شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة:

ما ناله العراقيين من الحرب والاحتلال هو تسييس الدين والمذاهب وإعتماد الطائفية والمذهبية والتعددية العرقية في العراق، كمنهج أعتمد لتدمير وحدة الشعب،  ذلك المنهج ساق العراقيين إلى عداء وصراعات دينية وطائفية بينية، فقد تباعد المسلمون  السنّة عن الشيعة، والمسيحييون الى كلداني وسرياني واشوري، وعموم عرب العراق الى إسلام ومسيحيون متباغضون متحاربون، لا بل تطورت دائرة الصراع الديني بين الشرق المسلم والغرب المسيحي.

 

وتجسدت هذه الصراعات بصور عدة، فمن خطف الناس على أساس الهوية وما يتبعه، من أخذ جزية وتعذيب وقتل الى هجرة وتهجير مجاميع عراقية كانت متعايشة بمحبة وسلام لقرون مضت، من المناطق التي تقطنها أكثرية من مذهب أو ديانة اخرى، وتحول الوئام والمحبة لجو مشحون بالخوف والاحقاد والانتقام والريبة والشك والبغضاء.

 

ولا تزال هذه الاحداث تعكر صفو حياة العراقي وتثير القلق على المستقبل، الذي لا يكمن في الإختلاف العقائدي الديني، بل هو توظيف الدين ووالمذاهب لخدمة وتكوين الطائفة، وهذا أيضا لصالح خلافات وأطماع سياسية ومنافع لحزب أو كتلة على حساب الشعب والوطن، بل قد تكون لحساب جهة خارجية على حساب الشعب والوطن، أدى ذلك إلى تفكيك وإضعاف الوحدة والهوية الوطنية العراقية، وهدم كل أمكانية لتعايش الأديان والطوائف بسلام وتعاون.

 

ولا اريد هنا ان ادخل في الاسباب والمسببات فقد كتب عنها مئات المقالات والمؤلفات، ولكني اولاَ اود ان اقدم حال المجتمع العراقي من الخلاف والتباعد والتقاتل بين الأخوة الذين جمعتهم وحدة الإيمان بالله الواحد، ووحدة الوطن ووحدة المصير؟ ثم اقدم الاقتراحات  لايقاف هذا الخلاف وكيفية اعادة بناء هوية وطنية تجمع كل المكونات العراقية بدون وضع مخططات التقسيم الديني والطائفي والعرقي مبنيّة على المساواة والعدالة في التعددية؟ وتقديم رؤية دينية لمفهوم السلام ودور رجال الدين لصنع السلام؟

 

أبعاد وأهداف التمحور الطائفي الحالي على المجتمع :

 

ان كل طائفة ترك على وجه تنظيمها على حساب هويتها الوطنية الاصلية مؤثرتا على جميع ابعاد المجتمع وعلى الهوية الوطنية العراقية:

 

البعد السياسي:

كل طائفة تحولت الى ايديولوجية سياسية لها صبغة سياسية لخدمة اغراضها وتحقيق مصالحها والتسلط على الناس واتخاذها وسيلة للعداء بين ابناء شعبها بها تتعادى وتتناحر وينشأ البغض والخصام واصطدام المصالح وانقسام الوطن الواحد الى مجاميع متناحرة. بذلك يصبح دين الله ذريعة لتنفيذ مطامع سياسية تتستر ورائه تلك المجاميع التي لايربطها بالدين والشعب صلة، وتصبح تلك التشويهات للدين الداعي لسمو أخلاقي للإنسان هي الغاية والملجأ البديل للمواطنة.

 

 البعد الاجتماعي:

كل طائفة تحولت الى مجتمع مغلق متسلط تعسفي متخلف يخلق تحجر في الافكار والتقاليد الدينية، وبطابع  تعصبي دام وقاسي لا يوصف، ويصبح كل شيء لها مباح ضد الاخرين المختلفين عنها، متناسية صلة الرحم والقربى والنسل الذي نشا بينهم منذ سنين، تولد العقلية المتعصبة والظلم وانتشار الجريمة والعداء، وتخلق لها امكانية تشريع حالات لا اخلاقية او حالات اجتماعية لا تطاق تشعل حروب داخلية مع بقية الطوائف وتمهد لحرب أهلية قابلة للإشتعال في أي لحظة وتظل سلاحا بوجه تقدم وبناء الوطن.

 

البعد الثقافي:

تتبنى ثقافة افكار واحكام سلبية مسبقة عن الاخر. تضيفها الى ثقافتها التعصبية، اي تمسكها بالموقف والرأي والحكم، وان كان غير صائب او غير موضوعي، والتشدد والافراط والمبالغة والخروج عن المألوف فيه بعيداعن الاعتبارات الوطنية والانسانية والدينية، متوهمة نفسها منبع العلم والحقيقة والفضيلة والخير، والاخر منبع الجهل والشر والظلام والتخلف، وكنتيجة تنشأ الكراهية والاخقاد والانتقام، وما نشر وتمويل الإحتلال لمحطات فضائية لا تعد كل منها يزيد في إشعال اوار الفتنة ويشحن للبغضاء والمنكر.

 

البعد الاقتصادي:

تسعى الطائفية بسلطتها استغلال المال العام من اجل مصالحها الخاصة وبصور عدة هي المحسوبية، شراء المناصب، الابتزاز الوظيفي، كسب المناقصات، الحصول على مبالغ لقاء إبرام اتفاقيات. والاخطر التستر على فساد من تربطهم قربى سياسية وايجاد الاعذار لما يرتكبونه من الاخطاء، لا بل تحميهم وتمنحهم نوع من الحصانة، تجعلهم يتمادون في فسادهم وإفساد الآخرين، وما تأخر تشكيل وزارة منذ سبعة أشهر والتناحر على منصب رئيس الوزراء الذي يتيح أكبر فرصة للسرقة والنهب إلا تأكيداّ على ذلك.

 

البعد الديني:

إهمال أو إغفال البعد الديني، فغالبا ما تتكلم بلغة السياسة والمصالح والتوافقية والمحاصصة، والإدعاء الكاذب والمشوه ببعض الشعارات الدينيـة النظرية كالمحبة والاخاء والصلاح بين الناس بمختلف دياناتهم، ويأتي هذا كله نتيجة تحولها من التوجه الى عبادة الله والعمل الصالح التي أسس الدين عند الله كهدف ، الى جعل دين الله في غير موضعه مستبدلة اياه بنسيج من المصالح، فبدلا من انها وجدت بالاصل لتسعى الى المطلق وتخدمه وتشهد له، تعتبر نفسها مطلقاَ بحد ذاتها، وبذلك تنحرف المشاعر الدينية عن هدفها الاصيـل.

 

العراقي بين الهوية الطائفية والهوية الوطنية:

لو بحثنا عن الهوية التي كانت تجمع المكونات العراقية منذ أيام السومريين، نراها لم  تكن هوية عرقية او لغوية او مذهبية دينية، بل كانت هوية ثقافية جامعة. كما لم يكن الاسلام في العراق قبل الاحتلال كفكر وممارسة القتل على الهوية. فابناء المجتمع كان يربطهم روابط نسيجه هوية عراقية وهدف واحد، هو العراق. لكن بعد الاحتلال بدت ظواهر واضحة للطائفية وبرزت كمعايير اساسية لهوية أخرى. واليوم اصبح سؤال الانتماء  الديني والانتماء لطائفة ما من الاسئلة الاولى والمهمة لمعرفة هوية العراقي قبل مؤهله وخلقه، وصار على ضوئها تمنح حقوقه، وهذا يجعل العراقي يشعر انه ابن طائفته، يتضامن معها وينحاز ويبتعد عن باقي مواطنيه، والنتيجة نشهد اليوم تخلي العراقي عن هويته الوطنية من اجل هويته الطائفية.

 

لا يمكن تجاهل تاريخ المكون العراقي الجامع للاديان والطوائف والقوميات معا، واذا اردنا ان نكون او نقلد المجتمعات الغربية، فالسؤال: لماذا نستورد منهم فقط ما نريد من الظواهر الحياتية ولا نتعلم منهم ما يبني مجتمعنا وهويتنا؟ كيف هم كل بلد يضم قوميات واديان ومذاهب عديدة في مجتمع واحد، وحركات واحزاب في حكومة واحدة، ومع هذا نرى تناغم متكامل تجمعهم هوية ذلك البلد الذي يضمهم باحترام خصوصية كل طرف منهم. فلماذا يريدوا أن يوزعونا طوائف وأجناس؟  

 

لا يمكن الاستمرار على هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه العراقيين، ولابد من وضع الخلافات جانبا واعتماد منهج سياسي وإجتماعي وطني والعمل بموجبه لبداية صحيحة، ولمواجهة المنتج الأخطر الذي أوجده الإحتلال ووضع سبل التعايش السلمي والوطني كأساس للتعامل بين ابناء الشعب. وهذا ما ساقدمه في الجزء الثاني من المقال.

 

لمعالجة أسس التكوين السلوكي للإنسان لابد من التأكيد على أهم مناشئه وهي حسب علم الاجتماع ودراسات علم النفس البشري الآتية:

 

أولا. العائلة: وقد ركز الباحثون على دور العائلة في تكوين الفرد وتنمية سلوكه وهناك الكثير من المقولات العظيمة في هذا الجانب والتي يمكن إعتبارها خلاصات تعبيرية لذلك، فيقول الدين: (إن الطفل يولد مؤمنا على الفطرة، ومن ثم يأتي والديه فينصرنانه أو يمجسانه)،أي إن العائلة هي اللتي تشكل تكوينه الديني وبما أننا نعلم ما للدين من تأثير في السلوك البشري نستطيع أن نفهم مدى تأثير العائلة على السلوك الإيجابي للفرد مستقبلا، حيث كيف سيتلقى المفاهيم الدينية ومعرفة حقيقة الدين الذي أراده الله سبحانه خيرأ للبشرية.

 

وقال الشاعر في قصيدة تعني الجانب الإجتماعي وتكوين الفرد:

 الأم مدرسة إذا أعددتها             أعددت جيلا طيب الأعراق.

 

ومن هنا يتضح الدور الكبير للأم (المرأة) في بناء المجتمع وخطورة دورها إيجاباَ وسلباَ.

 

ثانيا. المدرسة: والمدرسة هي عاملين مؤثرين المعلم أي الإنسان والمنهج، فكلما كان إعداد العامل الأكبر تأثيرا المعلم (الإنسان) إعدادا وطنيا وإنسانيا مدركا لخطورة مهمته ولا أقول مهنته فالتعليم مهمة ومسؤولية شرعية وإنسانية ووطنية وليست مهنة تكسب ورزق، وقد كان المعلمين الأقدمين يرفضون تقاضي أجرا عن عملهم لأنهم يعتبروه عملا خالصا لوجه الله، ولكن تطور التعليم وتوسعه وتطلبه تفرغ المعلم للتعليم والجلوس لتعليم الناس جعل الدول تفكر في حل مشكلة رزقه ومعاشه، فصار الى صرف راتب له من بيت المال ثم بتطور الدول صار من الميزانية العامة. أما المناهج فهي الجانب الثاني الذي يجب أن يحمى من الإجتهاد الفردي أو الأهواء والأغراض الشخصية والغايات الفردية، وأن يكون منهج التعليم خصوصا الديني والإنساني (اللغة والأدب والتاريخ وعلم الإجتماع والدروس الأدبية في المدارس) مقدسة بقدر ما للدستور والقانون من قدسية إذا لم تكن أكبر، وأن تكون فعلا موضوعة لبناء إنسان ومواطن، بكل ما تعنيه الكلمتين من معنى.

 

ثالثا. الاعلام: فوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، صحف مجلات كتب ومسرح سينما تلفزيون أنترنيت وغيرها، لها تأثير كبير في تكوين ثقافة الفرد والمجتمع بل البشرية عموما، وبما أن هذا لا يمكن أن تتحكم به دولة معينة فلابد من وضع صيغ على مستوى العالم تحدد بشكل كبير خير البشرية وهذا لا يمكن في وضع وقدرات المنظمات الإنسانية الحالية لإختلاف مناهج وتوجهات الدول وتباينها وإختلاف غاياتها فعلينا كعراق على الأقا أن نضع معاير لهذا النشاط الكبير وتحديد منهجه الوطني في إعلامنا العام والخاص بدون تقييد لتنوعه وتعدد منابعه الفكرية ولكنها يجب أن تكون جميعها ملتقية عند خط موحد هو تكوين الإنسان وطنيا وإنسانيا تكوينا صحيحا.

 

رابعا. دور دور العبادة ومعلميها: إن التثقيف والتعليم والتكوين الديني والقائمين عليه يجب أن يكون قائما فعلا على حقيقة ما أراده الرب سبحانه بالتشريع وما جاء بالرسالات والكتب وما بعث به النبيين لا أن يكون أداة للفتنة والفرقة والتمزق وهذا يتطلب وجود مرجعية عليا من أناس يعرفون الله أولا ويعرفون الدين حق معرفته، لا كما هو الآن كل يوظف نقاط الإختلاف ويضخمها ويضيف عليها ويؤولها إبتغاء الفتنة وإبتغاء تحريفه، وهذا أمرا يتحمله المراجع الكبرى في الدين والتي يجب أن تضع ضوابط صارمة على ذلك.

 

 





السبت٢٣ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عاشقة النهرين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة