شبكة ذي قار
عـاجـل










طباخ الريس هو احد الأفلام المصرية التي ناقشت موضوع حساس بأسلوب فكاهي ساخر وهو من الأفلام الممتازة ,في أسلوب تناوله لمسالة سياسية وحواره الذي يتصف بالسهل الممتنع ,وملخص فكرة الفلم تنصب حول تبرير أخطاء القادة والرؤساء والملوك حيث يتحدث الفلم عن متولي الذي يملك مطعم متنقل على احد أرصفة القاهرة , وهو متزوج من فتاة تعمل معلمة في إحدى المدارس ويسكن في مسكن خال زوجته بسبب أزمة السكن وينام مع زوجته في الصالة لعدم تمكنه من شراء آو تأجير منزل مستقل ,أي انه من عامة الناس أصحاب الدخل المحدود كمل يسميهم الفلم ,ويقوم بدور الريس الفنان خالد زكي والذي يجسد دور رئيس مصر الذي يتصف بالوطنية والإخلاص ,ولكن الحاشية والمقربون مثل سكرتيره أو رئيس الديوان, يمنعون عنه الحقيقة من خلال ضرب طوق حوله ,يفرض عدم اتصال أي شخص به إلا تحت السيطرة بحيث تصل له المعلومات التي يريدوها وتمنع عنه التي لا يريدوها ولا تخدم مصالحهم ومصالح الطبقة الحاكمة ,فمثلا هو لا يعرف نوعية الطحين المدعم من الدولة ولا يعرف بان الكثير من المواد المسعرة تباع بعشرة أضعافها مثل الكشري ولا يعرف بأزمة السكن في بلاده التي يحكمها ,وهي أمثلة توضح وتعطي فكرة ولو بأسلوب ساخر عن انعزال الرؤساء عن الشعب وعن ما يجري في البلدان التي يحكموها ,وفي احد الأيام يريد الرئيس أن ينزل إلى الشارع ليعايش أبناء شعبه ويرى مشاكله اليومية التي يعاني منها وخصوصا أصحاب الدخل المحدود ,وبما إن ذلك لا يتماشى مع ما تريده وترسمه الحاشية ,خوفا من انكشاف الحقيقة أمام الريس ,فأنهم يقررون أن يعلنوا منع التجوال بسبب وجود كسوف ربما يؤدي إلى العمى ,وذلك بعد إن فشلوا في منع الريس من النزول إلى الشارع ,ويتفاجأ الريس من عدم وجود أي مواطن في الشارع ويلتقي بأعمى ويدعوه إلى تناول الطعام ,فيدله على صاحب المطعم المتنقل متولي الذي يشبه عليه وعلى صوته ولكنه لا يتصور ولا يخطر بباله بأنه الريس رغم وجود صورة كبيرة للريس أمام مطعمه,فيعجب الريس بالطعام وبأخلاق الطباخ وبصراحته ووطنيته ,فيطلب أن يكون طباخه الخاص ,وخصوصا إن الطباخ السابق كان قد طلب إحالته على التقاعد ,في حين إن الحقيقة هو إن الحاشية أجبرته على التقاعد بعد أن تجرأ واخبر الريس عن بعض المشاكل التي يعاني منها الشعب .


فيبدأ الطباخ الجديد بعمله وتحصل الكثير من المشاكل بسبب عدم التزام هذا الطباخ بالتوجيهات التي بلغ بها وهي عدم ذكر أي معلومة توضح المشاكل التي يعاني منها الشعب ,وقد أدت صراحته إلى إقالة احد الوزراء والتسبب بكثير من المشاكل للمحيطين بالريس ,وقد نجح الفلم بإيصال الفكرة التي أراد إيصالها إلى المتلقي والمتمثلة بان اغلب ما يعاني منه الشعب لا يعرف به الريس ,لان المحيطين به يمنعون عنه المعلومة الصحيحة ,أي انه لا يتحمل أخطاء الآخرين من الوزراء والمسئولين ,لأنه لا يعرف بفساد هؤلاء ,ولا يمكن تحميله المسئولية إلا في حالة معرفته وسكوته أو موافقته .


 وقد تذكرت وأنا أشاهد الفلم حديثا لشهيد الحج الأكبر في ملعب الكشافة , حيث كان يجيب على أسئلة الشعب في ندوة أقامها الحزب في وقتها تحت عنوان أنت تسال والحزب يجيب عام 1970 حسبما أتذكر ,وقد حضر الندوة الأولى المرحوم صالح مهدي عماش ,والثانية حضرها الشهيد صدام حسين الذي أجاب عن سؤال عن مدى تحمل المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر المسئولية عن نكسة حزيران عام 1967 بما يلي :


 فأجاب بان أعطى مثلا من التاريخ الإسلامي ملخصه, بان احد الخلفاء أعطى وعدا إلى جماعة يمثلون احد الولايات جاءوا يشكون تصرفات واليهم ,بأنه سيعزل هذا الوالي وسيعين الشخص الذي أرادوه, فعادوا إلى ديارهم وفي الطريق التقوا بصاحب البريد الذي يحمل رسالة الخليفة المتفق عليها معهم إلى الوالي الذي شكوه إلى الخليفة ,وقد كتب فيها (إذا جاءكم فلان فاقتلوه ) بدلا من العبارة التي اتفقوا عليها أو سمعوها من الخليفة والتي كان نصها (إذا جاءكم فلان فاقبلوه ) أي انه قد تم إبدال حرف الباء في كلمة فاقبلوه إلى حرف تاء, ليتغير معناها إلى كلمة فاقتلوه وذلك يعني إن الذي كلفه الخليفة بأمر الرسالة لم يكن أمينا فحرفها ,أو إن الخليفة هو الذي أرسل الرسالة بهذا المعنى خلافا للاتفاق الذي تم بينه وبينهم .


وقد استرسل الرفيق الشهيد في توضيحه بان قال : في الحالتين فان المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر يتحمل المسئولية ,فان كان يعلم بوجود كل الأخطاء ووو ... فانه يتحمل المسئولية المباشرة عنها ,إما في حالة عدم معرفته بهذا الأخطاء سواء تم حجبها عنه من قبل المقربين ,أو لآي سبب آخر,فانه يتحمل المسئولية أيضا لان وثق بأناس غير آهلين للثقة عندما كلفهم بتولي المسئولية.


وأنا أتطرف فأقول بان القائد الذي يثق بأناس غير آهلين للثقة ويعتمد عليهم في إدارة مهمة أو تنفيذ واجب أو تكليف بمسئولية أو غيرها مهما كانت, صغرت أو كبرت ,إن كانت تحدد مصير بلد وشعب أو حزب أو حركة أم لا,فانه يتحمل مسئولية مضاعفة,فكم من أوامر وواجبات تم إجهاضها بسبب عدم أمانة من كلف بتلك المهمة أو بسبب عدم توفر الإمكانيات الشخصية أو بسبب عدم القدرة ,وكثيرا ما وقع القائد في إحراج رد الجميل, ولا اقصد هنا رد الجميل الشخصي فقط بل اقصد إن القائد وعندما يرى بان فلان أو علان قد عمل عملا كبيرا للوطن ,أو لشخص قام بعمل محدد نجح فيه, أو نشر مقالة متميزة أعجب القائد بها , فخصه بإشادة , أو أي عمل وطني له خصوصية ,يحاول ,أي ,القائد أن يرد الجميل لهذا الشخص نيابة عن الوطن ,بان يكلفه بمنصب كبير أو مهمة كبيرة, إن هذا جزء من واجبات القائد, ولكن بشرط تمتع المقصود بالمواصفات التي تؤهله لتنفيذ الواجب , أي إن المنصب أو التكليف بمسئولية يجب أن لا تكون بأي حال من الأحوال عبارة عن مكافأة لتثمين عمل وجهد شخص ما , وهذا ينطبق على القياديين كلا حسب موقعه ,حيث إن تكليف س من الرفاق بمسئولية ما ,يجب أن تستلزم أولا وأخرا, إمكانيته على تنفيذ تلك المسئولية وليس مكافأة له لنضاله أو تقديرا لخدماته للحزب أو للوطن ,ولقد كان سابقا يعينون من يريدون مكافأته, وزيرا بغير وزارة, أي وزير دولة ,دون تخريب عمل الحكومة أو عمل أي وزارة ,وبإمكاننا تطبيق نفس الشيء في الحالات الشبيهة وعلى كل المستويات .


لقد اخذ هذا الموضوع أو شبيهه مناقشات كثيرة في بداية ثورة تموز عام 1968 وهو أيهما أهم الإخلاص أم الكفاءة عند اختيار أي شخص لتولي المناصب المهمة في الدولة وخاصة إن الحزب لم يكن يضم الكثير من الكوادر المؤهلة لقيادة الكثير من الدوائر أو المناصب ,وخاصة ذات الطبيعة الفنية ,وكان عليه أن يختار أو الأصح أن يجري موازنة ما بين الكفاءة والإخلاص ,وقد كان الإخلاص يعني في ذلك الوقت لا يقصد الإيمان بفكر البعث فقط ,بل يتعدى ذلك إلى الدرجة الحزبية أحيانا ,وهذا مفهوم البعض ,وليس الجميع ,ولكن في الآخر كانت الغلبة لصالح الكفاءة بالنسبة لأغلب المناصب أو المواقع ذات الطبيعة الفنية ,والعكس بالنسبة للمواقع التي تؤثر على امن الدولة ,لحين تهيئة الكادر الفني الذي يتمتع بالإخلاص ,والآن نمر بشيء من هذا على مستوى التنظيم الحزبي ,حيث إن عقدة القدم والماضي النضالي ما زالت تشكل للبعض أساسا بل حجر الأساس في التقييم ,ويا ليت هذا حقيقي ,أي انه يمثل الحقيقة بالنسبة لهؤلاء المعنيين ,حيث من الصحيح إن الأدبيات السياسية تتحدث عن نضال ايجابي ونضال سلبي ,ولكل واحد مواصفاته ,وان النضال الايجابي أي مرحلة بناء الدولة وحكم الحزب في بعض الأحيان أصعب من النضال السلبي لما تحتاجه من المناضلين من تربية وتطويع للنفس في ظل المغريات ,ولكن الحقيقة أو على الأقل رأيي هو إن 35 سنة من النضال الايجابي في ظل استلام السلطة, للغالبية العظمى ,لا تعادل يوم واحد من النضال السلبي في ظل الاحتلال والجواسيس والميليشيات والعوز والحاجة والرعب ,عوز وحاجة الجهاد للأموال وللسلاح ,وللمخلصين, في ظل الجواسيس والخوف من المداهمات ومن الميلشيات ومن الحكومات العميلة القذرة ,ونسيت المفخخات والكاتم ؟


 وهنا أنا أعطي الحق للمناضلين الذين ضحوا بكل شيء للحزب وللوطن طيلة 35 عام من حكم الحزب !
ولكن بعد الاحتلال تعبوا بعد أن قدموا كل شيء ,فأعطوا لأنفسهم إجازة تقاعد أو عطلة أو فترة نقاهة ولحين تحرير العراق ,ولم لا وهناك من يتفق معهم ويمدحهم لأنهم ما زالوا على العهد للوطن وللبعث ,والدليل مقالاتهم التي تهز الدنيا, واستمرارية انتمائهم للحزب ,ومناقشاتهم في الصالونات الأدبية والسياسية بل وصل الحال بالبعض أن يصرح بأعلى صوته للفضائيات يدافع فيها عن الحزب وسلطة الحزب وانجازات 35 عام ,ولكن من وراء الحدود! ,ماذا تريدون أكثر من ذلك .


لك الله أيها المناضل والمجاهد والبطل القومي من وراء الحدود ,فمن نحن لولا دفاعك عنا ,ولولا انك قد بصرتنا بالطريق الذي سرنا وسنسير عليه لبقينا عميان, وشكرا لكم وقوفكم من وراء الحدود بوجه الهجمة الصهيونية الأمريكية الصفوية ,ودفاعكم عن المقاومة ورجالها .


إنكم أيها السادة كالمعزي الذي يحضر إلى مجلس العزاء ليعزي من أصابه
مقتلا بولده ,فشكرا لكم على تعزيتكم ,ولكن المصاب يبقى مصابنا ,وما انتم إلا معزين دقائق أو ساعات لتعودوا إلى حياتكم , واعلموا إننا لن ننساكم لأنكم الأوائل في مؤاساتنا ,وحتى صاحب العزاء يذكركم دوما وينسانا ؟!! وله الحق في ذلك ,لأننا أصحاب العزاء مثله ؟!! شكر الله سعيكم .

 

 





الاربعاء١٢ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو محمد العبيدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة