح والهوية الطائفية للسكان وتمهد الى تقسيم سوريا لاحقا خدمة لمشروع "الشرق الاوسط الجديد".

 

ففي سنة 2014 أصبحت مدينة حمص أول مركز حضري يستسلم للحصار المفروض عليه واستراتيجيته التدميرية من مجازر، واغتصاب، وتجويع، وحرمان من الاهتمام الطبي، وقصف يستهدف المدنيين والبنى التحتية للمدينة، وميليشيات طائفية، وحرب نفسية، وتهجير قسري، مما ادى الى إخلاء الأحياء السكنية في مدينة حمص، وأصبحت هذه الخطط هدفاً للتطبيق في اماكن أخرى مثل داريا وحلب سنة 2016. وكانت حمص تُعدّ ثالث أكبر مدينة سكانية في سورية بتعداد يتراوح بين 800 ألف ومليون و300 ألف شخص قبل الحرب (64) وبعد الحرب انخفض العدد إلى حوالي 200-560 ألف شخص (65).

وقامت قوات محلية وعالمية تساندها ميليشيات مدعومة من إيران باستهداف غير متكافئ للمدنيين والبنى التحتية في المدن السورية (66) بإتباع استراتيجية حرمانها من الإمدادات الطبية والغذائية، ولم يكن الهدف السيطرة على الجماعات المسلحة وإنما لإجبار السكان المدنيين على النزوح (67).

 إن "الأمر بتهجير السكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع" يشكل جريمة حرب بموجب المادة الثامنة - الفقرة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ونظراً للطابع الواسع والمنهجي للتهجير القسري للسكان المدنيين في سوريا قد تتغير هذه الجرائم الى جرائم مرتكبة ضد الإنسانية (68). وقد تم اتباع أساليب متنوعة لإجبار السكان على الهجرة القسرية وإحلال سكان مناطق أخرى بهدف التغيير الديمغرافي منها:

1-   حملات الاعتقال التعسفية من دون حدود أو استثناء، إذ بلغ عدد المعتقلين (118829) شخصاً حتى آذار 2018(69).

2-   التجنيد الإلزامي ومن ثم اعتقال الشباب على الحواجز العسكرية، ووثقت منظمات حقوق الإنسان أسماء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25-35 سنة حيث تم اعتقالهم، مما دفع الباقين الى الهجرة القسرية (70).

3-   استخدام ذريعة إعادة التنظيم العمراني وإطلاق مشاريع كبرى كما في "مشروع حلم حمص" والتي تقضي بهدم حمص القديمة، وأيضاً ما جرى في كفر سوسة، وبساتين المزة، والقدم، وداريا وغيرها لإجبار سكان هذه المناطق على الهجرية وترك مواطنهم الأصلية واستبدالهم بآخرين (71).

4-   إجبار السكان على بيع البيوت بأثمان زهيدة ولاسيما في دمشق القديمة، لتفريغها والاستيلاء عليها (72).

5-   القصف الوحشي بجميع الأسلحة ومنها المحرمة مما يدفع السكان المدنيين إلى الهجرة القسرية، ووثقت المنظمات الحقوقية كثيراً من هذه الانتهاكات ومنها هجمات بالأسلحة الكيماوية (73).

6-   التغيير الديمغرافي الذي يتم انتهاجه بدعم من النظام الإيراني، بتهجير السكان المدنيين الأصليين بشكل كامل، كما تم في حي معضمية الشام، ووادي بردى، فضلاً عن الجنوب الدمشقي، والقلمون، والزبداني، وحمص، والغوطة الشرقية. اضافة الى انشاء المؤسسات التي تنشر الطائفية بين ابناء البلد الواحد فقد أنشئ في منطقة السيدة زينب وحدها أكثر من 125 منها ما بين السنة 2001 و2006، كما حصلت أول جامعة على ترخيص أمني للعمل في سوريا في سنة 2003 تحت غطاء التعليم الديني الطائفي. وفي مدينة حمص تم تفريغ المدينة، واستقطاب اخرين بدلاً عنهم، إذ انخفض عدد سكان المدينة من مليون ونصف نسمة إلى قرابة 400 ألف نسمة حالياً، بعد أن تم تهجير قرابة 65% من سكان المدينة الأصليين نحو دول الجوار ومحافظة إدلب (74).

7- فرض الحصار الخانق على المناطق المستهدفة وقطع جميع ضرورات الحياة عنهم، من كهرباء، وغذاء، ودواء، ووقود، وغاز، وحليب الأطفال، والانترنت، وغيرها لإجبارهم على الهجرة القسرية.

8- منع المرضى الخارجين من المناطق المحاصرة من العودة إلى منازلهم مثل ما حصل في مدينة مضايا (75).

وبدعم وسيطرة من إيران وحزب الله والميليشيات العراقية الموالية لها، يتم تنفيذ أسوأ الأساليب وأبشعها، لتعجيز الشعب السوري، ودفعه الى كراهية العيش في بلده، أو إخضاعه، فأما القتل أو الاعتقال أو التهجير القسري في انتهاكه صارخ للقانون الدولي الإنساني (76).

وتُعدّ الفترة من صيف سنة 2016 ومنتصف سنة 2018 واحدةً من أكثر الفترات قسوة حيث تم اتباع استراتيجية جديدة ارتكزت بحسب تقارير دولية وحقوقية على إطباق الحصار على عشرات المناطق المحاصرة أصلاً منذ سنوات، وتجويع سكانها وحرمانهم من المساعدات الإنسانية، ثم شن حملات عسكرية واسعة انتهت جميعها بوضع السكان المحليين أمام خيارين: إما الموت أو الاستسلام او الهجرة القسرية (77).

وكلها ترقى لأن تكون جرائم حرب و/أو جرائم ضد الإنسانية، وجرت خلال تلك الفترة تفاهمات سميت "اتفاقيات مصالحة محلية"، نتجت عن ترحيل الالاف بواسطة حافلات نحو إدلب شمال غرب البلاد، وابتداءً من عملية إخلاء داريا في 26، 27 أغسطس 2016 مروراً بشرقي حلب والغوطة الشرقية والوعر في حمص، وأحياء جنوب دمشق وصولاً إلى درعا في يوليو 2018، وباتت المحافظات الخضراء رمزاً للتجريد من الممتلكات والتهجير الجماعي للمدنيين (78). إذ بلغ عدد المُهجّرين قسرياً من المناطق المحاصرة خلال الفترة 2016-2018 مليون ومائة ألف شخص تقريباً.

 

ففي الغوطة الغربية وتحديداً مدينة (داريا) أولى المناطق التي تم تهجير سكانها قسرياً سنة 2016 نحو الشمال السوري، التي تعرضت إلى هجوم بري وجوي عنيفين بلغ (40) برميلاً متفجراً في اليوم، ووصفها مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (ستيفن أوبراين) بـ (العاصمة السورية للبراميل)، ولم يبق من سكان داريا سوى 4000 شخص من أصل (250) ألف، اضطروا للموافقة على مغادرة المدينة وإخلائها بشكل كامل للنجاة بحياتهم.

وبحسب تقارير صحف عالمية بتاريخ 14/1/2017 تم استقدام المئات من العوائل الغريبة للاستيطان في داريا التي هجر منها أهلها قسرياً وذلك لإحداث التغيير الديموغرافي المطلوب. وتكرر الأمر في المعضمية ثم قدسية ثم خان الشيخ ثم التل وجميعها مدن وبلدات في ريف دمشق، هُجّر منها 7 آلاف شخص نحو الشمال. وفي سنة 2016 تم تنفيذ حملة عسكرية كبرى انتهت بحصار وتهجير (45) ألف شخص تقريباً من سكان الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وفي سنة 2017 تجاوز عدد المهجرين فيها نحو الشمال السوري (30) ألف شخص، وفي بداية شهر يناير تم تهجير (2100) شخص من سكان "وادي بردى" في ريف دمشق، ثم (20) ألف شخص من حي الوعر في حمص، ابتداءً من شهر مارس حتى مايو 2017، ثم تمت مقايضة (3700) مهجراً من "مضايا والزبداني" بإفراغ بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين، وكل ذلك تم بدعم ورعاية وادوات ايرانية (79).

وكانت سنة 2018 الأسوأ إذ تجاوزت فيها أعداد المهجرين نحو الشمال (120) ألف شخص أغلبهم من "الغوطة الشرقية" وأحياء جنوب دمشق (حي القدم، يلدا، بيت سحم) ومن ثم مخيم اليرموك، والحجر الأسود، وريف حمص الشمالي (تلبيسة والرستن)، وتم تهجير (10) آلاف شخص من درعا والقنيطرة وهي مدن حدودية مع الأردن (درعا) ومع الكيان الصهيوني (القنيطرة) (80). 

إن حظر التهجير القسري في النزاعات المسلحة غير الدولية يشكل قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، كما استندت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في قضيتي "بلاغويغيتش وكرنوخليلاك" (81).  

وأوضحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قاعدة بياناتها حول القانون الدولي الإنساني العرفي في القاعدة رقم (129) من دراستها ما يلي: (ب- لا يأمر الأطراف في النزاع المسلح غير الدولي بنزوح السكان المدنيين كلياً أو جزئياً لأسباب تتعلق بالنزاع، كما نصت القاعدة (131) من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الدولي الإنساني العرفي على أنه: (يجب اتخاذ جميع التدابير الممكنة من أجل ضمان استقبال المدنيين المعنيين في ظل أوضاع مرضية من حيث المأوى والشروط الصحية والصحة البدنية، والأمان والتغذية وعلى نحو يكفل عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة ) (82).

 وفي تقرير صدر عن مركز رصد النزوح الداخلي الذي يتبع للمجلس النرويجي للاجئين في 3/5/2014 تصدرت سوريا قائمة البلدان التي تشهد نزوحا داخليا في العالم خلال عام 2013، مع وصول عدد الهاربين من هول الأحداث المتواصلة إلى 9500 شخص يوميا؛ إذ سجل نزوح عائلة واحدة على الأقل كل دقيقة. وذكر التقرير أن سوريا تشهد أكبر أزمات النزوح في العالم وأسرعها تفاقما، لافتا إلى أن نسبة النازحين السوريين داخل بلادهم تبلغ 43 في المائة.

وبحلول نهاية عام 2013، كان 8.2 مليون شخص قد نزحوا على مدار العام، بزيادة قدرها 1.6 مليون نازح جديد عن العام السابق. وهذا الأمر يمثل زيادة مفجعة تبلغ 4.5 مليون نازح على الرقم المسجل في عام 2012، مما يشير إلى ارتفاع قياسي للعام الثاني على التوالي (83). وقدرت منظمات سورية محلية أعداد النازحين داخل سوريا 8.8 مليون، مقابل 3.2 مليون لاجئ خارج سوريا هجروا قسرياً.

 ولأن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا طرفين رئيسين في النزاع المسلح الداخلي في سوريا، فإن مجلس الأمن الدولي يبقى عاجزاً عن اتخاذ أي قرار لحل هذه القضية لحق الدولتين استخدام حق النقض (Vito)، لإفشال مثل هكذا القرار، وبالتالي يبقى الشعب السوري هو ضحية التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، المقترن بتدخلات إقليمية ودولية.

 

يتبع لطفاً..

 






الخميس ١٧ جمادي الاولى ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تشرين الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور حسن شاكر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة