شبكة ذي قار
عـاجـل










فالحزب التاريخي هو الذي يكشف للأمة في مرحلة حاسمة عن قدراتها الحقيقية وعن آفاق عملها ورسالتها في الحياة، وعن الطريق الذي تستطيع فيه أن ُتبلج أهدافها وتحقق ذاتها. وقد كان تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي كما هي معركة العراق اليوم كشفا ًعن القوى الكامنة في الشعب وتفجيرا لها بعمل جريء صعب يشبه الولادة، وهذا هو العمل التاريخي الخلاق، الذي ُيولد معه واقع ثوري جديد، وتبنى أجيال جديدة، وتتفتح آفاق جديدة للمستقبل.


ولقد كان البعث على موعد ا مع العراق منذ بداية التأسيس، عندما بادر البعثيون الأوائل منذ اليوم الثاني لثورة مايس 1941، إلى تشكيل تنظيم لنصرة العراق، والمساهمة في معركته، وقد دعت بيانات الحزب إلى اعتبار تلك المعركة مخاضا ً لبدء تاريخ جديد لان العراق قام ليحرر نفسه ويوحد العرب.


فالعراق أكد باستمرار إنه حصن المبادئ وارض البطولات وأمل الأمة والتعبير الحي عن ضميرها وإرادتها وطموحها، ومعركته اليوم هي امتداد متجدد لروح الانبعاث في الأمة.


إن عراق البعث ينوب اليوم عن الأمة العربية في الدفاع عن قوميتها وشخصيتها الحضارية، كما ينوب عنها في تحقيق حالة صحية من الثقة بالنفس والشعور بالاقتدار، لابد ان تنتشر في أوصال الجسد العربي كله. فأي جندي في جبهة القتال يعرف ويشعر انه يقاتل في سبيل الأمة العربية واستعداداً للمعركة الكبرى في فلسطين. ولم يكن العراق في يوم من الأيام محققا ً كامل خصوصيته ومجسداً في الوقت نفسه أشمل مفهوم لعروبته الأصيلة وقوميته العربية الحديثة المتحررة، مثلما هو اليوم في هذه المعركة، ذلك انه عراق البعث، عراق المبادئ والأهداف الكبرى للأمة.
 

انه لمدعاة للاطمئنان، أن يظل حزب البعث رافعا ً لواء القومية العربية والمدافع الأول عنها والمؤمن والمعتز بها، الوفي المخلص لها، بينما نرى الارتداد والتنكر يصيبان أكثر الأنظمة المسماة بالتقدمية، والتي أدت تقدميتها الى رجعية جديدة، تتخذ التقدمية شعاراً تغطي به شعوبيتها،وبانتهازيتها واستهتارها بمقدسات الشعب وكرامته ومصالحه في سبيل التكالب على الحكم والاحتفاظ به بأي ثمن.

 

وانه لتأكيد لأصالة هذا الحزب وجديته أن يواجه في البدء، كما هو اليوم في معركة عراق البعث، العداء المتعدد المصادر للقومية العربية، وان يجد نفسه يدافع وكأنه يبدأ من جديد عن ابسط حقوق الوجود العربي ومقوماته، ليس تجاه الامبرياليين والصهاينة فحسب، بل أيضا تجاه من كان يفترض أن يكونوا جيرانا وأشقاء وعونا ً للأمة العربية على أعدائها.


أليست العروبة هي المستهدفة قبل أية قومية أخرى وأية عقيدة أخرى من الاستعمار والصهيونية وكل قوى الشر والتسلط والاستغلال في العالم؟ أليس حقدهم عليها يرجع إلى الحروب الصليبية والى ما قبلها، ولم نشاهد إن الغرب لاحق بعدائه شعبا بمثل الإصرار الذي لاحق به الأمة العربية؟ أليس بدافع هذا الحقد ومن اجل منع الوحدة العربية وتعطيل النهضة العربية اصطنع الغرب الكيان الصهيوني الذي اغتصب فلسطين وأصبح قاعدة كبرى للتوسع والعدوان؟ أليست العروبة هي المستهدفة قبل غيرها، لأنها تستطيع أن تجمع وتوحد الشعوب الإسلامية وشعوب العالم الثالث، ضمن منظور حضاري تقدمي يحفظ لكل شعب شخصيته القومية وسيادته ويقيم التعاون على أساس الحرية لا القسر وباتجاه التقدم والمستقبل لا بعقلية التخلف والفوضى؟


هذا هو قدر العروبة، قدر صعب وعظيم تدل صعوبته على عظمته وتنبئ شراسة العداوة التي توجه إليه وضخامة العقبات التي توضع في طريقه عن غنى الإمكانات التي يحملها وعن جدية الخطر الذي تتوجس منه قوى البغي على مصالحها.


إن اصطدام عراق البعث بالعداء الفارسي العنصري، ليس إذن سوى حلقة جديدة من حلقات تلك السلسلة من المواقف المعادية للأمة العربية وقوميتها ووحدتها ونهضتها المعاصرة، وهو عداء تركز على البعث، لان فكر البعث ونضاله قد عبّرا عن روح النهضة العربية.


فالبعث حزب قومي، ولكنه يختلف اختلافا نوعيا ً وجوهريا ً عن الأحزاب القومية التي سبقته وعاصرته، فهو حزب قومي تحرري، ثوري، إنساني ومفهومه للقومية ليس مفهوما مجرداً، بل هو مفهوم حي، مستمد من حقيقة الشعب وحقيقة أحاسيسه ونفسيته ومعاناته ومقوماته الروحية، فهو إذن مستوعب للتراث ولثورية التراث، فقط ارتبط هذا المفهوم القومي الجديد برؤية جديدة للإسلام، تعتبر الإسلام التجربة الثورية العربية الخالدة التي جسّدت العطاء الروحي والأخلاقي والحضاري للأمة العربية في أعلى صوره وأقصى مداه، فالنظرة الثورية الى التراث قد أعطت المفهوم القومي الجديد أبعاده الروحية والأخلاقية والحضارية، وجعلت منه رؤية صادقة لحقيقة الأمة في طور انبعاثها، تكشف أنواع التعسف والتشويه فيما كانت تطرحه الماركسية والسلفية والفكر النازي والفاشي من مفاهيم حول القومية والدين والاشتراكية والحرية.


فشعور البعث بعظمة التراث العربي الروحي والحضاري هو الذي جعل مفهومه للأمة يقترن بالأصالة والإبداع وبالحرية والاستقلالية وبالأبعاد الإنسانية والتقدمية المستمدة من طبيعة العصر، وهو الذي جعله ينشد الحلول الجارية الكفيلة بتحقيق الانقلاب الشامل والعميق في حياة العرب المعاصرة.


قوميتنا هي الأساس والمنطلق والغاية. نقدس قوميتنا ونقدس الشعور القومي الايجابي عند الشعوب الأخرى. أن إدراكنا لإنسانية قوميتنا أوصلنا الى تقرير حقيقة عامة هي حقيقة القومية، بالنسبة الى جميع الشعوب، فهي وسيلتنا للتعبير عن إنسانيتنا وممارسة قيمها، من اجلها بحثنا عن الحل الاشتراكي لكي نرفع الظلم الاجتماعي عن شعبنا لكي يعرف الشعب السعادة والعدالة والحرية، لكي تتفتح كل مواهبه وقدراته، ولكي يضع كل إمكاناته وقواه في بناء مجتمعه، ويعيد لامته مكانتها ودورها الحضاري لكي يساهم في بناء الإنسانية الجديدة وينصر الحرية ويكافح الظلم والاستعمار والهيمنة.


إن الأمة كانت هدف أعداء شرسين كثيرين، يتآمرون عليها ويفترون على تاريخها ويحاولون طمس شخصيتها وتقطيع أوصالها وتزوير إرادتها، كذلك كانت محاولاتهم في ضرب الحزب والتآمر عليه وتشويه فكرته وتزوير هويته. ولكن الإيمان بالأمـة الذي ينبع من الإيمان بالحق كان يمدّ الحزب دوماً بقوة الصبر والمقاومة وينتهي به إلى الانتصار وجلاء الحقيقة التاريخية الأصيلة .

 

 





الاحد١٢ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة