شبكة ذي قار
عـاجـل










توجد اليوم فرصة تاريخيّة يسعى الصهاينة وحلفاؤهم لاستثمارها لتحقيق اختراقات "إسرائيليّة" في مجمل النسيج السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ العربيّ. ولقد فهم الصهاينة أنّ ترنّح النظام الرسميّ العربيّ تحت وطأة انقساماته وأوضاعه الاقتصاديّة والسياسيّة الهشّة وغياب القائد الفذّ الذي تلتفّ حول قيادته الجماهير العربيّة.. كلّ ذلك من شأنه أن يوفّر لهم الظروف الطيّعة لتحقيق أحلامهم بفرض شرعيّة وجودهم شعبيّا بعد أن تهاوت أغلب الحكومات العربيّة وأقامت علاقات من نوع ما مع الصهاينة أو عبّرت عن استعدادها لإقامة مثل هذه العلاقات.


لا يختلف الأمر كثيرا في مغرب الوطن العربيّ عن مشرقه.. المحاولات الصهيونيّة للتغلغل في نسيج المجتمعات هي نفسها، والوسائل تكاد تكون متماثلة باستثناء ما تفرضه بعض الخصوصيّات هنا أو هناك. ودون تجنّ أو ادّعاء مخالف للحقيقة علينا أن نعترف أنّ الصهيونيّة نجحت في تحقيق اختراقات شتّى بتواطؤ مفضوح أحيانا مستتر غالبا من بعض الحكومات المغاربيّة، وكذلك أيضا من قبل بعض الجمعيّات والمنظّمات والهيئات التي تصنَّف ضمن قوى المجتمع المدنيّ أو قوى التحرّر أو القوى المُحبّة للسلام إلى آخر هذه التسميات التي يراد من خلالها إلصاق تهمة الشوفينيّة والتعصّب بقوى الممانعة وإظهار المطبّعين بوجه المحبّين للحياة المتناغمين مع روح العصر.


لقد بات واضحا للجميع اليوم أنّ الصهاينة في سعيهم المحموم لفرض التطبيع وإنهاء المقاطعة إنّما يصطدمون بعقبة حقيقيّة هي رفض رجل الشارع لهم ولإقامة أيّ نوع من العلاقات معهم. ورغم الاتّصالات الرسميّة وغير الرسميّة التي أجرتها "إسرائيل" مع جهات عربيّة من مشرق الوطن العربيّ ومغربه، والتي بلغت في الأشهر الستّة الأخيرة من عام 2008 نحو 343 لقاء، فإنّ النتيجة كانت دون ما انتظره الصهاينة بكثير..


لهذا فلا عجب أن تلجأ "إسرائيل" إلى أقذر الوسائل لدفع الحكومات والشعوب العربيّة إلى التوسّل بالعدوّ وتجنّب ما يمكن أن يسبّبه لها من إرباك لا سيّما على المستوى الأمنيّ والاجتماعيّ. فقد كشفت صحيفة "النهار" الجزائرية مؤخّرا عن خطة صهيونيّة هدفها زعزعة استقرار المغرب العربي وتقديم الدعم اللوجستي لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ"، وذلك بتجنيد شبكة إفريقيّة تعود أصولها إلى دول مالي، وموريتانيا، وبوركينافاسو والنيجر، وأيضا من بلدان المغرب العربيّ بما فيها الجزائر.


وذكرت الصحيفة أنّ الموساد يقوم حاليا بتجنيد شبكة مرتزقة إفريقيّة لدفع أوربيّين للسفر نحو منطقة الساحل، تحت غطاء السفر للسياحة أو الاستثمار ثم تحويلهم إلى مناطق محرّمة تنشط بها جماعات إرهابيّة ملحقة بتنظيم القاعدة بغرض خطف رهائن وطلب فدية.


وتتضمّن الخطة الموضوعة كذلك عصابات مختصّة في بيع الأسلحة والمخدّرات للقيام بمهمّة الوساطة وتمويل التنظيم بهدف ضرب استقرار بلدان المغرب العربيّ لا سيّما الجزائر لأنّها تمثّل مفتاح الاستثمارات في المغرب العربيّ وطرفا حسّاسا في "عملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط".


ورغم نجاح "إسرائيل" في مضاعفة حجم صادراتها إلى بلدان المغرب العربيّ خلال السنوات الأخيرة، حتّى بلغت نسبة الزيادة مع إحدى دوله 145% فإنّ هذه الأرقام تعطي دلالة كافية على أنّ التطبيع لا يسير وفق الخطّة المرسومة ولا وفق الوتيرة التي ترغب فيها "إسرائيل"، ذلك أنّ حجم المبادلات التجاريّة بين الصهاينة والحكومات العربيّة مجتمعة لم يتجاوز وفق آخر الأرقام المعلنة ما قيمته 400 مليون دولار، كان نصيب مصر والأردن منه نسبة 92.7%. ومعنى هذا أنّ نصيب الحكومات المغاربيّة لا يصل حتّى إلى 5 في المائة من مجمل المبادلات التجاريّة، أي 20 مليون دولار.


لا تكتفي "إسرائيل" بالعمل على الواجهتين الأمنيّة والاقتصاديّة، بل تلجأ إلى ما هو أخطر عندما تستهدف النسيج الاجتماعيّ للدول المغاربيّة، وتسعى إلى إثارة الفتن والنعرات العرقيّة والطائفيّة واللغويّة لتسهيل اختراقها ونفاذها إلى صلب المجتمع والقضاء على تماسك نسيجه التاريخيّ. فمؤخّرا كشف أحد المواقع الإلكترونيّة المهتمّة بالأمازيغيّة عن دراسة "إسرائيلية" حديثة، تطرّقت إلى مخطط "إسرائيليّ" لاختراق الحركة الأمازيغيّة واستثمارها لتسريع عملية التطبيع في دول المغرب العربيّ.


وتتناول الدراسة التي أصدرها (مركز موشي دايان) التابع لجامعة تل أبيب، سبل كسر جدار المقاطعة، وتدعو إلى "المراهنة على فاعل غير عربي" يكون متسلّحا بخطاب منافس يرتكز على أربعة مكوّنات: القطع مع الرصيد الحضاريّ العربيّ الإسلاميّ، والارتباط بالنموذج الغربيّ والدفاع عن قيمه الكونيّة، والتركيز على ما أسمته وجهة النظر "الإسرائيليّة" (المشاكل الداخلية الحقيقية)، في إشارة إلى التخلّي عن الاهتمام بقضيّة الصراع العربيّ الصهيونيّ ثم نبذ فكرة العداء لـ"إسرائيل".


وأوضح الموقع ذاته أنّ هذه الدراسة ذكرت بهذا الخصوص الزيارات التي قام بها أمازيغيون لـ"إسرائيل"، مصنّفة إياها ضمن الجهود المبذولة لنبذ العداء لـ"إسرائيل"، والدفع بمسلسل التطبيع في دول المغرب العربيّ.


إنّ الصهاينة يدركون وبلا أدنى لبس أنّ الاتفاقيّات التي عقدوها مع بعض الأقطار مغربا ومشرقا توفّر لـ"إسرائيل" اعترافًا قانونيّا بسيادتها كدولة، ولكنّ هذا الاعتراف لا يوفّر لها شرعيّة شعبيّة. وهم واثقون أنّ الشعوب العربيّة ظلّت تؤمن بعدم شرعيّة قيام "إسرائيل" وعدم إقامة علاقات معها.. ولذلك فإنّهم يسعون إلى تنويع أساليب اختراقهم بعد أن اطمأنّوا إلى سقوط الأنظمة واعتلالها.


لكن أنّى لهم ذلك وقد أدركت الجماهير العربيّة أنّ صوت المقاطعة أعلى.. وصوت الممانعة أبقى.. وصوت المناهضة أشرف...



akarimbenhmida@yahoo.com

 

 





الخميس٢١ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة