شبكة ذي قار
عـاجـل










إعلان السيد حسن نصر الله، وقف التعاون والتعامل مع المحكمة الخاصة بلبنان، لجان تحقيق وقضاء حكم، وأن شكل تطوراً نوعياً في السجال السياسي الدائر حول هذه القضية، إلا أنه لن يضع الملف الذي أصبح يعرف بملف "شهود الزور" على الرف، وبالتالي فإن هذا الملف سيبقى مادة سجالية على الأقل في الداخل اللبناني. وإذا كان هذا الملف قد دخل في الآونة الأخيرة مرحلة متقدمة في دورة البحث عن حل لتحديد كيفية التعامل معه، فلأن الخلاف السياسي حوله تمحور حول وجهتي نظر لم تستطع المحاولات التي بذلت حتى الآن الوصول به إلى حل "لا يميت الذئب ولا يفني الغنم".

 

إن رئاسة الجمهورية التي تجهد مع أفرقاء آخرين لاستنباط حلٍ أو مخرج يجنب اللجوء إلى التصويت في مجلس الوزراء حول ما إذا بالإمكان إحالة الملف إلى المجلس العدلي، أو تركه للقضاء العادي للتعامل معه وفق الأصول والأحكام المرعية الإجراء، لم تستفذ بعد كامل جهودها وهي تبحث على حلول درءاً لدفع الأمور نحو حافة الهاوية،وانه من ضمن الاقتراحات التي جرى التداول بها لتحديد المرجع صاحب الاختصاص للبت بالملف، الطلب إلى الغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز الفصل في القضية المتنازع عليها سنداً للمادة 335 أصول محاكمات جزائية. فهل هذا الاقتراح أو المخرج يقع في محلة القانوني؟

 

تنص المادة 335 (أ.م.ج) على أنه تتولى الغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز مهمة تعيين المرجع عند الاختلاف بين المراجع القضائية، سواء كانت هذه المراجع قضاء تحقيق أم قضاء حكم، ويجري حكم هذه المادة إذا وقع خلاف بين محكمة عادية ومحكمة استثنائية.

 

إن وضوح النص لا يحتمل التأويل، حيث أن الغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز ينعقد اختصاصها للفصل في طلب تعيين المرجع عند وقوع الاختلاف بين المراجع القضائية. وهو الأمر غير المتوفر في واقع القضية المطروحة إذ أن الخلاف ليس بين مراجع قضائية بل هو بين مراجع سياسية. وأن النقاش حوله يدور على أرضية الموقف السياسي وليس على أرضية الموقف القضائي. ولذلك فإنه لا يمكن أعمال أحكام المادة 335 (أ.م.ج) لتعيين المرجع الصالح للنظر بالقضية.

 

هذا من جهة أما من جهة ثانية، فإن المادة 335 أ.م.ج التي حفظت اختصاصها للفصل في التنازع بين محكمة عادية وأخرى واستثنائية لا يمكن أن تطال صلاحيتها البت في التنازع بين محكمة عادية وأخرى استثنائية إذا كانت المحكمة  الاستثنائية هي المجلس العدلي و هو المرجع القضائي الأعلى فإحالة الدعاوى إليه تتم بناء على مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وبالتالي فهو محكمة خاصة وليس استثنائية.

 

هذه هي الإشكالية الأولى التي تعترض عدم إمكانية اللجوء إلى تطبيق أحكام المادة 335 (أ.م.ج) لتحديد المرجع، أما الإشكالية الثانية فهي تتعلق بصفة الجهة التي تطلب تعيين المرجع. فالمادة 336 (أ.م.ج) حددت الأطراف الذين يحوزون صفة التقدم بطلب تعيين المرجع عند وجود التنازع، وهم النيابة العامة، والمدعي الشخصي والمدعى عليه، وذلك بموجب استدعاء يقدم إلى محكمة التمييز التي تطلب من النيابة العامة إيداعها نسخاً عن الأوراق العائدة للدعوى.

 

وبما أن مجلس الوزراء ليس من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين حددتهم المادة 336 (أ.م.ج) فإنه والحالة هذه لا يمكنه التقدم بهذا الطلب لانتفاء الصفة والتي هي ركن أساسي من أركان صحة المقاضاة (المواد 62-63-64 أ.م.م)

أمام هاتين الإشكاليتين اللتان تحولان دون مجلس الوزراء اللجوء إلى أعمال أحكام المادة 335 كيف السبيل إلى المخرج؟ هل تعتبر قضية ملف شهود الزور قضية فرع لقضية أصل هي تلك التي جرت الإحالة بها إلى المجلس العدلي (أي قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه). وبالتالي لا حاجة لإصدار مرسوم جديد بالاحالة باعتبار أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع

 

إن هذا الاقتراح دونه إشكالية واستحالة قانونية للأسباب التالية:

 

السبب الأول: إن المجلس العدلي رفعت يده عن القضية بعد ما انعقد الاختصاص للمحكمة الدولية الخاصة، وبالتالي لم يعد المجلس العدلي قاضي أصل كي يصح القول بأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع.

السبب الثاني: إن الملف الذي أصبح معروفاً بملف شهود الزور، لم تتكون حتى هذه اللحظة كيانته  القضائية التي تجعل منه ملفاً متمتعاً بكافة الشروط التي يمكن الاستناد إليها للتقدم بها كمسألة معترضة سنداً للفقرة "و" من المادة 269 (أ.م.ج) والتي تنص على أنه تعتبر من المسائل الاعتراضية / القضايا الجزائية التي يتوقف على البت بها التحقق من مدى توافر عناصر الجريمة.

 

السبب الثالث: لو سلمنا جدلاً، ان ملف شهود الزور قد اكتملت عناصره القانونية، واعتبر مسألة اعتراضية، فإن إثارة هذه المسألة الاعتراضية يجب أن يدلى بها أمام المرجع القضائي الواضع يده على الدعوى. وبما أن الدعوى أصبحت بين يدي المحكمة الخاصة بلبنان، فإن الإدلاء بهذه المسألة الاعتراضية يجب أن يكون أمامها وليس أمام القضاء اللبناني فيما لواعتبرت قضية شهود الزور مسألة اعتراضية.

 

لهذه الأسباب الثلاثة يمكن القول بأنه لا يتوفر المسوغ القانوني الذي يجيز إحالة الموضوع إلى المجلس العدلي. هذا إذا ما أخذ بعين الاعتبار بأنه وحتى من الناحية القانونية، فإنه الموضوع تتجاذبه وجهتا نظر، واحدة تقول بانطباقه على أحكام المادة (402 عقوبات) والتي تنص على عقوبة شهود الزور، وأخرى تقول بانطباق أحكام المادتين (402 403 عقوبات) كونه يندرج في إطار الاقتراء واختلاف الجرائم.

 

على هذا الاساس فإن الحسم بهذا الأمر يكون بعد صدور القرار القضائي الصادر عن قضاء التحقيق أو قضاء الحكم، وعندها فإن المتضرر يراجع القضاء المختص لمقاضاة من افترى عليه أو من "شهد زوراً " ضده.

من هنا، فإن المداعاة بملف "شهود الزور" تفتقر إلى الحجبة القانونية القوية لأنها تبقى عرضة للأخذ والرد التأويل والاجتهاد، وبالتالي إبقائها تحت سقف المداعاة السياسية أكثر منها المداعاة القضائية.

 

وإذا كان من يتوقف عند نص المادة 89 (أ.م.ج) والتي تعطي لقاضي التحقيق حق إحالة محضر تحقيق مع شاهد جزم بالباطل أو أنكر الحقيقة أو كتم بعض أو كل ما يعرفه من وقائع القضية التي يسأل عنها وذلك إلى النيابة العامة الاستئنافية لتلاحقه بجريمة شهود الزور المنصوص عليها في المادة 408 عقوبات، فإنه برأينا يقتضي لتطبيق أحكام هذه المادة توفر واحدة من ثلاث حالات:

 

الحالة الأولى: أن يكون الشاهد قد أدلى بإفادة أولية دون إكراه ثم عاد وتراجع عنها أو نقضها كلياً أمام قاضي التحقيق بحيث يؤخذ هذا التراجع أو النقض قرينة للقول بأن الشاهد قد شهد زوراً، وهذا ما ذهبت إليه أحكام المادة 261 (أ.م.ج) والتي لا يمكن تطبيق أحكام المادة 89 إلا بعطفها  على نص المادة 261 (أ.م.ج).

 

الحالة الثانية: أن يكون الشاهد، شاهداً في جريمة مشهودة تكون معروفة بوقائعها ومنفذيها المباشرين، والإدلاء بعكس ما هو معروف من شاهد كان حاضراً لحظة وقوع الجرم بشكل قرينة على أنه شاهد زور.

 

الحالة الثالثة: أن تكون قد توفرت لدى قاضي التحقيق الأدلة الكافية عن كيفية وقوع الجرم بحيث يكون إدلاء الشاهد بما يناقض الادلة الثابتة ، يقع تحت الوصف القانوني للمادة 408ع، ويشكل قرينة على أنه شاهد زور.

 

إذاً، أن تطبيق أحكام المادة 89 (أ.م.ج) يوجب توفر واحدة من الحالات الثلاث، وبدون ذلك لا يمكن أعمال هذه المادة وبالتالي يبقى الأمر بانتظار القرار القضائي الصادر عن قضاء التحقيق أو قضاء الحكم، وحتى يبنى عندها على الشيء مقتضاه.

 

لكن ماذا لو جرى الأصرار على بت الموضوع في مجلس الوزراء ووصل الأمر إلى حد طرحه على التصويت؟

لو طرح الموضوع على التصويت، واتخذ قرار بإحالة الملف إلى المجلس العدلي، فإنه  والحالة هذه سيكون المرسوم عرضة للطعن أمام مجلس الشورى باعتباره يندرج ضمن الأعمال الحكومية التي يطعن بها أمام القضاء الإداري، وإذا سقط اقتراح الإحالة إلى المجلس العدلي وصدر القرار بالإحالة إلى القضاء العادي ففي ذلك مخالفة دستورية لأنه يناقض مبدا الفصل بين السلطات.

 

ولهذا فإن الجميع في مأزق، وأمام الإشكالية المطروحة والتي تتجه نحو المزيد من التعقيد بعد صدور المواقف الأخيرة التي تدعو لوقف التعامل مع لجان التحقيق والمحكمة، لا بد من البحث من مخرج سياسي أكثر منه قضائياً.

 

والمخرج السياسي يكون بإصدار موقف ملزم للجميع، بأن كافة الأطراف ستكون ضد أي قرار لا يكون مستنداً ومعززاًً بالأدلة الثبوتية، وضد أي قرار يكون في ظاهره قضائياً وفي مضمونه سياسياً .

 

 إن التوافق على موقف سياسي موحد بوجوب أن يكون القرار القضائي، اتهامياً كان أم حكماً قضائياً متمتعاً بكل المعايير القانونية البعيدة عن التسييس والاستهداف هو الذي يجنب البلد، الدخول في نفق أزمة جديدة يعرف الجميع كيف يدخلون إليها ولكن لا يعرفون كيف سيخرجون منها  نظراً  لكثرة اللاعبين والمتدخلين على الساحة اللبنانية....

 

 





السبت٢٢ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة