(( 1 ))
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ الدكتور يوسف عبدالله القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ من بعده المصطفى المبعوث بالحق على فترة من الرسل ودنوّ من الساعة وقرب من الأجل ، محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أولي الكرامة والفضل ، بهم نبت الإسلام وعلى أيديهم نما وأورق وأزهر وأثمر ودنى قطوفا تطهّر الأبدان وتصحح شطط الأفكار وتبرئ علل النفوس ، من سار على هديهم اهتدى ، ومن اغتوى أضلّ الطريق .
وبعد :
وإذ نعيش هذه الأيام العصيبة من تاريخ أمتينا العربية والإسلامية ، وما شهدته الأيام المنصرمة وما هي عليه الآن ، يعيش فيها شعبنا العربي والإسلامي ما بين صراع ونزيف ، ما بين صحوة وانتكاسة ، ما بين فعل شعبي من الداخل وتدخل أجنبي من الخارج ، ولعل فعل الداخل إرادة جماهيرية تكتسب شرعيتها من أنها صوت السواد الأعظم من الناس ، لكن ما يشغلنا ويقلق هدءة نفوسنا ذلك الخارج الذي يدخل بيتنا العربي والإسلامي ، شاهرا أسلحة الموت حديدا ونارا ، وإذا ما استكانت له الأمور نهب البلاد وأثخن فينا الجراح .
فضيلة الشيخ القرضاوي :
لا نريد أن نذكّر بفضل المسلم على الكافر ، وأنتم من عصب الدعوة الإسلامية ، ولا نريد أن نعرف بظلامية الفكرة الاستعمارية ونواياها وظلم أدواتها ورموزها وتبعات وصايتها على الشعوب والأمم ، وهي الفكرة والنوايا والتبعات التي التي أذاقت الشعوب علقما ، وجرّعتها من السم الزعاف قرونا ، وهي التي حباها الله من وفير الخير ما يكسوها هبة العافية ، ويذيقها من حلاوة النعم ما يفيض ، وهو المعروف لدى الجميع ، وفي ذلك أكثر من شاهد وأكثر من مثال .
كما أننا لا نريد أن نعرف بحقوق المسلمين ولا بحقوق الإنسان ، وهي التي عرفتها وكفلتها رسالات السماء مّ دبّ آدم على وجه البسيطة ، حتى أرست دعائمها الشريعة الإسلامية ونظريتها السياسية منذ
(( 2 ))
أكثر من 1400 عام ، من حيث الحاكمية لله ، والسيادة للشريعة ، والانتخاب والقبول للأمة ، فأسست لدستور يضمن للإنسان حقوقه وواجباته نحو الخالق والخلق ، وأنّى شططنا فذلك كتاب الله وأحكامه ، وثمة هدي نبيه وسيرة مصطفاه ، وآل بيته الأطهار وأصحابه الخلص ، والتابعين ، والمجتهدين من الصحابة والأئمة ، وبعدُ القياس والإجماع ، وفي كل أمة صادق من علماء دين . وأبعد ذلك من قول ؟!
ها قد ذهبت الرسل والأصحاب وآل البيت والتابعون ، وبقي التقليد والاتباع ، وما دور عالم الدين إلا الإصلاح ، ومن شق عصا الإسلام ليس من ملّته .
فضيلة الشيخ القرضاوي :
لعلنا نخوض فيما يقلق هدأة النفس ، ويثير فينا من وجل على الأمة وخوف على مستقبلها من قادم الأيام ، وحيث تعيش الأمة فترة مخاض ، وهي الحبلى قرونا من الضيم والقهر ، مثخنة جروحا ، وعلى المطببين شلها ، وعلينا بلسمة الجراح .
فضيلة الشيخ القرضاوي :
نحن بحاجة الى مشروع دولة وليس الى مشروع سلطة ، نحن بحاجة الى سيادة وطن لا شيوع وطن ، نحن بحاجة الى كرامة إنسان لا استباحة إنسان .
ألا يعشق الإنسان وطنه ؟
أليس من حق الشعوب أن تقبل أو ترفض أو تثور ؟
هل نستقوي بالكافرين على المسلمين ؟
لماذا ننتقي مواقفنا فنهب حقا لا نملك ، ونحرِم مِلكا وحق ؟
لماذا يعرف المصريون والتونسيون والليبيون حقوقهم ويعرفون كيف يثورون ، وغيرهم لا يعرف حقه ولا يعرف كيف يثور ؟
هل ثورة الليبين تشبه ثورة المصريين ؟ وهل العراقيون والبحرينيون والقطريون واليمنيون وغيرهم من الشعوب العربية لا تعرف حقوقها ولا تعرف كيف تثور ؟ أم أنهم يتمتعون بكامل حقهم في الوطن والحياة ، وأن زعاماتهم وقباداتهم جاءت بها إرادات الشعوب ، وأن إرادتهم حرة وسيادتهم غير مثلومة ؟
هل الرئيس المصري السابق حسني مبارك والقذافي وعلي عبدالله صالح وغيرهم دكتاتوريات تشبثت بالسلطة رغم إرادة شعوبها عقودا من الزمن ، وأن غيرهم ممثلون لإرادة شعوبهم ، وهم ورثة الحكم أبا عن جد بصرخة الولادة ؟!
( 3 )
هل البلد الذي لاتوجد على أرضه قاعدة عسكرية أمريكة أو أجنبية واحدة بلد على شعبه أن يثور من أجل كرامته وسيادته ، وأن البلدان التي تتسيد أرضها القواعد العسكرية الأمريكية للعدوان والتجسس على العروبة والإسلام بلدان لا يحق لشعوبها أن تثور من أجل كرامتها وسيادتها ؟
ما هذه الانتقائية الظالمة ؟ وما هذه الازدواجية المبهمة ؟ وقاعدتنا في الإسلام هو الإصلاح في الخصومة لا تأجيجها أو الانحياز الى الكفة الراجحة وإن كانت ظالمة ؟
أهواءهم نتبع ؟ أن بأهوائهم نسير ؟ وأين من قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحميم (( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم )) صدق الله العظيم
أدماء بعضنا حلال ودماء الآخرين حرام ؟ وفينا وصية رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، ولله در قوله بعرفة في حجة الوداع :
( أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ، الى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ، أللهم فاشهد ) ، وقولهِ صلوات الله وسلامه عليه ( أيها الناس ، إن الشيطان قد يئس أن يُعبدَ في أرضكم هذه ، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم ) . تلك وصية المصطفى لأمته ، وأية وصية .
اللهم نستعينك ونستغفرك ونتوب إليك ، ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله . نستفتح ونختتم بما هو خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ الدكتور عبد اللطيف الهميم
الأمين العام للمؤتمر الإسلامي الشعبي العام
الأمين العام لجماعة علماء ومثقفي العراق
١٠ / نيسان – أبريل / ٢٠١١