شبكة ذي قار
عـاجـل










تداعيات الحرب في غزة على اقتصاد الكيان الصهيوني

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

ذكر كبير الاقتصاديين في وزارة المالية "الإسرائيلية" إن تأثير حرب غزة على الاقتصاد يتجاوز أي حادث أمني شهدته الدولة خلال العقدين الأخيرين، فيما تنذر هذه الأزمة الاقتصادية بتداعيات كبيرة على البلاد بالإضافة إلى نتيجة تكلفتها الباهظة.

ويقارن بعض الاقتصاديين الصدمة التي يتعرض لها اقتصاد "إسرائيل" من هذه الحرب بأنه أسوء من الحالة التي مرت بها البلاد أثناء جائحة فيروس كورونا في عام 2020. 

وتشير بعض التقارير الصحفية إلى أن هذه الحرب سوف تؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي في "إسرائيل" بشكل عام بسبب تأثيرها السلبي على نشاطات تجارية مهمة في البلاد، خاصة قطاعات البناء والزراعة والنفط والغاز والسياحة والرعاية الصحية وتجارة التجزئة والتكنولوجيا. وقد نقلت فايننشال تايمز عن مكتب الإحصاء المركزي "الإسرائيلي" أن واحدة من كل ثلاث شركات أغلقت أبوابها أو أصبحت تعمل بطاقة 20 في المئة أو أقل منذ بداية الحرب. في حين أبلغ أكثر من نصف الشركات عن خسائر في الإيرادات بنسبة 50 % أو أكثر. وكان الضرر الأسوأ في الجنوب، المنطقة الأقرب إلى غزة، حيث أغلقت ثلثا الشركات عملياتها أو خفضتها إلى الحد الأدنى.

ووفقا لمجلة فورين بوليسي فإن القطاع الزراعي في جنوب "إسرائيل" هو الآخر يعاني من أزمة حقيقية، إذ تنتظر المحاصيل هناك تحت أشعة الشمس معرضة للتلف بعد أن أصبحت الأراضي خالية من المزارعين بسبب فرار ما يصل إلى 7 آلاف مواطن تايلاندي من "إسرائيل"، والذين يشكلون الحصة الأكبر من القوى العاملة الزراعية. ناهيك عن أن الحرب قد منعت آلاف العمال الفلسطينيين من العودة للعمل داخل "إسرائيل". وقد حاول بعض المتطوعين الجامعيين تعويض هذا النقص والقيام بإنقاذ الوضع الزراعي بمحاولة قطف الثمار قبل أن تتعفن، لكن جهودهم باءت بالفشل.

وتوقفت العديد من شركات الطيران عن الرحلات إلى "إسرائيل" بسبب قصف الصواريخ من المقاومة الفلسطينية التي تطال بعض المدن. كما تعرضت السياحة لضربة قاتلة، وهي القطاع الذي يشكل 3% من الناتج المحلي الإجمالي "لإسرائيل" ويوفر 6 % من إجمالي الوظائف.

وأوردت واشنطن بوست في تقرير لها أن "إسرائيل" تنفق أموالاً طائلة على نشر 220 ألفا، ونيف من جنود الاحتياط في المتوسط خلال الأشهر الثلاثة الماضية وأن العديد من هؤلاء الجنود هم من العاملين في مجالات التقنية الفائقة، والإنترنت والزراعة والتمويل والملاحة والذكاء الاصطناعي والأدوية والوظائف الأخرى. ولا تقتصر التكاليف على دفع رواتب قوات الاحتياط، وثمن القنابل والرصاص فحسب بل إن إسرائيل تدعم أيضا 125 ألف من الأشخاص الذين رحلوا من القرى "الإسرائيلية" على طول حدود غزة، والحدود الشمالية مع لبنان وتم إيواء العديد منهم في مناطق أخرى على نفقة الحكومة. بالإضافة إلى ذلك فإن غياب هذه الأعداد الكبيرة من الناس قد أدى إلى فقدان 18% من القوى العاملة في البلاد. ويعتمد الاقتصاد "الإسرائيلي" بشكل خاص على نمو قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يساهم بنحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 10 % في الولايات المتحدة الأمريكية ويعمل حوالي 14% من جميع الموظفين في هذا القطاع. لكن الحرب على غزة جاءت بمثابة ضربة موجعة لهذا القطاع الاقتصادي المهم الذي يشهد في الوقت الحاضر تراجعاً ملحوظاً في تدفقات رأس المال في العام الحالي مقارنة بالعامين الماضيين.

وحسب وكالة موديز الأمريكية للأبحاث الاقتصادية فإن الأعباء المالية للحرب على غزة قد تعاظمت بسبب النفقات الرئيسية التالية:

الدفاع ودعم المجهود الحربي

أجور الآلاف من جنود الاحتياط.

تعويض الشركات المتضررة من الحرب

إعادة إعمار وتأهيل المباني التي دمرها قصف صواريخ المقاومة

 

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تواصل الإيرادات المالية، الدخل الضريبي بشكل رئيسي في الانخفاض. وقد دفعت تقديرات الأثر الاقتصادي للحرب وكالة موديز إلى خفض توقعاتها لنمو الاقتصاد الإسرائيلي لهذا العام إلى 2.4% من 3% في السابق. وفي توقعات أكثر تشاؤما لعام 2024، فان الانكماش سوف يكون بنحو 1.5%.

 وتتوقع "موديز" أيضاً أن يتسع عجز الميزانية إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي في الإجمالي بعام 2023 وأكثر من الضعف إلى حوالي 7% من الناتج الاجمالي بعام 2024. الأمر الذي سيتطلب تخفيضات في الميزانية وزيادة في الضرائب تصل إلى أكثر من 18 مليار دولار، وهو ما يؤثر بشدة على نوعية الحياة وانخفاض الخدمات للمواطن الإسرائيلي بشكل عام. أما صحيفة كالكاليست الاقتصادية التي تصدر في تل أبيب، فإن توقعاتها أكثر تشاؤماً عن أضرار هذه الحرب التي تخمن بأن تصل خسائر "إسرائيل" إلى أكثر من 50 مليار دولار في حال تعدت هذه الحرب شهرها الخامس، وهو مبلغ يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما يقدر بنك جي بي مورغان تشيس الأميركي أن الاقتصاد "الإسرائيلي" سيتراجع بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، وذلك في ظل تصاعد العدوان على قطاع غزة.

وكان الاقتصاد "الإسرائيلي" قد ظهر في أفضل حالاته العام 2022، عندما حقق أول فائض في ميزانه التجاري منذ 35 عاماً، وهو نسبة 0.6 % من الناتج المحلي الإجمالي.

 

ومؤخراً رفعت جنوب أفريقيا مذكرة موثقة ب 85 صفحة أمام محكمة العدل الدولية عرت فيها "إسرائيل" أمام العالم كدولة مارقة تمارس الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني. وبغض النظر عما يؤول إليه قرار هذه المحكمة، فإن صحيفة يديعوت احرونوت "الإسرائيلية" نشرت تقريراً صادماً عن تداعيات هذه الحرب على الأوضاع في البلاد. وقد جاء في التقرير المذكور "أن هذه الحرب لم تحقق الأهداف العسكرية المخطط لها في غزة، بل أدت بالمقابل الى ظهور تحديات وصعوبات لم يسبق لها مثيل في "إسرائيل" بما في ذلك الاقتصاد الذي يتعرض للضربة تلو الأخرى".

 

 






السبت ٢ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة