شبكة ذي قار
عـاجـل










حي الشجاعية في غزة.. كابوس للجيش "الصهيوني"

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

يعتبر حي الشجاعية من أقدم أحياء مدينة غزة وأكبرها مساحة، إذ يعود تاريخ بنائه إلى عهد حكم السلطان الأيوبي الصالح أيوب ابان فترة حكم الدولة الأيوبية في القرن الـ 13ميلادي. وتأتي تسمية حي الشجاعية نسبة إلى القائد الكردي شجاع الدين عبد الله الذي استشهد في إحدى المعارك بين الأيوبيين والصليبيين عام 1239 ميلادي، بعد انتصار المسلمين فيها. وفي فترة تأسيس الحي استوطنه التركمان الذين قدموا من تركيا في عهد السلطان الأيوبي الصالح أيوب. وشاطرهم في هذا السكن الأكراد قادمين من الموصل في العراق والذين جاؤوا إلى فلسطين في زمن السلطان الكردي صلاح الدين الأيوبي كمجاهدين لتحريرها من الإفرنج عام 1187 ميلادي بعد احتلال دام لقرابة 100سنة. يضاف إليهم العرب الذين هم سكان الشجاعية الأصليين. ومن غريب الصدف أن هذا التوزيع الاثني في حي الشجاعية هو الأقرب إلى مدينة كركوك العراقية.

يسكن هذا الحي حوالي 100ألف نسمة حسب تعداد عام 2015 ويتصف سكانه بصلابة البنية وطول القامة. ويكتسب أهميته الاستراتيجية من وجود تلة المنطار التي ترتفع بنحو 85م فوق مستوى سطح البحر، وتعتبر مفتاحًا لمدينة غزة. يجعل منها برج مراقبة طبيعيًا دفعت الجيوش في السابق إلى اتخاذه مقرًا للجنود وعلى رأسهم جيش نابليون بونابرت الذي عسكر على هذه التلة، كما قتل فيها آلاف من جنود الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى، ودفنوا في مقبرة خاصة تقع في شمال الحي.

ويقع الحي في الجزء الشمالي للقطاع، وتحديدًا شرقي مدينة غزة لا يفصله سوى 800 متر عن كيبوتس ناحل عوز على الجانب الآخر من فلسطين المحتلة، وهو ما أكسبه أهمية جغرافية وعسكرية كبرى في الصراع العربي الصهيوني. إذ اعتبره كيان الاحتلال إحدى بواباته الرئيسة للدخول الى غزة، وأصبح يمثل خط الدفاع الأول لقطاع غزة الذي لعب دورًا كبيرًا في الحروب التي خاضها على مر السنين مع العدو الصهيوني.

وبعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين سنة 1948، أصبح حي الشجاعية مسرحاً لحروب طاحنة بين الجانبين العربي والصهيوني، وبرز اسم الحي مع كل اعتداء لجيش الاحتلال على القطاع بسبب موقعه القريب جدًا من الأراضي المحتلة. كما انطلقت منه شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال عام 1987. اذ تحول الحي إلى ساحة مواجهات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وأسفرت الاشتباكات آنذاك عن مقتل ضابط صهيوني واستشهاد أربعة من أعضاء المقاومة الفلسطينية. ويطلق على هذا اليوم للانتفاضة اسم "معركة الشجاعية" وكذلك تردد اسمه في حروب 2014، 2018 وتحديدًا برز اسم الحي عالياً في العملية الهجومية النوعية التي تمت خلف خطوط جيش الاحتلال عام 2014. وتمثلت في تسلل مقاتلي المقاومة الى داخل الأراضي المحتلة واقتحام موقعًا عسكريًا تابعًا لكتيبة ناحل عوز، وقتل عشرة من جنود الاحتلال..

 

لكن المعركة الأشد ضراوة بين المقاومة وجنود الاحتلال وقعت أثناء الدخول البري لجيش الاحتلال ممثلا بلواء غولاني إلى حي الشجاعية في تموز 2014، إثر أسر الجندي شاؤول آرون. في كمين محكما نصبته الفصائل الفلسطينية حينئذ لجنود هذا اللواء استهدف ناقلة جند مدرعة وانتهت المعركة بمقتل 13 جنديًا وإصابة قائد اللواء. ومنذ ذلك الوقت لازالت قوات المقاومة تحتفظ بهذا الجندي كرهينة بعد أن رفضت حكومة الاحتلال مقايضته بأسرى فلسطينيين. وعلى أثر هذه الاخفاقات تحول حي الشجاعية إلى كابوس يلاحق الجنود الصهاينة مما جعل القناة 12 العبرية أن تصف الليلة التي عاشتها الكتيبة 13 التابعة للواء جولاني في حي الشجاعية بـ "الليلة السوداء".

كما قدم عشرات من الجنود الذين خاضوا تلك المعارك في ذلك الحي شهاداتهم لاحقًا عن الأثر النفسي عليهم من خلال فيلم وثائقي حمل عنوان "جحيم الشجاعية".

وبعد ذلك بتسع سنوات، وفي عدوان جديد على القطاع ظهر لواء غولاني في حرب غزة الحالية وهو الذي يوصف في الكيان الصهيوني بأنه أقوى وحدات الجيش وأشدها بأسًا. وقد جاء مرة أخرى الى حي الشجاعية من أجل الانتقام لخسائره السابقة قبل أن يتكبد واحدة من أكبر الهزائم نتيجة لوقوع مقاتليه في كمين محكم جديد. وقد قتل في هذا الكمين ما لا يقل عن 10 من اللواء خلال 24 ساعة فقط منهم قائد سرية في الفرقة 13 في لواء غولاني، وقائد سرية في الفرقة 51 من اللواء، وقائد فصيل في الكتيبة 51 في اللواء كما أعادت العملية لذاكرة الصهاينة كابوس حي الشجاعية الذي باتت محاولة اقتحامه بمثابة عملية انتحارية بالنسبة لذلك الجيش. وعندما عجز الاحتلال عن دخوله برياً لجأ إلى القصف الجوي العنيف ليرتكب المجازر ويهدم معظم المباني والمنازل انتقاماً لقتلاه من الجنود. ولكن رغم الدمار سيبقى حي الشجاعية رمزا للمقاومة الذي شهد تدمير نخبة من جيش الاحتلال.

 وبعد مرور90 يوم على بدا القصف الجوي و66 يوما من الحرب البرية على غزة بات الجيش الصهيوني على وشك الانسحاب من معظم المناطق الشمالية فيها كنتيجة للخسائر المذلة التي مني بها هذا الجيش. الا أن الناطق باسم جيش الاحتلال خرج علينا بالأمس في تصريح غريب عن منجزات جيش الاحتلال خلال تلك الفترة، مدعياً أنه نجح في تفكيك هيكلية المقاومة في شمال غزة. ولكنه عاد نفسه في هذا اليوم ليعلن عن مقتل ضابط كبير يشغل منصب نائب لواء في شمال غزة، وان دل ذلك على شيء فإنما يدل على حجم التناقض الذي بتخبط فيه هذا الجيش حول منجزاته الوهمية.

 






الاثنين ٢٦ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة