شبكة ذي قار
عـاجـل










 

الأستاذ الدكتور عدنان الدليمي بصرَّ الله دعواك وأنار دربك :

لقد قرأت رسالتيك الموجهة لي ؛ ولكي أفي بما طلبته من رد عليهما أقول:

اولا : لقد ابكتني الرسالتان كثيرا ليس على الواقع الذي وصلت عليه الحال في العراق، لأني أعدُ وأحتسب ذلك قضاء رباني له به حكمة وتدبير مثلما هو امتحان عسير يتطلب الصمود وحسن الحكمة والتقدير، لكني بكيت للطريقة التي يتعامل بها من يفترض بهم انهم نخب وقادة مع واقع الحال وكيف تتعامل هذه النخب مع الثوابت بالافتراضات والتنظيرات المتناقضة وما تسفر عنه مثل هذه السلوكيات من نتائج سلبية وكارثية على واقع الحال بدلا من ان تستفيد من الأخطاء والكوارث بمزيد من الحكمة والصمود. هذا الموضوع يقلقني ويؤرقني حينما لا تقيٌم هذه النخب مواضع الخلل في سلوكياتها ونتائج فعلها ولا تختار لنفسها بين ان تنتفض بالتقويم والتغيير وبين أن تنسحب من مواقعها اعترافا بالفشل والاحباط.

 

ثانيا : انا لم تعد تهمني المسميات واللافتات لأني اساسا ارى ان ما ارتكبته حركات الاسلام السياسي في العراق التي تعاونت واشتركت بعملية غزو واحتلال العراق بالمخطط والتنفيذ والتي فرزت نفسها من خلال المشاركة بالعملية السياسية الخرقاء جميعها مخترقة وعميلة ومنحرفة ابتعدت وانحرفت عن ثوابت الدين الحنيف ومقاصده وبالتالي لا فرق عندي بين ان تكون اخوانيا او توافقيا او اسلاميا حزبيا طالما انها تلبست بفكر اسلامي سني ذو امتداد تاريخي طويل اساءت اليه ودنسته بسلوكياتها واجتهاداتها دون ان تنسحب او تعتذر او تقوُم خطأها وهذا بالذات لا يبرئ قيادات الاخوان التي تلتزم الصمت والسكوت امام ماحدث او ما يحدث بل يحملها كامل المسؤولية لان حالة الاجماع الشعبي يدرك جيدا ان الحزب الاسلامي والتوافق ومؤتمر اهل العراق تمثل جميعها واجهات لفكر الاخوان المسلمين ومشتقاتهم سياسيا وان اختفاء وجوه محسن عبد الحميد و طارق الهاشمي و اسامة التكريتي من الحزب او انسحابهم منه دون افصاح للناس عن طبيعة ما حدث، كما ان سكوت وصمت قيادات اخوانية تعرفها انت لن يعفيها من مسؤولية ما حدث او يحدث أمام الله والأمة.ليس هناك ادنى شك في ترويج قيادات الحزب الاسلامي لمشروع الاقليم السني وقبل ايام عقدت ندوة ترأسها اياد السامرائي مع قيادات الحزب حول مشروع الإقليم لكنها لم تصدر لا توصيات ولا كراس لما طرح، لماذا؟. ألا يدل ذلك ان الموقف من قضية الفدرلة والإقليم الطائفي لا يندرج تحت الثوابت الرافضة والا لماذا يصبح الموضوع قضية نقاش ودراسة تأييدا لما نظٌرت لهم به في رسالتك الاولى، الحزب الاسلامي يا دكتور عدنان ارتكب خطيئتي التصويت على الدستور الواهن وخطيئة تشكيل الصحوات ولم يرتدع، لكن خطيئته اليوم في الترويج للإقليم السني ستشكل نهايته السحيقة وانحادره الى درك الإسفاف بالأمه.

 

3. لا تؤاخذني فانك لن تثنيني عن اعتقادي الجازم وتمسكي بمقولتي وهي (انني مؤمن برسوخ وتصميم بوحدة العراق وضرورة الحفاظ عليها كايماني بوحدة الخالق المدبر وهو الله بكل ما لدي من براهين الايمان الراسخ بما لا يقبل التشكيك او الإشراك)، بل احسب وحدة العراق مستلزمة ايمانية شرعية تلزم الدفاع عنها والحفاظ عليها كألزامية الجهاد في أرض الاسلام ضد دعاة الشرك والإلحاد.

 

4. اراك تنكر في رسالتك وتشكك بوجود الأمة وتنكر حقيقة وجودها وهذا الأمر خطير، الأمة شرعا موجودة الى يوم الدين قد تكون كون او شعب او جماعه او حتى بصيغة فرد واحد(إن إبراهيم كان أمة) لأن شأن وجودها حتمي بوجود الرساله، يتحكم الله بقوتها وضعفها ووحدتها واختلافها وتوافقها، لو كانت الأمة غير موجودة، كيف اجتهدتم مع غيركم واخترتم ان تكونوا اعضاء (نواب) في مجلس الامة او البرلمان؟ هل كنتم كاذبون مع دواخل انفسكم؟. حين تنكرون وجود الأمة والشعب فإنكم تنكرون مهمة الدين الذي جاءت رسالته لمفهوم الأمة وليست لطائفة او عرق، يستوجب وجودها وجود أمة تؤمن بها وتدافع عنها، كون انكم لم تمثلوا دور وارادة الامة بشكل قويم وصحيح لا يعني ان الامة تبخرت او أن الشعب قد غاب، من سيتبخر ويختفي هم عملاء الامة والكائدون بها!.

 

5. أراك تتشبث بالديمقراطية كمبرر للقبول بالفدرلة، ولعلمي ان الاسلام السياسي المؤمن بالشورى وأهل العقد وولاية الفقيه الخ لم يحترف الديمقراطية او يعترف فيها بل يتناقض معها كنظام حكم وضعي، مع أني لا أعيب الديمقراطية كنظام حكم للشعب عندما تتوفر مستلزمات تطبيقها واقعا وسلوكا وثقافة، متى اصبحتم ديمقراطيين بالقول والفعل كي تحسبوا موقفي من الفدرلة غير ديمقراطي؟ أين اصول الحكم في منهجكم هل نسفت ثوابت القوة والوحدة والتوحيد والاعتصام والجماعة الواردة بالنصوص في فقهكم من هذه الاصول كي تستبدلوها بالفدرلة والتقسيم باعذار تحقيق المصالح ودرء المفاسد التي اسئتم فهمها وافسدتم العقول بغطائها؟ اليست الأقلمة والفدرلة ظواهر تقسيميه فاسدة في شرعكم؟ وهل تنظيم الولايات التي شهدتها أمصار المسلمين هي الفدرلة التي جاء بها دستوركم الخبيث؟ ماهذا الزعم والفذلكة؟ عليكم ان تتعاملوا مع الدين وواقع الحال بوضوح لا لبس فيه، فإما ان يكون دين سلوك وعبادات وحدود واطار عام لنهج الافراد والحكام والمحكومين وتبتعدوا فيه عن تسييس الدوله ومستجدات الأنظمة والدساتير المدنية العصرية الحاكمة، او تحسبوه دين ودولة وتلتزموا بنظام حكم ديني سياسي واضح المعالم مكتوب يكون مرجعكم، كفى ان تتلبسوا في الدين كما تشاؤون تحت مظلة الاجتهاد والقياس والمصالح والنفع والضرر. لكم ان تكونوا اسلاميين بالنهج والفكر وتلتزموا بنهج منظريكم وفقهائكم ومشرعيكم او تكونوا ساسة علمانيين تلزمون انفسكم وعملكم السياسي برأي القانونيين والدستوريين وخبراء علم السياسة والاقتصاد والاحكام الوضعية التي هي من ابداع البشر؟.

 

في اللعب على المتناقضات مزيد من الوغول بالخطيئة والخلل؟ انتم تتلبسون في الشريعة لكنكم تنهجون نهج العلمانيين بل اكثر منهم في التشبث بالديمقراطية والفدرلة وكلاهما من نسج المحتل الأمريكي الصهيوني الغاشم الذي يبدو من خلال رسالتكم انه جاء ليمنحكم ما اسماها ديمقراطية ولكنها في حقيقتها ديمقراطية الموت والتعذيب والسجن والمعتقلات (وقصة ولدك فك الله أسره واحدة من آلاف قصص المعتقلين المعذبين، برئ في 17 محاكمة أجريت له ومع ذلك لم يطلق سراحه كما ذكرت لي) هل وصل وفاء المحتل لكم انه لن ينسحب قبل ان يسقيكم ثمن التقسيم الذي تحسبونه مناصبا وامتيازات ومقاولات فيما نحسبه شركا وكفرا وعارا وسقوط؟.

 

6. بغداد العاصمة للخلافة الاسلامية التي تحملون خلفية فكرها يا دكتور عدنان ليست حصينة  من ان تحتل او تدمر لقد سبق ان احتلت ودمرت مرات عديده ولكنها لم تختفي بل انتفضت وتحررت بفعل أهلها وشبابها واستعادت مجدها وعزها مرات عديده. كيف تبرر قيام اقليم سني بقولك لو اخرج السنة منها اين سيذهبون؟ سيذهبون ان هم اجبروا على ذلك بلا حول لهم او قوة (وهو افتراض) الى ارض العراق الواسعة وان لم تسعهم ارض الله فكل ارض العرب لهم ديار حالهم كحالنا اليوم هنا في الأردن او اقطار العرب الأخرى الى ان يكتب الله لنا خروج المحتل من العراق خائبا وحينها ستكون لنا عودة ملزمة اليه نتعايش مع اخوة لنا في الدين والدم والنسب نصفي خلافاتنا معهم ونفتح قلوبنا بلا سطوة لإحتلال او نفوذ لأجنبي. إن معاناة قتلنا وتهجيرنا وتشردنا ثمنا ليس بالكبير من أجل بقاء العراق واحدا متماسكاً أما ان يتقسم العراق ويتشظى كي نبقى أحياء وآمنيين وفق افتراضاتك فإن هذا التبرير هو الذل والعر الذي ما بعدهما تفريط وهوان. سارفق مع رسالتي هذه آخر ما كتبه المرحوم الاستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري المؤرخ القومي إضافة الى ماكتبه الاستاذ الدكتور عبد القادر فهمي ود. يحيى الكبيسي ود. رافع الكبيسي والاستاذ نوري صباح في ندوة المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية حول الفدرالية وكذلك كتاب الفدرالية للسيد عصام سليم وردود من بعض الاخوة المهتمين بالسياسة العراقية ردا لما كتبتوه في رسالتكم الاولى علاوة على ماكتبته من مقالات حول الموضوع ومنها الرد الذي نشرته على القدس العربي. ومع ذلك جاءتني رسالتك الثانية التي اخرجتكم من مضمون الحيادية ورحتم تدافعون فيها بشكل واضح عن الفدرلة وانشاء الاقاليم وسخرتم ظلما وعدوانا واقع الولايات في تاريخ العراق لتقارنوها بصناعة الاقاليم ونسيتم ان كل هذه البدع التشظوية تحدث في ظل احتلال امريكي ونفوذ ايراني واسع في العراق وانت تحسب ان هذا الخيار خيار شعب آمن ومحرر؟. ثم لما التسفيه بفتاوي الشيخ ا.د عبد الكريم زيدان وتصفوها بالوهن ماذا عن فتاوى هيئة علماء المسلمين والشيخ د.عبد الملك السعدي واخرين؟ هل لديكم فتوى من شيخ مؤهل تشهدون له بصلاحية الافتاء له راي مغاير؟ وهل اللامركزية هي فدرلة دستوركم المكتوب في ظل الاحتلال والذي صوت له الحزب الاسلامي ومرره رئيس برلمانكم السلفي محمود المشهداني زميلكم في التوافق؟ والذي أقرَّ بعصيان الاقليم على المركز كما يفعل الأكراد بعقود النفط التي عقدوها دون إذن حكومة بغداد؟ اليس هذا ايذان بحروب اشبه بحرب الردة في ايام خلافة ابو بكر بعد وفاة الرسول (ص) بسبب امتناع ولاية عن دفع الزكاة الى بيت المال المركزي؟ كيف لشخصية سياسية اسلامويه تسمع تنظيرات الساسة وخبراء العلوم السياسية والقانون ولا تسمع لمفتي مثل الشيخ أ.د عبد الكريم زيدان وهو بمثابة الأب الروحي والشرعي لحركة الاخوان المسلمين التي تزعم انك منهم لعقود من الزمن مضت؟

 

7. كوني طبيبا واستشاريا بعلم طب القلب ليس لي ما يؤهلني لأن أبدي رايي وادلوا بدلوي في قضية مصيرية كقضية تقسيم العراق كما تلمح رسالتكم؟ هل تستطيع ان تقول لي ما الذي يؤهلك بهذا العمر المتقدم ان تدلوا انت بدلوك فيها وانت اختصاص لغة عربيه مرة تذكر انك حيادي ومرة تدلوا بمبررات الإقليم السني لتقنعني فيها؟ ألا يعز عليك ايها الأكاديمي والأستاذ ان ترسل مبعوثيك وهم رجال أعمال بينهم من هم متعهد نقل او مقاول او تاجر لإقناع اساتذة وساسة وضباط قادة واساتذة قانون وسياسة بمشروع الإقليم الطائفي كيف ترتضي ذلك لنفسك؟.

 

8. كنت قد نصحتك بالإعتزال قبل عامين لتتفرغ لرعاية صحتك وشؤونك فقط وليس حتى لرعاية عائلتك وانا اتذكر حرفيا نص ما ذكرته لك حين كنت اشرف على حالتك الصحيه في المستشفى هنا في عمان؟ هل تذكر ماذا كان جوابك وامام جمع من الزائرين في حينها؟، قلت: سأستمر في عملي السياسي ولن ادفن وانزل في قبري الا وانا عضو برلمان وكأن هذه العضوية شهادة آخروية لدخول الجنة!. الم يسمع العراقيون صراخك وتشبثاتك بالقائد باتريوس حين التحق بمنصبه في بغداد كقائد قوات امريكية في قاعة البرلمان (نحبك والله نحبك)! ها انت حي ترزق بعمر متقدم بلا عضوية برلمان وبلا منصب رسمي وكان ممكن ان تكون لك فرصة مؤاتية لتقويم النهج والرجوع عن الخطأ بالأخص حينما تكون القضية تتعلق بحياة البشر والتطهير الطائفي ولكن هذا لم يحصل بالرغم من عزلك السياسي ورحيل من تحبه الجنرال باتريوس الي موقع آخر ينقل مشروع الصحوات الى افغانستان في حين تمضي انت بالتنظير لمشروع الإقليم الطائفي كهدف سياسي امريكي وصهيوني بعد ان اوشكت صفحة مشروع العسكري على الإنهيار، يالها من نهاية محزنة لشخص عرفته مثلك قبل عقود من الزمن واقدا وواعدا وشجاعا وملتزما! سبحان مقلب القلوب، على ان القلوب هنا ليست بمعنى القلب العضوي الذي اعالجه ولكنه الفكر!.

 

لا تنسى اننا شعب محتل مغلوب على امره وسلطته الحاكمة لا تحمل من معالم الدولة ميزة واحدة سوى المسميات وأن القول والفصل لإرادة الاحتلال ومشيئته فعلام تبررون بكل وسيلة وتصطنعون التبريرات والأعذار لمشروع  احتلالي خطير يستهدف العراق ووحدته وكيانات دول عربيه وإسلامية اخرى لصناعة شرق اوسط تكون فيه إسرائيل هي الدولة الكبيرة والآمنة والنافذة، تمتد في المنطقة كيفما تشاء وعلام التشبث بمثل هذه البدع والتنظيرات بدلا من التشبث بوحدة الصف ولم الجمع للمناهضة والمقاومة الفاعلة لإخراج الاحتلال الأمريكي وتطويق النفوذ الصفوي وحينئذ فقط لكم ان تناقشوا قواعد الحكم وتفاصيل الإدارة لمستقبل العراق؟. ومن قال لك ان فصائل المقاومة مهتمة اليوم بمشروع الإقليم والفدرلة وهي التي عقدت العزم لإستخدام السلاح من أجل التحرير الكامل والشامل للعراق الواحد؟ هل انتم فعلاً تتجاهلون موقفها الحقيقي أم انها محاولة تدليس وتدنيس؟.

 

اقولها لك سيدي في الخاتمة لأني ربما تعلمت منك شيئا في مرحلة دراستي المبكرة، تيمنناً بمقولة (من علمني حرفا ملكني عبدا) لكن امام مشروعكم الخطير الذي يستهدف وحدة العراق : لن يثنيني عمرٌ أو زيد ولا صداقة ولا عطف ولا رحمة ولا يخيفني تهديد ووعيد وتهجير او موت لقول الحق بوجهكم وبوجه كل من يجند نفسه لطرح وخدمة وتحقيق مشروع الإقليم السني او الإقليم الشيعي او التمزيق العرقي كدولة الكورد المزعومة واقليم سهل نينوى المسيحي وغيرها من نعوت التقسيم والتمزيق، فو الله انكم عندما تنسجون خيوط تقسيم العراق الواهنة وتعبثون بوحدته في معاييري ودواخلي وانا واثق ان كل شرفاء العراق معي في الرأي، كانكم ترفعون لواء الإشراك بالله الواحد الأحد ومن يقاتلكم من اجل صدكم عما تفعلون لتقسيم العراق الواحد كأنه يقاتل المشركين، إن مات فهو شهيد وانتم مشركون، هذه فتوى احسبها لنفسي، من شاء ان يكفرني عليها فليعلن تكفيري، أنتم كفَّرتم من قبل الشاعر القروي رحمه الله وهو مسيحي عروبي وكأنه يستبق الأحداث لما تنشدوه اليوم قبل اكثر من سبع عقود حين ناشدكم بقوله : سلام على كفر يوَّحِد بيننا  وأهلا وسهلاً بعده بجهنم

 

 





الاربعاء١٥ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمر الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة