شبكة ذي قار
عـاجـل










لايخفى دور وزارة الخارجية في حال حدوث أزمات مع العالم الخارجي سواء كانت دول جوار أو غير ذلك، والعلاقات الثنائية أحد شطري عمل وزارة الخارجية يقابلها العلاقات المتعددة الأطراف, وهذه العلاقات معروفة منذ فجر التأريخ بطابعها التقليدي البسيط إلى أن صيغت في مؤتمر(ويست فاليا) عام 1648 بشكلها القانوني. ولم تتبلور الملامح الرئيسة للعلاقات الدولية إلا عام 1815 حيث عقد مؤتمر فيينا الذي فصل المفهوم تفصيلا شاملا وحدد مسئولية المشرفين على إدارتها.


لكن شبح الحربين الكونيتين ألقى بظلاله في تعكير صفو العلاقات الدولية مما أوجب تصفيتها مرة أخرى مما علق بها من شوائب بسبب أختلاف الرؤى والمصالح. سيما ان حدود المسئوليات والصلاحيات كانت سائبه الأطراف بعض الشيء كواجبات المبعوث الدولي وحدود صلاحياته بما لا يتعارض والمساس بالمصالح العليا للدولة التي تستضيفه، كذلك موضوع الحصانات والإمتيازات الدبلوماسية, ودرجات المبعوثين والأسبقيات وأمور أخرى، فعقد مؤتمر فيينا عام 1961 والذي نجم عنه إتفاقية دولية لتنظيم العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بين دول العالم على قدر من العدل والمساواة وهي المعتمدة حاليا في كل دول العالم ما عدا العراق المحتل.


وزارة الخارجية من الوزارات السيادية التي تلعب دورا مهما في تأريخ الدول في أوقات الحرب والسلم على حد سواء, وقد شهدنا وزارة الخارجية العراقية خلال النظام السابق تتحرك كمكوك لا يهدأ رغم الظروف القاهرة التي كانت تعمل بها. فقد كانت في مواجهة صعبة مع أقوى الدبلوماسيات العالمية سواء الأمريكية أو الاوربية تسندهما الأمم المتحدة في مفارقة تأريخية شاذة لم يشهدها العالم المعاصر. وكان الدبلوماسيون العراقيون من ألمع الدبلوماسيين بأعتراف دول الغرب قبل الشرق.


هذا الوجه الإشراقي هو نتيجة طبيعية للمخاض الطويل والعسير الذي يمر به الدبلوماسي قبل أن يمنح أول درجة في السلم الدبلوماسي وهي(ملحق) ليتدرج بعدها خلال ما لايقل عن (20) سنة من الجهد المتواصل وامتحانات الترقية الصعبة إلى درجة وزير مفوض وهي أعلى درجة دبلوماسية على أعتبار ان السفير درجة خاص قد تمنح ليس للدبلوماسيين فحسب وإنما للوزراء السابقين أو المستشارين السياسيين والأقتصاديين والخبراء الفنيين وغيرهم. والأنكى منه ان أي فشل في إمتحان الترقية من شأنه ان يحول الدبلوماسي إلى موظف إداري.


هذا المخاض العسير ذو أهمية قصوى رغم صعوبته فهو عامل أساسي لصقل ذهنية الدبلوماسي ليكون بمستوى يسمح له بتمثيل دولته، وتزويده بالخبرة في مختلف الجوانب الحياتية ومنها المعرفه الدقيقة بأحوال بلده وتأريخه وحضارته وسياسته وأقتصاده وشؤونه الثقافية والإجتماعية علاوة على تعريفه بالمصالح القومية العليا لدولته. كما يتم رفع مستواه لدرجة الإتقان في اللغة الأنكليزية والعربية ويمنح لمن له لغة أخرى مخصصات تشجيعية. بالإضافة إلى ذلك يزود بأساسيات القانون الدولي والإقتصاد الدولي وشئون الأتكيت والبروتوكول، وآلية عمل المنظمات الدولية والأقليمية والعربية، وطبيعة العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف وغيرها من الشئون ذات العلاقة بالعمل الدبلوماسي ليكون محط الأنظار بين الدبلوماسيين من الدول الأخرى.


بعد الغزو الأمريكي وبسبب المحاصصة الطائفية والعنصرية أصاب وزارة الخارجية نفس العوق الذي أصاب شقيقاتها الوزارات لكن بطريقة اسوأ. صحيح ان الفساد المالي في الوزارة أقل من بقية الوزارات بحكم مواردها المحدودة وتخصيصاتها الأقل. لكن الفساد الإداري يتفوق على معظم الوزارات. فقد تولاها وزير اشبه بلصقة جونسون متمسك بها بانيابه ومخالبه مع انه لا علاقة له بالعرب ومصالحهم. فقد حول الزيباري الوزارة الى( حارة كلمن أيده اله) فأكراد الحزببين الرئيسيين تغرف من جهة، وحزب الدعوة من جهة والمجلس الأعلى من جهة، وكذلك الحزب الإسلامي والتيار الصدري والفضيلة وهلم جرا. كل يغرف لحزبه ونفسه أما الوطن ومصالحه العليا فهو على الضفة البعيدة من اهتماماتهم. أما وكلاء الوزارة فهم أنموذج راقي للإستهتار والفساد الأخلاقي فوكيل منهم (شيوعي رأسمالي) لا يعرف ربه ولا يعترف به. والأخر وكيل طرد من الوزارة بسبب جريمة أختلاس ولكنه أدعى معارضة النظام السابق وبنى بطولات نضالية من ورق. والرجل بحق نجح كحملة دار لامع أكثر منه موظفا في وزارة الخارجية لأن مهنة الحملة دار تتناسب مع كفائته ومستواه المهني رغم انها لا تتناسب مع مستواه الاخلاقي! فقد فاحت رائحة الفساد في مكتبه وأزكمت انوف الشرفاء وذلك قبل ان ينقل كسفير في دولة عربية مجاورة. ومازال طريدا من القضاء لإتهامه بجريمة اغتيال الشيخ السهيل في بيروت. والأخر وكيل كالحرباء يتلون مع كل نظام وكانت زوجته تتبوأ مركزا لا يحسدها أحدا عليه قبل الغزو وهلم جرا.


لذلك كانت الوجبة الأولى من السفراء الذين عينهم أياد علاوي اشبه بوجبة المكدونالد أمريكية الصنع رخيصة وسريعة ومضرة وتفسد سريعا. ورغم أن أياد علاوي قد ازيح من منصبه لكن سفرائه بقوا في مناصبهم الخالدة كالجراد يعيثون فسادا ودمارا في السفارات لمدة خمسة أعوام دون رقيب ولا حسيب ولا ضمير وهل للعملاء ضمائر؟ ثم من يحاسب من؟ ومن يجرؤ على المحاسبة؟ فهم عصابة وكل أعرف بأن المقابل لص مثله. ويتربع على عرش الفساد الوزير نفسه والمفتش العام للوزارة وكلاهما غيرته أرق من قشرة البيضة.


خمس سنوات قضاها السفراء (متعددو الجنسية كالقوات الغازية التي جاءت بهم) في سياحة وإستجمام فاغتنوا بعد فقر، وشبعوا بعد جوع، وتحولوا خلالها من شحاذين على ابواب المخابرات أو على فتات مساعدات اللاجئين إلى أصحاب ملايين وربما مليارات. إنتهى اكسبايرهم وكنا نتوقع ان تكون الوجبة القادمة من السفراء أفضل من سابقيهم، كإستفادة من الدرس المرير، لاسيما ان جميع النواب والوزراء بما فيهم الزيباري نفسه يشكون دوما في تصريحاتهم من المحاصصة ويحملونها سبب الفشل في إدارة وزارتهم وهي حقيقة لا يمكن إنكارها. ولكن ما ان ظهرت الوجبة الجديدة من السفراء حتى وجدنا أنفسنا أمام حالة شاذة ينطبق عليها المثل العراقي(( الزمال نفس الزمال لكن العليجة هي التي تغيرت)).


سأضرب لكم أمثلة على بعض السفراء لتعرفوا الهوة السحيقة التي سقطت فيها الدبلوماسية العراقية. في دولة أوربية أنتهى عمل سفير عرف بإبتذاله وفساده المالي والاخلاقي يحمل جنسية أوربية وعين بدلا عنه سفير كردي الاصل ولكنه يحمل الجنسية البريطانية وزوجته بلجيكة أصلا وليست متجنسة؟ فهل سيخدم هذا السفير بريطانيا أم بلجيكا أم أقليم كردستان؟ فهو ثلاثي الولاء؟ استبعدنا العراق بالطبع على اعتبار ان السفير الكردي ليس له علاقة به أو بمصالحه وإنما يخدم مصالح اقليمه فقط؟


سفراء العراق معظمهم ليسوا بعراقيين ولا يمثلون العراق. والكثير منهم يمثلون مصالح الدول المتجنسين بجنسياتها. والسفراء الأكراد يمثلون كردستان فقط, أي ان السفارات بشكل عام لا تمثل العراق. انظروا الى سفيرنا المخزي في طهران (إيراني الجنسية ) وأي جهة يمثل؟ فبين آونة وأخرى تقوم القوات الإيرانية بقصف القرى الكردية الحدودية وقد أدى ذلك إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة. بالطبع لا يقدر حكام أقليم كردستان أن يفتحوا أفواهم لأن الملالي سيلقمونهم مداسا أوسع من أفواههم. والبرلمان والحكومة العراقية ايرانيو الهوى، فمنذ الغزو لحد اللحظة يتسترون على الإرهاب الإيراني في العراق ولا أحد يفتح فمه. الضحية دائما الشعب الكردي المسكين الذين إبتلى بهذه العصابة فهو يدفع فاتورتي الطالباني والبرزاني من دماء أبنائه. ومع هذا يخرج السفير العراقي في طهران بكل وقاحة وقلة أدب وإنعدام ضمير ليكذب القصف الإيراني للقرى الكردية ويصفها بأنها(( ادعاءات كاذبة)) وهذا ما لم يجرؤ حتى السفير الإيراني أن يبوح به! بربكم هل يمثل هذا السفير الجاحد العراق أم إيران؟ خلاصة القول أن لأيران سفيرين أحدهما في السفارة العراقية في طهران والثاني في السفارة الايرانية في بغداد. لكن ولاء الأمعي في طهران أكثر من ولاء السفير قمي في بغداد.


سفير آخر عين بموجب المحاصصة في امارة السوء (الكويت) وهذا السفير درس وعمل وعاش معظم حياته في الكويت، و عندما قدم اوراق اعتماده سأل وزير الخارجية الكويت هل يا ترى سيخدم مصالح العراق أم الكويت؟ لا يعرف السفير الأمعي لحد الآن وظيفته ولم يحسم بعد ولائه؟ كان الشيطان في عونه.
المثير ان الوزير زيباري وصف إعتماد سفيره في الكويت بأنه((خطوة جبارة)) وإنجاز كبير! يا للعجب! كأنما يتحدث عن دولة عظمى وليس إمارة منتزعة من العراق لا تقدم ولا تؤخر.


ولننعش قليلا ذاكرة زيباري الخامدة! فقد وصفت الحكومة البريطانية الكويت بأنها (( إمارة صغيرة يمكن الاستغناء عنها والتضحية بها من دون انشغال كبير إذا اقتضت صراعات القوى ذلك)). ونستذكر المقولة الشهيرة لمساعد وزير الدفاع الامريكي الأسبق(لورنس كورب) بقوله (( لو كانت الكويت تزرع جزرا لما أهتممنا بها على الإطلاق)).


أية خطوة جبارة تلك يازيباري؟ وماذا سيكون وصفك لو قامت وزارتك المتقزمة بإخراج العراق من الفصل السابع. او الغت تعويضات الكويت، أو أنهت مشكله الخطوط الجوية العراقية التي الغيت جراء تعنت هذه الإمارة المجهرية. او حلًت المشاكل الحدودية مع الكويت وإيران ووضعت حدا لاستهتارهم بسيادة البلد في ابتلاع أراضي عراقية. أو توغلهم في المياه الاقليمية العراقية واحتجازهم المتكرر لصيادين عراقيين. أو حلتً مشاكل (4) مليون لاجيء موزعين في دول العالم. أو نجحت في ملف تقاسم المياه مع دول الجوار. او وضعت حدا لتدخل دول الجوار في الشأن العراقي الداخلي، واكتساح جيوشهم الغازية لمناطق عراقية وقصف القرى الحدودية إستهزاءا بالسيادة التي تتبجحون بها أمام العالم. أوعالجت ملف كسر طوق العزلة العربي والأجنبي والأنفتاح على العالم الخارجي!


أو على الأقل وجدت علاجا ناجعا لمهزلة الجوازات المتنوعة الأشكال والألوان والحروف واللغات والطبعات. التي يحرم العراقيون منها وتمنح بسخاء وبلا ضوابط للغرباء والدخلاء.


هذه هي الإنجازات الحقيقية يا وزير الخارجية وليس فتح سفارة في الإمارة! وإية إمارة؟ إمارة السوء والحقد والتآمر المتواصل على العراق وشعبه.
ولكن هذه هي إمكانات وزارتك الفائضة بالعقول الخاوية والمتطفلين على السلك الدبلوماسي.

وكما قال المتنبي (( وتكبر في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم )).

 

 





الخميس٠٩ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ضحى عبد الرحمن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة