شبكة ذي قار
عـاجـل










السيناريوهات المتوقعة... لقرار محكمة العدل الدولية

مركز البراق للدراسات والبحوث والتوثيق

 

ستعلن محكمة العدل الدولية، يوم غد الجمعة، قرارها بشأن الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل"، وتتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في عدوانها الذي بدأته في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023.

وبحسب الخبراء، فإن القرار المرتقب لن يُحدد ما إذا كانت "إسرائيل" ارتكبت بالفعل جرائم إبادة جماعية، بل سيوضح إن كانت محكمة العدل ترى أن هناك احتمالية بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، وفيما لو ذلك يستدعي التدخل بإصدار أمر بوقف العدوان، أو أي إجراءات أخرى ترى المحكمة أن من المناسب اتخاذها.

وسيصدر القرار عن 15 قاضياً في المحكمة، وهم من دول: البرازيل، جمايكا، لبنان، المغرب، الصومال، سلوفاكيا، الولايات المتحدة، ألمانيا، اليابان، أستراليا، أوغندا، فرنسا، الهند، الصين، روسيا.

ويحتاج أي قرار لمحكمة العدل إلى تأييد ثمانية قضاة من القضاة الـ15، ولا يُخفي الخبراء حقيقة أن قضاة المحكمة سيتأثرون بمواقف دولهم عند إصدار قراراتهم بخصوص الدعوى، ومن هنا يُتوقع أن ينحاز القضاة من دول البرازيل وجمايكا ولبنان والمغرب والصومال وسلوفاكيا للفلسطينيين، بينما يُتوقع أن ينحاز إلى "إسرائيل" القضاة من الولايات المتحدة وفرنسا وأوغندا وأستراليا واليابان وألمانيا.

ويبقى موقف القضاة الثلاثة من الهند والصين وروسيا غير متوقع بالنسبة للخبراء، فالحكومة الهندية يرأسها ناريندرا مودي، وهو معروف بعنصريته ضد المسلمين وتحيزه الكامل إلى "إسرائيل"، غير أن القاضي الهندي كان قد تم تعيينه في عام 2012، حيث كان يحكم الهند حينها حزب المؤتمر الوطني الهندي، المنافس لمودي، وبالتالي لا يمكن توقع موقف القاضي في هذه المسألة.

وإلى جانب القاضي الهندي، فإن موقف القاضيين الروسي والصيني ليس معلوماً أيضاً، فالصين وروسيا انتقدتا الاحتلال وجرائمه في قطاع غزة، واصطدمتا بالولايات المتحدة في مجلس الأمن أثناء محاولة تمرير قرارات بوقف الحرب في الأسابيع الماضية، غير أنهما في ذات الوقت تحافظان على علاقات ومصالح قوية مع "إسرائيل"، والاتصالات بين هذه الأطراف لم تنقطع في أي وقت.

 

ما هو القرار الذي يتوقعه الفلسطينيون ومناصريهم؟

الخبير في القانون الدولي رائد بدوية قال: إن هناك احتمالاً ضئيلاً بأن ترفض محكمة العدل الدولية اتخاذ أي من التدابير التي طلبتها جنوب أفريقيا في الدعوى، أما الاحتمال الأكبر فهو أن تقرر المحكمة اتخاذ تدابير، وفي هذه الحالة قد يكون القرار من شقين، الأول متعلق بالاحتياجات الإنسانية وتلبيتها وهذا سوف تتخذ فيه قراراً واضحاً، والثاني يتعلق بالعمل العسكري، ويُتوقع هنا، أن يكون القرار هو وقف العمليات العسكرية بشكل جزئي، بمعنى وقفها داخل قطاع غزة، دون حرمان "إسرائيل" من فكرة "الدفاع عن الحدود".

ورأى الخبير في القانون الدولي رائد بدوية، أن القرار إن صدر بهذا الشكل " فسيكون له أثر كبير، لأن وقف العمليات العسكرية داخل قطاع غزة يعني وقف استهداف المدنيين والأماكن السكنية، وفي هذه الحالة سيُعتبر القرار انتصاراً قانونياً لجنوب أفريقيا، فمثل هذا القرار يعني أن محكمة العدل الدولية اقتنعت ولو بشكل مبدئي بأن هناك شبهة بارتكاب جرائم إبادة".

وبيّن أن قرار محكمة العدل الدولية في حال صدوره فهو ملزم "لإسرائيل"، وإذا لم تلتزم به فيجب على مجلس الأمن الدولي أن يتدخل لإلزامها به، كما يترتب على جميع الدول الأعضاء في اتفاقية منع جريمة الإبادة والمجتمع الدولي أن تمضي في مقتضى تنفيذ هذا القرار، بما يشمل وقف التعاون الاقتصادي والعسكري.

من جانبه، الخبير في القانون الدولي فادي شديد توقع هو الآخر أن محكمة العدل الدولية ستتخذ قراراً بوقف العدوان على قطاع غزة، "فالمعطيات والحجج التي تم تقديمها خلال هذه الدعوى كفيلة باتخاذ هذا القرار، خاصة إذا ما تم مقارنة المعطيات التي تقدمت بها جنوب أفريقيا بالحجج التي قدمها الطرف "الإسرائيلي"، وهي حجج واهية وضعيفة ولا ترتقي إلى مستوى الأسانيد المقدمة".

وأشار الخبير في القانون الدولي فادي شديد إلى أن جنوب أفريقيا طالبت بعدة تدابير، وليس ضرورياً الموافقة عليها جميعاً، مضيفاً أن التدابير التي يتوقع صدور قرار بخصوصها هي وقف العدوان وإدخال المساعدات ومنع الاعتداء على المدنيين والصحفيين، "ويُتوقع أن يكون القرار فيها إيجابياً".

ورأى الخبير في القانون الدولي فادي شديد، أن مجرد إصدار محكمة العدل الدولية قراراً بوقف العدوان "سيجعل من المحرج لكافة الدول ألَّا يتم تنفيذه"، لكنه استدرك بأن القرار "وإن كانت له صفة الإلزام، إلا أن الإشكالية في عملية التنفيذ، فالمحكمة لا تملك آلية وشرطة تنفيذية، وهنا يكون الملجأ مجلس الأمن".

 

ما القرار الذي تتوقعه إسرائيل؟

في "إسرائيل"، حظي موضوع الدعوى في محكمة الإبادة الجماعية باهتمام كبير، وأثارت مرافعة ممثلي جنوب أفريقيا غضباً كبيراً دفع وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى اتهام جنوب أفريقيا بأنها "الذراع القانوني لمنظمة حماس الإرهابية" حسب وصفها في بيان رسمي.

الخبير القانوني ليرون ليبمان، رئيس هيئة الادعاء العام العسكري السابق في جيش الاحتلال، قال إن محكمة العدل على الأرجح لن تتهم "إسرائيل" بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ولن تصدر أمراً بوقف العدوان، وقد تمر سنوات طويلة قبل أن يتم رفض الدعوى.

ورأى ليبمان في مقال نشرته "يديعوت أحرنوت"، أن محكمة العدل الدولية قد توافق جزئياً على طلب الإغاثة المؤقتة الذي تقدمت به جنوب أفريقيا، وتأمر بزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ولكنها سترفض طلب إصدار أمر للجيش الإسرائيلي بوقف القتال.

أما المحامي "الإسرائيلي" مايكل سفارد، الذي وصفه موقع "سيخا موكميت" بأنه "واحدٌ من كبار المحامين في مجال حقوق الإنسان في "إسرائيل"، وضليع في القانون الدولي"، فلم يستبعد أن تصدر المحكمة أمراً يُلزم "إسرائيل" بوقف العدوان، لكنه أكد أن "إسرائيل" سترفض تنفيذ الأمر، وذلك سيقود إلى مجلس الأمن الدولي، من أجل استصدار قرار من المجلس يلزم "إسرائيل" بتنفيذ أمر محكمة العدل، وحينها سوف تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو لمنع استصدار قرار بتنفيذ أمر وقف العدوان.

وأكد مايكل سفارد، أن قرارات محكمة العدل الدولية تحظى بالاهتمام في العالم، "وفي حال إصدارها قراراً بأن هناك خطراً بإبادة الشعب، فيمكنني أن أتخيل مواطناً بريطانياً يلجأ إلى محكمة بريطانية ويطالب بإصدار أمر ضد حكومته، المملكة المتحدة، ألا تتاجر بالأسلحة مع "إسرائيل" لأنها دولة قررت محكمة العدل الدولية في لاهاي أن هناك احتمالية تورطها في إبادة جماعية".

 

هل يمكن لمحكمة العدل الدولية رفض الدعوى؟

المرافعة المُحكمة التي قدمتها جنوب أفريقيا، رفعت سقف التوقعات من قرار محكمة العدل كثيرًا بالنسبة للفلسطينيين والمؤيدين لهم، خاصة في ظل الرد "الإسرائيلي" المتواضع بنظر كثير من الخبراء، بل والأكاذيب التي اشتمل عليها، حتى أن الكاتب "الإسرائيلي" بي مايكل، قال في مقال نشرته صحيفة هآرتس: "لو تم توصيل جهاز كشف الكذب بأحد المحامين الإسرائيليين أثناء خطاباته لانهارت شبكة الكهرباء في لاهاي، ولبقيت المدينة في الظلام حتى يومنا هذا".

لكن، خلافاً للتوقعات المتفائلة فلسطينياً، فإن المستوى الرسمي في دولة الاحتلال يتوقع أن ترفض محكمة العدل الدولية ادعاءات الإبادة الجماعية، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن متحدث باسم حكومة الاحتلال، وهذا الأمر ليس مستبعداً على أي حال بالنسبة للخبراء، وإن كانوا يصفونه "بالاحتمال الأقل".

استبعد البعض أن "تدخل محكمة العدل الدولية طوعاً في عش الدبابير السياسية وتأمر بوقف إطلاق النار"، وأن المحكمة "إذا فعلت أي شيء آخر غير رفض طلب جنوب أفريقيا، فسيكون لذلك أهمية كبيرة، لأنه يعني أن أعلى محكمة في العالم قد قضت بأن جنوب أفريقيا قدمت حجة معقولة مفادها أن "إسرائيل" تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية وأن ادعاءاتها تستحق جلسة استماع كاملة".

رفض محكمة العدل الدولية للدعوى سيُشكل "نصراً ساحقاً "لإسرائيل"، وسيصبح قرار محكمة العدل سلاحاً بيد الدعاية الإسرائيلية ضد أي اتهامات أخرى في المستقبل.

إن الخبراء يرون أن هناك احتمالاً ضعيفاً أن تقرر محكمة العدل بأن جنوب أفريقيا لم تقدم حجة معقولة تحتاج "إسرائيل" إلى الرد عليها، وبالتالي لن تصدر أي أمر بإجراءات مؤقتة. أو أن تقرر أن جنوب أفريقيا فشلت في إثبات وجود نزاع بين جنوب أفريقيا و"إسرائيل" على النحو المحدد في اتفاقية الإبادة الجماعية، وأن ترفض القضية لأسباب فنية.

في الحالتين "سيشكل القرار -لو صدر- هزيمة واضحة لجنوب أفريقيا والفلسطينيين، وللعدالة الدولية أيضاً".

المحامي الإسرائيلي مايكل سفارد، رأى أن رفض محكمة العدل الدولية للدعوى سيُشكل "نصراً ساحقاً" لإسرائيل، وسيصبح قرار محكمة العدل سلاحاً بيد الدعاية الإسرائيلية ضد أي اتهامات أخرى في المستقبل، حتى لو كان إثباتها أسهل من إثبات الإبادة الجماعية، لأن "إسرائيل" حينها ستقول إن هذه الاتهامات "مؤامرة دموية معادية للسامية، وأن "إسرائيل" أثبتت بالفعل أن الاتهامات الموجهة ضدها كاذبة".






الخميس ١٤ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مركز البراق للدراسات والبحوث والتوثيق نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة