شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن الأمة العربية والاجناس التي تعيش معها متقاطعة يوما ما، بل أنها شكلت نسيج اجتماعي موحد منذ القدم، صحيح ان الاسلام عالمي الدعوة للهداية، التوحيد والايمان والعمل الصالح، وهذا ما لا يختلف فيه عاقلان، فهو رسالة الله الخاتمة للبشرية، يبشرها بالخير في الدنيا والاخرة، إن التزمت بما دعاها له نبيه كتابه، وينذرها من التولي والكفر والجحود والعمل المنكر والبغي، وكان رسول الله وخاتم أنبياءه هو المبعوث بذلك الأمر. فهو أكبر من أن تحده حدود أو تقيده أجناس، وأن ترتقي وتتفوق عليه حضارات، مهما بلغت حضارات البشر شأوا وتقدما، فهو دين الله الجامع الكامل الشامل، (اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الاسلام دينا)، مصدقا لما قبله ومهيمنا عليه، ولكن هناك حقائق لا بد من التمعن والنظر فيها بعمق ايماني عقلي ونقلي وأخذها في مجمل الفهم الاسلامي لطرح القوميين العرب وبالاخص البعث العربي من بعث مجد الأمة ودورها الحضاري الانساني، عبر وحدتها وتحررها وبناء غدها المشرق، وهنا يلزم علينا ككتاب قوميين توضيح أسس معالجة الفكر القومي العربي لكل مشكلات الأمة وفق منهج لا يناقض الدين، ورؤيته العالمية للحياة البشرية، وكي نعتمد العلمية والموضوعية يجب أن نحدد العلاقة بين الاسلام كدين وبين العرب كقومية، وهذا يتطلب القاء الضوء بشفافية كبيرة على أمورا عديدة، هي:

 

1.     الاسلام والعروبة: لقد كان اختار الله للعرب لحمل رسالته لم يكن أمرا عفويا او مصادفة، حاشا الله عن ذلك، بل اختار على أسس أوجدها في العرب وخصهم بها، وهو اختيار مطلق، ولا يمكن أن يؤخذ أمر الله بمعزل عن جملة ما عرفنا من رعاية الله لمن يختارهم بشرا لحمل الرسالات وتكليفهم بها، فها نحن جميعا كمؤمنين نقر بأن الأنبياء معصومين من عند الله، وهذا ينطبق على الامة التي أختارها لحمل رسالته للبشرية، وهنا لا أعني العصمة المطلقة كما هي للأنبياء، بل عصمة الأمة عن مناقضات الرسالة التي تحملها للبشرية، وهو ما تجلى في فطرة العرب، فالعرب عرفوا منذ القدم بقيم وخصال حميدة وسامية، وأهمها:

 

الانسانية في التعامل: لم يرد في التاريخ أن العرب ظلموا أحدا، أو اعتدوا عليه حتى في العصور القديمة، بل كانوا دائما دعاة خير مؤمنهم وكافرهم، فان كانوا الصهاينة يسموا تأديب نبوخذ نصر لأجدادهم الكفرة المارقين ضمن مدونات التاريخ والتحريف لكتاب الله المنزل لموسى عليه السلام سبي للتضليل والتزوير، فكان فعله في حينه ناتجا عن اسباب متعددة: اولها بغيهم وسعيهم للانفصال عن الوطن الواحد واقامتهم مملكة منفصلة عن الدولة الموحدة، وثانها: قتلهم الأنبياء والصالحين ممن يدعون للخير، ولو راجع أي انسان تاريخهم لوجد أن القائد نبوخذ نصر أخرج بعض أنبيائهم من السجون التي كانوا يريدون أن يقتلوهم فيها، فكان فعله تأديبا للخارجين عن القانون والخونة، وحتى عندما جاء بهم أسرى للعاصمة بابل لم يعاملهم باضطهاد ولم يستغلهم، أو يسجنهم، بل جعلهم يعيشون تحت عينه، كي لا يعودوا لفعلهم لاحقا،كما فعلوها عندما أعادهم للوحدة في الفتح الآول، لكنهم عادوا ثانية فعاد لهم وجلبهم الى العاصمة، نعم يروي لنا التاريخ أنهم كانوا قساة بينهم كقبائل ولا يناموا على بغي أو ضيم ولكن لم يسجل عليهم بأنهم زحفوا للعالم محتلين أو باغين على الأمم.

 

الشجاعة والفروسية: وهذا لا أتصور أنه يحتاج مني لأدلة فكل ما في تاريخهم بطولات بل كان واحدا من أهم شروط اختيار القائد أو الزعيم أو شيخ القبيلة أن يكون شجاعا فارسا مشهودا له.

 

 واكرام الضيف: وهذه ايضا لا تحتاج لدلالة، ولكني سأسوق لكم مثالين، حاتم الطائي الذي جاء له ضيف ولم يكن في داره ما يطعمه، فما كان منه الا أن قام وعقر فرسه لكي يكرم ضيفه، والفرس عند العربي تعادل حياته وأحد أفراد عائلته، وقول الحطيئة وابنه لما لفاهم ضيفا ولم يكن معهم شيء، وقد صورها الحطيئة شعرا:

               رأى شبحا وسط الظلام فراعه        فلما رأى ضيفا تشمر وأهتما

               فقال أيا رباه ... ضيفا ولا قـراّ        بحقك لا تحرمه تالليلة اللحما    

                فقال ابنه لما رآه بحيــــرة  يا         أبتي أذبحني ويسر له طعما 

               عل الذي طرى يضن لـــــــــنا          مـــــــالا فيوســـــــعنا ذمــا

 

هكذا كان العرب، يعتبروا عدم اكرام الضيف منقصة.

 

  الصدق في القول والوفاء بالعهد: كان العربي اذا أعطى عهدا أو التزم بوعد لا يخلفه ولا يمنعه عن الوفاء به الا الموت، وما قصة الاعرابي الذي فقد ابل له فاقتفى أثرها حتى دخل الحيرة، فأحاط به القوم (جند الملك) وقال ما بكم؟ قالوا ماذا جاء بك الى الحيرة هذا اليوم؟ قال فقدت مالا لي فتبعته طالبا؟ قالوا ألا تعرف أن اليوم يوم النحس وكل غريب يدخل الحيرة يقتل؟ قال: لا، فأخذوه لقصر الملك، وهناك قالوا له ماذا تطلب قبل أن ينفذ بك الحكم، قال ابلغ أهلي، قالوا ومن يضمن عودتك؟ قال كلمتي، قالوا لا نريد كفيلا من أهل الحيرة ليكون بديلا عنك ان نكثت الوعد، قال لا أعرف أحدا من أهل الحيرة، ولكني لا أنكث الوعد ولآ أخون العهد، فاطرق مفكرا ومد يده لشاربه (شنبه) واقتلع شعوة واحدة، بعد أن فرزها عن باقي الشعر، وقال أترضون بهذه رهينة حتى أعود، فقام الوزير وقال أنا أضمنه، وسأله كم وقتا تحتاج؟ قال ان بقيت حيا، فمثل هذا اليوم من العام القابل موعدي معكم، فقالوا أذهب، وفعلا في اليوم الموعود كان عندهم حتى أن كثيرأ من أصحاب الوزير كانوا يلوموه على كفالته له، هكذا كان العربي وعده وعهده أقدس من حياته.

 

  عدم الغدر: العرب كانوا يعتبروا الغدر من صفاف ناقصي الأصل والرجولة، ولا يحترم من يغدر ويخون، بل كان الفارس أو الرجل العربي عندما يأتي لعدوه لقتال أو ثأر كان يناديه ويبلغه أني فلان وجئت طالبا حقي أو القتال، ولا يبرز رجل لآخر أعزل فهي من النواقص والجبن، وان كانوا في الاحتدام وكسر سيف أحدهم فالآخر يلقي سيفه، كي يكونا متكافئين، وأقر الاسلام هذه الشيمة فلم يبدأ المسلمين عدوهم بقتال الا بعد أن يدعوهم لثلاث، أسلم تسلم، أي الهداية والايمان برسالة الله الحق، أو الصلح والجزية، أو القتال، وليس التسلسل بعيدا عن القيم بل هو مقصود، فآخر شيء هو القتال.

 

 اجتناب الدونية في السلوك: كان العرب وما زالوا يعتبرون العمل الدوني والخسيس ليس من قيم الرجولة والاصالة والانسان، وما زالوا حتى ان وقع من أحد منهم فيعتبر فاسدا ولا جوار ولا معين وناصرله، وتصلح القبيلة شأنها مع القبيلة المقابلة بمضاعفة العرف المعمول به أربعة أضعاف، ولا أمان للفاعل بل يهدر دمه وليس على من يقتص منه أية حقوق.

 

 الاستعداد للتضحية في سبيل الحق: وما موقف بني شيبان برفض طلب ملك الفرس الساسانيين دفع أمانة النعمان عندهم له، وهي أهله زوجته وبناته وماله وسلاحه، الا نموذجا، فهم يعرفوا أنهم قبيلة محدودة الامكانات والقدرات وامبراطور الفرس دولة وجيوش، ولكنهم فضلوا المنية على الدنية، فتعاهدوا أن لا يأخذ النعمان الأمانة ومنهم حي، فكان نصر الله لهم، والذي قال فيه سيد الخلق (اليوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا). الاعتزاز بالنفس والترفع عن الذميمة والذل وخير دليل على ذلك موقف الامام السبط الحسين عليه السلام وصحبه في معركة الطف بكربلاء.

 

  رفض الظلم والبغي : كان العرب يناهضوا ويرفضوا الظلم والبغي وحدثت مرة في مكة أن بغى أحد تجارها على غريب ورفض اعطائه حقه، فتوجه لقبائل قريش مستنجدا على القريشي، فتحالفت قبائل من قريش وسمي حلفهم حلف الفضول (أي الفاضلين)، وحملوا أسلحتهم وأجبروا الباغي لدفع حق الرجل، وهذا الحلف الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لو دعيت لمثله الآن لأجبت).

 

   العلاقة الطيبة والأمانة وحسن المعشر: ولولاها لما نجحوا في السيطرة على التجارة العالمية في عصر الجاهلية أي قبل الاسلام.

  اجارة اللاجيء والمستجير: وفي هذا لا أحتاج الى أمثلة فهي معروفة في الجاهلية والاسلام، وما حرب البسوس، التي أمتدت أربعين عاما، وقتل فيها صناديد العرب، الا بسبب الجوار.

 

هذه صفات العرب وخلقهم، التي فطرهم عليها الله سبحانه، وغيرها من قيم وخصال العرب قبل الاسلام والتي أقرهها الاسلام وعمقها.

 

2.  خصوصية العرب في الدعوة الاسلامية: ان اختار الله العرب لحمل رسالة الاسلام لم يكن حدث مصادفة، بل هو تكليف رباني لا مجال فيه للصدفة أو الحظ ، ما تقدم في واحد أعلاه كان فطرة الله سبحانه للعرب، كي يكونوا أمة الرسالات، ولكن كم بقوا بلا منذر فتداخل في فطرتهم أشياءا غير التي فطرهم الله سبحانه عليه، فلا بد من تنقيتهم واصلاح وضعهم وهذا في قناعتي، سبب أن الرب سبحانه جعل فترة النبوة وحياة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ثلاث وعشرون عاما، منها ثلاثة عشر عاما في مكة، لا قتال ولا اعداد لجيش لحماية أنفسهم، بل تخلتها ثلاث هجرات اثنتان للحبشة والثالثة للمدينة المنورة، تعلموا فيها امورا كثيرة أولها الصبر على المكاره، وثانيها  الحوار والمجادلة بالحسنى مع المناقض لهم والرافض للحق، وثالثها تنقيتهم مما لحق بهم من فخر وكبر وغرور وتشبث وتفاخر بالاصول والاموال، ورابعها فراق الأهل والعشير. والا فالله قادر على أن يهدي قريشا كلها خاصة وأنهم لم يكونوا ناكرين لوحدانية الله بل يعبدوا الاصنام لتقربهم زلفى كما ورد في القرآن ولكنها ارادة الله، فلما تركوا كل الدنيا وخرجوا مخلصين لله ومتخلين عن الدنيا وملذاتها، أوحى الله لرسوله أن يعلمهم بناء الدولة فكانت غزوات الرسول نواة لتهيئة وتشكيل الجيش، وكانت صحيفة المدينة ودستورها في التآخي بين المهاجرين والانصار والعقد مع يهود المدينة اعلانا بتأسيس الدولة وتكوين صفة المواطنة وشروطها، ثم علمهم الاحكام والافتاء وفق ما درسوا في القرآن الذي يحفظون وافعال واقوال الرسول التي تسمعون ويرون، وحكمه على ما يفعلون فيعتبروا موافقته اقرارا للصحيح، وبعد أن اكتمل فيهم النضج وارتقي فيهم الايمان والعلم قبض الله رسوله، بعد أن توحدت شبه الجزيرة العربية والتي لم يكن سكانها يزيدوا على المليون نسمة.

 

 يتبع لطفا ..

 

 





الجمعة٠٣ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٣ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد أبو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة