شبكة ذي قار
عـاجـل










 

مرد اني أستذكر اليوم ليلة سمر أمتدت حتى الصباح في الدوحة، سببها خبر مثيرهو فوز دولة قطر بأستضافة مونديال 2022، قابله خبرمشين آلمني أشد الألم، هو لجوء خضير الخزاعي وكامل الزيدي على قتل رموز الفن. وخنق الحريات في عراق اليوم. فقطر هذه الامارة الصغيرة جدا، والتي عبارة عن لسان صحراوي رملي يمتد عبر مياه الخليج العربي، لم تكن وقتذاك الا مدينة بشارع واحد ينعت بالكورنيش. الرمال تغطي طرقاتها وبين قدميك تتقافز الفئران في عز النهار. الفندق الوحيد بنجماته الخمس هو فندق "غلف". وفندق آخر بدرجة أربع نجوم كان اسمه "دوحة بالاس". أقسم بأن الافاعي تتجول عند سقف القاعة الرئيسية، يتصيدها عامل الاستقبال الهندي بكل براعة وخفة بواسطة عصا طويلة. فكنت عندما أخلد الى النوم في غرفتي، أقوم بجولة تفتيشية عن الزواحف. وأدس قميصا من قمصاني تحت فتحة باب الغرفة.  كانت هي المرة الأولى، التي أزور فيها العاصمة القطرية وذلك عام 1977، رافقت فعاليات المعرض العراقي في الدوحة، مديرا لإعلام المعرض. وبين أجنحة المعرض، تعرفت إلى شخصية قطرية متفردة، هي شخصية على الأنصاري، الذي كان وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، استضافنا في قصره المنيف، نحن كادر المعرض إلى جانب أركان السفارة العراقية، وشخص السفير العراقي آنذاك محمد غانم العناز.

 

لم يكن الحضور من عراقيين وقطريين غير 20 شخصا فقط. والمرأة الوحيدة التي كانت بيننا السيدة ساهره عبد الوهاب عضو كادر المعرض. وركبت الراح برؤوس المدعوين، وقبل ان ينتصف الليل. قدم لنا المضيف الأنصاري، ضيفا مصرياً مع زوجته. وبالرغم من كلمة التقديم، لم يتعرف عليه أحد من الحاضرين، فطلبت من السيد الأنصاري، أن يسمح لي بتقديمه ثانية إلى الحاضرين. فأمسكت بالميكروفون وقلت.. "يسرني أن أقدم لكم مطرب مصر الكبير الأستاذ عادل مأمون، بطل فلم "المز وعبده الحمولي"، الذي شاركته فيه وردة الجزائرية. وصاحب أشهر أغنية هي "مش قادر أنسى". كما أرحب بزوجته المغنية الفنانة هدى زايد".. كانت هدى زايد جميلة وفارعة الطول وببشرة بيضاء مشربة بالحمرة وبعنق يستفز الناظرالمتطفل. ما إن فرغت من التقديم حتى علت وجه عادل مأمون الفرحة، واغتبط أيما اغتباط، فترك عوده على الأرض ثم قبلني وهو يقول.. " شكرا لك يا أستاذ". بتقديمي له أزحت عن صدره إحراجا تملكه، عندما لم يهتم به أحد بادئ الأمر. آنذاك صفق له الجميع.  وأمسك عادل مأمون بعوده ليغني، إلا أنه اشترط عليّ أن أجلس بجانبه، لأن اغنية "مش قادر أنسى" تحتاج إلى من يردد بعض الأبيات إلى جانب المطرب. وهي بيت "يللي ملكش حبيب بعدي تعال غني ليل وحدي". ثم غنى أدوارا غنائية لسيد درويش فأطرب الجميع، لأنه كان يمتلك صوتا قويا، بمقدوره أن يتسلق مقامات عدة. كما كان متمكنا من القرار والجواب، وهي مصطلحات فنية بحتة. هنا قام مضيفنا الجليل على الأنصاري، بعد أن أخذ آلة العود من عادل مأمون، وطلب من هدى زايد، أن تغني.. وغنت.. فأطربت.. فيما جلس الأنصاري تحت قدميها، وهو يضرب على العود كأي عازف ماهر. غنت الأطلال.. وما إن وصلت إلى بيت "هل رأى الحب سكارى مثلنا". حتى اشتد الطرب بالأنصاري، فقذف بعقاله وبغترته بعيدا عن رأسه.

 

امتدت ليلة السمر هذه حتى الهزيع الأخير من الليل. فأذهبت الراح بالعقول... رحم الله على الأنصاري.. الذي علمت بوفاته بعد سنوات طويلة من هذه الليلة.

 

وعصفت برأسي اليوم حال بغداد المخربة والجريحة، وأنا أتذكر قطر كيف كانت بالأمس، وكيف فازت اليوم بتنظيم أكبر تجمع رياضي عالمي. وكيف سيتجرأ أكثر من مليون زائر ليشهد حدثا رياضيا هو الاول من نوعه في دولة عربية. فيما أشك كل الشك أن يتجرأ أي حاكم عربي المشاركة بالقمة العربية القادمة المفترض عقدها ببغداد. والدوحة هي كل دولة قطر، التي لا أشك بقدراتها الخارقة في أستضافة هذا المونديال. وستذهل الدنيا يوم تقدم أنموذجا فذا على قدرات أمارة صغيرة، في توظيف فلوسها بهذا الشكل العقلاني. كما وظفتها بحكمة في تأسيس فروع لأكبر الجامعات الامريكية والاوروبية وأحدث المستشفيات العالمية على أرضها. فالفلوس التي توظف في صحة المواطن وتعليمه، تعكس نزاهة أي حاكم. فمن يغار من نجاحات قطر بسبب نجاحات قناة الجزيرة، عليه أن لايغار من نجاحاتها في أستضافة المونديال. بل عليه أن يذرف الدموع على حاضرة الدنيا بغداد، وما آل أليه مصيرها بعد أن نهب أمراء الحرب السنة والشيعة والكرد، فلوسها ولم يحققوا شيئا يلفت الانظار. فكرزاي العراق الحالي بعد حكم دام أربع سنوات مضنيات، وسنة أضافية "خاوه"، يعود ليضيف الى حكم الجور والسلب اربع سنوات أخرى، ستكون هي الاقسى على العراقيين.

 

وماذا بعد قرار اغلاق قسمي المسرح والموسيقى ورفع التماثيل في معهد الفنون الجميلة؟. وقبلها غلق منافذ "التنفيس" من مشارب ونواد ليليه. فيما تتقافز دولة قطر أعلاميا ورياضيا وثقافيا وفنيا واقتصاديا، لتصبح يوما في مقدمة دول العالم الثالث، في التقدم والحضارة والتعليم والصحة. وربما ستتخطى ماليزيا المزدهرة.

 

فقط يحصد عراق اليوم بوتائر سريعة أرقام التدني، آخرها وضعه في مؤخرة دول العالم بعد الصومال، في افتقاره لملاعب رياضية. ترى ماذا سيحصد من ارقام متدنية لاحقا، بعد تخريبه كل رموز الثقافة والفن والابداع؟.. حتما سيصل الى قاع المحيط، لتكون افغانستان او منيمار او الصومال أفضل منه، اذا ما واصل المتخلفون تخريبه..

 

أقترح أن يعلن شرفاء العراق الحداد للسنوات الأربع العجاف القادمة، بأن يوشحوا صدورهم بقطعة قماش سوداء.

 

 





السبت٠٥ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال معروف نجم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة