شبكة ذي قار
عـاجـل










بين الذين يقاومون كل محاولة للتحرير والتقدم في هذه البلاد من لا يستحقون ان يسموا حتى بالرجعيين ، لان الرجعية التراثية والدينية وان تكن في حقيقتها وفي النتائج التي تؤدي إليها خيانة للأمة مزدوجة في ماضيها ومستقبلها معاً فهي على كل حال ليست بالخيانة الواعية المقصودة، اما الذين يتصدون لتحرر الأمة بدافع النفعية والاستغلال وبتكليف من الدول الاستعمارية فهؤلاء ليسوا إلا دجالين من النوع الرخيص ومتآمرين مثيرين، يستطيع القانون أن يطالهم بسهولة وليس هؤلاء هم موضوع كلامنا بل ذلك العدد غير القليل من أبناء البلاد الذين لم يرتفع تفكيرهم إلى مستوى نواياهم الحسنة، فهم يسيئون من حيث يقصدون الإحسان إلى الأمة التي يحبونها ويغارون عليها، وهؤلاء وحدهم جديرون بان يوجه إليهم الكلام والإقناع.


ان غايات المخلصين هي في الجملة دوماً واحدة، فالتقدميون والتراثيون على السواء ينشدون لهذه الأمة القوة والرقي والسعادة في ظل مجتمع منتج عادل سليم الأخلاق إلا إن الفريقين يختلفان في فهم الوسائل والسبل المؤدية إلى تلك الغاية والنظرة التقدمية العميقة الصحيحة التي تتصف بسلامة التفكير وتجرد النفس عن النفع والهوى، باتصال صادق عميق بروح الأمة وتراثها وحاجاتها، وبالغيرة على بقائها واستمرار أجيالها، هذه النظرة التقدمية التي هي حب وإيمان، وبناء وإبداع، وجهد ومسؤولية لتخالف بل تناقض كل ما يرمي تحت ستار هذا اللفظ إلى التحلل والانحلال والهدم. والتقدمية بمعناها الصحيح ليست إلا استئنافاً لسير الأمة في تاريخها الحي الصاعد قبل أن ينتابها الجمود والانحطاط.


وما التحرر الذي نطلبه إلا تحرر من أثقال القيود والرواسب التي تراكمت على صدر الأمة خلال تلك الفترة الطويلة التي توقفت فيها عن السير وعن الاتصال بمعين روحها الأصيل . ومما لا شك فيه إن هذه الروح الحرة المبدعة قد هجرتها منذ زمن طويل ، وان استردادها لا يكون في زيادة التعلق بما نحن عليه من تأخر، بل في بذل جهد كبير خارق نخلق بواسطته شخصيتنا من جديد ، وننمي في نفوسنا بذور الحرية والإبداع ، غير معتمدين إلا على ما نملكه حق الملك من قدرة على تفهم الحياة وشروطها ، والاستجابة لحاجاتها ، حتى نصل بهذا الجهد الحر المستقل إلى درجة من قوة الحيوية وصدق الشعور واستقلال الشخصية تقربنا على مستوى روحنا الأصيلة وماضينا الحي ، وعند ذلك ترجع الصلة الضائعة ويتبين لنا إن التقدم الذي كان في ظاهره تحررا من القديم وابتعادا عنه ، لم يكن في الواقع إلى سلوك الطريق الطبيعي الوحيد لعودتنا إلى ماضينا وذواتنا .


والماضي الذي نحن إليه والذي كان السبب في قوة العرب وحريتهم ونهضتهم تاريخياً ، هل كان إلا تقدمية صريحة جريئة بالنسبة الى ما سبقه من عقلية وأوضاع ؟ لذلك قلنا في أول كلامنا عن الرجعية البريئة القصد ، التي تتوهم إنها تغار على ذلك الماضي وتحفظ عهده ، إنها في حقيقتها خيانة له ولمثله وأغراضه .


كل ذلك يظهر واضحاً ومعقولاً إذا نحن فهمنا من الماضي انه كان قوة روحيه فحسب ، وان عودة اتصالنا بماضينا لا يجوز أن تعني إلا بلوغنا ذلك المستوى الروحي الذي هو وحده كفيل بان يبني لنا الحياة القوية المبدعة الراقية والمجتمع السليم الأوضاع ، القويم الأخلاق ، وبان يلهمنا استنباط الوسائل والأشكال الملائمة لعصرنا وشرائط مجتمعنا .

 

 





الاربعاء١٦ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة