شبكة ذي قار
عـاجـل










 

ثماني سنوات إلا ثلاثة أشهر والاحتلال الأمريكي جاثمٌ على أرض العراق، ولم يكن انتشار قواته على أراضيه كافة، فمحافظات العراق الثلاث الشمالية (أربيل والسليمانية ودهوك) تُعد من المحافظات الآمنة باعتبار أن الحزبين الكرديين الاتحاد الكردستاني والديمقراطي الكردستاني برئاسة الطالباني والبرزاني من المؤيدين والمُشاركين في غزو واحتلال العراق، فمن هذه المحافظات انطلقت قوات الاحتلال الأمريكي باتجاه محافظة نينوى/مدينة الموصل وغيرها بمشاركة ميلشيات البيشمركة الكردية العنصرية، فضلاً عن الدور اللا وطني واللا أخلاقي لتلك الميلشيات في نهب معسكرات الجيش العراقي في مدينة الموصل وكركوك وصلاح الدين، فضلاً عن المنشآت الحكومية الأخرى وأبراج الكهرباء الخاصة بالضغط العالي.

 

على الطرف الآخر احتلت القوات الاحتلال بريطانية محافظتي البصرة وميسان، بُمشاركة على ذات منوال مُشاركة البيشمركة العنصرية أعلاه كانت من قبل ميلشيا بدر الإيرانية وعناصر أخرى من قبل حزب الدعوة الإيراني والمجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق.

 

وانتشرت قوات لدولٍ أخرى في محافظات النجف والديوانية وغيرهما، في حين تركزت قوات الاحتلال الأمريكي في العاصمة بغداد ومحافظات الأنبار وديالي والموصل وصلاح الدين، ولم تستطع تلك القوات الكونية أن تُحقق ما جاءت من أجله في هذه المحافظات على الأقل، حيث كانت عمليات المقاومة العراقية المُبكرة جداً تحصد رؤوس عناصر تلك القوات المحتلة لتجد نفسها أنها أمام معركة حقيقية في العراق لم تكن تتوقعها من جهة، ولم تكن لديها خطط مُعده سلفاً لمواجهتها بالرغم من خرافية المُعدات العسكرية التي تمتلكها، فبدأت الدعوات الضاغطة من قبل الرأي العام فضلاً عن الكونغرس الأمريكي بالانسحاب منه، إلا عنجهية الرئيس بوش منعته وهو في الحكم أن يعترف بالهزيمة، فزاد من عدد القوات الأمريكية في العراق بقوات أخرى انتهى بها المطاف إلى ذات المصير المُظلم لجنود الوحدات المُقاتلة الأمريكية التي سبقتها بالانتشار في العراق من قتل وتعويق بفعل عمليات مقاتلي المقاومة العراقية الشُجعان، في حين انسحبت القوات البريطانية بعد أنْ مُنيت بهزائم أرعدت التاج البريطاني، ثم تبعتها قوات الدول الأخرى بعد أنْ وجدت نفسها في محرقة العراق المقاومة.

 

المهم من كل ما ورد آنفاً، ولكي لا أخرج عن ما أريدُ بيانه، أن الحرب الأمريكية على العراق التي استمرت كما أشرت ثماني سنوات إلا ثلاثة أشهر كما أشرت آنفاً ولا زالت، لم تؤدِ إلا إلى خيبة تلك القوات الكونية من حيث عدم قدرتها على تحقيق النصر في العراق، بمعنى أنها حربٌ أمريكية خاسرة مُنيت بها تلك القوات بخسائر ترفض الإفصاح عنها كونها تُثير الرعب والهلع ليس على مستوى المؤسسات والرأي العام الأمريكي بل على المستوى الكوني، الأمر الذي دفعها صورياً وإعلامياً إلى الإعلان عن استكمال ما يُسمى الانسحاب للقوات الأمريكية المُحتلة من العراق في 31/8/2010، وبذات التاريخ وبشكلٍ مُفاجئ تهبطُ طائرة وزير الدفاع الأمريكي "روبرت غيس" في إحدى القواعد الأمريكية في بغداد ليُعلن منها عن تلك الخيبة بما نصُهُ: (( من السابق لأوانه الاعتراف بتحقيق النصر في العراق))، ولهذا الاعتراف مدلولات كثيرة، منها:

 

1-  الاعتراف بهزيمة القوات المُسلحة الأمريكية الكونية الغازية والمحتلة للعراق.  

2-   الاعتراف بنصر مُقاتلي المقاومة العراقية الشُجعان.

 

ومن المهم الإشارة إلى أن الاعتراف الشُجاع أعلاه كان قد سبقهُ جُملة من الحقائق مهدت للإعلان عنه، منها لعدم الإطالة حقيقتين:

 

الأولى: على مستوى الرئاسة الأمريكية وبالذات الرئيس أوباما الذي حذر من طرفهِ  من أن أميركا ستظل متورطة في العراق بشكل أعمق، وستدفع المزيد من  ضحايا فيه فيما استمرت في احتلالهِ، لذا  (( علينا الانسحاب بغض النظر عن التسميةِ التي نُطلقها على مُهمتنا في هذا البلد.))

 

الثانية: تمثلت في استطلاعاً للرأي([1]) أجرتهُ مؤسسة غالوب الأميركية خـلال الفترة مـا بيـن 5 – 8  أغسطس/آب 2010  شمل ألفا و13 راشداً تتجاوز أعمارهم 18 عاما خلُص إلى الآتي:

 

(1)  قال 53% منهم إن التاريخ سيحكم على الحرب على العراق بأنها فاشلة.

(2)  فيما رأى 24% أن الحرب كانت ناجحة، علما بأن هامش الخطأ بلغ 0.4%..

 

(3)  اعتبر 55% من المشاركين في الاستطلاع أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ بإرسال قواتها إلى العراق، مقابل 41% يعارضونهم الرأي، وبدا لافتا في الاستطلاع تراجع حدة المعارضة للحرب بشكل طفيف عن الذروة التي بلغتها في أبريل/نيسان 2008 والتي بلغت في حينه 63%.

وضع العراق.

 

(4)  يرى 78% من الديمقراطيين أن غزو واحتلال على العراق كانت خطأ، اتفق معهم في هذا الرأي 30% من الجمهوريين.

 

(5)  أعرب غالبية المشاركين في الاستطلاع عن رغبتهم بأن تلتزم الولايات المتحدة بالجدول الذي حددته للانسحاب من العراق مع نهاية العام المقبل، حيث رأى 53% أنه من الضروري مواصلة الانسحاب بغض النظر عن ما يدور في البلاد. في حين أعرب 43% عن اعتقادهم بأنه لا بد أن تبقى قوات أميركية بعد الموعد المحدد إذا تعذر على القوات الأمنية العراقية الحفاظ على النظام.

 

(6)  على الرغم من أن التقييم السلبي لجهود الحرب أكثر من الإيجابي، فإن 64% من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون أن العراق أفضل الآن مما كان عليه عند بدء الحرب، في حين أن 30%  يرون العكس تماما.

 

(7)  لم يُبد الأميركيون تفاؤلاً بشأن قدرة القوات الأمنية العراقية على السيطرة على الأمور، حيث قال 61% إن تلك القوات لن تستطيع مواجهة اعتداءات المتمردين أو تحافظ على أمن البلاد، مقابل 34% اعتبروا أن القوات العراقية قادرة على تحمل مسؤولياتها الأمنية.

 

(8)  بدا مؤيدو الحزب الجمهوري أكثر تفاؤلاً من أقرانهم في الحزب الديمقراطي بشأن تحسن الأوضاع وقدرة القوات العراقية على السيطرة على الأمور.

الشعب الأمريكي نكنُ له نحن أبناء العراق كُل الاحترام والتقدير فهو مَنْ رفض الحرب بوقت مُبكر وقبل بدايتها حيث كانت تظاهراتهم المليونية تجوب الشوارع الرئيسية للمدن الأمريكية، واستمرت بتلك المُعارضة ويكفي الاستطلاع آنف الذكر الذي يُعد حديثاً جداً من حيث إجراءه من الدلائل التي تجعلنا نبالغ في ذلك الاحترام والتقدير.

 

على الطرف الآخر لم يكن الاعتراف بالخيبة من قبل وزير الدفاع الأمريكي آنفاً، إلا وأكرر للأهمية ليس إلا اعترافاً بقوة مُقاتلي المقاومة العراقية، وبالتالي انتصارها على تلك القوات الكونية والمُشاركة معها في احتلال العراق، التي لم تستطع أنْ تفرض إرادتها على خمسة محافظات عراقية فقط وليس العراق كُله، فمن حق العراقي والعربي والمُسلم حيثُما كانوا أنْ يفتخروا بما حققته تلك المقاومة المُجاهدة الصابرة.

 

 

الدكتور ثروت اللهيبي

almostfa.7070@ yahoo.com

 

 


 ([1]) تم اقتباس الاستطلاع من مركز صقر للدراسات الذي أتقتبسهُ بدوره من إحدى الصحف الأمريكية.




السبت٢٥ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور ثروت اللهيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة