شبكة ذي قار
عـاجـل










تمكنت مجموعة من أسر الضحايا الذين قتلوا في "معسكر أشرف" من الحصول على قرار للمحكمة العليا في إسبانيا يسمح بمحاكمة مسؤولين عراقيين بارتكاب ما قد يعتبر "جرائم حرب"، وذلك بموجب "مبدأ العدالة الدولية" الذي يعد جزءا من القانون الأسباني.


وأصدرت المحكمة أول استدعاء لها ضد آمر لواء الشرطة في محافظة ديالى الذي شاركت قواته في الهجوم على المعسكر يومي 28 و29 يوليو-تموز 2009.
لم تمض سنة ونيف، حتى انتهى الأمر الى ساحة محكمة.


وهذا نجاحٌ يجدر بكل ذوي ضحايا أن يحتفلوا به. إنه يعني، إن الفرصة ما تزال متاحةً، لملاحقة مجرمي الحرب ومرتبكي الإنتهاكات. وإن أبواب الدنيا ما تزال مفتوحة أمام العمل المخلص من أجل إنصاف مظلومين، أو رفع القهر عن مقهورين.


وهذا نجاحٌ، يستحقُ أن يتخذ منه النشطاء السياسيون، والمعنيون بالحقوق المدنية، مثالا على المثابرة والعمل البنّاء من أجل خدمة القضايا العامة بشيء آخر غير الحكي.


وهو نجاحٌ يستحقُ أن يُنظر اليه ليس من نهايته، كقرار صدر من محكمة ذات صفة دولية، بل من أوائله وبداياته، ليتعلم الذين يجب أن يتعلموا، كيف بدأ، ومن أين بدأ، وما هي الأسس التي استند اليها رافعو الدعوة، وكيف تم توفير الأدلة،... الخ. حتى ليصبح من الممكن أن ينحو المظلومون نحوهم في ملاحقة الظالمين.


ولست أملك سبيلا لكي يصل المعنيون الى اقتفاء أثر الخبرات، ولكني افترض إن الوصول الى منظمة "مجاهدي خلق" التي رعت هذا الجهد، ليس عسيرا على مَنْ يرغب، من أجل أن يتلقى النصيحة. كما ليس عسيرا على المرء أن يعثر على محامين يمكنهم أن يدلوه على الطريق الصحيح بين دهاليز القضاء الدولي ومتطلباته.


وهذا نجاحٌ قد يتعلق بملاحقة مجرمين أسفرت أعمالهم عن مقتل 11 أسيرا في المعسكر، وجرح 500 غيرهم، كما إنه قد يتعلق بحماية حقوق 3500 إنسان ما يزالون يعيشون تحت خيمة إرهاب إيراني دائم، إلا إنه يتعلق، بالدرجة الأولى، بحفظ القيم الإنسانية الخاصة بتحقيق العدالة.


فحتى ولو كانت الضحيةُ شخصا واحدا، فان هذه القيم تظل تحتفظ بالمفعول نفسه. ويظل المجرمون مطلوبين للمحاكمة عمّا فعلوا.
وسواء كان المتهمون مسؤولين صغارا أو كبارا فان شيئا لن يتغير بالنسبة لذوي الضحايا الذين لا تستقيم العدالة مع نفسها ما لم تُنصفهم.


وهذا نجاحٌ، ولكن هل أدلكم على فشل؟
لا أكثر من أعمال الانتهاكات وجرائم القتل والتعذيب في المعتقلات العربية.
ولا أكثر من المنظمات والأحزاب السياسية العربية التي تردح بالكلام النضالي وبالدفاع عن حقوق الإنسان.
فهل رأيت الفضيحة؟
هل رأيت إنها لم تنجح في جر شرطي واحد الى أي محكمة؟
هل رأيت إن أحزاب ومنظمات "طق الحنك" العربية لا تساوي قيمة الورق الذي تكتب أسماءها عليها؟
هل رأيت إنها، بالأحرى، أحزاب ومنظمات أقل جدية مما تحاول أن تُظهر نفسها؟
ثم ألم تر إنها، إذا أرادت أن تعمل شيئا تعمله على مقاسها الخاص وحدها؟ وإنها بدلا من أن تقوم بتشكيل هيئة وطنية مشتركة، فإنها تعمل لكل منها هيئة خاصة بها لتحتكر "البهورة"، أو التباهي؟


ألم تر إنها "تستعمل" دماء الضحايا بدلا من أن تستفزها تلك الدماء لوقف الجريمة؟
ونحن مبتذلون عادة. وعاداتنا حيال القضايا المشتركة رخيصة أيضا. ونميل الى أخذ الأمور إما بالحماسة، فنفور كما يفور فنجان القهوة قبل أن نبرد، وإما بالحزبية الضيقة التي لا تنظر الى القضايا الوطنية إلا من ثقب الباب السياسي الذي ندخل منه.


وهذا فشلٌ، ولكن هل أدلك على أفشل منه؟
هل أدلك على جرائم تستصرخ الضمائر الصماء، منذ سبع سنوات، دون أن تتحرك لتقتفي أثرا؟
أم هل أدلك على مخاز لا تستطيع حيالها إلا أن تشعر بالمرارة، وإلا أن تشعر بالعار، وإلا أن تقول "يا كاع، انكشي وطمّيني".
أم هل أقول، "أسمعت لو ناديت حيا"؟


لقد قَتلَ الذين قتلوا أسرى "مجاهدي خلق"، ليس 11 ضحية فقط. لقد قتلوا مئات الآلاف من البشر، وراكموا آلاف الجثث على أرصفة الشوارع. وشنوا هجمات أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأبرياء. وما تزال سجونهم تمتلئ بعشرات الآلاف من المعتقلين من دون محاكمة. والأدلة التي تثبت تعرض المعتقلين لأبشع أنواع التعذيب، بما فيها الاغتصاب، أكثر من كثيرة، ويمكنها أن تشكل طوفانا من البراهين التي تصلح كأدلة قانونية للعرض أمام المحاكم الدولية. وقامت مليشياتهم بأعمال قتل منظمة للخبراء والعلماء، وأدت هجماتها الى تهجير 20% من مجموع السكان في واحدة من أكبر أعمال "التطهير" منذ الحرب العالمية الثانية. وهم نظموا سلسلة من التفجيرات (التي نسبوها للإرهاب) من دون أن تتوصل تحقيقاتهم المزيفة الى فاعليها. بل وسرقوا حتى بنوك ومؤسسات الدولة التي يحكمونها بأنفسهم.


وسجل الجرائم التي ارتبكها مسؤولون عراقيون، كبار وصغار، طويل الى درجة إن هناك "كوكتيلا" متكاملا منها، لكل واحد منهم، يكفي لكي يجعل أي منظمة مافيا أو عصابة جريمة تشعر بالحرج.
ولدينا، في المقابل، كم مليون منظمة وحزب وحركة وجبهة معارضة!
فإذا أراد المرء أن يحصيها فإنه سيحتاج الى أربعة جداول ضرب. وإذا أراد أن يفهم العلاقة بين بعضها، فانه يحتاج أن يرسم غابة، لا شجرة.
وكلها منظمات عظيمة وأحزاب هائلة وكبيرة وقادرة على تحقيق النصر ضد الغزاة.


وليس بينها أحزاب ومنظمات "حكي". وكلها، يا ويلي، ثورية وتحررية ومسلحة، من فوق الى تحت، ومن اللب الى "الكشر".
ولكن ليس بينها مَنْ يرقى، واقعيا، الى مستوى دأب ومهنية "مجاهدي خلق". وليس بينها مَنْ هو مستعد أن يضع يده بيد وطني آخر، واضعا دماء الضحايا فوق، وواضعا الحزبي جانبا.


وفي معظم الأحوال، فإننا إذا أردنا أن نعمل شيئا وطنيا، عملناه على مقاسنا وحدنا، لكي نحوله الى شأن مليشياوي. لا شيء وطنيا. ولا شيء مشتركا. ولا شيء محترفا.


وفي الفوضى والضياع، لم تمض سنة، بل سبع سنوات، واحدة تنطح الأخرى بالمزيد من الضحايا والمزيد من الجرائم التي لم تهدأ ولا حتى على سبيل التجربة.
هل أدلكم على الطريق الى باريس لاكتساب الخبرة من مقر "مجاهدي خلق"؟
أم هل أدلكم على محام ينقذنا من الفضيحة، ويوحّد فينا جهدا، ويُضفي على دعاوي السياسة وجها محترفا؟
أم هل نقول مبروك للضحايا إنهم ضحّوا بدمائهم على جنبات هراء سياسي، كثير الحكي، قليل المهنية،...
أم نشعر بالخجل؟


أم هل تريدون ضحايا أكثر، لكي تصحو الدماء في الضمائر، من دون أن تبرد في فنجان القهوة؟

 

 





الخميس٠٢ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الصراف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة