شبكة ذي قار
عـاجـل










ان الفكر القومي ورغم استقرائه للعوامل الاساسية الفاعلة في حركة المجتمع العربي، وتأكيده على العاملين المتلازمين والمؤثرين بشكل أكبر في حركة المجتمع العربي المؤمن، رسالات السماء (الدين) والوحدة القومية، واعطائهما أولوية وأسبقية على العوامل الآخرى، فهو لم يغفل دور العامل المادي والاقتصادي، وآثاره في حركة التحرر للأمة داخليا وخارجيا، لكنه لم يقطعه عن العوامل والمؤثرات الرئيسية بل اعتبره مترابطا جدليا معها، ومن هذا كانت فلسفة البعث الفكرية قائمة على الترابط الجدلي بين أهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية، مع اعطاء الوحدة رجحانا معنويا على باقي الأهداف، لأنها تشكل العمود الفقري لتحقيق جميع الاهداف والتطلعات القومية والانسانية للأمة،  ومعركتها أو النضال لأجلها يعتبر معركة وجود أولا وتهيئة لتحقيق باقي الأهداف، فيقول القائد المؤسس أحمد يوسف عفلق (رحمه الله) : (العوامل الاقتصادية وان لم تكن كل شيء في حياة البشر فهي شيء كبير وخطير، وان لم تكن المؤثر الأول فان لها على كل حال تأثيرا متبادلا، وفي بعض الأحيان حاسما مع العوامل الآخرى) في سبيل البعث/ ط دار الطليعة بيروت/1974 (العرب بين ماضيهم ومستقبلهم)، ويؤكد مرة آخرى ان العامل الاقتصادي ليس هو المحرك الرئيسي والوحيد بقوله ( ولو كان العامل الاقتصادي هو المحرك الأساسي والوحيد، لكا كان هناك حزب البعث، لأن البعث منذ اليوم الأول لتأسيسه- وكتاباته تشهد كما يشهد نضاله- نظر الى العوامل الآخرى لتطور المجتمعات، مع أنه يعتقد أن العامل الاقتصادي هام جدا وأساسي، ولكنه ليس العامل الوحيد) في سبيل البعث/ ط دار الطليعة / بيروت 1974(لقد نفذ حزبنا الى ضمير الشعب). هذا يوضح بشكل جلي ولا يقبل اللبس بأن البعث العربي يرفض الفكر الغربي متمثلا بالماركسية وينتقدها، لأنها قطعت بين المجتمع والعوامل المؤثرة فيه كالدين والاخلاق والقيم، وهي قد تكون محقة في نظرتها للواقع الأوربي، ولكن ذلك خطأ كبير من المفكرين والمثقفين العرب عند تبنيهم للفكر الأوربي ومحاولة استنساخه لمعالجة الواقع العربي صاحب الرسالة العظيمة، التي تشكل المنهل الرئيسي والاساسي له لمعالجة واقعه المتردي.

 

اذن البعث لا يرفض الغرب لتعصب قومي أو تطرف ديني، بل يدرك بعمق أن الرسالة العظيمة التي تملكها الأمة والمكلفة بنقلها للبشرية جمعاء، فيها ما يغني عن استيراد نظريات وافكار غربية غير مستوعبة لحقيقتها ولا تؤكد الوقائع نجاعتها في مجتمعاتها فكيف في مجتمعات تحتلف حضاريا وقيميا وأخلاقيا مع تلك المجتمعات. فالبعث يناهض الاستعمار الغربي الذي يسعى بوسائل وأساليب شتى من اختراق الأمة وتحقيق الانحراف فيها، بفصلها عن ارثها العظيم الدين، ويشكل تهديدا خطيرا لمسخ شخصيتها، قبل نهب ثرواتها واستغلال مواردها لخدمته، ويرفض الفكر الغربي الاممي في معالجة واقعها المزري، ويعتبر تبنيه تخلي عن العمق الحضاري والقيمي الثر، الذي تمتلكه الأمة متمثلا برسالات السماء واهمها الاسلام.

 

ولهذا فالبعث يؤكد على أن الثورة يجب أن تكون كاملة في فهمها ومعالجتها، ففي الوقت الذي تكون اسلوبا للقضاء على التخلف، والتحرر من الهيمنة الاجنبية، والقضاء على الاستعمار، وتحقيق سعادة الشعب، لابد أن لا تغفل مكنونات ارثها الحضاري ورسالتها العظيمة الخالدة، (ان الثورة هي من أجل القضاء على التخلف والاستغلال .. من أجل القضاء على الاستعمار .. ومن أجل سعادة الناس.. الخ .. ولكن كل هذا يأتي بالدرجة الثانية بعد الرسالة .. لأنك اذا لم تضع الرسالة في الدرجة الأول لا تتحرر من الاستعمار، ولا تتخلص من الصهيونية. فهذه الأشياء هي الميزة لحركتنا، لأن التفكير الماركسي، وشبه الماركسي، والعلمي، وشبه العلمي، لا يوصل الى هذه الحقائق .. وأحيانا يوصل الى الاستهزاء بها والتنكر لها ومجافاتها .. وبالتالي الى التعثر والفشل)، مجلة آفاق عربية/ حوار مع الرفيق القائد المؤسس أحمد يوسف عفلق/نيسان عام 1976. في هذا يبين القائد المؤسس الموقف البعثي من الفكر الغربي الالحادي ويوضح ملاحم البرنامج القومي الايماني الانساني، لثورة البعث ونضاله، فهو يؤكد أن البعث العربي لا يستنسخ من الاخرين، بل يستمد منابعه الفكرية من دستور الامة العظيم القرآن والاسلام، ويستلهم من ارث الأمة الثر كل معالجاته لمشكلات الواقع العربي.

 

ان الفرق بين الايمان عند البعث العربي والتدين الشكلي كبير جدا، والفرق بينه وبيننا هو الفرق بين النقيضين، فيقول القائد المؤسس المرحوم أحمد يوسف عفلق: (نحن نعتبر الرجعية الدينية تؤلف مع الرجعية الاجتماعية معسكرا واحدا يدافع عن مصالح واحدة، وأنها أكبر خطر يهدد الدين .. ولذلك .. فالمناضل البعثي يجب أن تتوفر فيه شروط صعبة جدا، وتكاد تكون متناقضة. فهو حرب على كل تدجيل باسم الدين والتستر وراءه لمنع التطور والتحرر، والابقاء على الاوضاع الفاسدة والتأخر الاجتماعي، ولكنه في الوقت نفسه يعرف حقيقة الدين وحقيقة النفس الانسانية، التي هي ايجابية، قائمة على الايمان، لاتطيق الانكار والجحود .. اذن على المناضل البعثي، عندما يحارب الرجعية ويصمد أمام هجماتها وافتراءاتها وتهيجاتها واثارتها، أن يتذكر دوما أنه مؤمن بالقيم الايجابية والقيم الروحية.) في سبيل البعث/ط دار الطليعة/ لبنان/1974.

 

فرجال الدين المسيحي في أوربا، بأكثرية ممثليه الرسميين، وقف داعما للرأسمالية وجانب (هادن وساوم) الظلم والاستغلال الذي يمثل فسادا وبغيا في الأرض، وظل يحميهما ويعطيهما مبررات البقاء، لذلك فقد نفوذه وتأثيره بالناس، وطغت موجة الالحاد في الغرب، ليس عبثا، بل لهذا التناقض، لأن الدين بممثليه وقع في التناقض، لأن الدين جاء ليشيع المحبة والاخاء والتسامح والتعاون، ويحمي الضعيف ويرفض الاستغلال واستعباد الانسان من قبل أخيه الانسان، ولكن أصبح بممثليه سياجا لكل المساوئ.. والإستغلال.

 

والفهم السطحي، هو أن نستنتج بسرعة، بأنه ما دام مظهر الدين في هذا الوقت، وما دام ممثلوا الدين الرسميون هم في صف الواقع الفاسد، لا وجوب له ولا خير فيه، لذلك يجب التخلص من الدين،لأنه سلاح بيد الظالمين والمفسدين. هذه هي النظرة السطحية والاستنتاج الخاطيء جدا، وهذه هي النظرة التي توقفت عندها الشيوعية .. نحن لا نرضى عن الالحاد.. ونعتبره موقفا زائفا في الحياة، موقفا باطلا وضارا وكاذبا، اذ ان الحياة معناها الايمان، والملحد كاذب !، انه يقول شيئا ويعتقد شيئا اخر .. انه مؤمن بشيء.. مؤمن ببعض القيم .. ولكننا ننظر الى الالحاد كظاهرة مرضية يجب أن تعرف أسبابها لتداوى .. وعندما تستيقظ الشعوب، وتسترد حقوقها وكراكتها لا يمكن أن تقتنع بالالحاد، وعندما تخطوا الخطوة الجديدة .. وتعود الى دين واضح سليم منطبق تمام الانطباق على مراميه الأولى ) في سبيل البعث / دار الطليعة/(نظرتنا الى الدين). هذا الموقف من الدين واعطاءه دوره كاملا في حياة الفرد والمجتمع يشكل موقفا البعث العربي من عموم الدين كرسالة سماوية تهدي للخير والصلاح، ولكن فهم البعث للدين فهما عميقا وتصديقه لما اراد الله بالدين من خير وتنوير للبشرية، جعله يناهض المتسترين بالدين، والذين يريدوا توظيفه توظيفا مناقضا لحقيقته التي ارادها الله سبحانه وتعالى من تنزيل الكتب وبعث الانبياء جعله يتصدى لذلك، ولكن البعث العربي والأمة العربية بقيا كؤمنين بجوهر وحقيقة الدين، وجزء من الصراع الذي يخوضه الغرب الاستعماري ضد البعث كفكر قومي ايماني سببه تمسك البعث بالاسلام كرسالة وعقيدة عظيمة تمثل الرد الكبير للهجمة الغربية ضد الأمة ومقدساتها، لهذا كان موقف البعث للسطحيين والجهلة بحقيقة الاسلام كثورة عظيمة مناقض للدين، وهذا خطأ فادح وقت به معظم التنظيمات والاحزاب الدينية، والاكثرية ممن يعتبروا أنفسهم رجال دين وعلماء في علومه، ولم يدركوا أن البعث حزب يستمد منهجه من دين العرب العظيم الاسلام. وبهذا التقوا من حيث لم يفقهوا مع المخطط الغربي، في عدائهم للبعث العربي.

 

ومن خلال فهم ايماني ، أدرك البعث أن انسانية الانسان تتحقق بتوازن ذاته ومحيطه بين الروحي والمادي، فيقول المفكر العربي أحمد يوسف عفلق القائد المؤسس للبعث العربي الإشتراكي: (ان الانسان بصورة عامة، في كل مكان وزمان، هو مادة وروح، لا يكفيه ولا يغنيه أن يأكل ويشبع. ولكن انسانية الانسان الحقة انما تبدأ بعد الشبع، وبعد الأكل، عندما يحقق مواهبه وقدراته، عندما ينظر الى مهماته الاجتماعية والقومية التي تعطي معنى لحياته، انسانية الانسان تبدأ عندما ينصرف للعمل والخلق والابداع والنضال والى كل شيء يتجاوز شخصه ويتجاوز انانيته الضيقة، لأنه عندئذ يشعر بملء انسانيته، وبأنه ليس خلية عمياء في جسم أو آلة، وانما هو فرد حر وجد لغاية سامية في هذه الحياة،أنه مطالب بأن يعطي لحياته معنى ساميا)،في سبيل البعث/جـ3 / 1977. وهذا هو الاساس لاشتراكية البعث التي ميزها عن الاشتراكية الغربية بأنها اشتراكية عربية، ومن هذا الفهم العميق ربط البعث بين اهداف الأمة حيث أن تحرر الأمة واستعادتها لذاتها، يحقق انسانية الانسان عبر تأمين احتياجاته الغريزية، والتي تضمن تحقيق انسانيته بوعي وادراك، وهو ما تدعوا كل رسالات السماء له، والتي عناها الله سبحانه بقوله (اني جاعل في الارض خليفة)، فهذا الفهم الايماني العميق للدين جعل كل أعداء الدين والانسان يعادوه.

 

ومن خلال ذلك كان الهدف الأول بعد ثورة البعث في قطر العراق تحرير الثروة القومية فكان قرار التأميم الخالد، وكان الاستثمار الأول بعد انتصار الشعب في معركة التأميم في الانسان وتنمية العقل والفكر والقوى البشرية، فكان التوجه باتجاه تأمين احتياجات الانسان الأساسية، العمل والطعام والعلاج والتعليم والسكن، مرادفا وموازيا لتنمية قدرات الانسان وتفجير روح الابداع فيه،  ولم يقتصر ذلك في حدود العراق، بل تعداه ليشمل كل ابناء الامة العربية فلم يكن هناك عربي مقيم في العراق لأي سبب العمل أو الهجرة بسبب اضطهاد نظام الحكم له أو اختيار القطر العراقي كجزء من الوطن الكبير للاقامة والعيش فيه مطالب بأي بدل عن دراسته وأولاده في المدارس والجامعات العربية، وانما هي حق طبيعي له كمواطن لا يختلف بشيء عن أخية العراقي، اضافة لتخصيص آلاف المقاعد الدراسية للطلبة العرب مع توفير السكن لهم ذكورا واناث أسوة بالطلبة العراقيين، للدراسة المجانية أسوة بالعراقيين تماما لأن البعث العربي لا يعترف بالحدود والكيانات التي ولدها وأنشأها المحتل الاستعماري، وكان وفق القانون أن يكون عدد الكلبة العرب نسبة الى العراقيين 10% ولكن هذه تم تجاوزها خصوصا مع توسع التعليم في العراق وزيادة عدد الجامعات، مما أتاح التوسع بعدد المقاعد الدراسية وامكانية استيعاب أعداد كبيرة من الطلبة، وكانت نسب قبول الطلبة العرب تخضع لقدرة الاقطار العربية وجامعاتها فكانت الاسبقية الأولى في القبول لأبناء فلسطين، ثم الاقطار العربية وفق المتقدمين من الاقطار العربية وكان القبول للطلبة العرب من غير المقيمين في العراق بعد فلسطين اليمن والسودان وموريتانيا والصومال وموريتانيا والاردن، ولم يرد طلب طالبعربي تقدم للدراسة في العراق حتى تجاوزت نسبة الطلبه العرب في الجامعات العراقية نسبة 10% من عدد الطلبة العراقيين، وهو ما حددته وزارة التعليم العالي، فطرحه سكرتير لجنة القبول للطلبة العرب في مجلس الوزراء على الرفيق طه ياسين رمضان، وأن ذلك مخالف للقانون فصار الى تعديل القانون لا الى تقليص عدد الطلبة العرب،وهكذا لمعرفة القيادة بأن هذه الأقطار تحتاج للدعم، وإن قبول الطلبة العرب ليس فضل ومنة بل هو تجسيد لفكر ورؤية البعث لحقوق كل مواطن عربي في عموم أجزاء بلده، لكي تتحقق للانسان العربي إنسانيته، فكان ما تحقق في العراق من تقدم وتطور ورقي في كل جوانب الحياة البشرية، والذي هو نموذج لدولة العرب الموحدة مستقبلا بقيادة البعث، هو ما أرعب كل أعداء العروبة والاسلام، فتوحدوا في حلف ارهابي باغي كافر عنصري شرير، وان تظاهرت بعض أطرافه بالدين تسترا ونفاقا وتضليلا، فكان العدوان ثم الاحتلال، وما ترتب عليه من تدمير للعراق قاعدة الانطلاق العربي الحضاري، وكان قانون اجتثاث البعث والتصفية الجسدية للبعثيين، وكل الشرفاء من أصدقائه ومؤيدي منهجه أول غاياتهم الاجرامية.

 

إن الاشتراكية العربية في حقيقتها لا ترمي الى إلغاء حق المواطن في الملكية، ولا تسعى لمصادرة ممتلكات الأغنياء، ولا تقييد ما يمكن لمبدع وساعي في تنمية موارده من خلال الجهد الفكري أو النشاط المهني، لكنها تحقق أمرين تهيئه فرص عمل لكل مواطن، بحيث لا يكون مضطرا لقبول استغلاله نتيجة الحاجة، والثاني تهيئة فرص متساوية للمواطنين للتعليم والعمل والعلاج والعيش، وبهذا تتحقق فرص متساوية للمواطنين بالإنطلاق في الحياة ويحقق تحرير الانسان عبر وجود أكثر من خيار أمامه لكسب فوته وتلبية حاجاته، وأن اشتراكيتنا لا تتعارض مع معتقداتنا الروحية ومنهجنا القومي الايماني.

 

 





الخميس٢٤ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد ابو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة