شبكة ذي قار
عـاجـل










تتركز جهود ومساعي ساسة العراق المحتل هذه الأيام حول عملية تشكيل حكومة شراكة "وطنية"والتي تعني بالنسبة لهم عملية تقسيم المناصب وتوزيع المكاسب بعد أن أجمعوا, تحت ضغوط مكثّفة من قبل أسيادهم في أيران وأمريكا, بأن الحل الوحيد لخروجهم من نفق الفشل والتردي وااللاحل هو قبول كل طرف بما تجود عليه يد الآمر الناهي, أي السفير الأمريكي في بغداد ومساعده, رغم العداء والخصومة المفتعلة, سفير جهمورية آيات الله في طهران.


ويبدو أن مسألة تقاسم المناصب والوزارات لبناء "دولة حديثة وعصرية" كما يزعمون لم تُحسم حتى هذه اللحظة. وربما لم يتم التفاوض والحوار حولها. فالكل يطالب بحصّة أكبر ويدّعي أنه الأحقّ والأجدر في الحصول على هذه الوزارة أو تلك. ورغم ان العراق بلا سيادة منذ إحتلاله عام 2003 وما زال خاضعا بالكامل لقوات الاحتلال الأمريكي الظاهر والايراني المبطّن الاّ أن الصراع سوف يشتدّ ويتخذ أشكالا وطرقا محتلفة بما فيها الخطفة الاغتيالات حول ما يُسمى بالوزارات السيادية.


والهدف طبعا واضح جدا, فالأمر لا يتعلّق بسيادة العراق كما يتوهّم البعض بل بالتسيّد على الوزارة المعيّنة وتحويلها الى شركة ذات مسؤوليات ومهام محدودة تابعة لحزب أو لقومية أو لطائفة الوزير الذي يقودها, كما فعل هوشيار زيباري وزير خارجية المنطقة الخضراء ومثله وزير الصحّة والمواصلات وغيرهم. والمضحك المبكي هى إن أذهان عباقرة العراق الجديد توصّلت الى آخر إبتكار أو إكتشاف لم تحظَ بمثله أية دولة في العالم, ألا وهو إستحداث منصب جديد: نائب ثالث لرئيس الجمهورية ونائب ثالث لرئيس الوزراء. من أجل ماذا؟ العلم عند الله وحده. لكن بربّكم هل هناك دولة, من أمريكا الى الصين وروسيا واليابان والهند, يوجد لدى رئيسها ثلاث نواب؟


وهل أن ثمة ما يستوجب في عراقهم الجديد وجود نواب لرئيس الدولة والحكومة في الوقت الذي يُعاني فيه العراق وشعبه من الفقر والحرمان وفقدان أبسط الخدمات الأساسية فضلا عن إنعدام الأمن والاستقرار إضافة الى سجل الحكومة والوزارات الحافل بالفشل على جميع الأصعدة والميادين. وإذا كان رئيس الدولة لا يحل ولا يربط كما يُقال ويقضي معظم وقته "الرئاسي" بين مأدبة غداء وحفلة عشاء فما هي الحكمة, إن لم تكن الجشع وغريزة السلب والنهب والاستحواذ, في أن يكون لفخامته العير مبجّلة ثلاث نواب؟


ثمّ أن عجائب وغرائب العراق الجديد لا تنتهي ومهازل ومسخرة ساسته الجدد لا حدود ولا نهاية لها. ومنطق السمسرة والعهر السياسي والمضاربات هو السائد بينهم. وشأن تجار وباعة السوق الحرة والسوداء والبيضاء يتحالفون فيما بينهم ويرفعون الأسعار رغم أن بضاعتهم فاسدة ولا تصلح للاستعمال البشري, ويتآمرون على الزبون, أي المواطن العراقي, في وضح النهار وفي ظملة الليل. فلا غاية لهم غير المنصب ولا هدف يستحق التحقيق عندهم غير المزيد من المكاسب والامتيازات والجاه والنفوذ تحت شعارات فضفاضة وزائفة ما عادت تقنع حتى من يرفعها ويخفي عوراته خلفها.


فالجميع شركاء منذ البدء في جريمة إحتلال العراق وغزوه وتدميره, ولم يكتفوا بذلك بل إنفتحت شهيتهم البدائية لكل المحرمات والانتهاكات وإنطلقت غرائزهم الحيوانية المتعطّشة لدماء العراقيين وثرواتهم وخيراتهم. ويكاد الانسان أن يفقد عقله من فعل وتصرفات وسلوكيات من تسيّدوا على العراق في غفلة من هذا الزمن الأغبر, وإعتبروا أنفسهم"قادة" يستحقون إحترام وإهتمام الدول الأخرى, وما هم في الواقع الاّ حثالات من البشر وهواة تمثيل فاشلين في مسرح من الدرجة العاشرة.


فهذا هو طارق الهاشمي نائب رئيس جمهورية المنطقة الخضراء يأمر مكتبه في البصرة - تصوّر في البصرة وليس في سواها - برفع العلم "الكردي" الانفصالي الكريه في شوارعها وعلى مبانيها تثمينا لمبادرة الصهيوكردي مسعود البرزاني, تلك المبادرة التي أبقت طارق الهاشمي في منصبه. وهذا هو بيت القصيد وزبدة الكلام. والأغرب هو أن بعض أتباع طارق الهاشمي "نائب رئيس الجهمورية"طالبوا بفتح قنصلية كردية في البصرة. ورغم إنني لا أستبعد ولا أستغرب حدوث أي شيء في عراقهم الجديد, كأن تخضّر مثلا نخلة في قصر مسعود البرزاني في أربيل وتأتي بتمرٍ من نوع "البَرحي" الاّ أنني لم أسمع في حياتي أن إقليما, حتى وإن كان سكنته من فصيلة الملائكة كجماعة العميل مسعود البرزاني, يفتخ له قنصلية في نفس البلد الذي هو جزء منه.


المسألة باختصار عزيزي القاريء هي أن الأحزاب والكتل الحاكمة في المنطقة الخضراء, وعلى رأسها مع الأسف الشديد قائمة"العراقية"أعطوا لمسعود البرزاني أكثر مما يطلب ويُريد لقاء حفنة من المناصب وأقلّ منها من المكاسب. وإن أسباب الخلاف والاختلاف بينهم والشهور الطويلة التي أمضوها في حوارات ونقاشات وعراك وأخذ ورد لم يكن سببها نوعية البرامج أو الخطط أو المشاريع المقدمة لبناء العراق الذي دمّروه وعاثوا فيه فسادا وإفسادا أو من أجل إخراج المواطن العراقي من نفق الفقر والعوز والحرمان والفاقة الذي ألقوه فيه بطريقتهم "الديمقراطية" الخلابة, لا وألأف لا. بل أن كل همّهم وهدفهم هو المناصب والوظائف والكراسي الوثيرة.


mkhalaf@alice.it
 

 





الاحد١٥ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١/ تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة