شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد وضعنا الأشياء في نصابها، وسميناها بأسمائها. ونحن مقتنعون إن في ذلك للأمة خيرا باقيا، ودرسا جزيل النفع. فالأشخاص الذين كانوا لا يقتنعون بما يخّول الدستور لهم من سلطة وحق فيسعون إلى توسيع سلطاتهم وحقوقهم عن غير الطرق المشروعة، سيعلمون الآن إن الدستور اكبر قوة لمن يتقيد به ويخلص له، وان ليس لهم قوة غيره يستندون عليها ويؤمنون بها كل نقد ولوم. ورجال السياسة الذين غالوا كثيرا في الجهل والتجاهل، فلم يحسبوا لوعي الشعب حسابا، ولم يفطنوا
 ان سنين قد مرت على زمن النضال الوطني، زادت الشعب قوة وخبرة وصلابة، وزادتهم ضعفا واستسلاما للأهواء والعبودية للمنافع؛ إن هؤلاء الرجال سيعلمون أخيرا أن الخير كله هو أن يكتفوا بصفة السياسيين كوزراء وموظفين، وان يعتبروا من الجائز المشروع أن يوجد في البلاد رأي غير رأيهم، ومفهوم للوطنية أعلى من مفهومهم، وإيمان بمؤهلات هذا الشعب ونبل أخلاقه وسمو مطامحه اقوي من إيمانهم، وانه شعب يستحق أكثر من هذه الأهداف الناقصة المشوهة التي رضوها له واستكثروها عليه، ويليق به قادة وموجهون أحسن من هذه المجموعة من تلاميذهم الذين لم يستنشقوا في حياتهم غير هواء السرقات والشهوات. وسوف يعلم رجال السياسة أيضا إن هذا الشعب لم يبخسهم حقهم، ولا أنكر عليهم وطنيتهم الماضية، ولكنه ينكر أن تنتهي الوطنية إلى هذه النهاية. وهو لم يجحد تضحياتهم السابقة ولكنه يستعظم أن يكون للتضحية ثمن، وان تسعّر بهذه الأسعار الفاحشة. وما ساءه أن يرى أمواله تنهب وحقوقه تغتصب بقدر ما أثاره أن يرى أصدقاءه بالأمس يعدونه اليوم عدوا مغلوبا ويعتبرون بلاده أرضا مفتوحة، يفرضون عليها الجزية كلما وصلوا إلى الحكم على أكتافه.


 وان هذا الشعب لم يكن يوما من الأيام لهم ظالما، فقد نظر إليهم دوما على إنهم خير من الرجعيين وصنائع الأجنبي، ولكن يعز عليه أن لا تكون لهم ميّزة، وألا تظهر فيهم فضيلة إلا إذا قيسوا بالخونة والرجعيين.


وأخيرا فهذا الشعب لا يرى إن الوقت وقت إثابة ومكافآت، حتى يخّولهم حق الإضرار به، لأنهم في وقت مضى أرادوا نفعه وخدمته. فثمة اليوم قضايا حيوية وظروف حاسمة تقرر مستقبل أجياله، ولا يجوز أن يستبد بتصريفها رجال وضح عجزهم وفشل أسلوبهم، وان يكون لهم حق التهاون والتفريط به، لا لشئ سوى إن لهم في الخدمة الوطنية حقا مكتسبا.


نعم لقد وضح عجزهم وفشل أسلوبهم، وليس يجدي في ذلك لا الضغط والإرهاب، ولا الإيهام أو التخدير، والتذرع بدقة الظروف، وحراجة الموقف ووجود الأجنبي في البلاد وصنائع له مستغلين ليفرضوا على الشعب القبول بأخطاء في السياسة مفضوحة، وتهاون في حقوق البلاد وأهدافها، وفساد في الإدارة، واستهتار بالدستور، وطغيان جاوز حد المعقول. فإذا كان الموقف حرجا، فلأنهم هم يوجهونه، وإذا كان ثمة ما يشجع الأجنبي على الاستغلال فإنما هي أخطاؤهم وتصرفاتهم. وليس غير شيء واحد يحول دون استغلال الأجنبي، ويوقف هذا التدهور المروع: هو ان تظهر الوطنية الصحيحة والسياسة القويمة التي تستطيع وحدها استرجاع الثقة، وتجديد الحماسة والغيرة في قلب الأمة.


وليعلموا انه ليس من النبل في شيء أن يمسكوا قضية البلاد بين أيديهم ثم يهددوا الشعب في كل دقيقة: أما أن تقبل بجهلنا ونفعيتنا، وأما أن تعرض القضية الوطنية لسطوة الأجنبي واستغلاله


يا شباب البعث العربي: حيثما كنتم على الأرض العربية المقدسة!
لقد كان إيمان هؤلاء السياسيين بالأمة واهيا سطحيا فلم يجرؤوا على مطالبتها، لأنهم عجزوا عن مطالبة أنفسهم، بالارتفاع إلى مستوى من الخلق والنضال يليق بمهمة التحرير القومي.


وكانت ثقتكم بأمتكم وبفضائلها وحيويتها ثقة الأطفال، لذلك انبريتم لتحملوا العبء، ولم ترضوا لأنفسكم عبئا اخف من مخاصمة هذا المستوى السائد من الوطنية التي قنع بها الناس حتى الآن، فكان عليكم أن تختتموا مرحلة الصراع الضعيف بين الخيانة وبين الوطنية الضعيفة، لتبدءوا صراعا جديدا عنيفا بينها وبين وطنية من نوع جديد، يجتمع فيها الإخلاص مع الفكر النير، والتضحية مع النزاهة والتجرد، والسياسة مع الصدق والاستقامة والعفة.


وعلم الله إنها كانت وعرة عسيرة. إذ كان عليكم أن تخاصموا هذه الفئة من مواطنيكم، دون أن تفتروا عن محاربة الأجنبي، عدوكم الأساسي، أو تسكتوا عن الفئات الرجعية والخائنة وتسمحوا لها باستغلال عملكم. فكنتم تحاربون على كل الجهات.


فلتذكروا إذن عندما تشعرون بالحاجة إلى ما ينعش نشاطكم لمتابعة الجهاد، إنكم قد كوفئتم على جهادكم، أولا بهذا الاحترام الذي تفرضونه حتى على الخصوم، ثم بهذه النتيجة التي تستطيعون اعتبارها تحولا تاريخيا في حياة البلاد

 

 





السبت١٦ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة