تراجعت الثروة السمكية بالعراق في الأونة الأخيرة بشكل كبير ونفقت أعداد هائلة
من الأسماك، نتيجة التلوث الحاصل في المياه، وعدم وجود إشراف بيطري على الأحواض،
حيث تجمعت الفضلات في الأقفاص وتخمرت مخلفات الأسماك وقلت نسبة الأوكسجين، ما ساهم
في تلوثه بالمواد العضوية لتتفاقم الظاهرة وسط عجز من قبل الحكومة تجاه أزمة التلوث
ونفوق الأسماك.
وأكد، الدكتور في دائرة البيطرة بمحافظة بابل “حيدر المعموري”، أن” نسبة
المتضررين في محافظة بابل بلغت 87بالمائة من إجمالي مربي الأسماك فيها، وهي نسبة
عالية مقارنة مع المحافظات الأخرى التي تباينت فيها النسب ما بين 21بالمائة إلى
45بالمائة، مضيفاً أن بابل من المدن المشهورة بتربية الأسماك، وانتشار أحواض
التربية بشكل متقارب، وهو ما يتطابق مع أدنى مقومات التربية السليمة”.
وتقدر نسبة نفوق الأسماك المستزرعة في إجمالي العراق بـ 30بالمائة من حجم
الإنتاج الذي يصل إلى نحو 150 ألف طن سنوياً، وفق إفادة الدكتور ميثاق الخفاجي مدير
قسم الصحة الحيوانية في مديرية البيطرة العامة.
منذ أزمة النفوق يتسائل مربوا الاسماك عن السبب الحقيقي لما حدث من دون تلقي
إجابة مؤكدة، غير أنه بعد أقل من شهر على نفوق الأسماك، أظهرت الفحوص المخبرية التي
أجريت على عينات مياه في المختبر المرجعي في عمّان للكشف عن سبب نفوق الأسماك في
نهر الفرات بالعراق أن المياه ملوثة بمحتوى عال من القولونيات والمعادن الثقيلة
وتركيز عال من الأمونيا، وفق ما أعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان نشرته على
موقعها الإلكتروني في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وبيّنت الفحوصات التي أجريت للأسماك النافقة مشكلات خطرة دفعت منظمة الصحة
العالمية إلى العمل على إجراء تحقيق يتعلق بإحتمال أن تكون عدوى فيروسية، هي سبب
نفوق آلاف الأسماك في النهر، ومن المقرر أن تظهر نتائج هذا الفحص الثاني الأسبوع
القادم وفقا للمنظمة.
ويعلق الدكتور “ميثاق الخفاجي” على نتائج الفحص المخبري الصادر عن منظمة الصحة
العالمية قائلا أن “النتائج جاءت متطابقة إلى حد كبير مع الفحوصات التي أجرتها
المؤسسات في العراق مشيراً بأن تركيز الأمونيا العالي يأتي عادة إلى النهر من
المخلفات العضوية البروتينية وفضلات البشر، والقولونيات من مياه الصرف الصحي،
والمعادن الثقيلة تأتي من المخلفات الصناعية عموما”.
وأضاف، أن ” ما شهدته الأنهار العراقية من ظاهرة نفوق الأسماك هي نقطة الإنفجار
البيئي، والجرس الأخير الذي ينذر بوجود تلوث عضوي كبير في مجرى النهرين، وأن ما جرى
واحدة من الظواهر التراكمية التي حصلت، بسبب التغير السلبي الذي جرى في البيئة
المائية”.
وذكر، الدكتور “ماهر الأوسي” مدير شعبة الأسماك في مديرية الزراعة في محافظة
واسط أن ” إنتشار الطحالب السامة التي تتكاثر بسرعة في المياه، مع ارتفاع الملوثات
العضوية، وضعف جريان المياه في مياه نهري دجلة والفرات، سبباً آخر أدى إلى ارتفاع
معدلات النفوق، وأن هذه الطحالب لا تتكاثر إلا عند انخفاض منسوب المياه، والتراكيز
العالية من المواد العضوية التي تمثل ملوثات تتغذى عليها الطحالب التي تتكون من
المياه الثقيلة التي ترمى في مجرى النهر وعلف الأسماك المتحلل، بتركيز حامضي بلغ
قياسه 11 ph ( الأس الهيدروجيني أو درجة الحموضة )، مبيناً أن التركيز الطبيعي
للحموضة يجب أن يكون من 6 ph إلى 8 ph، وفي حال ارتفاعه فإنه يفرز مادة الأمونيا،
وهي من المواد السامة التي تقوم بخنق وتسميم الأسماك”.
والطحالب السامة، أو ما يسمى علمياً بالطحالب الخضراء المزرقة، هي كائنات
بكتيرية شديدة السمية، تتكاثر بسرعة في المياه الدافئة، ومع ارتفاع الملوثات
العضوية وضعف جريان المياه، تستهلك الأوكسجين، وعند موتها تطلق سموم
“المايكروسستين” المقاومة للحرارة، وتركيزها البيئي متباين من قفص إلى آخر ومن ضفاف
الأنهار إلى عمقها، بحسب ما قاله مدير قسم الصحة الحيوانية في المديرية العامة
للبيطرة.
ويتفق المتحدث بإسم وزارة الزراعة الاتحادية، “حميد النايف” مع الطبيب الغرباوي
في أن التحليلات المخبرية التي أجرتها الدوائر المعنية في وزارته كشفت، أن نفوق
الأسماك، وأغلبها من نوع (الكارب) ناتج عن إصابتها بما يعرف طبياً بتعفن الغلاصم،
وهو ما يتطابق مع مضمون وثيقة الفحص المخبري الصادرة عن قسم المختبرات والبحوث
البيطرية في مديرية البيطرة، والتي أثبتت وجود تنخر واحتقان ومادة بيضاء على غلاصم
الأسماك النافقة من خلال فحص عينات من الأسماك النافقة في مناطق شمالي بغداد (
الغالبية والطارمية والراشدية ).
|