شبكة ذي قار
عـاجـل










ما وراء قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي؟

د. أبا الحكم

 

أصدرت المحكمة الدولية في العاصمة السياسية الهولندية لاهاي (International Corte of Justice)، قراراً يقضي بـ 1- قبول دعوى جنوب أفريقيا بالضد من سلطة الكيان الصهيوني، التي تمارس جريمة الإبادة ضد الإنسانية في غزة 2- اتخاذ إجراءات مؤقتة حيال الغزو العسكري الإسرائيلي الوحشي لغزة.

الملاحظ في هذا الأمر 1- المحكمة تقبل الدعوى على أساس تطابق شرط قبول الطرفين 2- والكيان الصهيوني يقبل الامتثال أمام المحكمة.

ما الذي جعل الكيان الصهيوني يقبل الامتثال أمام محكمة العدل الدولية ولم يقبله طيلة العقود السابقة التي ارتكب خلالها عشرات المجازر بحق الشعب الفلسطيني المناضل؟

ما الذي يخبئه قرار المحكمة الذي أكد على إجراءات مؤقتة؟ ثم ما هي هذه الإجراءات، ولماذا يخلو القرار من الوقف الفوري لإطلاق النار؟

اصدرت المحكمة قرارا يقضي بأن تتخذ:

1- (إسرائيل) كافة التدابير في حدود سلطتها لمنع الإبادة الجماعية.

2-  وتحسين الوضع الانساني في غزة.

3-  وطالبت المحكمة (اسرائيل) باتخاذ إجراءات (للحد) من سقوط قتلى فلسطينيين في هجومها على غزة.. وان تقدم إسرائيل الى المحكمة تقرير خلال (شهر) واحد يُظهر امتثالها لقرار المحكمة. – عندئذٍ تكون اسرائيل قد انجزت مهمتها بالتهجير القسري الكامل والشامل لفلسطينيي غزة –

4-  وطالبت المحكمة اسرائيل بعدم الاضرار في هجومها العسكري على غزة.!!

ماذا يعني الالتزام بقرار محكمة العدل باتخاذ تدابير (لمنع) ارتكاب الابادة الجماعية بحق الفلسطينيين – هذا يعني ان المحكمة لا تنظر في الوقف الفوري للحرب – وتترك سلطات الاحتلال الاستمرار في الحرب بشرط عدم ايصالها الى مستوى (الإبادة الجماعية)!!

القضية المعروضة امام المحكمة هي بين (الرفض الاسرائيلي لتهمة الابادة الجماعية) وبين رفض المحكمة إسقاط القضية، حيث يستمر العدوان على غزة ويستمر القتل وتستمر المجاعة ويستمر الهدم والتهجير، وعلى اسرائيل خلال (شهر) أن تتخذ الاجراءات المؤقتة التي ذكرتها المحكمة في قرارها!!

5- كما طالبت المحكمة سلطات الاحتلال الصهيونية باتخاذ تدابير فورية وفعالة لضمان توفير الخدمات الاساسية والمساعدات الانسانية التي تستمد الحاجة اليها لإصلاح الظروف المعيشية السيئة، التي يواجهها الفلسطينيون في غزة. وتحاشت المحكمة التأكيد على الدعوة (الفورية والفعالة) لوقف إطلاق النار في غزة وايقاف العملية الحربية فيها.

تضم المحكمة سبعة عشر قاضياً – أحدهم إسرائيلياً -  والبعض الاخر موالين للكيان الصهيوني، والجميع عمل على تخفيف الضغط على اسرائيل وتجنب إدانتها وتجنب الوقف الفوري للعدوان على غزة والاكتفاء بالقضايا الاخرى مثل المساعدات الانسانية.

يقول أحد الخبراء في القانون الدولي أن قرار المحكمة عبارة عن (توبيخ) للسلوك الاسرائيلي في زمن الحرب وليس محاسبة اسرائيل على ما اقترفت من جرائم ضد الانسانية طيلة أكثر من 75 سنة.

اسرائيل بعد القرار اعلنت انها ستمضي قدما في الحرب وستواصل القيام بكل ما هو ضروري للدفاع عن كيان وسلطة الاحتلال الغاشمة.. فإذا كانت اسرائيل التي فقدت (1200) شخص فإن غزة فقدت حتى الآن نتيجة الحرب (26000) ألف قتيل معظمهم من المدنيين.

قرار المحكمة يترك الامر للمجتمع الدولي لممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على اسرائيل من اجل وقف هجماتها على المدنيين في غزة.. وهذا الامر مقصود للقيادة الإسرائيلية كي تنجز مهمتها وتحقق كامل اهدافها بالإبادة الجماعية والتهجير القسري للفلسطينيين في غزة.!!

والتدابير الاحترازية التي تقصدها المحكمة في قرارها لمنع وقوع المزيد من القتل هي تدابير تطول أشهرا حتى تنفيذ كامل الاهداف العسكرية الاسرائيلية، والضغوط السياسية والاقتصادية (المتوقعة) من المجتمع الدولي لم تصل بعد خط البداية.

والمحكمة لا تملك اية وسيلة عقابية تجبر المجرم على تلقي العقاب.. وهذا ما أدركته اسرائيل ايضا عند قبولها الامتثال امام المحكمة الدولية.. والسابقة في هذا الشأن قريبة حين أمرت المحكمة روسيا الاتحادية بوقف هجماتها على اوكرانيا فورا، ولم يتحقق هذا الامر منذ ان شنت روسيا عدوانها على اوكرانيا.

والحجة التي يراها المعنيون بالقانون الدولي (ان المحكمة الدولية لا تملك قوة او شرطة لتنفيذ قراراتها)، هي حجة مضحكة حقاً لأن المحكمة جزء من نظام الأمم المتحدة ومسؤولية قراراتها من مسؤولية مجلس الأمن الدولي الذي يستطيع ان يعقد جلسة طارئة ويعلن قراره الأممي بوقف إطلاق النار والعمليات العسكرية فوراً وإدانة الغزو ومحاسبة المعتدي.

المحكمة الدولية تنتظر من قرارها: مساعدة المجتمع الدولي على التحرك الدبلوماسي والسياسي للضغط على (إسرائيل) لوقف القتال وإعلان هدنة دائمة والدخول في مفاوضات وابرام صفقات منها حماية المدنيين.. وهذا الأمر يطول تنفيذه اشهراً وسنين فيما تكون اسرائيل قد حققت اهدافها بتهجير الفلسطينيين من غزة وتنفذ باقي مخطط إنهاء القضية الفلسطينية على مراحل.

فالبت في قضايا الاتهام والاجراءات الوقائية وتوقعات ضغوط المجتمع الدولي سياسيا واقتصاديا وتحقيق باقي الاجراءات الاحترازية ومنها الهدنة والمفاوضات قد تطول كما أسلفنا الى سنوات.!!

إذن، نخلص من كل هذا التحليل ان قرار محكمة العدل الدولية هو قرار من الصعب البناء عليه.. وإنه قرار يغطي على جريمة الابادة الجماعية وهي مستمرة حتى تنفيذ كامل الاهداف العسكرية والسياسية الاسرائيلية، فيما يعلن حلفاء هذا الكيان وعلى رأسهم اميركا (بأن التصعيد هو ضد السامية).!!

وبهذا الصدد تشير استاذة القانون الدولي في جامعة لندن كرونين فورمان إلى (أن قرار المحكمة هو قرار ابتدائي)، بمعنى انه لم تقرر المحكمة ما إذا كانت اسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية بعد في غزة، إذ يرجح ان يتخذ القرار النهائي بذلك في غضون سنوات. وهذا ما جعل سلطة الاحتلال تشعر بالارتياح لأن المحكمة لم تأمر فوراً بوقف إطلاق النار وإيقاف العمليات القتالية، ولم توافق المحكمة على التعليق الكامل للأنشطة العسكرية في غزة. ولكن المحكمة في قرارها قد ركزت على (الأزمة الانسانية) في غزة، وربما يؤشر هذا التركيز على ان قرار المحكمة يرمي الى تغيير المسار العسكري للحرب الى مسار من شأنه ان يخلق مساحة جديدة للعمل السياسي كما يقول استاذ القانون في كلية دبلن مايكل بيكر.. وهذا الرأي يعني أن استمرار الحرب يؤدي الى ارتكاب افعال الإبادة الجماعية على ارض الواقع.. وقد تتجاهل الدول مثل هذه القرارات كما أسلفنا.

مجلس الامن هو الجهة المسؤولة عن تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية، ولكن اعضاء المجلس يصوتون ويستخدمون (الفيتو) ضد أي إجراء من شأنه ان يمس بمصالحهم. والغريب في الأمر، وفي ضوء ما تقدم بشأن القرار وحيثياته وملابساته والغموض الذي اكتنف صياغته، أن الاطراف الثلاثة المعنية بالقرار (جنوب افريقيا وإسرائيل وحماس) لم يحصل اي منهم على ما طالب به وخاصة وقف إطلاق النار، ومع ذلك رحب هؤلاء الاطراف بقرار محكمة العدل الدولية.!!

 

 

 






الخميس ٢١ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة