شبكة ذي قار
عـاجـل










من زاوية الإستراتيجيا .. من سيربح الحرب ؟

د. أبا الحكم

 

 

الدول تعمل بالإستراتيجيا الوطنية والقومية، ولا يهمها معايير العدل والاخلاق في عالم السياسة الدولية والاقليمية معدوم ولا يجوز ترك الأمور مناصفة أو تحليلها دون حسم .. لماذا ، لأن المشكلة لها وجهان حقيقيان ومن الصعب التنكر لإحداها .. رمي حجر في مستنقع راكد يزكم الأنوف ممكن أن يحرك الأوضاع، ولكنه لا يقلب كلياً الموازين المحلية والاقليمية والدولية،  يؤثر في مجريات الامور ويؤجل عفن المياه الراكدة ممكن، ولكن إلى حين .. لسنا الآن في معرض الإحباط  أو الإصطفاف أبداً، إنما ننظر من زاوية (الإستراتيجيا) وترابط عناصرها . ومن الغريب أن تعالج الاحداث والمعظلات من زاوية التحليل المحلي الضيق أو التحليل الإقليمي المحدود أو من زاوية التحليل الدولي المتفرد . لأن ذلك يخل بمبدأ (الترابط) الموضوعي لمنهجية التحليل ذاتها .

وكما قلنا، أن الحدث يلزمه عنصر التكرار لكي يتحول إلى ظاهرة والأخيرة هي أكثر صعوبة من سابقاتها المتراكمات الآتي تحولن إلى ظاهرة .. ولكن الحدث له مسبباته ومنهج التحليل يقتضي الرجوع إلى المسببات والدوافع التي تضغط الحدث نحو السطح .. وقد تكون في هذا المنحى دوافع (محلية) ولكنها مستخدمة (إقليمياً) والأخيرة قد تكون مستخدمة (دولياً) .. والمحصلة في هذا المجرى من الترابط الموضوعي بين الثلاثي من الأدوات الفاعلة في صنع الحدث أو إنبعاثه أو إيقاظه من غفوة الركود كلما بات الأمر ممكنا ضمن سياقات أو مقتضيات (الإستراتيجيا) العامة التي تحيط بالمشكلة أو المعظلة .. ومن الصعوبة تفكيك (الترابط) الموضوعي بين المحلي والاقليمي والدولي في عصر تقنية الاتصالات والاعلام والذكاء الإصطناعي .

الدول العظمى والكبرى لا تعمل إلا بالإستراتيجيا كما أسلفنا ولا تعمل بالعدل .. تراوغ وتساوم وتتراجع خطوة لكي تتقدم خطوتان فهي في كل الاحوال تتقدم .. والاستراتيجيا هي تخطيط السياسة، ولهذا التخطيط أبعاد (قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى) ولسياسة الدولة أهداف، ومن أجل الوصول الى هذه الاهداف يتوجب إختيار الادوات الملائمة .. والأدوات متنوعة تبعاً لطبيعة الأهداف .. والاهداف هي الأخرى مختلفة ومتنوعة ، فمنها اهداف اقتصادية واهداف عسكرية وأمنية وإستراتيجية وثقافية واجتماعية وبيئية . فكل هذه الاهداف وأداوات تنفيذها تدخل في دائرة التخطيط الاستراتيجي للدولة ولا شأن لها بالاخلاق وما تنطوي عليه من عدالة وإنصاف .. فالدولة ليست حركة تحرر، كما انها ليست حزباً أيديولوجياً .. والمقارنة بين الدولة والحركة مقارنة يكتنفها التفاوت في القدرات والإمكانات ومرونة الحركة فضلاً، عن زخم الحشد والمطاولة والعمق الجغرافي .. كل هذا يدخل في حسابات التخطيط الاستراتيجي حين يوضع الهدف أو الأهداف والأدوات و(البدائل)، والمرونة في الحركة التي قد يضطر صانع القرار الى التراجع خطوة من أجل أن يتقدم خطوتين على مسار ميزان تعادل القوى.

ولما كانت اهداف الدولة مختلفة ومتنوعة ومنها الاهداف العسكرية، فأن الدولة هذه تضع مواردها في خدمة تلك الأهداف، ولا تنسى تحالفاتها التي تعزز أو تخفف أو تُحَييدْ عناصر القوة الخارجية على أقل تقدير.. وتحالفات القوى يتحكم فيها أو تجمع بينها (الأهداف المشتركة)، والمشتركات هذه تدخل التخطيط الإستراتيجي على شكل تحالفات أو معاهدات أو تعهدات.. فالمعاهدة بين اميركا والكيان الصهيوني هي معاهدة استراتيجية تقوم على اساس الدفاع المشترك وكذلك معاهدة حلف شمال الأطلسي (النتو) التي تحكم الدفاع عن الدول الأوربية من أي عدوان خارجي ، فيما تعلن معاهدات اخرى عن مضمونها في التعاون على وفق اتفاق محدد او اتفاق عام يشمل تنفيذ مشروع كبير محط رغبات فرقاء يسعون الى تنفيذ مشاريعهم التوسعية الاستحواذية .. هذا المشروع هو مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي تسعى الى تنفيذه الولايات المتحدة الأميركية لأهداف (قصيرة المدى ومتوسطة وبعيدة المدى) ويقع هدف 1- حماية الكيان الصهيوني المصطنع منذ عام 1984 ولن يتحقق هذا الهدف الاستراتيجي إلا بتفكيك الاقطار العربية وتبديل خرائطها الجغرافية والديمغرافية 2- السيطرة على منابع النفط العربي 3- منع وصول الصين وروسيا الاتحادية الى مياه الخليج العربي الدافئة حيث منابع النفط ومخازن الغاز ومداخل البحار وخلجانها ومعابرها المائية .

المشاريع الاقليمية تعمل في المنطقة العربية وهي المشروع (الايراني) والمشروع (التركي) والمشروع (الاسرائيلي) ويحتضن هذه المشاريع، مشروع (الشرق الاوسط الأميركي الكبير) أو الجديد.. وكل هذه المشاريع معادية للعرب تاريخياً ، وهي عبر التاريخ قد احتلت اقطاراً عربية عقود من السنين، ومنها المشروع الفارسي الذي يمتد إلى ما قبل ظهور الأسلام واستشرس المشروع بعد وفاة الرسول الكريم (ص) ، أما المشروع التركي فقد جسده الحكم العثماني الذي اكتسح المنطقة العربية من اقصى الاطلسي حتى اليمن صعوداً الى الشمال حيث العراق، أما مشروع الشرق الاوسط الكبير فهو نتاج مخطط بدأت خيوطه تحاك في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لتظهر في فلسطين العربية عام 1948 ما يسمى (دويلة إسرائيل) وبقرار بلفور .

إن توصيف حالة المشاريع الاقليمية يضع فلسطين في خانة الاهداف المشتركة مع قوى اخرى استعمارية بعضها شاخ وهرم مثل بريطانيا التي انسحبت من قواعدها وافلست وباتت ذيلاً للسياسة الأميركية بصفة (مستشار)، اما فرنسا فقد اصبحت تلهث وراء مجدها الاستعماري المشبع بالدم في فيتنام والجزائر ودول الساحل الأفريقي وآسيا، فيما باتت ألمانيا مخنوقة بين الوحدات السياسية الاوربية التي يأكلها التهديد الاميركي والكساد وتراجع الاقتصاد شأنها شأن ايطاليا واليونان وفرنسا واسبانيا وهولندا .. ورغم ذلك، فأن الدول الغربية التي صنعت دويلة (إسرائيل) وهي بهذا الحال ما تزال تدافع عنها كما تدافع أميركا عن الكيان الصهيوني بكل شراسة .

إذاً .. المشتركات تجمع على سياسات واهداف مشتركة .. لماذا؟ لأن اطراف هذه المشاريع وطيلة عقود لم يستطيعوا تحقيق اهدافهم منفردين فلا الإمبراطورية الفارسية استطاعت ولا الامبراطورية العثمانية استطاعت ولا الحركة الصهيونية العالمية استطاعت ان تنفذ مشروعها من النيل الى الفرات منذ عام 1948 أي قرابة (75) عاماً .. الأمر الذي اضطر كل من طهران وأنقره وواشنطن إلى العمل المشترك .. وكانت قضية فلسطين تعتبر القضية المركزية للعرب من اجل تحريرها، وهي مدخل تحرير الأمة .. وكانت هذه القضية للأطراف المعنية بالمشتركات يهمها إنهاء القضية لصالح دويلة اسرائيل ، فيما باتت (الأداة) الفارسية فاعله وتلعب دوراً مهماً وفاعلاً في التوغل الديني والطائفي والعرقي في المنطقة العربية إبتداءاً من العراق الذي كانت بريطانيا تحكمه وقامت بمسحه دينيا ومذهبيا وعرقياً بصورة إحصائية وناقش خبراؤها مع خبراء مؤتمر (قم) في طهران قبل غزو العراق واحتلاله بجيوش اميركية وتعاون إيراني واضح وموثق .. وهذا يعني ان القرار كان مشتركاً (جعل العراق ضعيفاً) لكي لا يهدد الكيان الصهيوني ومستباحاً لتتفكك عناصر قوته وإن الاداة الوحيدة القادرة على ذلك هي (الأداة) الفارسية التي قبلت العمل مع الشراكات على أساس (المشتركات) في الاهداف، وقبلت العمل على تخوم إنهاء القضية الفلسطينية على مراحل، تتقرب من فصائل معينة متقاربة منها آيديولوجيا لتقدم لها الدعم المادي والتسليحي من أجل أن تتصادم في حدود الإستراتيجية الفارسية وتكتيكاتها القائمة على الآتي :

اولاً- عدم خوض الحروب مباشرة - لن ترسل ايران جندي واحد ولا تطلق صاروخاً واحداً ولا تسير رتلاً عسكرياً ولا دروعا ولا افواجاً بل ترسل حرس ثوري لتدريب ولقيادة مليشيات، كما ترسل سفراء ودبلوماسيين من الحرس الايراني، فهي والحالة هذه تتحاشى الاتهامات والإدانات وتتنكر لكي تفلت من الإدانة والعقاب -.

ثانياً- تعمل إيران وفقاً لإستراتيجيتها القومية وبغطاء آيديولوجي (ديني- طائفي).. ولا تمانع في ان تتعاون مع الشيطان من 1- بقاء النظام على قيد الحياة 2- الوصول إلى اهداف الدولة الفارسية الاستراتيجية 3- التفتيش عن مكانة قيادية في المنطقة وفي النظام الدولي الجديد .

ثالثاً- تنشأ ايران خلايا مدنية من غير مواطنيها - التبعية الفارسية والموالين لها مذهبياً - كما تنشأ تنظيمات مسلحة من تلك الخلايا تتكفل بتدريبها وتسليحها وترسم لها اهداف التصادم .

رابعاً- إيران تكره العرب وثقافتها الفارسية عنصرية ترى في العرب مجرد (رعاة اغنام) و (شاربو بو.. الإبل) و (مكانتهم أدنى من العبيد وعليهم تقبيل أيادي سادتهم).

خامساً- أيران تدعي أنها دولة نهجها إسلامي ، ولكن الإسلام يقتضي العدل والإحسان والإنصاف ولا يستعبد احداً.. فهل أن نهج النظام الإيراني إسلامي وينفذ نهج الإسلام الحنيف؟

سادساً- ولما كان النظام الايراني يكره العرب فهو يعمل على محقهم وتمزيقهم .. ولما كان غير قادر على تمزيقهم لجبنه عبر التاريخ ، فهو يفتش عن فرصة الانضمام للقوى التي تضمر الكراهية للعرب في اعمال مشتركة :

1-فقد شارك النظام الايراني أمريكا وانضم إليها في احتلالها للعراق .

2- ويشارك النظام الايراني أمريكا في حرب غزة والغدر بها وبشعبها العربي الفلسطيني .. إن دعم النظام الايراني لحركة حماس العربية المسلمة لم يكن صادقاً ولا نزيهاً فقد شجع قيادتها (السياسية) الموالية له لكي تخدع قيادة حماس (العسكرية) .. وكانت العلاقات وثيقة بين قادة حماس السياسيين وقادة فيلق القدس الايرانيين وقادة الحرس الثوري الايراني .. أما رجال المقاومة العسكريون في غزة فقد كانوا على مستوى عال من القدرات النضالية التحررية ونفذوا خطط التحرر بكل ثقة وكفاءة وجعلوا العدو الصهيوني يترنح ويفقد ثقته بنفسه وتتزعزع اركان عقيدته القيادية وبات مجتمعه المهاجر يسلك طريق الهجرة المعاكسة.. وخسائر هذا الكيان يصعب إحصائها .

3- فالتوريط الايراني والتنصل العربي هما اللذان يمثلان إشكالية السياسة- الاستراتيجية في المنطقة، فيما تحمل الشعب الفلسطيني نتائج الوحشية الاسرائيلية الدموية .. فلا النظام الايراني بر بوعوده ولا النظم العربي قد أبدت دعمها للشعب الفلسطيني في غزة وهو يواجه أشرس حملة تطهير عرقي في العصر الحديث.. الإيرانيون يكذبون ويراوغون والنظم العربية تتفرج على المجازر التي تحدث كل يوم في غزة وخارجها وتراقب التصفيات العنصرية التي فاقت كل تصور ولم تبدِ غير الشجب والإستنكار، فيما يكرس الكيان الصهيوني وحشيته الدموية وعنصريته المتوحشة على طريق إبادة الشعب الفلسطيني في غزة .

والتساؤل الكبير: هل حقق الكيان الصهيوني أهدافه من الحرب على غزة ؟ وهل حققت حماس اهدافها من (طوفان الاقصى) ؟ وهل حققت أيران وامريكا هدفهما المشترك بإنهاء القضية الفلسطينية بعد ان احدث النظام الايراني (شرخاً) في بنية الشعب الفلسطيني في غزة وخارجها؟ واخيراً أين هو العمق الإستراتيجي العربي للقضية المركزية فلسطين؟

هذا ما سنتناوله في مقالة قادمة ..

 

 






الاحد ٤ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة