شبكة ذي قار
عـاجـل










إن الزرازير لما طار طائرها    توهمت أنها صارت شواهينا

 

كثير من أشباه الرجال سواء كانوا من اللذين خانوا العراق او من المنافقين والافاقين المدعين من الذين يعتبرون الوطنية مجرد ثوب يلبسونه متى ما شاؤوا و ينزعونه متى ما رغبوا وما هم في حقيقة الامر الا واحد من احتمالين فأما هم اغبياء وببغاوات تردد ما يقرأون ويسمعون ولا يفقهون ما يدور حولهم او انهم يضمرون حقدا دفينا لكل ما هو عربي وهم بالتالي يصبحون عملاء مأجورون قبل أن يكونوا إمعات وبيادق شطرنجية بيد خبراء الاعلام الأمريكي, وخصوصا خونة العراق الجديد القابعين في المنطقة الخضراء اللذين يتلقون الاوامر من سيدهم اللذي جاء بهم  بما يجب أن يتكلموا ويصرحوا بما لا يعرفون ولينفذوا ما يؤمرون به و هم بالتالي تصوروا متوهمين أنهم قادة العراق العربي الجدد ,  فقد كثر في الأونة الأخيرة (بعد الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي),الكلام عن التركيبة السكانية للعراق، وفقاً للتقسيمات الطائفية والعرقية ،وكثر الكلام عن هوية العراق والتشكيك بعروبة هذه الهوية , وان العرب قدموا الى العراق من الجزيرة وان العراق ليس عربي و و و و الخ من هذا الكلام.... فيما لم يكن هذا الأمر متعارفاً عليه (قبل الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي)  بين أبناء البلد الواحد ، وإنما يعود بالدرجة الأساس إلى اللغة التي جاء بها المحتل ، لغة الفرقة والتناحر ، وتقسيم الناس على حسب انتماءاتهم العرقية والطائفية، لتحقيق سياسية استعمارية قديمة ومعروفة هي سياسية : فرق تسد.

 

ففجأة وبعد الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي تحول العراق من جزء لا يتجزأ من الأمة العربية إلى ((الأمة العراقية))  وأصبح هذا المصطلح الجديد الذي لم يكن يسمع به أحد أو يجرؤ أحد على استخدامه، هو المصطلح السائد في وسائل الإعلام، وخاصة في القنوات التلفزيونية التي كثرت بعد الاحتلال مباشرة، ويتقصد خونة العراق (حكام العراق الجدد) تكرار ذلك كلما تحدثوا في وسائل الإعلام بغية إشاعة المفهوم، وتطبيع الآذان على قبوله, بعد أن كان النظام الوطني الشرعي قبل الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي قد غرس مفهوم العروبة والأمة العربية، في النفوس والعقول طيلة أكثر من ثلاثة عقود، لم يقتصر الحديث فيها على أن العراق هو جزء من الأمة العربية فحسب، بل كان يسن القوانين التي تساوي بين العراقيين والعرب، ويؤكد على أن "القطرية" هي فكر ينبغي محاربته.

 

إن دعاة الأمة العراقية هم ذاتهم دعاة الديمقراطية الأمريكية والحرية الغربية، والداعين إلى تغيير المناهج الدينية والوطنية في بلادنا، وهم ليسوا سوى عملاء استخدمهم الاحتلال لتنفيذ مآربه، واستطاع شراء ذممهم إلى الحد الذي سخرهم لترويج سياساته وادعاءاته بأنه جاء لتحرير العراق وشعبه من الحكم السابق،وهم ذاتهم الذين أشاعوا عشرات القصص الوهمية عن أسلحة الدمار الشامل والمقابر الجماعية وغيرها من الادعاءات التي لم تعد تنطلي على أحد، وليس صدفة أن تتزامن محاولات طمس عروبة العراق مع الجهود الأمريكية الضخمة من أجل تجذير التقسيمات الطائفية في العراق، تمهيداً لإشعال نيران الحرب الأهلية بين أبناء العقيدة الواحدة، من خلال تقريب هذه الطائفة وإبعاد أخرى

 

يعي العرب تماما ان الغرب الاستعماري المشحون بالمشروع الصهيوني ابتداء من مطلع القرن الماضي قد استهدف العروبة ليس فقط باجهاض حلم الوحدة العربية ومحاربة اي توجه وحدوي عربي ولكن كانت هنالك ايضا محاربة لأي بعد عربي واسلامي وكل مكونات الهوية الحضارية التاريخية لهذه المنطقة. على ضوء ذلك نفهم ابعاد المؤامرة على عروبة العراق ابتداء من احتلاله في العام 2003 حيث كان هدف الاحتلال الاول برغم الانسحاب من المدن في نهاية الشهر الماضي ، وما نريد ان نؤكده ان عروبة العراق ليست مرتبطة بنظام حكم وان العراق منذ تأسيس دولته الوطنية العام 1921 كان دولة عربية ، وسعت الانظمة المتعاقبة ابتداء من عهد فيصل الاول وحتى نهاية عهد الشهيد صدام حسين لان يكون العراق قاعدة ومنطلقا لتوحيد العرب ، ويكون العمق الاستراتيجي لهم... لكن عروبة العراق لا ترتبط ابدا بالانظمة السياسية التي حكمته منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة الفيصلية لان عروبة العراق قديمة وهي برغم كل ما يتعرض له العراق ظلت قوية وراسخة وان عروبة العراق سبقت بآلاف السنين الانظمة السياسية والاحزاب القومية ، وان العراق كان عربيا منذ فجر الاسلام .بل نقول  بموضوعية مجردة موثقة ان عروبة العراق سبقت (الفتح الاسلامي) نفسه في القرن السابع الميلادي. وهناك ادلة تاريخية موثقة تبت ذلك.

 

ان التاريخ يؤكد لنا إن الهجرات السامية الأولى كانت قد خرجت من العراق إلى ما حوله عكس ما هو مشاع تماما, ثم تلتها هجرات مكوكية متعددة منه وإليه. لأن حادث الطوفان حدث في العراق, أي في بابل وما يجاورها حتى سماه الآثاريون بالطوفان البابلي (Babylonian Deluge). كما يؤكد اللوح الطيني المكتشف في مكتبة آشوربانيبال وتأريخه668-626  ق . م وفيها يشير إلى بطل قصة الطوفان البابلي الذي يسمى في هذا الرقيم بـ (Ot-napishtim). وهناك لوح يعود إلى 1500 عام قبل اللوح الأول حولي 2100 قبل الميلاد يذكر فيه أيضا قصة نوح البابلي (Ot-napishtim) والطوفان. يعد هذا اللوح أقدم قصة معروفة للطوفان. أما في الرقيم الآخر الذي فيه رواية أخرى للطوفان, والمكتشف في مكتبة نينوى الملكية ويعود إلى الفترة نفسها التي يعود إليها اللوح الأول تقريبا (650 B.C.) يذكر صدور الأمر الإلهي لبطل القصة الذي يسمى هنا بـ (Hastsu-atra) وما يقابله في الإغريقية (Xisouthros) والذي يعني الحكيم أو بالغ الحكمة ببناء السفينة وملئها بالناس والحيوانات.


(The Babylonian Expedition, The Univ. of Pennsylvania, by Hilprecht
الصفحة 33 وما بعدها لذلك فالقائل بأن الهجرات السامية الأولى خرجت من الجزيرة إلى العراق والشام, يغفل مثل النصوص أعلاه. ولا يفسر لنا كيف ومتى تواجد الساميون في الجزيرة, وقد حدث الطوفان في العراق. وهذا التناقض يؤكد كون الهجرة الأولى كانت من العراق إلى الجزيرة, حيث انتشرت الجماعات المهاجرة في صحاراها والصحارى الممتدة بين العراق والشام إلى سيناء.


لقد سميت هذه الجماعات بـ العرب أو Arubuو Aribi و Aribu و Arub و Arai و Urbi و Arbi نتيجة لخروجها إلى الصحراء, وتحولها إلى حياة البداوة. حيث سماهم الآشوريون أو الأكديون وقبلهم السومريون بهذه التسمية. ثم عممت هذه التسمية على البدو والحضر معا, لتصبح تسمية لقومية, بعد أن كانت وصف لطريقة حياة مجموعة من الناس, سموا فيما بعد عربيا بـ الأعراب. (يستطيع القارئ الكريم الرجوع الى  كتاب المفصل في تأريخ العرب قبل الإسلام ـ الجزء الأول, الفصل الأول تحديد لفظة العرب. للدكتور جواد علي وكذلك كتاب العرب واليهود في التاريخ للدكتور أحمد سوسة).

 

وهكذا تدل رقع التأريخ ورقمه المبعثرة في ما هنا وهناك, على أن العرب هم عراقيوا الأصل على عكس المشهور والمتداول من أن الجزيرة هي أصل العرب. حيث تَنَقَّلَ قسم من سَكَنَة العراق القديم في صحراء الجزيرة (ما بين دجلة والفرات) وصحراء السماوة وما بين العراق والشام. ثم انتشروا في صحراء سيناء, وفي صحراء جزيرة العرب, فأطلق على هؤلاء جميعا تسمية العرب. تلك التسمية التي امتدت فيما بعد إلى من استقر منهم في المناطق الحضرية في الحجاز واليمن. ثم تحولت إلى تسمية لقومية كما مر. ثم عاد جزء من هذا القسم كموجات إلى العراق في فترات متعددة؛ كما هو الحال بعد انهيار سد مأرب, أو عند الفتح الإسلامي وبعده

 

أما في كتب التأريخ العربية الإسلامية نجد أن نصف العرب الأكثر عددا وهم العرب المستعربة, ومنهم النبي محمد (ص), هم ولد النبي إسماعيل بن النبي إبراهيم (ع), وهو ابن الرافدين وابن أور, وليس أورفة كما يزعم البعض الذي رمى بسفينة النبي نوح (ع) إلى أرارات؛ بعيدا عن نينوى الممتدة من جنوب الموصل إلى شمال صحراء السماوة ـ وفيها الجودي الذي رست عليه, كما ذكر في القرآن الكريم. وقد ولد إبراهيم (ع) في بدايات الدولة البابلية الأولى الأكدية, التي كان حمورابي أشهر ملوكها.

 

إن العراق هو أصل العرب. والعرب هم قسم من أقوام عراقية قديمة انتشرت خارج العراق (الحالي). أما القسم الذي استوطن منهم الجزيرة العربية, فبعد هجرته الثانية من الجزيرة العربية إلى العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا إبان الفتح الإسلامي, أختلط مع من تواجد في هذه الأماكن وغلبت هويته عليهم بفضل حمله الإسلام. (أنظر مقدمة ابن خلدون) فأصبح الجميع يسمى عربي, وإن لم يكن عربيا. فيما كانت تسمية العراقيين بالعرب هي من باب تسمية الكل بجزئه الأكثر حضورا. لأن صفة العراقية هي الصفة الشاملة لكل العرب الأصليين (في داخل العراق وخارجه) بالإضافة إلى العراقيين الآخرين, من غير الأكراد والتركمان.

 

ان الملك العربي الشهير (حمورابي) قد حكم العراق واصلحه اجتماعيا واقتصاديا وقانونيا في الحقبة ذاتها: حقبة بروز الاشوريين ، اي في الألف الثاني قبل الميلاد.. كما ان الوجود العربي في العراق اسبق من ذلك. ومن الحقائق التي لا غبار عليها ان الوجود العربي في العراق لم ينقطع قط, منذ تلك الحقبة المبكرة من التاريخ البشري ، والى يومنا هذا. ففي حقبة تاريخية تالية شهد العراق ملوكا عربا منهم ملوك الحيرة مثلا مالك بن فهم ، وجذيمة بن الابرش. وعمرو بن عدي. وامرؤ القيس. والنعمان بن امرئ القيس ، والمنذر بن امرئ القيس ، والمنذر بن المنذر بن امرئ القيس ، وعمرو بن هند ، والنعمان بن المنذر. وحين جاء الاسلام الى العراق لم يأت بالعروبة لأن العروبة قد سبقته الى العراق بألوف السنين.. ولكن اللذي حصل ان العروبة قد انتعشت بمجيء الاسلام الى العراق.. وهذا أمر طبيعي ومفهوم. فالنبلاء الذين حملوا العلم والضياء والهدى الى العراق ، انما هم عرب خلص كونوا من المهد الأول للعروبة جنسا ولسانا ومكارم ونسبا ورحما مع عرب العراق.

 

ولقد كان من تلاحق موجات الجزيرة العربية المعروفة يقيناً إلى بلاد العراق في دور العروبة الصريحة قبل الإسلام وبعده، وما قام وظل يقوم من صلات وثيقة من هذه البلاد وجزيرة العرب، وما كان من استمرار التشارك في اللغة والخصائص والتقاليد العقلية بين هذه الموجات الصريحة، والموجات التي قبلها، مما أكد وقوّى وخلّد ذلك الطابع على العراق، وجعل دعوى انتماء تلك الموجات إلى العروبة وجزيرة العرب محكمة حاسمة.

 

ويكفي أن يدقق المرء في أسماء الأعلام العراقية، واعني قرى العراق وقصباته وأنهاره التي تحمل لمحة العروبة المتقدمة على دورها الصريح. ويكفي كذلك أن يقارن بين مفردات لغات تلك الموجات، وبين مفردات اللغة العربية الفصحى، ليرى مصداق ذلك قوياً، لا يتحمل مراء. ففي معجم البلدان لياقوت الحموي، المتوفي في القرن الهجري السابع، أسماء مئات من القرى والقصبات والأعلام التي تحمل لمحة العروبة المتقدمة، على دور العروبة الصريح. والتي لا شك في أنها تسمية تلك الموجات التي حلت في العراق وأنشأتها، قبل هذا الدور ولقد ظل كثير من أسماء القرى والمدن والمواقع العراقية، يحمل لمحة العروبة القديمة، برغم ما طرأ عليها من تحوير وتبديل ولقد أثبت ولنغنستون مؤلف كتاب تاريخ اللغات السامية جدولاً فيه جملة كبيرة من المفردات الأشورية البابلية والآرامية التي كان يتكلم بها سكان العراق، في ظل دولها الآرامية والأشورية والكلدانية والعمورية، مع ما يقابلها من المفردات العربية، التي كان يتكلم بها أهل جنوب جزيرة العرب قبل العروبة الصريحة، ثم ما يقابلها كذلك من المفردات العربية الفصحى ولقد قال الدكتور جواد علي، أن تسمية الساميين مصطنعة، وأن تسمية العرب هي الأقرب إلى العلم، والأدق والأصح والأصدق، على كل حال من تلك التسمية، وأنه ليس غريباً ولا بعيداً عن العلم والمنطق، أن تسمى الشعوب التي أدخلها العلماء تحت مصطلح "السامية" عربية، لما بينها من صلات ومشاركات وتقارب

 

ولقد أنشأت الموجات العربية في العراق دولاً عديدة متلاحقة، لم تكد سلسلتها تنقع بسلطان غير عربي الجنس طيلة أربعين قرناً قبل الميلاد، منها ما ظل محلي السلطان والنطاق، ومنها ما اتسع سلطانه حتى شمل جميع العراق، ثم تجاوزه إلى أقطار شاسعة في شمال العراق وشرقه وغربه، ووصل إلى البحر الأسود شمالاً، وبحر قزوين شرقاً، والبحر الأبيض والقطر المصري غرباً. ولقد أنشأت هذه الدول منشآت عمرانية عظيمة، وخرب كثير منها وانطمر تحت التراب. ولقد كتب كثير من ملوكها سيرتهم الحربية وغير الحربية على الأحجار والمنشآت التي انطمرت بدورها. ولقد جرت تنقيبات كثيرة منذ أواسط القرن السابق، في أماكن كثيرة من العراق، وخاصة في مواقع عواصم دوله القديمة، مثل أور وأوروك وبابل ونينوى ودار صرغون وبارسيب وكلح، كانت تجري على نطاق ضيق، وعلى غير أسلوب علمي، ثم تقدمت منذ أواخر القرن السابق واتسعت، وساهمت مصلحة الآثار العراقية فيها، إلى جانب بعثات الجامعات الأمريكية، فعثر على كثير من الآثار والكتابات والنقوش. وقد كتب جرجي زيدان فصلاً في كتابه تاريخ العرب قبل الإسلام، في تاريخ أسرة من الأسر العربية الجنس، قامت لها دولة كبرى في بابل منها حمورابي الشهير، استناداً كذلك إلى الكتابات الأثرية والروايات والمدونات القديمة. وفي الجزء الأول من التاريخ العام لأحمد رفيق التركي، الذي يستند إلى كتب شبامر وموردتار وده ليج، وماقس دونكر، وهومل الألمانيين وماسبرو وسينوس الفرنسيين، فصول في تاريخ البابليين والكلدانيين والأشوريين. وفي كتاب العصور القديمة لبريستيد الذي ترجمه إلى العربية داوود قربان فصول كذلك في هذا التاريخ.

 

إن المكتشفات الآثارية ما تنفك تؤكد يوماً بعد يوم أن تاريخ الوطن العربي هو تاريخ التمدن البشري على هذا الكوكب.  فقد أثبتت، بما لا يبقي مجالاً للشك، أن إنساننا كان أول من عرف الزراعة وفن البستنة، وأول من بنى المدن، وشيد الحصون والقلاع، وأول من عرف المعدن واستخدمه وأتقن فن التعدين وصناعة الأدوات، وأول من صنع الفخار والدولاب، وأول من عرف وأسس علوم الطب والفلك والحساب والهندسة والجبر والمساحة، ووضع المقاييس والمكاييل والموازين، وأول من اكتشف، ومن عهد بابل، أن الأرض كروية، وأنها هي التي تدور حول الشمس، فدرس بناءً على ذلك ظاهرة الخسوف والكسوف، ووضع المواقيت والتقاويم لأول مرة، ووضع النظام الستيني منذ عهد بابل الذي ما زال مستخدماً حتى اليوم، فقسم بموجبه النهار إلى 12 ساعة، والساعة إلى 60 دقيقة، والدقيقة إلى 60 ثانية.  وأول من صنع السفن وأبحر في البحار والمحيطات، وأوجد خطوط التجارة الدولية في البر والبحر، ودار حول رأس الرجاء الصالح وبلغ الشواطئ الأمريكية منذ الألف الثاني والأول قبل الميلاد (أي قبل كريستوف كولومبوس بما ينوف عن ألفين وخمسمائة عام).  وأول من أبدع عقيدة الخصب الزراعية بكل تقاليدها وتعاليمها وآدابها وفنونها، وأول من أبدع عقيدة التوحيد، وأول من عرف الكتابة واخترع الأبجدية، وصنف الكتب والمكتبات، وبنى المدارس، ووضع القواميس منذ الألف الثالث قبل الميلاد (كما أثبتت مكتشفات ماري)، وأول من صنع النول والمكوك وعرف الحياكة والنسيج، وأول من بنى دولة مركزية كبرى بالمفهوم الحقوقي والإداري والسياسي والاقتصادي والعسكري، فوضع الأنظمة، وشرع القوانين، وضرب النقود، وبنى الجيوش، وأول من وضع تشريعات الزواج وبناء الأسرة، وأول من شرب الخمور، وصنع العطور، وأحدث مجالس الشراب، والشورى والندوة، وأول من وضع مجلسين استشاريين للشيوخ والشباب، وأول من تزين بالحلي والكحل وليس الجوارب، وعرف الشطرنج والنرد والداما يعتمد تحديد الهوية التاريخية القومية والحضارية لهذا التجمع البشري أو ذاك، لهذه الظاهرة التاريخية أو تلك، على ثلاثة أسس رئيسية هي: السكان، اللغة، والأرض أو الجغرافيا، مع قناعتنا الأكيدة بأن هذه الأشياء الثلاثة لا توجد الواحدة منها في معزل عن الأخرى، بل بشكلها المترابط عضوياً، المتفاعل جدلياً.

 

يجمع المؤرخون اليوم أن علم الألسنيات هو أصلح الأشياء لمعرفة الأصول السكانية والأعراق ومركز نشوء الحضارة الذي منه انتقل الإشعاع إلى غيره من الأنحاء، فاللغة هي وحدها القادرة على تحديد الهوية القومية لهذا الشعب أو ذاك.  لكنه لكي تتمكن اللغة من الاضطلاع بهذا الدور لا بد لها من أن تعيش عملية التواصل التاريخي، وهو ما لا ينفصل عن التواصل التاريخي للشعب الذي يتكلم تلك اللغة، كما أن أي احتلال يفرض لغته على شعب ما يبقى ظاهرة طارئة مؤقتة يستمر التواصل اللغوي القديم بعده.  ولما كانت اللغة تلازم الإنسان منذ أن بدأ العيش في جماعة وتتطور معه حاملة كل هواجسه وفكره ومعاناته وإبداعاته فهي بالتالي وحدها التي تحمل ملامحه النفسية والثقافية والحضارية، وتحدد بالتالي هويته القومية.بالإضافة إلى ذلك، لا بد من التذكيربأن اللغة شيء، والكتابة شيء أخر، فالأولى نشأت وتطورت قبل الثانية بآلاف السنين وان لهجات أي لغة قد تقل أو تكثر، لكنها تبقى لهجات، ولا يصح أن يطلق عليها اسم اللغة، لأنها تنتمي جميعها للغة أم واحدة. وكثيراً ما يفرض تطور الحياة موت كلمات وسقوطها من الاستعمال اليومي وولادة كلمات جديدة من صلب الخميرة اللغوية نفسها، وتبقى الكلمات الميتة، رغم ما قد يبدو عليها أنها غريبة وغير مفهومة، منتمية إلى اللغة الأم، وعلم تاريخ اللغة هو الذي يحفظ لها هويتها سواء في القواميس أو كتب فقه اللغة الأخرى و وعليه لو عدنا الى المراجع والكتب اللغوية لرأينا ان كثيرا من المصطلحات والمفردات اللغوية التي كانت سائدة بين سكان العراق في العصور القديمة مازالت تستعمل الى يومنا هذا في لغتنا العربية.

 

وفي تاريخ العراق القديم والمعاصر أكثر من مثال يدل على عمق انتمائه العربي ومحدودية تأثير القوى المعادية لعروبته . والتاريخ يذكر أنه جرى استبعاد النخب عربية الأصول والانتماء من ديوان الجند على عهد المعتصم سنة 218 هـ . وتوالت على التحكم في صناعة القرار السياسي من بعده نخب تركية وديلمية وسلجوقية ومملوكية وطورانية قرابة اثني عشر قرنا ، شاعت في معظم سنواتها دعوات شعوبية محقرة للعرب ومنتقصة من شأنهم . وبرغم ذلك كله احتفظ العراق بطابعه العربي الغالب ، ولم تتأثر فيه سلبيا أي من مقومات انتمائه القومي . كما كان للمثقفين والضباط العراقيين اسهامهم البارز في كل من منظمتي العربية الفتاة والعهد  القوميتين ، اللتين برزتا أواخر العهد العثماني ، وتصدتا لدعوة التتريك الطورانية وممارسات جماعة الاتحاد والترقي  المعادية للعروبة والاسلام .


هناك أقليات أو أعراقاً غير عربية في العراق، مثل: الأكراد، والتركمان، والأرمن، ولكن هذا التنوع العرقي كان دائماً موجوداً، وفي كل الأزمان والعهود، وشكل رافداً أساسياً في النسيج العراقي، فما هو الجديد الآن، الذي يحتم تغيير هوية العراق؟ إذا كانت المسألة مسألة أقليات يجب احترامها، ونحن مع احترامها وأخذ حقوقها كاملة على قدم المساواة مع الجميع في إطار العراق الواحد الموحد، فلماذا يغفل هؤلاء الذين يطالبون بطمس عروبة العراق، وجود أقليات غير مسلمة، ويحرصون على التأكيد على الهوية الإسلامية للعراق، ألا يحتوي هذا الطرح على تناقض يعكس سوء النية المسبق، ويصب في إطار السياسة الأمريكية التي تعتمد التفتيت كمنهج سياسي، أي تفتيت المنطقة العربية وتحويلها إلى كيانات منفصلة متناحرة، تمهيداً لتفتيت القطر الواحد؟ ... من المسؤول عن اجتثاث عروبة العراق وابعاد العراق عن عمقه العربي؟ ومن ساهم بهذا؟ ... أول المسؤولين هي بالتأكيد أغلب الأنظمة العربية التي لزمت الصمت، رغبا أو رهبا، تجاه ما يجري في العراق، فغابت عنه وغيبته. وايضا يتحمل المسؤولية خونة العراق اللذي اتى بهم المحتل الذين طبقوا ويطبقون اجندة الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي يساعدعهم ويعاونهم بذلك الابواق الغبية التي تصدر من افواه حاقدة جبانة لا هم لها سوى التسقيط بالقومية العربية سواء عن قصد او عن عدم دراية.

 

ان الغياب العربي، عن دعم المقاومة العراقية الباسلة ، يضاف اليه سعي  النظام العربي الرسمي، إلى منح واعطاء شيء من شرعية مؤقتة، ومن نوع ما،للحكومات التي نصبت في المنطقة الخضراء من قبل الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي وعدم تعامل الانظمة الرسمية العربية مع الاحتلال على انه احتلال وعدم رفض هذه الانظمة لهذا الاحتلال الأميركي ومنتجاته، كان عنصرا حاسما في خسارة عروبة العراق،وهذا ما شجع الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي الى قيادة  حملة كبرى للقضاء على قيم العروبة والانتماء للمحيط العربي والإسلامي، سواء في مناهج الدراسة العراقية، أو في خطاب أجهزة الإعلام. وانتهى الأمر إلى ما نراه اليوم من أنه، ، فالخطاب العروبي اختفى أو يكاد يختفي تماما من الخطاب السياسي للقوى الأخرى، ومن أجهزة الإعلام. وأطلق الاحتلال العنان لأبشع النوازع الطائفية والعرقية التي تقوم في جوهرها على اعتبار أن المصلحة الطائفية أو العرقية تأتي أولا قبل مصلحة العراق كبلد عربي موحد. كل هذا، بالإضافة إلى الفوضى العارمة والعجز المطلق للاحتلال عن ضمان أي قدر من الأمن والاستقرار، أرسى أسس تمزيق كيان العراق وتقسيمه. إن الاحتلال بقضائه على الدولة العراقية الواحدة وأجهزتها ومؤسساتها، وبإطلاق العنان للنوازع والمطامع الطائفية، قطع شوطا بعيدا في استهدافه لعروبة العراق، ولفصله عن محيطه العربي. أين كانت الحكومات العربية وكل هذا يحدث؟.. ماذا فعلت وهي ترى عروبة العراق يتم تدميرها، وترى العراق يتم تمزيقه طائفيا وإثنيا على هذا النحو؟ الذي حدث أن الحكومات العربية بصمتها وعجزها، بل وتواطئها عمليا مع الاحتلال، كانت شريكا عمليا في مشروع محاولة القضاء على عروبة العراق على هذا النحو.

 

ختاما اقول واهم كل من يروج ضد عروبة العراق، إذا اعتقد أنه نجح في إلغاء عروبة العراق، وتغييب هويته التاريخية والحضارية والثقافية والاجتماعية القومية العربية، لإن العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وليس كما هو تصور على ان الشعب العربي في العراق فيه جزء من الأمة العربية، رغم أن العراق  كما هو معروف  بلد عربي الوجه والطابع والانتماء والتأريخ، يشكل العرب أكثر من ثمانين بالمائة من أرضه وسكانه، تعيش في وسطهم ورعايتهم أقليات عدة من ضمنها الأقلية الكردية التي لولا عرب العراق الذين حموها وحافظوا عليها ومنحوها مكانة متميزة لا وجود لها في تركيا وإيران وأذربيجان، التي تضم ملايين الأكراد، لكانت الآن لا وجود لها على الخارطة، هذه حقيقة يدركها كل منصف وعاقل.

 

عاش العراق حرا عربيا ابد الدهر

عاشت المقاومة العراقية الباسلة بكل فصائلها و اصنافها وبكل مسمياتها
المجد والخلود لشهداء العراق وفي مقدمتهم شهيد الحج الاكبر صدام حسين رحمه الله

الحرية لاسرى العراق في سجون الاحتلال

 

 





السبت٠٤ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل ابراهيم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة