شبكة ذي قار
عـاجـل










يوم الشهيد العراقي

ذكراه خالدة في ضمائر أحرار العراق والأمة العربية

أبو عمر العزّي

 

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم عن الشهداء: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.  وذلك لمكانتهم عنده تعالى لأنهم قاتلوا بكل عزم وقوة في سبيله، ولإعلاء مكانة الوطن والدين في الأمة، في أسمي آيات التضحية والعطاء، بلا رياء او طمع بحظوة دنيوية، وانما خالصة لوجهه تعالى.

 ولمكانة الشهداء وتضحياتهم الغالية والكبيرة اتخذت القيادة الوطنية وبشخص الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله باعتماد اليوم الاول من شهر ديسمبر من كل عام، يوماً احتفالياً رمزياً أطلق عليه (يوم الشهيد) وقال مقولته الشهيرة بحقهم {الشهداء أكرم منا جميعا}. كما تمت اشادة نصب تذكاري كبير لتخليدهم دونت فيه اسماء الشهداء والاماكن التي استشهدوا فيها دفاعاً عن وطنهم وكرامتهم ورمز استقلالهم وعن الامة العربية كلها.

في يوم 28تشرين الثاني عام 1981 شن العدو الايراني هجوماً على القوات العراقية في قاطع العمارة / البسيتين وتمكن بعد قتال ضاري وشرس مع وحدات من قوات الجيش العراقي المدافعة، ابتدأ من بداية ليلة 28 - حتى ليلة 29 تشرين الثاني صباحاً. وقد اوقعت وحدات الجيش العراقي الماسكة للموضع الدفاعي خسائر كبيرة، لكن العدو تمكن من محاصرة بعض من تلك الوحدات مما ادى في نهاية المطاف الى اسر افرادها حيث تم سحبهم الى جهة العدو لمسافة قريبة ليتم اعدامهم بكل خسة وجبن انتقاماً من مقاومتهم له، وانتقاما لخسائر العدو الكبيرة، وذلك تعبيراً عن النزعة الشريرة العدوانية المتأصلة عبر التاريخ في نفوسهم، والحقد على العروبة الذي يكمن في دواخلهم منذ مئات القرون والذي عبّر عن نفسه في كل الحقب التاريخية على الامة العربية عامة وعلى العراق خاصة.

 لم يكن إعدام مقاتلي العراق الابطال قد جرى اعتباطاً فهذا العمل يعد جريمة فاضحة من جرائم الحرب والانسانية، كما انها مخالفة صارخة لكل القوانين الدولية في الحرب والسلم على حد سواء. لذا فان هذه الجريمة النكراء لابد وان يكون الاقدام عليها قد تم حتماً بعد اخذ موافقات رأس هرم السلطة آنذاك التي كانت بيد خميني، الذي قاد وفرض هذه الحرب الملعونة على العراق والامة العربية، تنفيذاً لنواياه في إطلاق المشروع الفارسي في عمق الوطن العربي تحت شعار " تصدير ثورته البائسة " للعراق اولاً باعتباره معقلاً للأمن القومي العربي.

 تقدر الأعداد التي تم أسرها وإعدامها من قوات الجيش العراقي ما يقارب ال 1500 مقاتل. وكما هو معلوم ومعروف عند كل شعوب الارض في العالم اجمع، ان قتل الاسرى هو عمل منافي لكل قيم الرجولة والفروسية والشجاعة والشهامة، قبل ان يكون منافياً للأديان والاعراف والقوانين المحلية والدولية.

فعند شعوب العالم شرقها وغربها، فانه يعد قيمياً وفطرياً، عملاً جباناً ودنيئاً لذا تعزف عنه جميع الامم. وتتفاخر شعوب العالم بشجاعة مقاتليها التي ترتبط بفروسيتهم، وتعتبر انه من البديهي، إذا ما تبارز أحدهم مع خصمه وسقط سيف الاخير فان مقاتلها يتوقف عن المبارزة ولا يقدم على قتل الخصم.

أما في قوانين الحرب فانه لا يجوز تعذيب الاسير، فكيف بقتله ؟!، كما ان قتل الاسرى مخالفة عند كل الاديان والرسالات السماوية، فما بالك في الدين الاسلامي الحنيف الذي لا يسمح بقطع شجرة، ولا بالتمثيل بجثث الموتى. فما ابعد الدين الاسلامي الحق عن ممارسات نظام يستخدم هذه الصفة كغطاء لتمرير مشروعه الصفوي الاستعماري في الوطن العربي، ولا غرابة في ذلك اذ ان حقيقته يتأصل فيها، حالاً وواقعاً، العداء للعرب والمسلمين.

إن ما ارتكبه النظام الايراني بحق الاسرى العراقيين هو جريمة حرب موصوفة بكل معنى الكلمة، وهو عدوان صارخ على الاسرى العزَّل الذين لا حول لهم ولا قوة، خاصة بعد نفاذ ذخيرتهم ومحاصرتهم من كل الجهات مما أوقعهم بالأسر.

 وقد عرف العراقيون والعرب الكثير من قصص تعذيب وتصفية اسراهم في الاقفاص الايرانية، كما احتفظ هذا النظام بالكثير من الأسرى العراقيين حتى هذا اليوم رغم ادعاءه بانه نظام "اسلامي" في الوقت الذي يمارس فيه الجرائم التي يندى لها جبين البشرية والتي لا تمت بأيِّ صلة بتعاليم الدين الإسلامي الذي هو دين الرحمة والإنسانية.

حين نحتفل بيوم الشهيد سواء قبل احتلال العراق في سنة 2003 او بعده، علينا أن نتذكر أن حرب إيران على العراق هي حرب قومية بامتياز، فقد شارك  فيها ابناء العروبة  الاشاوس مجسدين واقعاً حقيقياً ، وهو وحدة الامة العربية، عبر مواقف وتضحيات ابنائها، ومعبّرين عن اعلى درجات الوعي المتقدِّم زمنياً بحقيقة المشروع الايراني الاستعماري، و بأن كل الاقطار العربية هي المستهدفة بذلك المشروع، وما العراق الا البداية لذلك التوسع العدواني على حساب الامة العربية وجوداً وهوية ، لتأسيس امبراطورية فارسية واستعادة الامبراطورية المجوسية التي قَبَرَها الفتح الاسلامي بتحرير العراق من قبضتها، لتنتشر رسالة الامة الى الانسانية نحو الشرق.

كما ان مشاركة ابناء الامة العربية في الدفاع عن العراق، هو وعي متقدِّم بان هذا المشروع الايراني يأتي متكاملاً مع المشروع الصهيوني، لا بل منفذا لاستراتيجيته في اضعاف الامة العربية وتقسيم المقسَّم من الوطن العربي من اجل تحقيق ما يسمى " بالشرق الاوسط الجديد" الذي أعلن عنه صراحة عام 1982.

إن صمود العراق وانتصاره في حرب إيران عليه هو من افشَلَ المشروع التآمري الفارسي على الامة العربية حينها، وما نرى من صورة الواقع العربي المؤلم اليوم بعد احتلال العراق وتفرد إيران بالساحة العربية وبغطاء امريكي صهيوني الا دليل على ان العراق كان العقبة الاكبر للمشروع اعلاه.

إن يوم الشهيد هو التاريخ الذي يحاول ساسة الصدفة بعد احتلال العراق نسيانه والتعتيم عليه، اضافة الى محاولاتهم العقيمة في رفع صفة الشهيد عن الضباط  والجنود الذين استشهدوا دفاعاً مشرفاً وبطولياً عن العراق والامة العربية ضد العدوان الايراني، وحرمان عوائلهم من حقوقهم التقاعدية , مما زاد من استهجان الشعب العراقي  لهم ، فبقي هذا الشعب الأبي يدافع عن شهدائه ويخلد ذكراهم، ويبدي كل معالم الاعتزاز بهم، وبمآثرهم العظيمة ويستذكر ملاحمهم البطولية التي تكللت بإقرار ايران بالهزيمة في يوم الايام 8/8/1988  ، ليكتب التاريخ بكل فخر واعتزاز نصر جديد للعرب عليهم ، بعد هزيمتهم التاريخية في القادسية الاولى .

رحم الله شهداء الجيش العراقي الباسل ابان النظام الوطني في كل معاركه الوطنية والقومية على امتداد الوطن العربي، والتي لايزال العرب يتغنون ويفخرون بها.

وما شهادة الفريق الركن سعد الدين الشاذلي رئيس اركان الجيش العربي المصري، والقائد الكبير في حرب تشرين 1973 م، الا أحد الادلة التاريخية العديدة على ذلك حين قال واصفاً دور الطيران الحربي العراقي من مقاتلات الهوكر هنتر فيها: ((كانت القوات البرية المصرية الامامية التي بتماس مع العدو تريد مزيدا من زخم هجوم الطيران العراقي لما له من دور كفوء وشجاع وفاعل ومؤثر في الحرب)).

هناك شهادات كثيرة عن بطولات الجيش العراقي لا مجال لذكرها الان سواء في فلسطين عام 1948 او في سوريا عام 1973 وغيرها، وستبقى قبور ضباط وجنود العراق على ارض تلك الاقطار العربية شهادة خالدة للأجيال على عظمة ذلك الجيش وأبنائه وقادته.






الجمعة ١٨ جمادي الاولى ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو عمر العزّي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة