شبكة ذي قار
عـاجـل










ما من شك أن الدين الإسلامي الحنيف، هو احد أهم عوامل وحدة الأمة.وجاء النص القرآني، واضحا وحاسما في هذا الشأن،ليقرر هذه الحقيقة.فعندما نقرأ قول الله تبارك وتعالى(وان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)،نجد أن وحدة الأمة،تتصدر سياق هذا التقرير الإلهي، الذي أراده الله للأمة،بشكل جلي. وتأتي السنة النبوية لترسخ هذا التوجيه بنفس المنهج،من خلال حديث الرسول صلى اله عليه وسلم(يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار). بل إن السنة الشريفة، ذهبت إلى ابعد من ذلك بكثير،عندما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، مقياس الإيمان في الإسلام، هو الأخوة والمحبة،معتبرا أن (المسلم أخ المسلم)، وانه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).


ولا ريب أن الجيل النبوي الراشد،الذي رباه الرسول الكريم، على ذلك الهدي الرباني،عاش حياته في أخوة مطلقة، لا تعرف للكراهية أي معنى. بل وكانت معاني الإيثار والتضحية بالنفس، تفيض على الجميع من بعضهم البعض، حتى أن كتب السيرة والتراث، حافلة بالكثير من هذه المعاني السامية، التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا قط.ولعل أخوة المهاجرين والأنصار، خير شاهد على الممارسة النبيلة.فكان الجميع في ظل الدين الإسلامي إخوانا متحابين، لا يعرفون للمذهبية والتعصب أي معنى،سوى أنها الانغلاق وضيق الأفق.وكانوا فوق ذلك كله، يتسابقون إلى التأسي بالرسول الكريم،لتجسيد مفاهيم وتعاليم الإسلام الحنيف،على مراد الله ورسوله، إلى الحد الذي يمكن وصفهم، بأنهم نماذج قرآنية تمشي على الأرض.وقد وصف القران الكريم هذا الجيل الفريد، بابلغ وصف، عندما قال الله تعالى فيهم(محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورحمة، سيماهم في وجوههم من اثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرع اخرج شطاه فآزره فاستغلظ، فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيض بهم الكفار، وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما).وهم بعد هذا الوصف الرباني البليغ لهم، لا يحتاجون إلى من يطريهم ويمتدحهم، إلا بقدر ما يقتضيه المقام، من التدليل على صفة ذلك المجتمع الفاضل، الذي نطمح أن تتاساه الأمة، وتتمثله في عملية التكون، والنهوض المعاصرة.


لكن الملاحظ اليوم، أن هناك حملة إعلامية مسعورة، في الكثير من الفضائيات، التي دأبت إلى إثارة النعرة الطائفية، بطريقة مسمومة، تحت ستار التقريب بين المذاهب.ومع أن كل الأخيار في الأمة، من المفكرين، والأحزاب، والناشطين، والهيئات الشعبية، هم ولاشك، مع مبدأ تقريب المذاهب، لا بل مع توحيدها، على صعوبة هذا المطلب، بسبب التراكمات التاريخية، وترسيخ الكثير من المفاهيم الخاطئة، والتصورات المضللة،لأسباب موضوعية وتاريخية، تتعلق بالعوامل الخارجية، وأخرى ذاتية تتعلق بعوامل تخلف المسلمين،في المنهج والسلوك، عن الارتقاء بمراد الدين الحنيف إلى مبتغاه الرباني...فان البعض الآخر، الذي يثير هكذا موضوعات للنقاش، وفي ظروف تلعق فيها الأمة جراحها بألم بالغ، بسبب الاحتقانات الداخلية، والتآمر الخارجي، الأجنبي الشعوبي والصهيوني والغربي،مدعاة للشك، بان الغرض مقصود، وان الهدف تنفيذ مخطط تدميري، يستهدف ما تبقى من عناصر قوة الأمة، باستخدام ورقة المذهبية، وتلطيخ الدين بوحل السياسة.ولعل ما تتعرض له الأمة من أخطار التجزئة، كما يجري اليوم في السودان، حيث، يقف على عتبة مرحلة حاسمة من تاريخه المعاصر، قد تؤدي إلى تقسيمه بإجراء الاستفتاء في نهاية العام،تحت ستار حق تقرير مصير الجنوب ، والذي يتزامن مع حملة إعلامية ظالمة، داخلية وخارجية، لغرض إثارة الفتنة بين أبنائه، تحت شعارات مختلفة،إذ تأتي تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة، بان السودان لغم موقوت، وان انفصال الجنوب، أمر لامناص منه،في إطار هذا السياق من التآمر الدولي الجلي، على ما تبقى من الحد الأدنى، لعناصر تماسك الجسد القطري العربي، بالسعي لقصقصة أوصاله،وإعاقة آحاده،وتحطيم أطرافه،وشله عن الحركة والحياة.


وإذا كان الاحتلال الأمريكي للعراق، هو اكبر كارثة، لحقت بالأمة العربية، في التاريخ المعاصر، بعد نكبة فلسطين، وإنشاء الكيان الصهيوني،وتشريد أهلها من أرضهم،وما يجري على الساحة اليمنية من صراع بين أبناء الشعب الواحد،للتشطير، تحت ستار الحراك للإصلاح،وما تشهده الصومال من فوضى، وصراعات دامية هو الآخر،من جملة تلك الماسي، التي ينبغي أن لا تصرف أنظارنا أبدا، عما يلوح في سماء العرب، من سحب وغيوم شؤم، تنذر بكوارث أخرى، تحل على ارض العرب،في قريب القادم من الأيام.


ومن هنا فان المطلوب اليوم، أن يستثمر الدين، استثمارا ايجابيا، بعيدا عن إثارة نوازع الكراهية، والحقد، وتأجيج نوازع التشظية والتشرذم في صفوف الأمة،وفي هذا التوقيت بالذات، وما قد يلقاه هذا التوجه،من دعم قوى خارجية، ذات مصلحة مباشرة،بشرذمة الحال العربي الإسلامي المنهك أصلا،بهدف تقويض ما تبقى من إمكانات التوحد العربي والإسلامي، الكامنة في ضمير الأمة.


إن إثارة هكذا نقاشات في هذا الوقت بالذات، وفي ضوء هكذا ظروف عصيبة،هو حالة سلبية، ويتطلب أن يتصدى لها الجميع ، مفكرين ومؤسسات شعبية، وقوى وأحزاب سياسية، وتيارات ثقافية، وفكرية،ومواطنين،بهدف تفويت الفرصة،على مخطط التجزئة، الناشط بشكل مسعور هذه الأيام، والحفاظ على البقية الباقية، من وحدة الأمة، من التمزق العمودي،إلى مذاهب وفرق،لكي لا تتعقب ذات المسار المؤلم، الذي الحق بالأمة أضرارا بليغة،هي في غنى عن تكراره الآن، مهما كانت التبريرات.


إن المطلوب اليوم، هو التركيز في الإعلام والتثقيف، على مبدأ الاستلهام لجوهر الدين، بما يعمل على تنمية توحيد طاقات الأمة، و تأجيل أي نقاشات أو اجتهادات، تثير الفتنة الطائفية، وتعمل على تشظية المجتمع العربي المسلم وإضعافه. ولعل من المفيد ترحيل الحوارات التي تتعلق بإشكاليات المذهبية، إلى مرحلة لاحقة، والتريث بتداولها العلني، حتى تتعافى عقلية الأمة،المثقلة بإرهاصات مرهقة، من أمراض المذهبية وصداع الطائفية المقيتة، وتنضج موضوعيا،لتقبل تداول مثل هذه الأطروحات،حفاظا على لحمتها، حتى يمكنها أن تتخطى بسلام، أخطار التجزئة العمودية والأفقية، التي تعصف بحالها اليوم.


وحتى ذلك الحين،ولان الأمة تواجه الكثير من التحديات المصيرية اليوم،التي تحتل أسبقية كبر في سلم أولوياتها المعاصرة، فلينتبه الجميع إلى خطورة تناول مثل هكذا أمور حساسة،في الوقت الحاضر، للأسباب التي تمت الإشارة إليها،لتفويت الفرصة على أصحاب الغرض ،وليحرص الجميع على توظيف الدين،كعامل توحد،من دون تسييس للدين، وليستلهم الجميع منه، كل معاني الحب والتوحد والتسامح،بكل الوسائل المتيسرة،إلى أن تقف الأمة على قدميها متعافية، من كل الأمراض التي أصابتها. وعندها فلا خوف عليها من تناول كل تلك الإشكالات الحساسة،وما شاكلها بجرأة، للتقريب بين أبنائها، والاقتراب بهم من حالة التوحد، وتجاوز حالات الضعف، والتمزق، والتشظية التي أنهكت حال الأمة، لكي تنهض من جديد، وتعاود مسيرتها الحضارية الظافرة، التي يكون الجميع فيها بدين الله إخوانا.


وبعكس ذلك، فان استمرار تلك الفضائيات وغيرها، من وسائل الإعلام، بترويج هذه النقاشات،غير الملحة، قبل استكمال نضج الشروط الذاتية والموضوعية للحال،في أوساط الأمة،ستكون نتائجه سلبية، وآثاره ضارة.وقد تستعر نار الفتن الطائفية والمذهبية من جديد،فتاتي على ما تبقى من تطلعات حالمة، باتجاه لملمة الشمل، واستعداد الجميع، للركوب في قاطرة الإسلام اليسر، التي تغذ السير،على سكة الهدى، المفروشة على سواء السبيل،الذي أراده الله للمسلمين.

 

 





الاحد٢٤ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب هداج جبر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة