شبكة ذي قار
عـاجـل










إن "العملية التي نفذتها القوات الأمنية والاشتباكات التي نشبت في أطراف منطقة الحديد، 10كم شمال غرب بعقوبة، داخل بستان زراعي منذ عصر يوم السبت الماضي انتهت يوم الاثنين" ، مبينا أن "القوة حاولت اقتحام البستان من دون إطلاق نار إلا أن المسلحين فجروا سيارة مفخخة عند مدخل البستان لمنع القوات الأمنية من اقتحامه، وجراء ذلك قامت قوات الحرس الوطني المدعومه من قبل القوات المحتله والطيران الامريكي بانسحاب تكتيكي من منطقتي بهرز والحديد ولازال المسلحون محصنون فيهما ". هذا ما قاله قائد القوات البرية الفريق أول ركن علي عيدان يوم 16 من الشهر الحالي خلال مؤتمر صحافي حضرته السومرية نيوز. اي قبل حوالي اسبوعين من هذا التاريخ المعلن.


لكن الحقيقة غير ذلك تماما. فالمعارك مع المسلحين، والمقصود بالطبع المقاومة العراقية، لم تنته ، كما ادعى القائد البري المهزوم، حتى كتابة هذه السطور، كما انها لم تقتصر على منطقة الحديد وبهرز وحدهما، وانما شملت حي التحرير والدور ومنطقة الكاطون والمفرق إضافة الى منطقة المخيسة وما جاورها في ناحية أبو صيدا في قضاء المقدادية وبلدروز ومنطقة حمرين والسعدية وجلولاء، اي محافظة ديالى باكملها. والا ما ذا يعنى الاعلان الرسمي قبل عدة ايام عن الهجوم الواسع النطاق الذي شنته قوات مشتركة حكومية وامريكية على المنطقة، والذي سمي بمعركة النخيل ، وأسفرت، هذه الاشتباكات، كما قال المصدر الحكومي، "عن مقتل أربعة من الجيش والشرطة وجرح 14 آخرين، إضافة إلى مقتل خمسة مسلحين واعتقال نحو 28 آخرين"؟ وبماذا يفسر لنا المدعو علي عيدان قرار قيادة القوات الامريكية بارسال ثلاثة الاف جندي امريكي الى محافظة ديالى؟.


يبدو ان اختيار محافظة ديالى، للمرة الثانية، من قبل المقاومة العراقية لان تكون ساحة حرب مع قوات الاحتلال والحكومة معا والحاق الهزيمة بها، لم يات بالصدفة، وانما جاء لتقديم الدليل على حضورها وقوتها وقدرتها على التحدي، وفي نفس الوقت توجيه ضربة موجعة الى الذين شُبّه لهم، سواء من قبل المحتل او حكومة الاحتلال او البعض الاخر من خارجهم، بان المقاومة انتهت او في طريقها الى الزوال. حيث تمثل هذه المحافظة بالنسبة لقوات الاحتلال والحكومة خاصرتها الشرقية من جهة، ولأنها قريبة من العاصمة العراقية بغداد، ولان تحريرها من قبل المقاومة او فرض السيطرة عليها سيمكنها من ربط معاقلها في المدن الغربية من العراق بمعاقلها في الشرق والشمال، ناهيك عن كونها تنسف جميع محاولات المحتل حول اتهامها بالطائفية والمذهبية، كون محافظة ديالى تمثل كل اطياف ومكونات الشعب العراقي بنسب تكاد تكون متوازنة.


حدث ذلك في المرة الاولى في نهاية شهر تموز من عام 2008 وعلى وجه التحديد يوم 29 منه، حيث قامت المقاومة بالسيطرة على محافظة ديالى والدفاع عنها وافشال الهجوم ضدها الذي قام به 30 الف جندي امريكي وعراقي ، مدعمين بطائرات مقاتلة ومدفعية ثقيلة واسلحة متطورة، وقد اطلق على هذه المعركة اسم بشائر الخير التي لم تنته حينها الى "الخير" كما توقع جورج بوش ونوري المالكي، حيث وصف مراسل الواشنطن بوست ومراسل وول ستريت جورنال، جواشوا بارتلوا، على لسان ضباط امريكيين وعراقيين في اليوم الثاني للمعركة، بان "القوة المهاجمة طاردت اشباحا يخرجون ويدخلون دون ان نراهم". اما الملازم الأول جيمس براندون فقد ذكر، بأنّ "الجنود الامريكيين والعراقيين واجهوا في مدينة ديالى متمردين مدربين جيداً على حرب العصابات، فهم يتنقلون بطريقة مذهلة رافضين الانجرار الى مواجهات مفتوحة يستطيع فيها الأميركان التغلب عليهم بأسلحتهم القاهرة،وان المسلحين يتصلون فيما بينهم بأجهزة الراديو وأحيانا يراقبون القوات الأميركية بنواظير الرؤية الليلية،وان بعض قناصيهم يتخذون من الحيطان الكونكريتية فوق سقوف البنايات متاريس لهم،وآخرون من المتمرّدين يستخدمون إحداثيات عسكرية في الرمي، وعندما تهاجمهم اية قوة عسكرية سرعان ما تجد نفسها وسط حشد من النيران ينطلق من كل اتجاه."


ان معركة ديالى اليوم تنطوي على معاني ودلالات كبيرة،على الرغم من ان الناس لم ينتبهوا اليها بالقدر الكافي جراء التعتيم الاعلامي عليها، خصوصا وان هذه المعركة تجري في ظل تصعيد كبير لعمليات المقاومة، في الموصل وتكريت وكركوك والفلوجة وبابل والناصرية، وقصف يومي مكثف على القواعد الامريكية في كل انحاء العراق، بما فيها القواعد التي تقع في المناطق الجنوبية، ناهيك عن القصف المتواصل للمنطقة الخضراء، التي بلغت قدرا كبيرا من الدقة المتناهية في اصابة الهدف، كما حدث باستهداف بيت مدير مكتب ما يسمى بالقائد العام للقوات المسلحة ومقتله. ومن بين ابرز هذه الدلالات، ان المقاومة العراقية لم تزل تشكل التحدي الاول والاكبر والاخطر لقوات الاحتلال وقوات الحكومة، وان بامكانها، في نهاية المطاف، الحاق الهزيمة بها وتحرير العراق عاجلا ام اجلا. ومن دلالاتها ايضا، التاكيد على القدرة الهائلة التي تمتلكها في مواجهة قوات الاحتلال في اي وقت، مثلما اكدت على امتلاكها الخبرة الواسعة في التعامل مع قوات المحتل وحكومة الاحتلال وفق مباديء حروب العصابات، من قبيل الحركة السريعة والمناورة والسرية التامة واختيار الاهداف الصعبة في الوقت المناسب.


هل يعني ذلك بان المقاومة ستكون، جراء تصاعد عملياتها المسلحة في كل انحاء العراق واحتمال بلوغ عصرها الذهبي على المدى المنظور، قادرة على الحاق الهزيمة النهائية بقوات الاحتلال وتحرير العراق، قبل انجاز وحدتها وبناء جبهتها الوطنية؟ ، ام ان مخاطر تعرضها للتراجع مرة اخرى وبشكل اكثر حدة، وفترة اطول، امر قائم لحد الان؟.


لا ننكر بان الذي دفعنا الى كتابة هذه السطور، له علاقة بتذكير الناس بما وعدت به المقاومة بعودتها ظافرة قوية الى ساحات الوغى، والتاكيد على قدرتها وارادتها لمواصلة طريقها لتحرير العراق من رجس الاحتلال، فهذا امر مهم بحد ذاته على الاقل لتعزيز ثقة الناس بها، فهم سدتها ولحمتها، لكن الدافع الاكبر كان مبعثه الخشية من تكرار ما حدث في السابق، حيث تمكن المحتل من استغلال غياب وحدة فصائل المقاومة وعدم قيام الجبهة الوطنية العريضة، من احداث خرق داخل معسكرها وجر قوى منه الى طريق المساومات المذلة، الامر الذي ساعد كثيرا في تشكيل ما سمي بالصحوات، التي قدمت خدمة كبيرة للمحتل في سعيه لتحجيم المقاومة والحد من عملياتها المسلحة. بمعنى اخر اكثر وضوحا وصراحة، فان استمرار فصائل المقاومة بالتمسك بسياساتها الراهنة والاعتقاد بقدرة كل فصيل منها على تحرير العراق بمفرده، سيؤدي لا محال الى انبثاق صحوات جديدة اشد خطورة من الاولى في اي وقت.


هنا لابد من العودة الى التذكير بدروس حروب التحرير الطويلة الامد ضد المحتلين والغزاة، لتجنب مثل هذه العاقبة الوخيمة، خصوصا اذا كان المحتل من وزن الولايات المتحدة الامريكية، وما تحمله من اهداف كبيرة واستعداد لتقديم اضعاف الخسائر التي قدمتها لحد الان من اجل تحقيقها، وتاتي في المقدمة منها، وحدة فصائل المقاومة وبناء الجبهة الوطنية العريضة. ولا نقصد هنا تحقيق هذه المهمة من اجل الدعاية والاعلان، او حتى من اجل تلبية لامنيات الناس، فهذه على الرغم من اهميتها لا تفي بالغرض المطلوب، وانما من اجل ترجمة عملية لدروس حروب التحرير، اذ لا يمكن تحقيق ذلك في ظل وضع فصائل المقاومة الراهن. خصوصا وان حروب العصابات تكاد تكون متشابهة الى حد التفاصيل. ناهيك عن ان تحقيق الوحدة المنشودة يدخل في صميم متطلبات مرحلة الصراع القادمة التي قد تضع المقاومة على طريق المعارك الفاصلة في اي وقت، جراء انسحاب القسم الاكبر من قوات الاحتلال من المدن العراقية، والقاء مسؤولية الدفاع عنها، بالدرجة الاولى، على ما يسمى بقوات الحكومة العسكرية واجهزتها الامنية، التي تعد ضعيفة جدا قياسا بقوات الاحتلال.


من هذه الدروس، وباختصار شديد جدا، انه من الضروري لجوء المقاومة إلى العمليات الهجومية ضد قوات الاحتلال في اي مكان يمكن الوصول اليه،على الرغم من ان وضع المقاومة، من الناحية الاستراتيجية، لم يزل في موقع الدفاع، فالحرب الدفاعية لا تعني الغاء الهجوم التكتيكي، والحرب الطويلة الامد لا تلغي العمليات العسكرية السريعة، ومنها، توسيع دائرة العمليات من خلال اعتماد مبدأ تقسيم القوات في مجموعات صغيرة تنتشر في طول البلاد وعرضها، ومنها ايضا الاخذ بزمام المبادرة التي ترتدي أهمية كبيرة بالنسبة إلى حرب العصابات، وكذلك الاهتمام بمبدا المرونة كونها ظاهرة ترفد مبدأ المبادرة بصورة عملية، حيث استخدام قوات المقاومة بمرونة هو أمر ضروري جدا في حرب العصابات منه في الحرب النظامية، ولذلك ينبغي على قادة المقاومة أن يدركوا أن استخدام القوات بمرونة هو أهم وسيلة من أجل تبديل الأوضاع القائمة بين المحتل والمقاومة بهدف كسب زمام المبادرة، في حين أن الجمود و بطئ الحركة يؤديان بصورة حتمية إلى موقف سلبي و يسببان خسائر لا مبرر لها.


واخيرا وليس اخرا، فان كسب النصر في حرب العصابات لا يتأتى بمعزل عن التخطيط ، و إن من يظن بامكانه خوض حرب العصابات كما يحلو له، إنما هو يعبث بحرب العصابات أو يجهل طبيعتها إن جميع العمليات من هذا النوع ، سواء كانت عمليات تشمل منطقة بأكملها من مناطق حرب العصابات، أم كانت عمليات تقوم بها فصيلة من فصائل العصابات أو فرقة من فرقها ، يجب أن يسبقها تخطيط دقيق قدر الإمكان. إن الاطلاع على الظروف و تحديد المهمات و توزيع القوات والتثقيف العسكري والسياسي وإعداد المؤن و تهيئة العتاد وكسب التأييد الشعبي، كلها تدخل ضمن أعمال القادة التي يجب أن يمعنوا النظر فيها و ينفذوها تنفيذا حازما، فالقتال ضد العدو ليس مزاحا.


مختصر القول، فان تحقيق الانتصار النهائي على قوات الاحتلال وطردها الى الابد والفوز بعراق محرر وموحد وديمقراطي، لن يتحقق بما تمتلكه المقاومة العراقية من قوة وخبرة وكفاءة فحسب، وانما بتوفير هذه الشروط االلازمة.من هنا نكرر الحاحنا وفي هذه المرحلة بالذات على انجاز هذه المهام النبيلة لانها الامل ولانها المبتغى.

 

 





الخميس٢١ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة