شبكة ذي قار
عـاجـل










وداعاً قاسم سلَّام

أ‌. د. أحمد قايد الصايدي

 

انتقل إلى جوار ربه يوم أمس الأحد، الثامن والعشرين من يناير، الصديق العزيز، المناضل الوطني القومي الدكتور قاسم سلَّام، عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أمين سر قطر اليمن سابقاً، بعد حياة حافلة بالنشاط السياسي على المستويين، القومي والقطري.

 

لقد عرفت الصديق قاسم في القاهرة في عام 1962م، التي وصلها قادماً من الكويت، بعد اجتيازه مرحلة الدراسة الثانوية. وفي القاهرة شارك في كل الفعاليات الطلابية التي نُظمت إثر قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر. وكان ضمن عشرة طلاب توجهوا إلى صنعاء، كدفعة أولى من الطلاب اليمنيين الدارسين في مصر، لدعم ثورة سبتمبر. ولكن الخلاف الناصري البعثي بين القاهرة ودمشق عكس نفسه على الساحة اليمنية، فضاق من في صنعاء بالطلاب البعثيين القادمين من القاهرة، واضطروهم إلى العودة إلى مصر. 

 

وبعد محطة القاهرة انتقل قاسم سلام إلى إيطاليا للدراسة الجامعية، ومن إيطاليا إلى بغداد، عضواً في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي. واستقر في بغداد وعاش كل أحداثها، وهي تحقق مشروعها النهضوي، الذي أوشك على إخراج العراق من دائرة العالم الثالث إلى دائرة العالم المتقدم. حيث استطاع العراق أن يمحو الأمية محواً كاملاً، وأن يبني أرقى نظام صحي في الوطن العربي وأن يحقق الأمن الغذائي ورفاهية العيش لكل أبنائه دون تمييز، وأن يطور مؤسسات التعليم والبحث العلمي ويوسع دائرتها، ويؤهل في مختلف التخصصات العلمية مئات الآلاف من العلماء الكبار، وأن يجعل جامعاته مقصداً لآلاف الطلاب العرب، الذين سدت أمامهم أبواب التعليم العالي المجاني في الوطن العربي كله.

 

عاش الدكتور قاسم تلك التجربة النهضوية الرائدة، حتى قرر الغرب الاستعماري تدميرها وتدمير العراق معها، إيذاناً بانطلاق مرحلة الفوضى الخلاقة، المؤدية إلى مزيد من تفتيت الوطن العربي، وتحويله من (وطن) عربي إلى (عالم) عربي تصطرع فيه الأديان والطوائف والأعراق.

 

وبعد احتلال العراق وتدميره وتفكيك دولته، غادر قاسم سلام بغداد إلى صنعاء، حيث استقر فيها، مواصلاً مهامه في القيادة القومية للحزب، التي توزع أعضاؤها على أقطار عربية مختلفة، ومضطلعاً بمهامه الجديدة، أميناً لسر القيادة القطرية في اليمن.

 

وفي صنعاء تبوأ مناصب رسمية، وكان واحداً من أبرز الوجوه السياسية خلال إقامته فيها، وحتى غادرها إلى بيروت للعلاج. ثم من بيروت إلى القاهرة، التي كنت قد عرفته فيها في مطلع ستينيات القرن الماضي، شاباً مليئاً بالحيوية والنشاط. عاد إليها هذه المرة كهلاً، هده المرض الطويل وأثقلته هموم اليمن والوطن العربي، الذي تطحنه الحروب وتُهيأ أقطاره للتفتيت والتقسيم. ليغلق قاسم عينيه على لوحة مأساوية ممتدة على ساحة الوطن العربي كله. الوطن الذي طالما حلم ¬هو وأبناءُ جيله بأن يشهدوا قيام دولته الواحدة الناهضة القوية، وأن يعيشوا في رحابه أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. الحلم الذي ناضلوا من أجله والشعار الذي آمنوا به ورددوه في كل الساحات العربية، من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي.

 

رحم الله الصديق العزيز، المناضل الوطني القومي الكبير، الدكتور قاسم سلام، وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته وجميع أهله ورفاقه ومحبيه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

صنعاء، 29 يناير 2024م






الاثنين ١٨ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ‌. د. أحمد قايد الصايدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة