شبكة ذي قار
عـاجـل










إلتمّ شمل ساسة المنطقة الخضراء بعد لأيٍ وترحة وضغوط وتهديدات ووعود من هنا وهناك ليخرج علينا برلمانهم العتيد بنسخة معدّلة, بعد صعود ممثلين جُدد على خشبة المسرح, لحكومات الاحتلال السابقة. فديمقراطيتهم, والغريب أنهم ما زالوا يسمّونها كذلك, هي المحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية بعينها. مبنية على أساس أن العراق وشعبه وثرواته"غنيمة"حرب ينبغي حسب القواعد والنُظم الداخلية لعصابات الجريمة المنظمة, أن يجري تقسيمها على الجميع وبشكل عادل, باعتبار أن الكل ساهم وشارك في عملية السطو الكبرى التي تعرّض لها العراق بعد غزوه وإحتلاله.


ففي مسرحية "الديمقراطية" التي ما عادت تُضحك أو تبكي أحدا, لا توجد علاقة ولا صلة بكفاءة أو قيمة أو مستوى الشخص السياسي والثقافي والاجتماعي, المهم بالنسبة لعملاء الاحتلالين الأمريكي والايراني, هو أن يكون المنصب الفلالي أو الموقع العلاني من نصيب هذه القائمة أو تلك الكتلة. وحتى وفق هذا المنطق "الديمقراطي" الغريب جدا لا تبدو أن ثمة ثقة حقيقية بين خدم وحشم المنطقة الخضراء. فكلام الليل عندهم بمحوها النهارُ, وإحيانا يتبخّر قبل شروق الشمس. ولقلبِ الطالولة على اللاعبين وخلط الأوراق على الجميع يكفي أن تصل مكالمة هاتفية لأحدهم من سيّده وربّ نعمته من داخل العراق أو من دول الجوار.


لقد تابعتُ, شأن الكثيرين, العمل المسرحي المخصّص لإنتخاب"رئيس"جمهورية العراق, وأعترف انني تمتّعتُ كثيرا بل ضحكتُ ملأ أشدقاقي وأحداقي خصوصا عندما شاهت ضخامة جلال الطلباني, الرئيس العميّن من قبل الاحتلال والعملاء, وهو يشّق طريقه وسط حشد من البرلمانيين متأثرا وكأنه فاز بالرئاسة بعد حملة إنتخابية شرسة ومضنية ضد خصوم ومنافسين أقوياء يتمتعون بشعبية واسعة!


وما لفت إنتباهي هو أن فخامته المتهدّلة لحماً وشحماً وشيخوخةً توجّه الى معانقة الآخرين, ويُفترض في هذه المناسبات أن يحصل العكس, وقبّل كل مّن وجده على طريقه الاّ شاهنشاه مسعود البرزاني. فهذا الآخير إكتفى بمصافحة "الرئيس الاتحادي" فقط وعلى وجهه إبتسامة ذئب متمرّس, بل مجموعة ذئاب ضارية. وكأنّي به يقول لجلال الطلباني:"يا كاكه جلال, لقد نجحتُ ثانية في وضعك رهن الاقامة الجبرية في المنطقة الخضراء لأر}بع سنوات أخرى". وبدأ لي أن الرجل, اي الطلباني, تقبّل برحابة صدر المصير الذي يستحقه, أي التعفّن والتحلّل الجسدي والأخلاقي والسياسي على كرسي الرئاسة دون أن يكون له فيها لا ناقة ولا جمل, ولا حتى بغل على شاكلته.


أما أياد علاوي وقائمته"العراقية" فقد إقتنع الرجل بما أسمعوه من كلام معسول وجُمل رنانة ومناصب طنانة, وإخترعوا له وظيفة غير موجودة حتى في أمريكا وبريطانيا وهي رئيس" المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية". وهو منصب إفتراضي وغير وارد حتى في دستورهم "التقدّمي جدا" فضلا عن ذلك أن غالبيتهم لا يملكون أية فكرة عن طبيعة ومهام وصلاحيات هذا المجلس العتيد باستثناء السفارة الأمريكية في بغداد. وقيل أن المنصب المُشار اليه سوف ينظّم بقانون يقرّه البرلمان لاحقا. يعني "جيب ليل وإخذ عتابة"يا مستر علاوي.


وإستنادا الى معرفتنا التامة بساسة المنطقة الخضراء الفاشلين والفاسدين والخاضعين لقوى خارجية معادية للعراق فان تشكيل مثل هذا "المجلس الاستراتيجي" سوف يستغرق أشهرا أخرى ويدخل في مسالك وطرقات وعرة جدا, ربما تنتهي الى سرداب حوزة "آية" الله على السيستاني في النجف. لكن أياد علاوي تصوّر أن رفاقه, وجميعهم من أكثر السماسرة والمضاربين في السياسة والتجارة والعمالة خبرة ودهاءا, تحوّلوا بين ليلة وضحاها الى ملائكة فقرروا أن يضعوا بين يديه أهمّ سلطات في البلد.


لكنهم وفي آخر لحظة فجّروا في وجهه مفاجأة كبرى, وهي رفض إلغاء قانون المساءلة والعدالة سيء الصيت من ثلاثة من أهم قادة "العراقية"وهم صالح المطلك وظافر العاني وراسم العوادي. وعليه, فانه من المستحيل على فرقاء"العملية السياسية" المستهلكة, حتى وإن جاءهم باراك أوباما بنفسه, أن يتّفقوا على رأي سديد خصوصا إذا كانت فيه مصلحة, ولو بحدّها الأدنى, للشعب العراقي المبتلى بهم.


ورغم مساعي حكام بغداد المحتلّة الى لفتِ إنتباه العالم وكسب تأييده لهم بمسرحية إنتخاب الرئاسات الثلاثة, الاّ انه لا جديد تحت شمس المنطقة الخضراء الشحيحة الضوء والخالية من الدفء. فكل شيء بقيّ كما كان متوقّعا ومقدّرا له أن يبقى. رئيس الدولة كردي ونائباه سّني وشيعي, رئيس الحكومة شيعي ونائباه سنّي وكردي. رئيس البرلمان سنّي ونائباه شيعي وكردي. وعلى هذا القياس الديمقراطي"الطائفي العنصري المذهبي" الذي لا يوجد مثيل له حتى في لبنان, سوف تخضع جميع الوظائف والمراكز المهمّة في الدولة والحكومة. وسيتم, بعون أمريكا وإيران والكيان الصهيوني, بناء عراقهم الجديد ليكون أسوء مثال وأغرب نموذج لدولة تعيش في القرن الواحد والعشرين.


mkhalaf@alice.it

 

 





السبت٠٧ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٣ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة