شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يكن تقرير منظمة العفو الدولية الاخير عن حالة السجون العراقية واحوال السجناء فيها، هو ناقوس الخطر الاول الذي صرخ معلنا اطلاق السلطات العراقية رصاصة الرحمة الاخيرة على ادمية الانسان العراقي. فما يتعرض له العراقيون منذ (الولادة الجديدة) للعراق وانبثاق فجر (الديمقراطية) في ربوعه، انما هو جريمة انسانية منظمة ترعاها دول كبرى واخرى محيطة به، وادواتها رموز تغتصب المسرح السياسي وتسخر كرسي السلطة للانتقام والاثراء.


وان الوقائع الجرمية التي تحدث يوميا واضحة المعالم، كما ان الادوات الجرمية هي مؤسسات واجهزة امنية واحزاب وميليشيات ورموز سياسية، وان الجريمة منظمة جدا حتى ان التحريض على ارتكابها يتم يوميا بوسائل اعلامية تحرض على الفتنة الطائفية، ورجال دين شحذوا خطبهم ودعواتهم من اجل مباركتها، وشخوص سلطة اصبح مصيرهم مرتبطا كليا باستمرار حدوثها، وبات مثلهم الاعلى الممارسات التي حدثت على ايدي جنود الاحتلال بحق السجناء العراقيين في سجن ابو غريب وبوكا وغيرهما.


لقد بوشر بتشكيل الاجهزة الامنية العراقية ولجان التحقيق الخاصة بالسجناء والمعتقلين، حصرا من اعضاء الاحزاب الطائفية ومن يرونه مناسبا من منتسبي الاجهزة الامنية السابقة بعد تزكيته من قبل احزابهم، وتوقيعه على تعهد خطي يجند فيه نفسه لخدمة منهجية ذلك الحزب وليس الوطن، وقد تسيد مواقع القرار في هذه الاجهزة من عملوا سابقا في الحقل الامني الخاص بتلك الاحزاب، عندما كانت في مرحلة (المعارضة) خارج الحدود، وكان غالبيتهم ممن تخرجوا من دورات امنية تم اعدادها من قبل بعض اجهزة المخابرات الدولية التي كانت ترعى شؤون تلك الاحزاب، ثم توسعت تلك الاجهزة لتضم العديد من اقرباء واصدقاء المسؤولين، وكانت عقيدتها الامنية قائمة على اساس من لم يكن معنا فهو ضدنا، وانسحبت هذه القاعدة لتشمل ليس فقط المعارضين للعملية السياسية، بل حتى المختلفين معهم في المنهج الحزبي حتى وان كانوا مشتركين في السلطة، فكان المنتسب الى تلك الاجهزة ينظر الى كل من هو خارج نطاق حزبه على انه عدو، وتنسحب صفة العداء على من هو خارج نطاق طائفته وقوميته، وان هذا التضاد في الموقف يتطلب التحقيق وانتزاع الاعتراف بكل الوسائل او صناعته ان لم يكن هنالك اعتراف او جرم حقيقي، لتنقلب القاعدة القانونية (المتهم بريء حتى تثبت ادانته) الى ادانة الجميع حتى ان كانوا ابرياء .


وفي ضوء هذا الفهم حصلت كل الوقائع الجرمية التي حدثت في سجون ومعتقلات السلطة بمباركة علنية من رئيس السلطة التنفيذية نوري المالكي، فعندما ابرزت وسائل الاعلام الممارسات السادية ضد المعتقلين قبل شهور من الان، نصب نفسه قاضيا وكان رده واضحا بان من في المعتقلات انما هم ارهابيون وقتلة.


وان من الخطأ المطالبة لهم بحقوق السجين الانسانية، وعندما برزت مأساة السجون السرية خاصة سجن المثنى السري، برر تلك الافعال الشائنة بان الامريكان وهم الدولة الديمقراطية الاولى في العالم مارسوا نفس الافعال في سجن ابو غريب، فساوى بين فعل المحتل الاجنبي الغاصب وبين افعاله التي جاءت خلاف ادعاءاته الوطنية وتنظيراته بسيادة القانون، وبذلك اعطى من خلال تصريحاته تلك زخما قويا لاستمرار تلك الممارسات اللانسانية بحق الكثير من الابرياء.


بل ان تاريخه في السلطة على مدى اكثر من اربع سنوات اثبت تماما بانه مع غياب سلطة القانون عن تلك الجرائم، حيث استغل السلطة تماما لانشاء اجهزة قمعية مرتبطة به مباشرة، وقوات عسكرية بحجم الوية مهماتها امنية فقط يرسلها وقت ما يشاء الى اية محافظة عراقية لاقتحام الدور ومؤسسات الدولة واعتقال من يشاؤون من دون علم حتى السلطات المحلية (المنتخبة) في تلك المحافظات، ومن ثم ايداعهم في سجون على هيئة دور سرية في المنطقة الخضراء او غيرها، كما انه سبق واوعز للاجهزة الامنية باعادة اعتقال حتى من يطلق سراحه من سجون الاحتلال في العراق، وان الناطق الرسمي باسم حكومته اعلن انه ليس من حق القوات الامريكية اطلاق سراح المعتقلين العراقيين، بل يجب تسليمهم الى السلطات العراقية.


لقد انتقل دور الاجهزة الامنية العراقية من الكشف الاستباقي للجريمة قبل وقوعها الى الاتهام الاستباقي من خلال القيام بحملات مداهمات واسعة، واعتقال مواطنين ابرياء والضغط عليهم جسديا وتوقيعهم على اعترافات وهم معصوبو الاعين، كما نتج عن ضغط رئيس الوزراء على تلك الاجهزة بعد كل تفجير لاثبات وجوده السياسي والتغطية على فشله السياسي، الى انتاج فاعلين مفتعلين لتلك الحوادث من بين السجناء الذين لاعلاقة لهم بالحادث، كما مارست تلك الاجهزة عمليات رذيلة من خلال تسليم العديد من الطيارين وضباط الجيش العراقي السابق وضباط الاجهزة الامنية السابقين، الذين كانوا مسؤولين عن متابعة النشاط التجسسي الايراني في العراق قبل العام 2003 الى الاجهزة الامنية الايرانية مما غيب مصير الكثير منهم، وفقدت عوائلهم سبل الوصول اليهم حتى اصبحوا في عداد المفقودين، كما انهم مارسوا وسيلة اخفاء السجين من خلال تدوين وجوده في المعتقل باسم اخر غير اسمه الحقيقي، لقطع الطريق على اهله لمعرفة مصيره او توكيل هيئات دفاع عنه. اما عمليات الابتزاز فقد اوغل القائمون على تلك الاجهزة فيها بشكل كبير حتى بات الســـجين عــــبارة عن سلعة لديــــهم واصبحوا تجارا يتاجرون بها، لذلك تعاملوا معهم ليس بصيغة اثــــبات الادانة او البراءة، بل بصـــيغة كم من المـــال يمكن ان يحصل عليه من خلال الابقـــــاء على الســــجين في المعتقل لفترة اطول، لذلك عمدوا الى اخفاء الاوراق التحقيقية تارة او التحجج بسفر المخبر السري الى خارج العراق تارة اخرى، او عدم التحقيق مع المعتقل لسنين طويلة وعدم توجيه اية تهمة اليه، بغية استمرار الابتزاز لذوي المعتـــــقل مما دفع الكثـــير من الطـــامحين بالحصول على الثراء السريع لتقديم رشى مالية كبيرة للحصول على وظيفة في تلك السجون، بعد ان اصبح واردها المادي كبيرا جدا. كما ان العديد من الجهات السياسية التي تسيطر على بعض الاجهزة الامنية استخدمــت تلك الاجهزة للاستثمار السياسي من خلال القيام بحملات اعتقالات بين صفوف جماهير الاحزاب الاخرى المناوئة لها، وبالتالي استخدام ورقة السجناء لمساومتهم بغية الحصول على تنازلات سياسية او مناصب حكومية.


ان الابتذال الاخلاقي الذي مورس بحق الكثير من السجناء العراقيين شمل العديد من السجينات العراقيات اللواتي تم اعتقالهن بدون اي مبرر قانوني، ولم يرتكبن اي جرم يبرر اعتقالهن فقط لاستخدامهن وسيلة ضغط على المعتقلين الاخرين لدفعهم للاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، من خلال التهديد بارتكاب جرائم تمس شرفهن، كما ان السجناء ممن هم دون الثامنة عشرة من العمر مسهم الكثير مما مس الرجال والنساء من تعذيب واغتصاب وابتزاز، وكانت اماكن اعتقالهم لا تصلح حتى لتربية الحيوانات، ومع كل هذه المأساة فان كافة السياسيين يعرفون الكثير عن السجون السرية واماكنها ومآسيها، لكنهم يفضلون عدم الحديث عنها لادخارها ليوم اخر للمساومة عليها بغية الحصول على امتيازات سياسية، لذلك لم نجد اي رد فعل فاعل في هذه المسألة من قبل اي مسؤول باستثناء بيانات الشجب والاستنكار، وان اكبر فعل كان اقدم عليه (نائب الرئيس) طارق الهاشمي بكل ما يملك من صلاحيات وامتيازات وحمايات ورواتب مليونية، انه تحدث مع المعتقلين من خلف القضبان كزائر عادي مطلقا دموع من لاحول له ولا قوة، وفشل في اطلاق سراح معتقل بعد جدال دام ساعة مع المالكي الذي لم يوافق على اطلاق سراحه.


ان جرائم الاغتصاب واجبار المعتقلين على ممارسة الجنس الفموي مع السجانين، ووضع الاكياس البلاستيكية في رؤوسهم لخنقهم، وعمليات سحب الاعضاء الجسدية وقلع الاظافر والتعذيب بالكهرباء والاعدامات السرية، انما تكشف بشكل فاضح زيف الادعاءات الاسلامية لاحزاب السلطة، بعد ان تخلت تماما عن كل القيم الدينية والدنيوية، وان المطلوب الان هو الشروع بتحويل كل ملفات السجون السرية والعلنية الى ملفات ساخنة توضع امام القضاء الدولي، من قبل كل المتابعين لهذا الشأن للبت فيها ومحاسبة الجناة اجانب كانوا ام عراقيين، وان من الخطأ الفادح الاعتماد على المشاركين في العملية السياسية الذين يطلقون العنان لاصواتهم المطالبة بحقوق السجناء فقط عندما تتعرض مصالحهم السياسية للخطر.

 

 





الاثنين١٨ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة