شبكة ذي قار
عـاجـل










انا والخميني

 

لقد رأيت من الضرورة بمكان إضافة هذا الفصل إلى الفصول الأخرى من الكتاب حتى لا يتوهم القارئ الكريم ولا أولئك الذين يؤرخون هذه الحقيقة من تاريخ إيران أن مؤلف هذا الكتاب طفيلي على الثورة أو كان بعيدا عنه ،  أو أنه بعيد عن الشؤون الإسلامية ومعارفه ،  وها أنا أعلن لأولئك الذين بهرتهم فكرة ولاية الفقيه بأني أنا كأحد فقهاء الإسلام ،  أعلن بصراحة مطلقة وصريح القول أن فكرة ولاية الفقيه بدعة ابتدعها الخميني ،  وضلالة أضل بها المجتمع ،  وأنه والله إنها كملة لا يؤمن هو بها ولا تؤمن زمرته أيضا بهذه الملة الغريبة على الدين الإسلامي ...  ،  بل اتخذها ذريعة للتسلط على رقاب المسلمين ظلما وعدوان ،  وأن الله ورسوله برئ منه ومن كل حاكم يحكم بالباطل ويتخذ الظالمين إماما وعونا ونصيرا..

 

لقد عشت في كنف الإمام الأكبر جدنا السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني رحمه الله سبعة عشر عاما وكان هو المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في شرق الأرض ومغاربها حتى قال فيه الإمام كاشف الغطاء الكبير رحمه الله أن السيد أبو الحسن  ( أنسى من قبله واتعب من بعده )  فوالله لم اسمع منه مرة واحدة كلاما كهذ ،  بل كان رحمه الله دوما يوصي مراجع الإسلام بالابتعاد عن السلطة الزمنية والترفع عنه ،  وكان يقول  ( واجب المجتهد هو هداية النفوس وإرشاد العباد والسعي في تكوين جامعة فاضلة لا حقد فيها ولا كراهية ولا ظلم ولا عدوان )  ...  وعندما استشهد ابنه الكبير في النجف بين صلاة المغرب والعشاء وهو أبي ،  والذي قتله رجل متلبس بلباس طلبة العلوم الدينية أرسله الاستعمار من مدينة قم الإيرانية إلى النجف كي ينفذ جريمته النكراء ،  عفى الإمام الأكبر جدنا عن القاتل وقال  ( لا ينبغي لإمام المسلمين أن يتقاضى أحد أفراد أمته ... ولوكان قاتل أبنه ظلما وعدوان ) . وكتب إلى المحكمة بخطه   ((  إمام المسلمين بمثابة الأب الروحي لجميع المسلمين ولا يليق به أن يتقاضى أحدا منهم وإلى الله المشتكى وهو نعم المولى ونعم النصير  ))  .

 

لقد كان تصور الشعب الإيراني أن الخميني قائد المسيرة ومرشد ثورته له خصال السابقين من مراجع الإسلام ولم يمر بخلده قط أن هذا الشخص بعيد عن الرحمة ،  قريب إلى الشر ،  إذ قتل أسرف في القتل ،  وإذا أسرف في القتل لم يأبى سيفه من قطع رقاب الصغار من الفتيات والشباب من الفتان ،  وقد قتل في غضون ثلاثة أشهر من عمر الزمان الثلاثة آلاف شاب مسلم وشابة مسلمة لأنهم قالوا كلمة واحدة  ( الموت للخميني )  ...  ولست أدري كيف سيلقى الخميني ربه وفي رقبته من دماء المسلمين ما لا تعد ولا تحصى ...  وأعود الآن إلى بيت القصيد من هذا الفصل وأذكر معرفتي بالخميني منذ كان مغمورا في مدينة قم ،  لا يعرفه أحدا إلى أن أصبح مشهورا يعرف اسمه كل واحد.

 

كنت إذا زرت مدينة قم التقيت بالخميني في قارعة الطريق أو في دار أحد الأصدقاء وكان مجلسه لطيفا لا تخلو أحاديثه من الفكاهة ،  وكانت له حلقة تدريس في الفلسفة الإسلامية ممزوجة بالتصوف والعرفان ،  وكان يقضي الصيف في مصايف طهران بعيدا عن مدينة قم وهجيرها في كل عام ،  وكنت إذا ما جاء إلى طهران أزوره مرة أو مرتين في بعض السنوات ،  وأذكر إني دعوته مرة إلى طعام الغذاء في دارنا وكان بصحبته الشيخ مرتضى الحائري ،  وهو الآن حي يرزق في مدينة قم ،  ومن أكبر علمائه ،  وطبعا لم يلج ببالي آنذاك أن القدر سيسخر يوما ما بأمة إيران ويجعل من هذا الذي كنت اسقيه الماء والطعام بيدي سيصبح هو الفاعل لما يشاء والحاكم لما يريد ومن ورائه دماء شامل وفناء عام ،  كان هذا في صيف عام 1955.

 

وتركت إيران إلى فرنسا للحصول على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون ،  وكنت أول مجتهد يحمل الشهادة العليا في الفقه الإسلامي يسافر لطلب المعرفة الحديثة إلى أوربا حتى يكون مثل السيف ...  سلاح ذو حدين ،  وانقطعت صلتي بالخميني ،  ولم أسمع شيئا عن أخباره طيلة السنوات الأربع التي قضيتها في أورب ،  وعدت إلى إيران في عام 1959 ودخلت معامع السياسية وانتخبت من أهل منطقتي نائبا في المجلس النيابي ،  وعندما كنت نائبا كنت أقود المعارضة ضد الحكومة والنظام ،  لم اسمع شيئا عن الخميني أيض ،  وشغلتني واجباتي عن التفكير حتى به ...  وتوفي الزعيم الروحي الكبير الإمام البروجردي في عام 1961 في مدينة قم ،  وبرزت أسماء الزعماء الجدد ولم يكن ضمنها اسم الخميني ،  بل كان الزعماء الجدد ،  وكلهم إلى الآن على قيد الحياة بالمناسبة ،  هم الشريعتمداري والكلبايكاني والمرعشي..

 

ودارت الدوائر ،  وإذ بالشاه يعلن تقسيم الأراضي على الدهاقين ،  فانبرت له فئات كثيرة من ضمنها زعماء الدين ،  والتحق الخميني بتلك المجموعة ،  وأظهر من الحماس والجرأة في الكلام الكثير فاستقطب الجماهير وعلا نجمه واشتهر صيته كما قلنا في موضع أخر من هذا الكتاب ...  وسجن الخميني بأمر الشاه وبرفقته الإمام القمي والإمام المحلاتي وزعماء دينيون آخرون ،  وحصلت مجابهة دموية بين الشعب والنظام ،  ولم يدم سجن الخميني كثير ،  فقد أطلق سراحه ،  وبقي بعض الوقت رهن الإقامة الجبرية في طهران ،  ثم عاد إلى قم واستأنف نشاطه ضد الشاه ،  ثم سافر إلى تركيا ليقيم في مدينة بورصة ،  ثم غادر تركيا  ( لينجس ويلوث أرض )  العراق ،  و ( ليدنس )  النجف رهطا من الزمان ...   

 

عندما سجن الخميني ورفاقه في طهران ،  ذهبت إلى الشاه لعلني أستطيع التوصل معه إلى حل بينه وبين الزعامات الدينية التي كادت تفجر البلاد ،  وكان اللقاء معه ساخن ،  ودار حديث صريح بيننا انتهى إلى خروجي من قصر سعد آباد ميؤس ،  كما كان ذلك اللقاء أحد الأسباب التي أدت إلى القطيعة الأبدية بيني وبين الشاه ،  ومن ثم مغادرتي لإيران ،  ثم ما تعرضت إليه من أذى ،  وأخيرا محاولة الاغتيال الفاشلة على أيدي عناصر السافاك في البصرة ،  والتي نجوت منها بإرادة إلهية بعد أن استقرت رصاصة في ظهري واخترقت الأخرى يدي اليمنى ،  ولا أريد أن أسرد هنا تفاصيل الحوار مع الشاه مرة أخرى ،  فقد نشرته في مذكراتي  ( إيران في ربع قرن )  ولا داعي لتكراره ...  والمذكرات طبعت في عام 1972..

 

وفي صيف 1965 وصل الخميني  ( لينجس )  العراق ،  وكنت أنا في النجف ،  ورحبت به كل الترحيب واستقبلته في الكاظمية وذهبت بصحبته إلى سامراء لزيارة الإمامين العسكريين ،  وفي الطريق كان يحدثني عن الاضطهاد والازدراء الذي لاقاه في تركي ،  وكيف أن الأتراك أرغموه على خلع الملابس الدينية وارتداء الزي الإفرنجي إذا أراد الخروج من الدار التي كان فيها تحت الحراسة حتى لا يعرفه الناس ،  وجاءني ابنه مصطفى بعد أيام من وصوله إلى النجف يستشيرني في أمير أبيه ويتحدث عن الضائقة المالية التي يتعرض له ...  فكتبت كتابا إلى السيد عباس المهري ،  أحد العلماء البارزين في الكويت ،  وهو الآن حي يرزق في قم بعد أن نفته السلطات الكويتية لعلاقته بالخميني ،  طلبت منه مساعدة الخميني ماليا لأنه كان على صلة بالتجار الموالين للزعماء الروحيين الذين كانوا ضد الشاه ،  وكانت له علاقة خاصة بالخميني ،  وبالفعل استجاب السيد المهري لندائي ووصلت إمداداته المالية إلى الخميني ،  ومرة أخرى أكرر هن ،  أن الخميني لم يكن هو الزعيم الوحيد الروحي الذي كان يعارض الشاه ،  بل كان هناك آخرون يسيرون في نفس الطريق ،  وكان نصيبهم السجن والعذاب والتشرد ،  وقد أشرنا إلى أسمائهم في مكان لاحق ،  غير أن الخميني عندما استبد بالسلطة قضى على رفاق النضال بصور متعددة:..

 

فالإمام الشريعتمداري شبه مسجون في داره ،  والإمام الخلخالي مسجون في داره أيضا.

والإمام القمي الذي قضى 14 عاما في سجن الشاه يعيش نفس المأساة.

والإمام الزنجاني الذي قضى 7 سنوات في سجن الشاه ،  جالس في داره ولم يغادرها منذ سنين.

 

نعود للحديث عن الخميني ،  وما قدمت إليه من مساعدات في الفترة التي قضاها في النجف ،  كان إذا ألمت به مشكلة طلب مني حلّه ،  ومرّات وكرات أنقذت جماعته من السجن ،  لأنهم كانوا يدخلون العراق خلسة وبصورة غير مشروعة ،   ( بطريقة لصوصية مثل دجالهم الأكبر )  ...  فيلقى القبض عليهم ،  فكان يرجو مني أن أتدخل لدى السلطات لإنقاذهم ،  وكان له ما يريد..

 

وطلب مني أبنه مصطفى أن أرجو السلطات العراقية تدريب جماعة أبيه على استعمال السلاح في خارج النجف ،  فكان ما أراد.. وطلب السلاح ،  فحصلت له على السلاح من السلطات العراقية أيضا..

 

وفي السنوات الأولى من وجوده في النجف كان الخميني يلاقي صعوبة ومعارضة داخلية من الحوزة العلمية التي كانت رئاستها مناطة بالحكيم ،  المرجع الشيعي الأعلى في العراق آنذاك ،  وكان الحكيم على صلة وثيقة بالشاه ،  وكانت جماعته وبعض أقربائه عملاء مأجورين للشاه ،  يأخذون الأموال من هذا الأخير ويتعاونون مع السافاك ما استطاعوا إلى التعاون سبيل ... 

 

وكان الحكيم بطبيعة صلاته بالشاه وصلات بعض أولاده وجماعته بالنظام الإيراني يقفون موقف الاستنكار من الخميني ونشاطه وأفكاره ،  وقد قال لي ابنه مصطفى ان جماعة الحكيم وبعض أولاده عندما يرون أبي في الطريق يصفحون بوجوههم عنه ولا يفسحون له في المجالس ،  كما ان الحكيم لم يسمح للخميني ان يتحدث باسم النجف والحوزة الدينية عندما كان على قيد الحياة ،  وشكى لي مصطفى مرة أخرى مما يلاقيه أباه من جماعة الحكيم ،  وقال لي أنهم يصفون أبي بهادم الإسلام وهدام الحوزة العلمية ...  وعندما زار عباس أرام ،  وزير خارجية الشاه ،  النجف ،  ظهرت صورة الحكيم واقفا بجنب الوزير في الصحف الإيرانية حتى يعرف الشعب الإيراني الذي كان يرجع أغلبيته إلى الحكيم في التقليد أن الزعامة الدينية العليا مع الشاه وليس كما يقول الخميني أنها ضد الشاه ،  بل أن الخميني شذ عن الطريق ،  وقد طلب مصطفى مني إخبار جماعة الحكيم بعدم التعرض لوالده ،  فهددتهم بالويل والثبور إذا لم يقلعوا عن ملاحقته ،  وكانوا يعلمون أن مركزي في النجف والعراق وصلاتي المباشرة مع الحكيم ،  فكانوا لا يرغبون أن يصل الأمر إلى المجابهة بيني وبينهم ،  فتركوا الخميني وشأنه ...

 

أقول ،  وبالذات لجماعة الزنيم ،  الذين يقرأون هذا الكلام عن أبوهم الروحي في الخيانة والعار والنجاسة ،  لخميني النجس ،  ويتحسرون ويتألمون ويعضون أصابع أرجلهم غيظا وحقد ،  اللي تعدوا على العراق وادعوا أنهم عراقيون ،  بينما هم فرس أبناء فرس ،  ومن عائلة الطباطبائي ،  طالما كان هذا الشخص بهذه العلاقة مع والدكم ،  لماذا ارتميتم بأحضانه حين كنتم لاجئين في بلاده ؟ وطالما كانت هذه العداوة وهذه المشاكل بين والدكم وبينه ،  ما الذي دعاكم للتآمر عليه على بلد أواكم وجعل من والدكم مرجع ...  بينما هو وأنتم لاتساوون الفلس؟! هل هذا هو النضال والجهاد الذي كنتم تدعونه وتكذبون به على البسطاء المساكين السذج ؟ هل هذا هو نضال عائلة الزنيم الذي كان يتفاخر به فطيس المزراب ؟؟ النضال هو العمالة للشاه لأجل الدولارات والتومانات ...  تبا لكم ...  وتفو على وجوهكم الكالحة ...

 

المهم ...  يتابع الدكتور موسى الحديث:

 

ثم بدأت اكتشف هذا الشخص ونفسيته وحبه لنفسه إلى مرحلة الجنون شيئا فشيئا إثر اللقاءات التي كانت لي معه ،  وقد إزداد يقيني عندما صدر كتاب  ( إيران في ربع قرن )  ،  الذي كان يحتوي على مذكراتي والكثير من القضايا السياسية التي عاصرتها في إيران ،  وقد أحدث الكتاب ضجة كبرى في وقته بسبب الأسرار الهامة التي كان يحتويه ،  وكان فصل  ( الزعامة الدينية )  من أهم فصول الكتاب ،  وكشفت فيه علاقة الحكيم وجماعته بالشاه ،  وفي هذا الفصل ذكرت الخميني بإجلال وإكبار ،  وذكرت جهاده ونضاله ضد الشاه بإسهاب ،  وبعد صدور الكتاب بأيام زارني أحد أقربائي ليقول لي أنه يحمل رسالة شفهية من الخميني تقول: بلغ الدكتور موسى إني أعرف أنك ألفت هذا الكتاب لتشويه صورتي فقط وقد كنت موثقا بارع ...  فدهشت دهشة عظيمة عندما سمعت هذا الكلام وقلت لمحدّثي: هل جن الرجل؟ إن الكتاب مليء بالإجلال والإكبار لدوره ومنزلته في النضال ،  لماذا قال لك مثل هذا الكلام؟

فقال: إنك كلما ذكرت اسمه ذكرت الإمام الطباطبائي القمي معه ،  وهو يعتبر هذا الترديف إهانة عظيمة له ،  فهو يرى نفسه الزعيم الكبير الذي لا يحق لأحد أن يردف اسمه به!!

فقلت لمحدّثي: قل له أن الإمام الطباطبائي القمي مجتهد ومرجع مثلك ،  ودخل السجن برفقتك وقضى معك أشهرا في زنزانة واحدة وهو لم يزل أسير السجن منذ سبع سنوات وأنت طليق حر تنتقل في إرجاء العالم الفسيح ،  فلماذا تأبى أن يذكر اسمه معك؟ النضال ليس احتكار لأحد ،  كما أن المرجعية ليست احتكارا لأحد ،  ثم أنت كنت مدرس الأخلاق في قم لسنوات طوال ،  فهلا تعلمت درسا واحدا من الدروس التي ألقيتها على طلابك؟ أليس أول درس من دروس الأخلاق هو  ( ترك الذات وحب العباد ) ؟!

 

وحدثت بيننا فجوة بعد تلك الرسالة الجوفاء لكنها لم تصل إلى القطيعة حتى أن حل عام 1973 فقد زارني ابنه مصطفى في بغداد وقال يطلب مساعدتي في نشر مجلة شهرية باللغة الفارسية تصدر في النجف ،  تنطق باسم المناضلين ويريد تسميتها  ( النهضة الروحية )  وأن جماعة أبيه سيتولون نشرها في النجف إذا ما سمحت الحكومية العراقية بذلك ،  وأخذت مصطفى معي إلى دار الشخص المسؤول عن شؤون اللاجئين الإيرانيين ،  فطرحنا عليه الفكرة وحصلنا بعدها على الموافقة ،  وعين مصطفى المشرفين على المجلة وكلهم من جماعة والده ،  وانفق السيد شبيب المالكي محافظ كربلاء آنذاك من ميزانية الدولة على المشرفين في إصدار المجلة المال اللازم ،  وصدر عددين من المجلة أو ثلاثة..

 

ثم تفاجأت يوما ما بأحد المشرفين على تلك المجلة يزورني في الدار قائلا أن الخميني يريد أن يراك على عجل ،  فذهبت إليه وسمعت منه حديثا غريب ...

 

قال: أريد منك أن تغير اسم المجلة إلى إسم آخر ...

فقلت: لماذا؟

قال: لأني أنا الزعيم المسؤول عن النضال الروحي ،  واسم المجلة يوحي بأنها الناطقة باسمي وأنا لا أريد أن تكون لي مجلة.!!

فقلت:  ( أول )  هناك غيرك من الزعماء الروحيون الذين خاضوا غمار النضار ولا يزالون يخضونه ،  وبعضهم في السجن ،  مثل الإمام الطباطبائي القمي ،  وبعضهم في المنفى ،  مثل الإمام الزنجاني ،  فلست أنت الوحيد في الميدان ،   ( ثاني )  ابنك مصطفى هو الذي اقترح إصدار المجلة واقترح الاسم ،  وصدرت المجلة بناء على طلب منه ...   ( ثالث )  لك قناة خاصة في إذاعة بغداد اسمها النهضة الروحية ،  أي اسم المجلة نفسها واحد أفراد جماعتك هو الذي يشرف عليها ويبث منها ساعتين في كل يوم ،  فلماذا لم تطلب غلق القناة تلك؟

قال: الكلام عبر الفضاء هواء في شبك ،  أما المجلة هذه فمطبوعة وملموسة ،  والفرق كبير بين الكلام والكتابة ...  وبعد جدال طويل دار بينن ،  ومثل عادته ،  أصر على رأيه ...

فقلت: لا أستطيع تغيير اسم المجلة لأنه ليس من اللائق أن تصدر مجلة لشهرين ثم يغير اسمها لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان ،  أن هذا مدعاة للسخرية والاستهزاء ...

قال: إن كان كذلك ،  فجماعتي لا يريدون إصدارها..

فقلت: سيتولاها قوم آخرون ،  وكفى الله المؤمنين القتال ...

 

وامتنعت جماعته بناء على أوامره من العمل في المجلة كما قال ،  وتولاها مناضلون آخرون وصدرت المجلة حتى العدد الثلاثين بنفس الاسم ونفس المنهج المرسوم لها.

 

ومنذ أن أشرف على المجلة آخرون ،  لم يذكر الخميني ونضاله في صفحاتها الأولى كما كان يذكر عندما كانت تحت إشراف زمرته ،  وحصلت لي قناعة أن من الأصلح أن اقطع صلتي بالشخص الذي سبب لي متاعب لا أستطيع تحمله ،  وحصلت القطعية التي دامت خمس سنوات لم أر فيها الخميني عن قرب اللهم إلا في بعض المجالس العامة في النجف ،  ولم استجب للكثير من نداءات زمرته أو ابنه لتجديد العلاقة به.. وزار أبو الحسن بني صدر العراق وحل في بيتي ضيفا في بغداد وحاول جاهدا أن يعيد العلاقات بينن ،  لكن آخر كلامي له كان  ( هذا الشخص مريض بجنون العظمة ،  وأنه مستعد أن يضحي بالعالم وما فيه في سبيل حبه لنفسه وأنانيته ،  والتعاون مع إنسان كهذا لا يخلوا من الخطورة على الفرد والمجتمع ) ..

فقال بني صدر: أوافقك على كل ما تقوله ،  ولكن نحن نحتاج إلى زعيم روحي يقود النضال ضد الشاه ولا يلين في جهاده بالوعد أو الوعيد ،  وهذا هو الخميني ولا بديل له.

فقلت: حتى لو صح ما تقول فإنا لم أزل عند رأيي..

 

ودامت القطيعة إلى عام 1967 حيث توفى ابنه مصطفى في حادث غامض لم يعرف له سبب ،  وكنت في بغداد عندما اتصل بي هاتفيا ممثله العام في النجف واخبرني بوفاة مصطفى ،  وقال: أن الخميني يبلغك السلام ويرجو منك في هذه الساعة العصيبة أن تقف بجانبه في عرض رجائه على رئيس الجمهورية بإصدار الأمر لدفن ابنه في الصحن الحيدري ،  الأمر الذي كان ممنوعا بقرار من مجلس قيادة الثورة ،  ومع إني اعتقد أن محاسبة الناس في ساعات المحنة والنكبة أمر مغاير للشهامة والأخلاق ،  ومع أنه لم يحضر فاتحة والدتي رحمة الله عليها في النجف بسبب القطيعة بينن ،  ومع إن من حقي أن أرفض طلبه على مبدأ المعاملة بالمثل ،  إلا أنني قررت تلبية رجائه ،  فاتصلت فورا بوزير الأوقاف الدكتور الجواري ،  وأخبرته بالحادث وبرجاء الخميني ،  فنقل الوزير رجاء الخميني إلى رئيس الجمهورية ،  فأصدر الرئيس أمره إلى المسؤولين في النجف بدفن مصطفى حيثما أراد والده ،  ثم لاحقا اتصل بي حسين الخميني وهو يقدم لي الشكر والامتنان الجزيل ...  ثم ذهبت إلى النجف عصر نفس اليوم لتقديم التعازي إلى الأب المنكوب بفقد أكبر أولاده ،  وطبعا يفقد صديق لي في الوقت نفسه ،  فاستقبلني وهو حزين القلب ،  يردد عبارات الشكر والحمد ،  وكان ابنه أحمد حاضرا في الجلسة وهو يبكي ويقول لي: لن ننسى أفضالك ...

 

وأسجل هنا للتاريخ ،  أن مصطفى لو بقي على قيد الحياة لما تجرأ الخميني أن يفعل كثير من الأفعال التي فعله ،  فهو كان بالنسبة لأبيه صمام الأمان ،  وكان والده يخشى منه ومن غضبه ،  وكانت زمرة الخميني تخشاه أكثر مما كانت تخشى الخميني نفسه ،  وبعد أن مات مصطفى بصورة غامضة أشيعت في النجف شائعة مفادها أن زمرة الخميني هي التي قتلته حتى يفسح لها المجال للعمل بحرية ،  إذ أن مصطفى كان يمنع أباه من القيام بعمل حاد يتنافى مع مقامه وشيخوخته ... 

 

وبالفعل بعد موت مصطفى خلا الجو لأحمد وللزمرة الخمينية ،  واستطاعت أن تلعب بعقل العجوز لتجعل منه مهزلة القرن وأضحوكة الزمان ،  وقد سمعت من مصطفى أكثر من مرة حين كان يقول  ( أبي هدام وليس بناء )  ،  وكان إذا أغلظ أباه في الحديث ضد الشاه في خطبه وسبه وقذف عائلته كما كانت عادته منع إبنه مصطفى تسجيل الحديث وطبعه إلا بعد حذف تلك العبارات الشانئة ،  وكان يقول  ( هذا النوع من الكلام لا يليق بمرجع دين أو زعيم أو شخص في عمر أبي )  ،  إنه كلام  ( المهرجين ) ..

 

ولم ألتق بالخميني بعد وفاة ابنه إلا مرة واحدة أخرى في النجف ،  ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض التفرغ العلمي في جامعة هارفارد ،  وكنت في طرق العودة إلى بغداد ،  وتحديدا في مطار أورلي في باريس ،  حيث صادف دخولي صالة المطار ورود الخميني صالة الداخلين ،  فتصافحنا وسألته خير إن شاء الله؟

فأجاب: الخير فيما وقع ...  واجتمع حوله نفر كانوا في انتظاره ... 

 

وبعد ذلك بشهرين ،  كنت عائدا إلى أميركا عن طريق باريس ،  فبقيت فيها أسبوعين رأيت الخميني فيها عدة مرات ،  وأسجل هنا حوارين دارا بيننا في آخر لقاء تم.. أحد الحوارين يدل على أن هذا الشخص من أهل الحقد العظام ،  والثاني يدل على أنه مخادع مكار.

 

الحوار الأول كان على الشكل التالي:

 

قلت له: إني سأعود إلى طهران في القريب العاجل..

قال: لماذا تعود إلى طهران ؟

فقلت: لأداء الواجب نحو الوضع الراهن ...

قال: تستطيع أن تؤدي واجبك في الخارج بعقد المؤتمرات الصحفية والعمل الإعلامي ...

فقلت: ولكني سأعمل داخل إيران ...  فالعمل في داخلها أفضل من خارجه ...

قال: لا اعتقد ...

فقلت: ولكني سأعود على أية حال..

 

فسكت ووجهه مكفهر ،  وانتهى الحوار ...

 

ولما خرجت من عنده قال لي صاحبي: أرأيت كيف يريد إبعادك ولا يريد عودتك إلى إيران ،  أن حقده عظيم عليك ...  وكل ما بدر منه بعد وفاة ابنه نحوك من الرجاء والشكر والثناء كان مكرا.

فقلت لصديقي: ولا تك في ضيق مما يمكرون ...  إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ...

 

وأما الحوار الثاني فكان على هذا الشكل:

 

سألته: ماذا سيكون عقاب الشاه فيما لو ظفر به الشعب ؟

قال: إذا لم يثبت إنه قتل أحدا من الناس مباشرة فلا يجوز الاقتصاص منه!!

فقلت: لكن في رقبته دماء الآلاف من أبناء الشعب؟؟!!

قال: يقتص من المباشر في القتل وليس من الآمر..  ( اي يقع القصاص على الذي قتل وليس على الذي أصدر الأمر.. ) !!!

 

أن من أعجب العجائب وأغرب الغرائب أن صاحب هذا الكلام والرأي يقتل أربعين ألف إنسان في خلال أربع أعوام من حكمه ،  بين فتى وفتاة وشيخ وشيخة لأنهم قالوا  ( لتحيا الحرية وليسقط الاستبداد )  ،  وصاحب هذا الرأي أيضا هو الذي أمر بقتل الآلاف من الأكراد والعرب والبلوش والتركمان لأنهم قالوا  ( نريد حقوقنا المشروعة التي اغتصبت في عهد الشاه!!! ) .

 

وأختم الفصل بسرد قصة سمعتها من ابنه مصطفى قبل بضع سنوات وأيدها الخميني عندما سألته عن صحته ،  قال لي مصطفى: عندما كان والدي في سجن الشاه ،  وفي أشد الخلاف معه ،  حكمت محاكم الشاه على نفر من أنصاره بالإعدام ،  ومنهم الطيب والحاج رضائي ،  لأنهما قادا التظاهرات في تأييده ،  وقدمت جهات مختلفة التماس إلى الشاه ليعفو عنهم ،  فرضي الشاه بذلك ،  وكان والدي عندما سمع بذلك قد قال: إني مستعد أن أذهب إلى قصر الشاه بنفسي ،  وأقدم الالتماس للعفو عن هؤلاء المحكومين ،  وخاصة إذا كنت على يقين بأنه سيقبل التماسي ورجائي ،  لأن فيه أيضا إنقاذ لرجلين مسلمين من الموت..!!

 

وقد سألت الخميني عندما كان في النجف ،  وفي مناسبة خاصة ،  عن هذا الحديث الذي سمعته من ابنه مصطفى ،  فقال: صحيح ما سمعت..

 

هكذا كان الخميني ...  يتظاهر بالحب والحنان نحو عباد الله وخلقه ،  حتى إذا وصل إلى سدة الحكم انقض عليهم كالوحش الكاسر ،  فلم يأمن من سيفه حتى الصغار من صبية وصباي ،  بل وحتى الحوامل والجرحى ...  وكم كان قائل هذا البيت صادقا حين قال:

 

صلى وصام لأمر كان يطلبه      فلما قضى الأمر لا صلى ولا صاما

 

يتبع ...

 

 

د. صباح محمد سعيد الراوي

الخليج عربي وسيبقى عربيا

خليج الشهيدين السعيدين عمر بن الخطاب وصدام حسين

 

 

بدأت تهل علينا في هذه الأيام المباركة بشائر شهر ذو الحجة المعظم ...  وتهل معها ذكرى ارتقاء إمامنا المجاهد المنصور بالله إن شاء الله صدام ،  شهيدا سعيدا إلى جنان عرضها السموات والأرض ...  فاللهم بحق هذه الليالي العشر من ذو الحجة ...  اجعل عبدك صدام ...  وعبادك برزان وطه وعواد وابراهيم عبد الستار ومحمد حمزة وسعدون حمادي ومحسن خليل وكل من سبقنا من رجالات العراق الابرار الكرام المقاومين الابطال ...  شهداء سعداء في جنان عرضها السموات والارض ...  تحت لواء سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه..

 

 





الثلاثاء٠٣ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. صباح محمد سعيد الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة