شبكة ذي قار
عـاجـل










الصراع المسلح في السودان والدور الميليشياوي المتمرد فيه – الحلقة الأخيرة

 

زامل عبد

 

ارتدّت  قوات الدعم السريع  بزعامة محمد حمدان دقلو على البشير وتخلّت عنه  تطلعا لتحقيق الهدف الابعد  استلام السلطة بالمباشر على غرار الجيش النظامي ، بعدما تأكد أن رصيده السياسي نضب  إثر اندلاع الثورة الشعبية السودانية في نهاية عام 2018 ، فشاركت بالإطاحة به إلى جانب الجيش في مثل هذا الشهر قبل أربع سنوات  وهنا القول بان الطرفين استثمروا الغليان الشعبي والرفض لمنهج نظام البشير  ،  والحقيقة أن الطرفين رأيا أن يوحّدا موقفهما في وجه تصاعد المدّ الثوري السوداني وتجذّره ، فأوكل الجيش إلى  قوات الدعم السريع  الدور الرئيسي في محاولة القضاء العنيف على اعتصام القيادة العامة بعد الإطاحة بالبشير بأقل من شهرين إدراكا منه أن قوة من المرتزقة القبليين أقل عرضة للتعاطف مع الجماهير الثورية مما هم الجنود وضباط الصف في القوات النظامية  {{ وهذا ما حصل في العراق عندما  استخدمت حكومة الاحتلال التي ترأسها عادل عبد المهدي المليشيات الولائية للتصدي لشباب ثورة تشرين  في بغداد والمحافظات العراقية  وكان نتيجتها اكثر من 850 شهيد وما يقارب 20000 جريح ومعاق ومغيب ، كما تمكن ذيول ايران من تمرير قانون الحشد الشعبي عبر مجلس النواب كي يتمكن الولائيون من تحقيق هدفهم المركزي بان يكونون هم الحلقة الأساسية في الواقع العراقي  والقوات المسلحة بمختلف تشكيلاتها وصنوفها بما فيها الشرطة الاتحادية والمحلية  وما يوازيها  الحلقة الثانية بل الخاضعة الى برنامجهم  - استنساخ التجربة الإيرانية  في تشكيل الحرس الثوري  -  }} وطوال المرحلة اللاحقة الناجمة عن مساومة صيف 2019 التي قَبِل بها العسكر على امتعاض مع أنهم حفظوا بها مصالحهم الرئيسية ، ظلّ التحالف العسكري قائما في مواجهة ائتلاف ((  قوى إعلان الحرية والتغيير )) الذي كان محتفظا بزخمة ، ومستفيدا من الضغط الذي مارسته القوى الشعبية الرافضة للمساومة ، وبعضها منسلخ من الائتلاف عينه  وبعد ممارسة القوات المسلّحة  استراتيجية التوتّر للحدّ من قدرة الائتلاف على فرض الإصلاحات عليها ، ومن ثمّ نجاحها في شقّ صفوفه من خلال انشقاق كتلة التوافق الوطني والكتلة الديمقراطية لاحقا ، نفّذت الانقلاب الثاني في خريف 2021 والذي تم اعتقال الرفيق الأمين العام المساعد لحزب البعث الخالد ، فأطاحت باتفاق المساومة بمجمله  ظنّا منها أنها باتت قادرة على التحكّم بالبلاد ، بيد أنها أخطأت الحساب وتضافر في وجهها ضغط الحركة الشعبية ، التي عادت قوى الحرية والتغيير إلى المشاركة بها ، والضغط الدولي السياسي كما والاقتصادي ، والثاني هو الذي كان الأخطر عليها  فانصاع البرهان  ومحمد حميدان لإرادة الشعب واطلق سراح كل المعتقلين من القيادات السياسية  والشعبية  ، وكنتيجة لما يضمره كل طرف رأى دقلو أن يتبرّأ من القوات النظامية التي يتزعّمها عبد الفتّاح البرهان ، ويقرّ بفشل الانقلاب حفظاً لمصالحه وعلى هذه الخلفية اضطرّ قادة الجيش النظامي إلى العودة إلى طاولة التفاوض حول تجديد المساومة بوساطة دولية ، وانتهى بهم الأمر مرة أخرى إلى القبول ممتعضين باتفاق جديد مع قوى الحرّية والتغيير، كرّس إخفاقهم؛ إذ جاء أسوأ لهم مما كان اتفاق عام  2019، حتى ولو ضمن العسكر لأنفسهم حصة الأسد في الحالتين. وقد أدرك البرهان وزملاؤه العسكريون أن المعركة بينهم، والقوى السياسية المطالبة بالحكم المدني ستكون طويلة ومعقّدة، لا يجوز أن يُترك فيها مجال لشق صفوف القوات المسلّحة مرة ثانية كما فعل دقلو. فأرادوا لجم قوات الدعم السريع نهائيا قبل إبرام الاتفاق الجديد والشروع بتنفيذه، وهم ينوون الانقضاض عليه مجدّدا، عندما تسنح الظروف بصورة أفضل لهم مما كان في خريف 2021 وكانت النتيجة انفجار المعارك بين الطرفين يوم السبت الماضي، بعد استعصاء الاتفاق بينهما على التدرّج نحو انضواء قوات الدعم السريع بصورة كاملة تحت لواء القوات النظامية ،  هذا وقد قضت المعارك بعنفها وشراستها على أي احتمال لتعايش الطرفين من جديد، في إطار الدولة السودانية الواحدة والنظام السياسي الأوحد ، بحيث يصعب تصوّر توقفّ القتال بلا قضاء أحد الطرفين على الآخر، إلا إذا تجسّدت ازدواجية السلطة بصورة تقاسم جغرافي لمناطق السيطرة وتنذر الحالتان بعواقب وخيمة لمستقبل السودان ، فلو تطوّر الاقتتال الراهن إلى حالة حرب أهلية معمّمة، ستكون النتيجة كارثية إنسانيا وساحقة سياسيا للآفاق التي رسمتها الثورة السودانية. أما لو تغلّب أحد الطرفين على الآخر ـ ولدى القوات النظامية تفوقٌ مهم باستئثارها بسلاح الطيران ـ فإن الطريق إلى تجديد الدكتاتورية العسكرية ستصبح معبّدة، بما قد يختتم الجولة الثورية التي دشنّتها ثورة ديسمبر المجيدة في نهاية عام 2018 عندها سوف يتحتّم على القوى الثورية السودانية أن تستعدّ للجولة القادمة بالسعي وراء مدّ نفوذها في صفوف القوات المسلّحة، بحيث تستطيع أن تشلّها في لحظة الانفجار الثوري، وهو شرط لا غنى عنه لانتصار الثورات الشعبية.

حما الله أرض العرب من كل شر الأشرار ان كان مباشرا او من خلال ادواته

 






الخميس ٧ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة