شبكة ذي قار
عـاجـل










بيت حانون....

أيقونة الصمود للمقاومة الفلسطينية ضد الحرب الصهيونية

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

بيت حانون قرية قديمة، في الماضي كان بها بيت للعبادة أسّسها ملك وثني اسمه حانون، وكانت بمثابة مصيفاً له، فلما توفي أنشئ له تمثال وضع في بيت العبادة فاشتهرت القرية باسم "بيت حانون". يبلغ عدد سكان بلدة بيت حانون حولي خمسون ألف نسمة حسب آخر إحصائيات لسنة 2017، مما يجعلها واحدة من بين المدن الفلسطينية عالية الكثافة. إلا أن الذي يميز بيت حانون هو موقعها الجغرافي لكونها تقع في أقصى الشمال الشرقي من قطاع غزة بالقرب من معبر أرينز وهو منفذ غزة الرئيسي على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. ولكونها لا تبعد عن الحدود الاسرائيلية سوى أقل من كيلومترين، فقد كانت بيت حانون هي المحطة الأولى التي تتعرض لها القوات الاسرائيلية في كل المحاولات الخمسة السابقة التي حاولت فيها اجتياح غزة. ولم يختلف الوضع في المحاولة العسكرية الحالية اذ أصبحت بيت حانون من أوائل المدن الفلسطينية في غزة التي تتلقى الضربة الجوية العسكرية قبل حوالي شهرين. بعد أن وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها أحد بؤر حركة المقاومة الفلسطينية التي انطلقت منها العديد من العمليات ضد إسرائيل. ونتيجة لهذا القصف الوحشي الغير مسبوق الذي استخدم فيه الفسفور الأبيض حصلت مجازر كبيرة في هذه البلدة شأنها شأن المناطق الأخرى في قطاع غزة، فاضطر على أثرها غالبية السكان للهجرة منها بعد أن أصبحت الحياة فيها غير ممكنة.

وفي مرحلة الغزو البري الاسرائيلي كانت بيت حانون هي الأخرى من أوائل المدن التي تعرضت لهذا الهجوم العسكري وكان من المفترض ألا تجد القوات المهاجمة صعوبة في احكام السيطرة عليها خاصة مع نقص الماء والغذاء ووجود الغازات الخانقة المنبعثة من آلاف الأطنان للمتفجرات التي ألقيت عليها.   ولكن على العكس من ذلك بقيت القوات الاسرائيلية تراوح بمكانها في أطراف هذه البلدة ولم تنجح في اجتياحها رغم المحاولات العديدة اليائسة التي قامت بها. ويعود هذا الفشل العسكري الاسرائيلي الى الصمود البطولي للمقاومة الفلسطيني في هذا الجزء الصغير من المنطقة الشمالية لقطاع غزة. وعلى الرغم من عدم توفر احصائيات رسمية بعد عن الخسائر التي كبدتها المقاومة الفلسطينية للجيش الاسرائيلي في بيت حانون منذ الاجتياح البري، لكن الشيء الملفت للانتباه هو استمرار هذه المقاومة في استنزاف العدو لحد الأن. وهذا ما أكدته بيانات حركة المقاومة الفلسطينية التي أشارت الى عدة تعرضات للجيش الاسرائيلي بالقرب من بيت حانون في الأيام 2/12 و3/12 و4/12، شملت على استهداف غرفة قيادة واستطلاع وتجمعات لجنود الاحتلال.

من المؤلم حقا أن تتعرض غزة الى فاجعة من الدمار والقتل الدموي الممنهج، نتيجة لقصفها بعشرات آلاف الأطنان من القنابل المتفجرة، وتدمير كل شيء في جرائم حرب لم تشهد مثيلا لها منذ الحربين العالميتين. ولم تكن تلك الانتهاكات الإنسانية يوماً عاملاً رادعاً لإسرائيل عن الاستمرار في اضطهاد الشعب الفلسطيني وحرمانه من أبسط حقوقه المشروعة في الاحتفاظ بأرضه المغتصبة. ولكن عزاء غزة اليوم أنها صمدت بامتياز ولا يوجد أمامها أية خيار أخر غير المزيد من الصمود لمواجهة هذا الغزو البربري. فحرب غزة الحالية أثبتت أن الصمود الفلسطيني أمام هذا العدو الفاشي هو الورقة الرابحة التي يمتلكها هذا الشعب المقاوم لإيصال الكيان الصهيوني الى حالة العجز. ومهما حاولت إسرائيل أن تمارس العنف البربري في المطاولة الحالية، لا كنها سوف لن تنجح في قهر الارادة الفلسطينية مع وجود هذا النوع من المقاومة الشرسة التي شهدت بيت حانون مثالا بسيطا عليها.

ان معركة صمود غزة اليوم قد أظهرت حقيقتين بارزتين:

1. الفشل الذي صاحب اجتياح شمال غزة من تحقيق الأهداف المعلنة للكيان الصهيوني قد وضع قدرات جيش الاحتلال على أنها القوة التي لا تقهر في موضع شك. فمن المعروف أن الجيش القوي الذي يعجز عن تحقيق نصر حاسم فهو مهزوم، أما الطرف المقابل الضعيف إذا لم يهزم فهو منتصر.

2. سوف لن يكون حظ القوات الإسرائيلية في الهجوم الحالي على جنوب غزة بأفضل من الفشل الذي واجهته في معركتها بشمال غزة، بعد أن عجزت على مدى أربعة أسابيع من تحقيق أهدافها المعلنة في تلك المعركة. ناهيك عن أن الجيش الاسرائيلي استخدم في شمال غزة خيرة قواته المتمثلة في أربعة فرق من النخبة وقد اضطر حاليا الى المناورة بمعظم تلك القوات في المعركة على جنوب غزة. هذه القوات حتما منهكة من معركة طويلة لم تتعود عليها ومعنوياتها ستكون ضعيفة، أمام قوات من المقاومة في جنوب غزة تقدر بأربعة ألوية لم تشترك مسبقاً في المعركة بشمال غزة. وهي تمتلك الإرادة القوية وتعرف الأرض جيداً وتقارع العدو في حاضنة تقدم لها كل اسناد. ولعل الخسائر الأولية الكبيرة التي يتكبدها الجيش الاسرائيلي في تعرضه الحالي بالجنوب خير دليل على ما ينتظره من مفاجآت صاعقة تحضرها له قوات المقاومة.

الحزن على الضحايا والدمار في غزة كبير ولكن خواتم هذه المعركة تبشر بمكاسب كبيرة متوقعة في صالح القضية الفلسطينية قد تفضي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة. فعامل الزمن ليس من صالح العدو الصهيوني الذي عليه أن يحسم هذه المعركة في وقت قصير ربما أسابيع قليلة، محاولا الوصول الى أهداف عسكرية مجهولة المعالم.  بالمقابل تواجه الحكومة الصهيونية العديد من الضغوطات، منها الوضع الاقتصادي المتدهور داخل اسرائيل وخسائر القتلى المتزايدة من الجنود العسكريين وقلق أهالي المحتجزين على احتمال تعرض أقاربهم للموت من القصف الاسرائيلي والتصدع الحالي في القيادة السياسية الاسرائيلية وتعاظم الرأي العام العالمي المعارض للحرب.

 

 

 

 






الاربعاء ٢٣ جمادي الاولى ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة