شبكة ذي قار
عـاجـل










مثلما عبرنا عن رفضنا وإدانتنا لعقد المؤتمر الجغرافي الدولي الإقليمي تحت راية الاحتلال الصهيوني وفي ضيافته بين 12 و16 تموز / جويلية 2010 باعتبار ذلك مساندة ودعم لسياسة الاحتلال العنصرية والإجرامية ودعونا إلى مقاطعة هذا المؤتمر الصهيوني، ومثلما أدنا زيارة رئيس الاتحاد الجغرافي الدولي للقدس المحتلة وتخوفنا من مساعيه لاستقطاب بعض الجغرافيين الفلسطينيين، وجدنا من الواجب أن نشيد بالمواقف المشرفة للذين رفضوا حضور المؤتمر والذين ساهموا بطريقة أو أخرى في محاصرته وإفشال جهوده لجر الجغرافيين العرب إلى تل أبيب ليشاركوا في تكريم الاحتلال والتطبيع معه.


ولكن وكما توقعنا فإن إرادة الجغرافيين العرب جرت بما لا تشتهي رياح التطبيع. وفشل المؤتمر أو نجح، فهذا أمر لا يعنينا والمهم أن الجغرافيين العرب نجحوا في التعبير عن وحدة موقفهم والرقي بدورهم في رفض الاحتلال ومقاومة التطبيع وهذا من شأنه دعم القضية الفلسطينية أولا وقطع الطريق ثانيا أمام من تراوده أحلام التطبيع.


لا شك أن الموقف الموحد للجغرافيين العرب والرافض للتطبيع قد غيب ظن المناوئين والباحثين عما يبرر مساعيهم للتمادي في التطبيع. فقد كان البعض من المطبعين ممن يحسب على النخب العربية ينتظر بلهفة وترصد أن يهب الجغرافيون العرب إلى تل أبيب ويسقطوا في فخ المساعي الصهيونية، كما كانوا يعتقدون أن يلقى رئيس الاتحاد الجغرافي الدولي عند زيارة للقدس المحتلة استقبالا بهيجا وترحيبا خاصا من قبل الجغرافيين الفلسطينيين إلا أن الأمور سارت على غير ما يريد المناوئون ممن باعوا ضمائرهم وفتحوا عقولهم وأحضانهم لمعانقة الصهاينة وأنصارهم وأعوانهم والشد على أيديهم الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني والعربي عموما.


لقد كان الجغرافيون الفلسطينيون عند وعدهم والتزامهم بحقوق شعبهم التاريخية في الأرض والسيادة والكرامة والحرية وقد أثبتوا كنخبة علمية وفكرية وثقافية أنهم جزء من القوى الوطنية المقاومة للاحتلال والمناهضة لجميع أشكال التطبيع وأنواعه والرافضة للاستسلام والمساومة على الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم رغم التضحيات الجسام ورغم تهاون المجتمع الدولي وتخاذل الأنظمة العربية الرسمية وتهافت البعض من النخب على التطبيع المجاني والمذل.


لقد تصرف الجغرافيون الفلسطينيون من خلال جمعيتهم بما يستحق الثناء والتقدير على شرف أداء الأمانة الوطنية والمسؤولية النضالية دفاعا عن مكانتهم كحماة لأرض فلسطين وكنخبة رافضة للاحتلال والتطبيع. وهذا أمر بقدر ما نعتز به يلزمنا جميعا على تبني مقاومة التطبيع وتشديد الحصار على كل الدوائر والشخصيات الفكرية والعلمية والثقافية الممثلة للاحتلال والمساندة له والحاملة للفكر الصهيوني والعقيدة اليهودية العنصرية المتطرفة وكذلك كل الذين يبررون فتح الجسور مع الكيان الصهيوني وأنصاره بذريعة التعاطي مع العدو عبر الحوار وغيره من وسائل الإقناع وتطبيقا لمبدأ "أعرف عدوك". إن مثل هذه الخديعة لا تنطلي على أحد بعدما كشف العدو عن جميع مخزونه من الكراهية العنصرية والغطرسة العدوانية والهمجية العسكرية إذ لم يدخر هذا العدو جهدا في الفتك بالشعب والأرض قتلا وتخريبا، فجرائمه ضد الإنسانية وحروب الإبادة بلغت الأعمى والأصم وأفزعت كل ذي إحساس وضمير قريبا كان أو بعيدا.


وعليه فإن مقاومة الاحتلال والعدوان ومواجهة ومناهضة الصهيونية العالمية ليست مهمة الشعب الفلسطيني فقط وإنما هي مسؤولية كل الأحرار والشرفاء وكل المؤمنين بالقيم الإنسانية والقضايا العادلة.


إن الذين يتكئون على فكرة أن "الشعب الفلسطيني يقرر ونحن نستجيب" مخطئون ومناوئون وهمهم الاعتراف بالأمر الواقع وهذا استسلام واستجابة للمشاريع الصهيونية التي تريد فرض الاحتلال كأمر واقع وفرض التطبيع كحل للتعايش مع هيمنة القوى الاستعمارية.


والحمد لله فإن الشعب الفلسطيني أثبت أنه صاحب حق وعازم على المقاومة بالصمود والحجارة. وبات جليا أن مشاريع إحباط إرادة الشعب الفلسطيني لم تنجح وأن مناورات التفاوض ومؤامرات الالتفاف على الحقوق الفلسطينية عربيا ودوليا لم تعد مجدية سيما أن العدو قد ازداد تعنتا واستخفافا بجميع الأطراف المشاركة في عملية السلام وخطة الطريق ومبادرة الاعتراف والتطبيع العربية وفكرة تعايش الدولتين والأرض مقابل السلام ومحاولات الحوار المباشر وغير المباشر، جميع هذه المحاولات ومن وراءها من أطراف محلية ودولية لم تقنع الاحتلال ولن تؤثر في مخططاته الصهيونية الرامية إلى اجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه بالتهجير والإبادة، بالأسلحة المعتادة والمحرمة دوليا. ما أضحى قناعة راسخة أن إرادة الصهاينة فوق إرادة المجتمع الإنساني وقانون الاحتلال الإسرائيلي فوق كل القوانين الدولية وشرعية الدولة اليهودية العنصرية وحقوقها لا حدود لها طالما أنها دولة شعب الله المختار وأن حدودها تمتد من الفرات إلى النيل ونفوذها يضرب في كل مكان من خلال الحركة الصهيونية العالمية وأنصارها وعملائها المزروعين في مختلف المحافل والمنظمات ومراكز قرار المجتمع الدولي.


ولكن مهما كان الاحتلال غاشما ويده طويلة فلنا الشرف ولنا الحق في مواجهته وعلينا دون شك واجب مقاومته بكل الوسائل المتاحة والمشروعة وغير المشروعة.


سوف لن نرمي باليهود في البحر كما يدعي المغرضون ولكننا سوف لن نستسلم للاحتلال مهما كان جنسه ولونه. وبقدر التزامنا بدحره وطرده، نحن بالمرصاد لكل المطبعين والمتعاونين معه.


لسنا أوصياء ولا أولياء على القضية الفلسطينية كما يتهمنا البعض من الانعزاليين والقطريين ولكننا أوفياء للقضايا العادلة ومناصرون للقضايا الإنسانية وملتزمون بالقضايا الوطنية والعربية وقضية فلسطين هي قضيتنا المركزية كوحدويين مؤمنين بالحرية والعدالة والمساواة والاستقلال القومي وبحق الشعوب في تقرير مصيرها.


وأخيرا يظل الجغرافي الفلسطيني الحامي الأوفى لجغرافية فلسطين والحارس الأمين على خريطة فلسطين واحدة موحدة بما فيها من تاريخ وآثار ومقدسات وموارد ومقومات لا هوية لها غير الهوية العربية الفلسطينية، أما الاحتلال فمهما طال أمده فهو إلى زوال.


فتحية للجغرافيين الفلسطينيين المنتصرين أبدا لقضيتهم العادلة والتقدير العالي والدعم المطلق لأعضاء الجمعية الجغرافية الفلسطينية على موقفهم المشرف.


وتحية للجغرافيين العرب الملتزمين بوحدتهم ووقوفهم سندا لقضايا أمتهم ولفلسطين خصوصا والتقدير لموقف اتحاد الجغرافيين العرب الرافض للتطبيع والاحتلال والمؤيد دوما للقضايا العربية العادلة والقضايا الإنسانية عموما.


ودامت وحدة الجغرافيين العرب على نهج العطاء العلمي وتعزيز رقي الجغرافي العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.

 


الأستاذ الهادي المثلوثي

hedi_mathlouthi@yahoo.fr
قسم الجغرافيا بكلية الآداب والفنون والإنسانيات / جامعة منوبة
تونس في 23 جويلية / تموز 2010

 

 





السبت١٢ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الهادي المثلوثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة