شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد مرور 100 يوم على حرب غزة، هل نجحت المقاومة الفلسطينية في معركة الصمود ضد العدو الصهيوني؟

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

ابتداء بالمقاومة الفيتنامية ومروراً بالمقاومة الأفغانية ومن بعدها المقاومة العراقية الوطنية ،جميعها وقفت ضد الغزو الأمريكي. و مؤخراً برزت المقاومة الفلسطينية كأكبر تحدي يواجه الاحتلال الصهيوني الغاشم منذ ظهوره سنة 1948. ورغم أن جميع هذه الحركات النضالية تشترك في اعتمادها أسلوب الحرب غير النظامية (حرب العصابات) في مسارها التحرري، لكن سر نجاحها البارز يكمن في عدم استنساخ تجارب بعظها البعض. ذلك لأن الواقع الطوبوغرافي واختلاف الامكانيات والدعم الخارجي والوصول الى الوسائل التكنولوجية المتطورة لم تكن تتوفر لدى جميع هذه التجارب بنفس المستوى. فالمقاومة الفيتنامية والأفغانية تميزتا بالعمل في ببيئة ذات طوباغرافية معقدة تساعد على نجاح حرب العصابات. كما أن الدعم الاعلامي والعسكري المفتوح من قبل روسيا والصين قد ساهما آنذاك بشكل فعال في انجاح الثورة الفيتنامية. بينما تلقت حركة طالبان في أفغانستان دعما كبيرا لا يستهان به من المخابرات الباكستانية في حربها ضد الاحتلال الامريكي. على العكس من ذلك فان المقاومة العراقية والفلسطينية قد خاضتا معاركهما ضد قوات الغزو في أراضي منبسطة لا تصلح لحرب العصابات ولم يتوفر لهما حجم الدعم الخارجي المفتوح الذي حصلت عليه كل من التجربة الأفغانية والفيتنامية. ورغم تلك المعوقات قارعت المقاومة العراقية الغزو الأمريكي حوالي 8 سنوات حتى تكللت جهودها بالنجاح في اجبار القوات الغازية على مغادرة العراق عام 2011 بعد تكبيدها ما يقارب الخمسة الاف قتيل باعتراف الجانب الأمريكي نفسه وهو يمثل حوالي ضعف عدد الجنود الأمريكان الذين قتلوا في أفغانستان خلال الحرب التي استمرت هناك ما يقارب ال 20 سنة.

ونفس الشيء يذكر عن المقاومة الفلسطينية التي شقت طريقها معتمدة بالدرجة الاولى على إمكاناتها الذاتية البسيطة بعد أن منعت قوة الاحتلال الاسرائيلي وصول أي دعم خارجي لها نتيجة لإغلاق جميع المنافذ في حصار ظالم لمدينة غزة دام حوالي 17 سنة. بالمقابل عملت عدة دول متقدمة مثل أمريكا وانكلترا وفرنسا على مد الجسور الى اسرائيل من أجل منحها أحدث أسلحة الدمار الحديثة لتضيف الى ترسانتها الكبيرة التي تملكها أصلا. وعلى ضوء هذا التفاوت في الامكانيات العسكرية بين الطرفين في الصراع وسمعة الجيش الإسرائيلي الذي وصف بأنه القوة التي لا تقهر مما وضعه في قائمة الجيوش العشرة الأوائل بالعالم، كان من المفترض أن يفترس هذا الجيش المقاومة الفلسطينية في أيام معدودة.  خاصة وأنه نجح عام 1967 في اجتياح ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والأردن خلال حرب واحدة استمرت ستة أيام ، أتم خلالها العدو الصهيوني احتلال سيناء في مصر وهضبة الجولان في سوريا والضفة الغربية الفلسطينية التي كانت تحت الوصاية الأردنية آنذاك.

واليوم  تمر الذكرى المئوية لبدأ الهجوم الاسرائيلي على غزة التي تعتبر أطول حرب تخوضها دولة العدو منذ تأسيسها ولا زالت المقاومة الفلسطينية ثابتة في مواقعها وقادرة على ارسال صواريخها الى المدن الاسرائيلية وكأنها تخوض الصراع في اليوم الأول لتلك الحرب . وهذا الصمود الطويل بحد ذاته يسجل لصالح المقاومة الفلسطينية، لكن الأهم من ذلك كله أن دولة العدو ممثلة برئيس وزرائها نتنياهو قد فشلت لحد الآن في تحقيق أهدافها من تلك الحرب وهو ما يتفق عليه معظم المحللون العسكريون المتابعين لها.  وهذه الأهداف التي وضعتها اسرائيل عند بدأ حربها على غزة اعتمدت بشكل أساسي على تحرير الرهائن الاسرائيليين البالغ عددهم 136 ومعظمهم من العسكريين وكذلك  انهاء الهيكل التنظيمي لحركة المقاومة الفلسطينية في غزة والوصول الى قادتها وتهجير أكبر عدد من سكان غزة الى سيناء في مصر أو أي بلد أخر يسمح لهم بالبقاء فيه.  وقد اعتمدت اسرائيل في تحقيق هذه الأهداف على استراتيجية ممارسة أقصى درجات الضغط العسكري على المقاومة الفلسطينية . وذلك من خلال اجتياح عسكري بري واسع لقطاع غزة يقدر بحوالي 200 ألف جندي موزعين على أكثر من ستة فرق عسكرية  ، مدعومة بقوات من النخبة والمظليين وسلاح الدروع المتطور في مساحة لا تتعدى ال300 كم مربع. و قد تلقت هذه القوات باستمرار اسناد من قبل  سلاح الجو والمدفعية الثقيلة بالإضافة إلى سلاح البحرية المتمركز على  سواحل غزة. وكانت اسرائيل تتوقع من خلال هذا الهجوم العسكري الكاسح أن تجبر المقاومة الفلسطينية على رفع الراية البيضاء وتسليم الرهائن في فترة قصيرة أو طلب قادتها الاستسلام مقابل السماح لهم بمغادرة البلاد، ولكن جميع هذه التمنيات الوردية للعدو الصهيوني ذهبت أدراج الرياح.

ففي قضية استعادة الرهائن الاسرائيليين بالقوة العسكرية، كشف رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الحالي عندما سئل مؤخرا عن هذا الموضوع في أحدى اجتماعات الوزارة الإسرائيلية ، بأن الجيش الاسرائيلي لم ينجح في تحرير أي من الرهائن لحد الأن. بل انه خسر بعض جنوده في هذه المحاولات الفاشلة. يضاف الى ذلك ما صرح به ايزنكوت العضو بمجلس الحرب الحالي ورئيس أركان الجيش السابق والذي قال "يكفي أن نضحك على الذات وعلينا أن نطرق وسائل أخرى غير عسكرية لإعادة المختطفين". وهو أيضا يتناغم مع خطوة غانتس عضو مجلس الحرب الأخر ووزير الدفاع السابق الذي عبر عن معارضته لسياسة استخدام القوة في استعادة المحتجزين وذلك من خلال مشاركة التظاهرات العارمة التي خرجت مؤخرا في تل أبيب لاستعادة المحتجزين عن طريق التفاوض السلمي. أما المنسق السابق بجهاز الشاباك الاسرائيلي  فقد قال لإحدى القنوات التلفزيونية إن المقاومة الفلسطينية تحمل فكرة عقائدية وتدميرها غير قابل للتحقيق. لكن هليفي رئيس الموساد السابق كان أكثر جرأة حين أقر بأن نتنياهو فشل في حربه الحالية ضد غزة لأنه وضع أهداف لهذه الحرب غير واقعيه وان خسائر الجيش فادحة وعليه أن يرحل. وهذه المواقف المعارضة لسياسة نتنياهو في استمرار الحرب التي يتبناها لأغراض سياسية بحتة تؤمن استمراره في الحكم ، تدل على وجود تفكك داخل دوائر القرار العليا في اسرائيل. وهو يعتبر تحولا عن حالة  التماسك الكبيرة التي كانت موجودة فيها بداية الحرب.

ونتيجة لفشل اسرائيل في تحقيق أهدافها لحد الأن والخسائر الكبيرة التي منيت بها في الأفراد والمعدات والضغط الشعبي المتزايد بتحريض من عوائل الرهائن والرأي العام العالمي المصدوم بالأعداد الكبيرة من الفلسطينيين الذين صاروا ضحايا القصف الاسرائيلي الهمجي والنصائح الأمريكية المتكررة لتجنيب اسرائيل الخوص في مستنقع غزة، بدأت هذه الحرب تأخذ منعطفا جديدا في الآونة الأخيرة. كانت  البداية في سحب فرقتين عسكريتين للجيش الاسرائيلي من شمال غزة والابقاء على أربعة فرق تحارب في وسط وجنوب القطاع. واليوم تم سحب الفرقة 36 التي تعرضت الى خسائر كبيرة في جنوب غزة ليبقي ثلاث فرق فقط تحارب هناك. وهذه المتغيرات تنسجم مع البدء بدخول المرحلة الثالثة من الحرب التي من المؤمل البدء فيها مع نهاية الشهر الحالي حسب ما أعلنه الناطق العسكري الاسرائيلي في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية. وستتشمل هذه المرحلة نشر عدد أقل من القوات البرية وسيتم تنفيذ عدد أقل من الضربات الجوية الدقيقة، والقيام بعمليات خاطفة في القطاع من شانها أن تقلل عدد الضحايا من المدنيين. إلا أن الصحيفة ذاتها تعقب على مدى نجاح مثل هذه الخطوة بالقول "إرسال فرق صغيرة من الجنود إلى أرض معركة مثل غزة يشبه الكارثة، لأن هذه المجموعات الصغيرة هي أهداف سهلة للكمائن، كما حدث بالفعل في مناسبات متعددة خلال قتال الجيش الإسرائيلي. وعلاوة على ذلك، يمكن القول إنه في بيئة تتمتع فيها المقاومة بميزة التضاريس، فإن وجود مجموعات صغيرة من الجيش يعطي اشارة الى تلك المقاومة بأن معظم عملياتها لا يمكن استهدافها لوجستياً".

 






الثلاثاء ٥ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة