شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما يطول عمر الأنظمة تأخذ مدلول الآلهة المحنطة وتتخذ من فكرة الوراثة السياسية والولاية الأبدية منهجا لا بديل عنه، فيسود الاستبداد كوسيلة لحماية الحكم أولا وأخيرا.


عندها يصبح تقديس النظام قبل تقديس الوطن وتصبح حماية مصالح أصحاب العرش قبل حماية مصالح الشعب وحقوق المواطنة. وفي ظل القمع والتسلط، تنشأ نخبة موالية من المفكرين والمثقفين والسياسيين تجيد السباق في المدح والتمجيد وتمديد البيعة للسلطان وتبرير مختلف أوجه الفشل وانسداد الآفاق الأمر الذي يعرض المصالح المشتركة للضياع ويهيئ المجتمع للقبول بالإحباط مآلا ويدفع به نحو الانحطاط مصيرا. وحينئذ يجب أن ننتظر تحولا غير عادي ومنعرجا خطيرا في حياة المجتمع ومصير الدولة ذاتها. فعندما يختل التواصل بين نظام الحكم والمجتمع ويفقد المجتمع تواصله عبر المصالح المشتركة، تسود الأنانية الفردية ويأخذ النفاق مداه وتصبح الحيلة وسيلة والكذب طريقة والتغرير منفذا والرشوة مسلكا والمحسوبية مدخلا والمقالب أسلوبا لقضاء المآرب وتسوية الأمور. وبناء على ذلك يضعف الضمير المهني والوطني والإنساني وينحسر الوعي السياسي والنقابي والنضالي عموما وتطغى اللامبالاة وعدم المسؤولية ويطلق الناس لنزواتهم وشهواتهم وأهوائهم العنان فتضرب مصالح وحقوق الناس وتنداس القيم والقوانين ويتعب الناس جميعا نفسيا واجتماعيا وتصبح العلاقات والمعاملات مريبة بحكم فقدان الثقة والطمأنينة والأمن وعجز السلطة عن معالجة ما أفسدت وما فشلت فيه.


من المنطقي أنه عندما تسأم الشعوب من طبيعة ونوعية نظام الحكم وتحبط في تطلعاتها وتنسد الآفاق أمامها وتعجز عن التغيير، تميل إلى اللامبالاة واللجوء إلى أساليب فردية خاصة وملتوية في العلاقات والمعاملات ويظل الوضع مقبولا على مضاضته مرحليا. وحين تأخذ الحالة أمدا طويلا وتمتد الأزمة، ينشأ نمط من الفئات ذات صالح مشتركة معنويا وماديا وذات أصول وروابط جامعة تأخذ بمبدأ المحسوبية والتحزب والقرابة (العائلية والعشائرية والمذهبية والجغرافية)، وتتكون شبكات غير رسمية لتقديم الخدمات وقضاء المصالح غير المشروعة. (شبكة المرتشين والمرتزقين، شبكة الوسطاء المحتالين، شبكات التهريب وترويج الممنوعات والمسروقات، شبكة اللصوصية المنظمة، شبكة الدعارة، الشركات الوهمية..). عندما يعم الفساد يلجأ المفسدون والفاسدون والمتضررون من الفساد إلى التكتل العصبوي، فينشأ مجتمع العصابات والتكتلات الاجتماعية المنحرفة. عند هذا الحد تفقد الدولة هيبتها وتضعف سيطرتها.


عندما يصاب المجتمع بهذه العاهات والآفات تختل جميع التوازنات ويصاب المجتمع بالترهل والإرهاق والتفكك، وحينها لا مفر من البحث عن التواصل بطرق أخرى والاحتماء بأشكال أخرى من التنظم.


فحين يستشعر الناس فقدان الثقة وانعدام الأمن ولا يجدون في السلطة والقوانين ومختلف الأجهزة الرسمية سندا لحماية مصالحهم وحقوقهم تتعمق لديهم ضرورة التكتل الفئوي المصلحي بمختلف أبعاده وغاياته ويذهبون بعيدا في التعصب وفي الانغلاق. وهكذا تضعف الوحدة الاجتماعية والانتماء الوطني لتعود الروابط العشائرية والقبلية والمذهبية إلى الواجهة كترس أو ملاذ أو حصن للاحتماء الفردي والجماعي.


وعلى هذا المنوال بدأت المجتمعات العربية تنسج مصيرها في أكثر من قطر إذ بعد عهود من الحديث عن التنمية والتطور الاجتماعي وجدنا أنفسنا في جدل ونزاع حول قضايا تصورنا أننا تجاوزناها ودخلنا مرحلة التأسيس للديمقراطية واستكمال بناء المواطنة فإذا بنا نبحث عن مخرج من مآزق مختلفة (التنمية المفقودة، الوحدة الوطنية المهددة، التفكك الاجتماعي، العجز عن التغيير، إفلاس وتكلس النظام السياسي). وإذا كانت أقطار كالسودان والصومال واليمن ولبنان أمثلة شاهدة لا لبس فيها حول التفكك الشامل فإن بوادر الانهيار لا تستثني قطرا عربيا واحدا حيث التطرف الديني والانحراف والفساد والفشل السياسي يضرب بدرجة أو أخرى هناك وهناك في المشرق والمغرب من موريتانيا إلى البحرين.


وإذا كنا معنيين بالبحث عن أسباب الانهيار الاجتماعي والسياسي المتنامي فإننا مجبرين على تحديد المسؤول عن هذا الانهيار الخطير والذي يهدد مصير الدولة برمتها. ولا شك أن الأنظمة الحاكمة هي أساس الداء ومنبته ولا نجاة من المنعرج الخطير دون معالجة جراحية لمنابت الداء وإنقاذ الدولة من خاطفيها.


Hedi_mathlouthi@yahoo.fr





الاربعاء٠١ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الهادي المثلوثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة