شبكة ذي قار
عـاجـل










نتيجة ما عانته الأمة من حيف وعدوان خلال فترة نهوضها(فترة النهضة العربية)، ومحاولتها الاستقلال من الهيمنة العثمانية التي انقالت من خلافة اسلامية، تقبلها العرب نتيجة ضعف دورهم وغيابهم القسري، الذي بدأ فعليا منذ نهاية الخليفة العباسي المعتصم، وتسلط الاعاجم من قادة الجيش، وتنازعهم السلطة وابعاد العرب عن مركز الصدارة والقيادة، حتى وصل أمر الخلافة أن أصبحت شكلية ضعيفة، يقتل السلاطين أي خليفة لا يتفق مع طموحاتهم الشخصية أو يعزلوه بعد أن يسملوا عيونه أو يعزلوه بامتهان وعوق جسدي، ويولوا آخر مكانه من بني العباس، لاتخاذه مجرد غطاء رمزي، لتسلطهم وتفردهم بشؤون الخلافة والسلطة والجيش، فتسلط الأعاجم وأضطهوا الشعب العربي، مرة الاتراك وأخرى الفرس، ثم جاء التتر المغول، وما كان من الوزير الفارسي ابن العلمي من تحالف معهم وخيانة للدين والخلافة، فدخلوا بغداد ودمروها، وعاثوا فيها فسادا، وقتلا ونهبا وتخريبا، فحرقت المكتبات ودور العلم والمدارس والمساجد، ونهبت الاسواق والمتاجر والمصانع، حتى يصف المؤرخون أن نهر دجلة في بغداد جرى دما وحبرا من كثر ما قتل من أهل بغداد واتلف من مكتباتها، ومن ثم جاءت الخلافة العثمانية، وما وصل له الأمر بعد فترة من حكم السلاطين العثمانيين، من اضطهاد للعرب حتى بات الأمر لا يمكن السكوت عليه،

 

حيث وصل طغيان الولاة العثمانيين الى حد محاولة طمس الهوية العربية والعمل على تتريك العرب حتى لغويا، خصوصا بعد الثورة العربية في مصر وتعاطف بل انسلاخ الوالي التركي محمد علي باشا وتحركه للانفصال عن الدولة العثمانية، واقامة دولة عربية واحدة، والذي تحالف ضدها اي الثورة بقيادة محمد على باشا اوربا مع الدولة العثمانية، تماما كما حدث ضد النظام القومي في العراق قبل احتلاله، مع تغيير في اقطابه الاقليميين، فكانت تركيا والآن ايران، وبعد تحجيم دور مصر، واملاء الشروط عليها بأن لا يتجاوز أي نشاط فيها حدودها المقرة من الدولة العثمانية، ونتيجة عدم قدرة الدولة العثمانية بعد سوء تعاملها مع العرب، وضعفها اقتصاديا لكثرة حروبها مع اوربا، بدأت الدولة العثمانية تضعف وتتردى، فاستطاعت دول أوربا من ايجاد مواطيء قدم لها، ونجحت في الحصول على امتيازات واستثمارات في الوطن العربي، بل استطاعت بعضها أحتلال أجزاء من الوطن العربي، ودخلت شركات أوربا ورجالها تحت عناوين متعددة خبراء ومستشارين ومستشرقين ومهندسين واطباء وأثارين وجواوجيين وغيرها، واستطاعوا أن يحالفوا بعض من المشايخ والسلاطين ومن ثم الملوك، وعند قيام الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء على دول المحور والتي كانت تركيا عضوا فيه، تخلت الدولة العثمانية عن كافة مستعمراتها، ولم تستطع الا الحصول على استقلالها الوطني، بعد حرب كانت دول اوربا الاستعمارية وراء اختيار قيادتها، وتوجيهها بحيث يكون خروجا لتركيا من محيطها الاسلامي والشرقي، حيث انتهج قادتها الجدد العلمانية، وغيروا حتى حروف الكتابة التي كانوا يكتبوا لغتهم بها من الحروف العربية الى اللاتينية، فكان الاستعمار البريطاني الفرنسي للوطن العربي وتجزأته وفق معاهدة سرية معادية للعرب هي المعاهدة المعروفة (سايس بيكو)،

 

بعد أن كانت بريطانيا قد وعدت الشريف حسين، والي مكة والذي تصدر الثورة العربية، وفاوض بريطانيا باسم الأمة كلها، ولكنهم كانوا يفاوضوا العرب لضمان تعاونهم معهم ضد الدولة العثمانية، وفي الكواليس كانوا قد أعدوا معاهدة بينهم لتقاسم الوطن العربي وتقسيمه، بغية تجزأته واضعاف قدراته البشرية، اضافة الى وعدهم للصهاينة باعطائهم فلسطين كوطن قومي لهم، فالخديعة والتضليل والميكافيلية والكذب ليس تكتيكا في المنهج الامبريالي الاستعماري، بل هو استراتيج ثابت،منذ ظهور الفكر الاستعماري، وكان الاساس في ظهور فكرة عدم الانحياز هو محاولة التخلص من استغلال الامم والشعوب المستعمرة مجبرة بحكم التبعية بأي شكل لتنفيذ مخططات الدول الكبيرة، التي كانت تتنازع فيما بينها على النفوذ والهيمنة على العالم، وهذا التوجه لم يكن آنيا بل هو ثمرة نضال طويل امتد منذ أواخر القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، أثر في نموه ونجاح المتطلعين له في أن يكون أحد سمات النظام العالمي الجديد، سواءا كانوا زعماء أوقادة أو أحزاب وشعوب مقاومة للاستعمار ثلاثة عوامل هي:


توسع حركات التحرر الوطني والتخلص من الاستعمار المباشر، والتحرر الفعلي لبعض البلدان في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
بداية ضعف النظام الرأسمالي الاستعماري، بسبب الازمات المتتالية خاصة الحربين العالميتين الاولى والثانية، وحروب الهند الصينية والحرب الكورية ونجاح الثورة الصينية، وعوامل آخرة مثل النزاع الاندنوسي الهولندي، وتحرر الهند وتقسيمها.


ظهور النظام الروسي عام 1917، واعتماده نظاما تحرريا اشتراكيا، مناقضا للنظام الاستعماري، وبروز الاتحاد السوفيتي، كقطب فاعل في النظام العالمي بعد الحرب العالمية الأولى، كان من أبرز المؤثرات الايجابية على حركة التحرر الوطني والقومي في العالم، خاصة وما كانت تقدمه به القيادة السوفيتية من دعم سياسي ومادي ومعنوي لحركات التحرر في العالم.


كل ذلك جعل كثير من الدول التي تحررت من الاستعمار المباشر والحركات المكافحة لأجل تحرير أوطانها تنحو نحو عدم الانحياز والحياد الايجابي في الصراع الدولي بين المعسكرين الشرقي بزعامة روسيا والغربي بزعامة بريطانيا وفرنسا ثم أمريكا بعد أن حلت زعيمة للمعسكر الرأسمالي، في محاولة ليكون هذا القطب الجديد فاعلا في النظام العالمي الجديد الذي تبلور ظهوره بعد الحرب العالمية الثانية.


ليكون هذا القطب كفيلا وضامنا لاحداث سياسة عالمية مستقله قادرة على أن تمكن الدول الحديثة التحرر من بناء نفسها والمحافظة على استقلالها، واحداث التغير عبر تنمية بلدانها، بعيدا عن الاستغلال والتبعية للدول الكبرى، وأن يكون التعاون الدولي قائما على مبادئ الاستقلال والمساواة للعالم في ظل نظام عالمي جديد، وأن يكون التعايش السلمي والتعاون هو القاعدة الاساسية للعلاقات الدولية، بدلا من الحرب الباردة والأحلاف العسكرية.


في تلك الفترة وبالتحديد عام 1949 أعلن حزب البعث العربي بأن الأمة العربية وطليعتها البعث العربي يتمسك بمبدأ عدم الانحياز، وأنه يسعى لاقامة نظام عربي متحرر يقوم على أساس احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحررها بعيدا عن الانضواء تحت أي من المعسكرين، وحدد بوضوح ما ذا يعني عدم الانحياز في فكره: أنه لا يعني الحيادية بين الخير والشر، وبين التحرر والاستعمار، بل هو موقف سياسي مبدأي ثابت قائم على الحفاظ على مصالح الأمة والانحياز التام لنصرة الشعوب المكافحة والثائرة ضد الاستعمار.


تبني الحياد الايجابي كنظام للأمة في موقفها من النزاعات الدولية وفي علاقاتها الخارجية:


تستند القومية العربية في نضالها السياسي إلى مبدأي الاستقلال والوحدة، و تقوم على سياسة مستقلة تنبع من تقدير مصالح الأمة العربية ، وتلك هي سياسة عدم الانحياز إلى أي من الكتلتين الغربية أو الشرقية، ويرتبط بذلك المشاركة الإيجابية للأمة لأجل تحقيق السلام والأمن الدولي في العالم، وإقرار مبدأ التعايش السلمي بين شعوب ودول العالم، مهما اختلفت عقائدها ومذاهبها ومناهجها السياسية والفكرية، وكذلك فإن القومية العربية باعتبارها قومية متحررة فهي قومية محررة في الوقت نفسه، من حيث إنها لا تعمل على التحرر من الاستعمار في الدائرة العربية فحسب، وإنما تتحمل مسؤوليات تجاه حركات التحرر في العالم ـ خاصة في الدائرة الأفريقية، وما يتطلب ذلك من مناهضة الاستعمار حيثما وجد. ومن خلال الحياد الإيجابي الذي يعتبر إحدى القواعد الدولية في بناء المذهب القومي العربي يقوم على مبدأين أساسيين هما عدم الدخول والمشاركة مع أي من الكتلتين الدوليتين المتناقضتي الرؤيا، والتعايش السلمي مع الجميع، والمبدأ الثاني إيجاد قاعدة ارتكاز أو جبهة عدم انحياز تحقق التوازن الدولي، بمشاركتها في حل المشكلات الدولية حلاً سلمياً، وتخفيف حدة الصراع الدولي، فالقومية العربية حين نادت بمبدأ وسياسة الحياد الإيجابي لا تعني أن يكون حياداً انفرادياً، وإنما تعني حياداً تحتفظ فيه بحرية حركتها وزيادة فعاليتها وإيجابيتها في إنكار سياسة الاعتداء، ومواجهة التنافس بين الكتلتين الهادف إلى السيطرة على الدول المختلفة، والعمل من جهة أخرى على نصرة قضايا الشعوب الساعية إلى تحررها، فلا يمكن أن يكون هناك حياد بين القومية والاستعمار، ولا بين التعاون القائم على أساس من عدم الاحترام المتبادل، وكذلك مع الاستغلال القائم على أسس غير متكافئة وفرض الهيمنة والسيطرة. والقومية العربية بمقوماتها وأهدافها ومنهجها تحقق فكرة التعاون الدولي والتفاهم الدولي في إطار مبادئ أساسية هي:


1. احترام الاستقلال السياسي لكل دولة، ومراعاة العدالة الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
2. حق كل دولة في اختيار ما تراه صالحاً لها من النظم السياسية والاقتصادية.


ويعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي، أول حركة سياسية عربية قومية نادت بسياسة الحياد الإيجابي، من خلال اعتراض الحزب على سياسة الأحزاب الشيوعية العربية، التي كانت تقول بالانحياز الكامل للمعسكر الاشتراكي، ويعارض الأحزاب اليمينية والدينية في منهجها بالانحياز للكتلة الغربية، بحجة محاربة الخطر الشيوعي الكافر، وحدد حزب البعث العربي الاشتراكي مفهومه للحياد الإيجابي في مؤتمره القومي الثالث عام 1959م، وتمثل بالآتي:


أ. الحياد الإيجابي هو طريق العرب إلى حماية جبهتهم الوطنية الداخلية، ولنجاح ثورتهم، ومكافحة السيطرة الاستعمارية والتسلط الأجنبي، فالتبعية لأحد المعسكرين الدوليين تؤدي إلى تفسخ هذه الجبهة وإخضاع الثورة العربية لتيارات الحرب الباردة.


ب. الحياد الإيجابي هو طريق العرب إلى ربط ثورتهم بالثورة التحررية المتعاظمة في آسيا وأفريقيا.


ج. الحياد الإيجابي هو طريق العرب للمساهمة في تخفيف حدة التوتر الدولي وإقرار التعايش السلمي، وإبعاد شبح الحرب نهائياً، فالحياد الإيجابي بتكوينه قوى شعبية ضخمة ترفض التبعية، وفكرة اقتسام العالم بين المعسكرين، كما أن فكرة الحياد الإيجابي تخفف من حدة هذا الانقسام، ويوجد منطقة سلام منيعة واسعة تساعد كل معسكر على مواجهة أزمته وتصحيح أوضاعه، وتفرز ظروف التعايش والتقدم الإنساني السلمي.


هذا هو موقف حزب البعث العربي الاشتراكى كحزب قومي ايماني يناضل من أجل استقلال الامة العربية ووحدتها وبعث دورها الايجابي في تحمل تكليفها الرباني ودورها الانساني في الحياة الشرية عموما.

 

 





الاحد٢٠ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / أب/ ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد ابو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة