شبكة ذي قار
عـاجـل










أكثر من سبعة أشهر شهد فيها العراقيون العجب، وسجل التاريخ فيها صفحات نفاق سياسي قل نظيره في العالم، وتلاعب متعمد بمصير دولة وشعب، من أجل ضمان مصالح ما يسمونها (المكونات)، وخالف الواقع السياسي للعراق (الجديد) كل النظريات السياسية والتراث السياسي العالمي وتجارب الشعوب في تشكيل حكوماتهم، كما وقف المحللون السياسيون فاغري الافواه أمام الاستثناء اللامعقول على المسرح، مستخدمين كل أدوات التحليل السياسي للوصول الى حقيقة ما يجري لكن من دون جدوى.


تصريحات متناقضة وتبريرات مفبركة من السهولة النظر من خلالها الى حجم التصارع الحزبي والطائفي والاثني والفئوي، الذي يجمع النقائض بلمح البصر، كما حدث في التيار الصدري الذي وضع أصواته في جيب المالكي بعد ساعات قليلة من آخر تصريح لمسؤولين بارزين فيه، كانوا يشددون على الخط الاحمر في التعامل معهن وانه شخص كاذب ومخادع لا يوثق به، كما أنه قد يفرق الحلفاء كما حدث بين المجلس الاعلى والتحالف الوطني الشيعي، الذي سبق أن وصفه عمار الحكيم بأنه زواج لا طلاق فيه، لذلك يبدو أنه يحافظ عليه حتى أن كان شكليا بعد أن أصبح كل طرف فيه يعيش في بيت منفصل. ورغم ذلك لازلنا نسمع البعض وهو يصف ما يحدث على أنه حراك سياسي صحي يجمع الفرقاء ويفرق الاشقاء، وأن السياسة مصالح تخلو من العداء الدائم والصداقات الدائمة، ومع ايماننا ببعض ما يقال، لكننا نتساءل هل بان من كل هذا الذي يسمى (حراك سياسي) حرص على المصلحة العليا للشعب والوطن؟ وهل ضرب أحدهم مثلا يحتذى في التنازل عن المصلحة الذاتية في سبيل المجموع؟ وهل كان تخلي الصدريين عن خطهم الاحمر لصالح ترشيح المالكي تحقيقا لمصلحة عامة؟ أم أن الامر لا يعدو أن يكون صفقة فضحت قيادات التيار وأحدثت بلبلة واضحة في صفوف جماهيره، بعد أن باع المصلحة الوطنية التي كان يجاهر بها ليل نهار، مقابل وزارات سيادية ومناصب أمنية، وأثبت أنه غير قادر اطلاقا على الخروج من خيمة السياسة الايرانية التي يحاولون نصبها لتشمل العراق وسورية ولبنان، وليس أمامه سوى القبول بما أقرته المراجع الدينية والسياسية الايرانية، التي بات واضحا سعيها الدؤوب الى استمرار تشتيت البيت العراقي، وخنق كل فكرة جامعة.


ان شعار الوطن مقابل المنصب أصبح اليوم هو مبدأ الجميع، وهو الذي تشكلت على أساسه الكتل والاحزاب المشاركة في السلطة الان، وأخرى تنتظر بيع أصواتها لمن يمنح أكثر، كما أنه هو الذي أطاح بكتل وتحالفات سابقة فمزقها وجعلها في حالة تناحر وخصومة سياسية، بل ان كافة المباحثات السياسية وما يسمونه حراكا سياسيا، بات واضحا من خلال تصريحات زعماء الكتل أن محوره الاساسي هو صفقات المناصب الحكومية، حتى أصبح من المفارقات العجيبة في السياسة العراقية انشاء وزارات ومناصب سيادية وغير سيادية على مقاسات هذه الكتلة وذلك الحزب، حتى قفز عدد الوزارات العراقية من سبع وعشرين وزارة في أول تشكيلة بعد الاحتلال الى ثلاث وثلاثين في حكومة الجعفري ثم سبع وثلاثين وزارة في عهد المالكي، بينما كان عدد الوزارات العراقية قبل الاحتلال لا يتجاوز العشرين وزارة، وكانت الخدمات الاساسية التي تقدمها للمواطنين في ظل ظروف الحصار الدولي، أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، بل بدأنا نسمع عن ضرورة وضع نسب رقمية للحصة التي يجب أن يشارك فيها كل طرف في القرار السياسي والاقتصادي والامني، وها هي القائمة العراقية وتحالف الاحزاب الكردية وغيرهما تطالب بنسبة النصف في القرارات، بينما يسعى المالكي كي تكون كافة الاوراق بيده مئة في المئة ليمارس تسلطه على الكل، في محاولة منه لصنع البطولة لنفسه وحزبه والتوسع على حساب الاخرين.


لقد دفعت الطموحات اللاشرعية للاستيلاء على المناصب الحكومية وتسخيرها لصالح الاحزاب والاشخاص في سبيل بناء أمجاد شخصية وجمع ثروات طائلة، الى الخروج الى النطاق الاقليمي والدولي لممارسة سياسات بيع المصالح، واغراء الاخرين بدعم هذه الجهة أو تلك، مقابل بيع مصالح اقتصادية ومواقف سياسية مستقبلية، وان الخطورة تكمن في أن الضعف الذي ينتاب الوطن تجعل منه غير كفء في هذه المعادلة، كما أن الذين يقومون بهذه الصفقات هم معروفو النوايا والاهداف التي تدفعهم للقيام بذلك من قبل الاطراف الدولية والاقليمية، مما يجعل كفة الميزان تميل لصالح الاخرين الذين سيحاولون الحصول على تلك المصالح بأبخس الاثمان، مما يعرض الثروة الوطنية للهدر والحرمان، وهذا الموقف يعيدنا الى موقفهم الذي مارسوه أيام كانوا في ما يسمى (المعارضة العراقية) عندما باعوا الوطن وثرواته الى دول العدوان والشركات الاحتكارية قبل أن يصلوا اليه، في سبيل اغراء الغزاة بالتعجيل بالفعل، بل ان أحدهم كان يطلب من المحتلين تدمير كل شيء في العراق لانه سيحيل أعمار ما يدمر الى شركات تلك الدول.


ان المفارقة الكبرى هي أن يلتحق المالكي بخصومه في نفس الفعل الذي كان يعيبه عليهم، عندما كانوا يحجون الى دول الجوار القريب والاقرب. واذا كان الاخرون قد تحدثوا بلغة البيع الاجل للمصالح الاقتصادية والسياسية في حالة تسلمهم السلطة، فان المالكي باع بالعاجل تلك المصالح لانه لازال يحمل ختم السلطة بيديه، وأن فعله لم يكن مفاجأة اطلاقا، لانه كان يرسل الوفود السرية الى تلك الدول للتفاوض على المصالح، وان جولته الاخيرة كانت من أجل التوقيع على ما تم التفاوض عليه من قبل مستشاريه سرا، بعد أن أعلنت تلك الدول موافقتها على اعادة توليه المنصب الاول لولاية ثانية وغيرت مواقفها على نحو دراماتيكي، بعد أن كانت من أشد المعارضين لاستمراره في الحكم، حتى توهم البعض من قادة العراقية أن تلك الدول أصبحت أعضاء في قائمتهم، متناسين أن الدور الايراني الذي حاولوا مغازلته مرات عديدة من دون استجابة، هو الذي كان يحشد لمقبولية المالكي، الذي طلب الدعم الايراني للضغط على الحلفاء الاخرين في البيت الشيعي لقبول ترشيحه، فكان له ما أراد، ثم نصحوه بالتوجه نحو السوريين القادرين على جعله مقبولا خليجيا، بعد أن مهدوا له طريق دمشق التي سبق أن طلب من بعض الاطراف اللبنانية المتحالفة مع السوريين والايرانيين ترطيب الاجواء معهم، على هامش حضور العزاء المقام على روح محمد حسين فضل الله، فقبلوا بذلك طارحين عليه فكرة الربط الجغرافي بين التحالف الاستراتيجي الايراني السوري بالجسر العراقي.


لقد وضع العراق وشعبه ثرواتهم الاقتصادية والبشرية وجهدهم السياسي على مدى عقود من الزمن في جعبة الامة العربية وقضاياها العادلة، ايمانا منهم بوحدة المصير الذي يحركه فيهم الشعور القومي، لكنهم يقينا يرفضون اليوم أن تسخر ثرواتهم وتباع مواقفهم في سوق النخاسة من قبل حفنة من السياسيين الطارئين على تاريخ العراق، كي يستمر هذا في منصبه أو يزيح ذاك هذا عن نفس المنصب، أو كي تدعم هذه الدولة هذا التكتل أو تسحب تلك الدولة دعمها لغيره، بينما يعاني الشعب في الداخل من مأساة انسانية قل نظيرها في العالم، ويتسول المهاجرون عطف دول المهجر بلقمة خبز أو حبة دواء أو مقعد دراسي لاطفالهم. لقد تجرد هؤلاء السياسيون من كل الصفات الانسانية ومن صحوة الضمير، وصموا آذانهم عن صرخات المظلومين وعن بيانات المنظمات العالمية، التي تتحدث عن الهم العراقي، ولم يسألوا أنفسهم كيف يأسف نحو 61 بالمائة من العائدين من سورية والاردن الى وطنهم، لانهم تركوا تلك الدول حسب آخر تقرير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة صدر قبل أيام، وان المتحدثة باسم المفوضية تقول (أبلغ عائدون موظفي مفوضية شؤون اللاجئين بعدة وقائع لتفجيرات وتحرشات وعمليات عسكرية وخطف في المناطق التي عادوا اليها) و(أن 87 بالمئة قالوا ان دخلهم بالعراق لا يكفي لتغطية احتياجات أسرهم)، بينما يستمر الابتذال والحقد بين الجميع من أجل المنصب في العراق (الديمقراطي الجديد).
 

 





الثلاثاء١٨ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة