شبكة ذي قار
عـاجـل










تهدف هذه الدراسة الى احاطة المناضل البعثي بكل ما يهم الحياة النضالية وتوضيح بعض الخطوط العريظة التي تبنى عليها القواعد الأساسية لأي تنظيم حزبي لكي لا يقع في الانحراف ويستطيع مواكبة تطورات المجتمع وكل ما يدور من حوله في هذا العالم . لاشك أن حزب البعث العربي الاشتراكي يختلف اختلافا جوهريا مع العديد من التنظيمات السياسية التي تنشط في الوطن العربي وهذا الاختلاف فرضته عظمة الأهداف التي يناضل من اجلها وطبيعة التربية الثورية التي يتميز بها البعث وعظمة التحديات التي تواجهه وتواجه الأمة العربية .


فحزب البعث هو مكون مادي ومعنوي فيتكون من تنظيم وأدوات نظالية هم المناظلون ومبادئ تمثل الجانب العقائدي والروحي في الحزب . فالرغبة في تكوين حزب البعث العربي الاشتراكي نابعة من الحاجة وبالتالي فالبعث لم يخلق هكذا نتيجة لنزوة شخصية أو أملتها ظروف طارئة ينتهي مفعول الحزب بانتهاء الظروف ,انما ولادة البعث هي ولادة حتمية وظرورة تاريخية أملتها الخطورة التي تهدد كيان الأمة ، فلأمة العربية كانت في الماضي في الحالة الطبيعية السليمة فدخل عليها الاستعمار بكل اشكاله فأخرجها من حالتها الطبيعية الى حالة أخرى غير طبيعية وبالتالي فلكى تعود الأمة الى حالتها لابد من عمل منظم ذات مبادئ واهداف تمس جوهر التغيير الذي طرأ عليها .


فالبعث عندما ظهر الى الوجود من خلال فئة قليلة حركها الظمير والانتماء الحضاري والإيمان بحتمية التغيير وارجاع الأمة الى حالتها الطبيعية كالقطار الذي كان يسير في سكته فانحرف ولكي يواصل مسيرته عليه أن يرجع الى سكته ، هكذا كان المؤمنون الأولون يؤمنون بأن الأمة العربية لابد أن تستعيد مكانتها الطبيعية لكي تواصل مسيرتها التي مهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم وجاء من بعده كل المؤمنين الذين أبدعوا في فن الحضارة حتى بلغت رسالة الإسلام إلى أقصى ديار العالم حاملة معها الأخلاق والعلم والعقيدة .


ففكرة انشاء حزب البعث العربي نابعة من الإيمان بان الأمة العربية التي جزئها الاستعمار ونشر فيها الجهل والتخلف واستحوذ على ثرواتها لابد أن تناظل من أجل الوحدة كرد طبيعي على حالة التجزئة وان تتحرر أرض العرب من كل اشكال الاستعمار وأن يتحرر الانسان العربي من القيم البالية التي تكرس التخلف وان يتحرر من الخوف والجبن والخمول كعوائق تحد من الابداع وأن يسترد العرب ثرواتهم التي هي ثروة الجميع لكي يوضفها في خدمة التقدم والتطور وأن يتمتع بها كل البشر اللذين يعيشون فوق هذه الأرض بدون تمييز لأن هذه الثروة هي ملك الأمة وليست ملك الأشخاص .


اذن نقول ان هذه الأهداف أهداف عظيمة ونبيلة ومشروعة ولتحقيقها لابد من حزب عظيم فعظمة هذا الحزب تتمثل في رجال عظماء وتنظيم قوي محكم سليم تحكمه الأخلاق الثورية .


فاي مناظل ينتمي الى حزب البعث لابد أن يعي أن انتمائه نابع من ايمان وعقيدة وطموح وان يدرك بأنه باتخاذه القرار التاريخي للإنتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي نابع من غيرة على أمته المريضة كالذي يغار على شرفه وشرف عائلته . فهذه الحالة النفسية هي من سمات الثوار والثوري هو كل من يثور على كل شئ لا يليق بقيم الكرامة والعزة ولهذا لابد من البدء في الثورة على النفس كي نستطيع أن نحدث ثورة داخل المجتمع والأمة .


فالمناضل عليه أن يعي بأنه أداة تبليغ فمهمته أن يبلغ للناس عن هذا الحزب العظيم الذي جاء ليلبي طموحات الشعب العربي من المحيط الى الخليج وعن أهدافه ومبادئه . وبالتالي لابد للمناظل البعثي أن يكون عقائديا خطابه متميز يعطيه صفة المناظل البعثي ، ليس المطلوب من المناظلين أن يكونوا فلاسفة أو منظرين .


على المناظل البعثي أن يدرك أن له حياة عامة وحياة خاصة حياة عامة كحياة كل الناس أماحياته الخاصة هي التنظيم الذي يجمع كل المناظلين تحت سقف واحد كل واحد يحرص على سلامة هذا البيت ويحرص على توسيع بنايته وعلى سلامة أعمدته . فهذا التنظيم هو بيتنا الكبير فيه نتربى ونتكون ولكي نحميه من كل انهيار لابد ان نتحلى بالتربية التنظمية من خلال الانظباط والالتزام الحزبيين . هذا التنظيم لابد أن ينموفكلما نما وكبر كلما اقتربنا من تحقيق اهدافنا ولكي نستطيع العيش في هذا التنظيم مدة أطول لابد ان نخلق فيه جو الطمئنينة والراحة النفسية . وهو بمثابة مدرسة تنتج الكادر الحزبي الذي يظمن الاستمرارية والتواصل. هذه مبادئ عامة وظرورية وعلى كل المناظلين أن يكون لهم هذا التصور لكي يدركو المعنى الحقيقي من الانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي .


لقد انطلق حزبنا في العمل منذ تاسيسه في 7 نيسان 1947 واستطاع أن يحقق تطورا تنظيميا وفكريا جعلته يتبؤ مكانة داخل الوطن العربي . يعتبر ظهور البعث في الوطن العربي بمثابة الشمعة في وسط الظلام الدامس بحيث أعطى تصورا متكاملا لخلاص الأمة من وضعها الحالي المريض فاستبشرت الأمة بهذا المولود الجديد فاحتظنه كل الشرفاء وحملوا راية البعث خفاقة في سماء الوطن العربي وتكلل نظالهم بتحقيق تجربة الحكم في القطر العراقي فبرزت هذه التجربة بامتياز مما اهلها لتكون القاطرة التي يمكن ان تقود الأمة نحو التطور والتحرر وبناء الانسان العربي الجديد. فثورة 17-30 تموز 1968 كانت بمثابة الامتحان الحقيقي للمناظلين البعثيين في ميدان الممارسة فاستحقوا نيل شرف القيادة بعدما حققوا انجازات عظيمة في كل ميادين الحياة فبرزت هذه التجربة في الوطن العربي وفي البلدان النامية كنموذج متميز مما أغاظ الأعداء التقليديين للأمة العربية والخونة وكل رموز الفساد في الأمة العربية . وأحيكت المؤامرات تلو الأخرى للإطاحة بهذه التجربة وهي في مهدها ورغم ذلك صمدت صمودا أسطوريا بتلاحم الشعب مع القيادة حتى جاءت المعركة الأخيرة أين كانت الحملة على تجربة البعث والبعثيين في شقها العسكري حيث حشد العدو الأمريكي الصهيوني ومعه كل قوى الشر من أنظمة عربية عميلة قوة عسكرية تدميرية لم يشهد لها التاريخ في همجيتها فاستعملت كل وسائل الدمار والقتل والتخريب هدفها تصفية العنصر البشري وتحطيم كل ما تم بناءه من منجزات صناعية وعلمية وثقافية وتربوية وبنى تحتية . وبالتوازي مع الحملة العسكرية تم التخطيط لحملة اعلامية منظمة سخرت لها كل الوسائل من صوت وصورة وكلمة هدفها تحطيم معنويات كل من لم تطله الرصاصة والصاروخ والأسلحة النووية والجرثومية . ففي بداية العدوان ظهرت القنوات الفضائية كلمح البصر وتكاثر عددها كالفطريات لتشن حملة ضد البعث ورموزه ظمن مخطط اجتثاث البعث وهي فكرة جهنمية لايمكن انتاجها الا في مخابر بني صهيون . فهذه الحملة لم تستهدف البعث فقط وانما تستهدف الانسان العربي لتزرع فيه حالة من الشك والخوف والاذلال والياس والاستسلام للأمر الواقع والرضوخ لارادة الأعداء والقبول بمشاريعهم .


ففي خظم هذه الحملة الاعلامية تساقط من تساقط وضعف من ضعف وخان من خان وصمد من صمد وقاوم من قاوم وهذه سنة الحياة ، فخلق الله في البشر اصناف فجاءت هذه المعركة لتضع كل صنف في خانته .


لايمكن للبعثي الصادق أن يؤمن بما لفقته الأبواق العميلة من الصفات على الرفيق الرمز الشهيد صدام حسين الذي وهبه الله الشهادة في يوم الحج الأكبر أمام الملايين من المسلمين وهم يشهدون له بهذه الشهادة وينسى ما اقترفه شارون من مذابح في حق الشعب الفلسطيني ، فالحملة كانت تستهدف كل ما هو جميل في الأمة لكي تنسينا في كل ما هو قبيح في الانسان الغربي الصهيوني والعملاء وانظمة العار . علينا أن نستفيق وننتفظ في نفس الوقت ونثق في أنفسنا وفي أمتنا لأنها ليست أمة ثانوية بل هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم . فاستحظار قيم العروبة والاسلام وقيم الثورة وقيم الرجولة كفيلة بتغليب روح الانتصار على روح الهزيمة في نفوسنا .


المناضل والواقع = لاشك أن المناضلين البعثيين يواجهون اليوم تحديات خطيرة على جميع الأصعدة سواء منها السياسية أو الاجتماعية والثقافية والاقتصادية يجب إن نضعها في الحسبان وأن نعي أبعادها وتأثيراتها على مسيرتنا النضالية فواقع الأمة العربية في السبعينات والثمانينات يختلف اختلافا جوهريا مع معطيات الواقع الحالي فشعار الوحدة العربية في الماضي يحمله الجميع بدون استثناء حتى الأنظمة العربية ترفع هذا الشعار حتى وأن لم تعمل على تحقيقه بل ساهمت في تكريس التجزئة بشكل أو بآخر ولكن على العموم فالطرح القومي والوحدوي والشعارات الثورية التحررية كانت سائدة بقوة وبالتالي فالنضال في هذا المجال ليس إشكالا بالنسبة للمواطن العربي أوبا لنسبة للمناضلين البعثيين كما إن الجو الثقافي والفكري السائد في الماضي يتماشى وانتمائنا الحضاري ورصيدنا التاريخي والثوري سواء في مجال الأدب والمسرح والفن. لكن اليوم نعيش واقعا مغايرا تماما فتم استهداف الإنسان بشكل مباشر وفي الصميم واهم شريحة تم استهدافها هو الشباب الذي يتعرض اليوم لمخطط رهيب لعزله عن ماضيه المجيد وعدم الاهتمام بحاضرة المعيب وجعله غريب عن قضاياه الوطنية والقومية فأهم وسيلة لتنفيذ هذا المخطط هي الفضائيات التي ساهمت في نشر ثقافة المجون والرقص كما لعبت قنوات ذات طابع ديني في ترويج الشعوذة والدجل والتفرقة الدينية والمذهبية ولكل فئة مفتيها وداعيها . كما لعب تجار المخدرات في توسيع شبكتها بين الشباب حتى طالت المدارس والجامعات مما فتحت المجال للجريمة والانحلال الخلقي حتى أصبحت هذه الآفات تنتشر بسرعة. كما لعبت الأنظمة في خلق جو من السلوك المادي لدى الشعب بحيث أن الجميع أصبح يجري وراء المادة نظرا للتفاوت الطبقي الفاحش الذي أنتجته السياسة الاقتصادية وغلاء المعيشة والرشوة. فالمستفيد في هذا الواقع هم من أنتجوه ونظموا صفوفهم في إطار جبهة موحدة ضمت كل رموز الفساد في الأمة.


فإذا كانت التحديات التي تواجه البعثيين في الماضي هي التجزئة والتخلف وقمع الأنظمة والاستعمار فان اليوم أصبحت التحديات أخطر أهمها هو الإنسان العربي الذي أصيب في الصميم . ولكن لا يعني أن الأمة تفتقد إلى المصلحين ولكن هؤلاء ينقصهم التنظيم الذي يجمعهم كما اجتمع الأشرار والمفسدين في جبهة واحدة.


أما الوعي السياسي لدى الجماهير العربية بصفة عامة فقد تطور مقارنة بالسبعينات والثمانينات. فالأحداث التي مرت على الأمة من أم المعارك إلى يومنا وخاصة معركة الحواسم وأحداث العشرية السوداء في الجزائر وما يحدث للقضية الفلسطينية وتآمر النظام المصري عليها من كشف كل الحقائق فتكون لدى أغلبية الشعب وعيا سياسيا تجاوز بعض السياسيين. لا تحتاج الجماهير اليوم أن يوضح لها محاسن الوحدة العربية بقدر ما يحتاج من رموز تعمل على تحقيق هذا الهدف كما لا تحتاج الجماهير أن تكشف لها طبيعة الأنظمة بقدر ما تحتاج من يواجهها ويعمل على تهيئة البديل. السؤال المطروح اليوم هو كيف التعامل مع هذا الواقع .


فقبل إن نبحث على ميكانيزمات التعامل مع هذا الواقع يجب على كل مناضل أن تتوفر فيه بعض الشروط الضرورية للانتقال من حالة سلبية إلى حالة ايجابية تتماشى مع هذا الواقع أهم شرط هو الاستعداد النفسي والمادي استيعاب التطور الفكري والتنظيمي للقيام بالمهام النضالية التي تفرضها المرحلة .


أذا كان البعث حزبا طلائعي فانه من واجب البعثيين أن يكونوا طلائعيين في المجتمع كما يتوجه جهدهم النضالي إلى طليعة الآمة التي تتحدد وفق مقاييس السلوك والوعي والاستعداد والشجاعة لقد علمتنا التجارب النضالية أن الشخصية القوية هي الوحيدة التي باستطاعتها مواجهة أي ظرف من الظروف مهما اشتدت صعوبتها . فعندما تتحقق هذه الشخصية في صفوف البعث عندها نتحدث عن الخطط والبرامج والحلول . لقد خلق الله الأرض والسماء والجبال والسهول والبحار والأنهار وخلق الشمس والليل والهواء كلها مسخرة للإنسان والحيوان ولكن فضل الإنسان على الحيوان وميزه عنه بالعقل كما أنزل الله القرآن كغذاء روحي لتهذيب نفس الإنسان ولذلك على الإنسان أن يوظف كل ما سخر له الله للقيام بواجبه كانسان فعلينا كبعثيين أن نقوم بواجبنا النضالي على أكمل وجه ارضاءا لوجه الله والإنسانية . فاختيارنا للبعث فمعنى أننا آمنا بمبادئه ورسالته الحضارية وبالتالي علينا إن نبرهن قولا وفعلا على صدق إيماننا . وإذا ركزنا في هذه الفقرة على الإيمان لأنه هو المفتاح الحقيقي الذي تفتح به كل الأبواب الموصدة نحو تقدم الحزب وتطوره ووصوله إلى تحقيق أهدافه المشروعة .


إذا أردنا تحقيق أي هدف نستجمع كل مقومات النجاح ثم ننطلق إلى الانجاز. وكل مشوار نقطعه نحو تحقيق الهدف تصادفنا طبعا عوائق وحالات طارئة لم تكن في الحسبان ، في هذا المنعطف يبرز الجهد المضاف والإبداع الخلاق ، وهنا تبرز الكفاءات والقيادات . إذن الشرط الأساسي للتعامل مع أي واقع هو الاستعداد والأيمان والإصرار على النجاح.


أصبح النضال الاجتماعي في الظروف الراهنة أحد مقومات التواصل بين المناضل والجماهير فبقدر ما نتحسس آلام المواطن ومعاناته وخاصة الشباب بقدر ما نقلص المسافة والهوة بيننا وبين الجماهير ، لا يمكن القفز على المراحل فقبل أن نتكلم عن الوحدة العربية وقضية فلسطين والعراق ومخاطر التقسيم الذي يتهدد الأقطار العربية علينا تسليط الضوء على الوضع الداخلي للأقطار العربية وأسباب فشل الأنظمة القطرية في توفير الأمن الغذائي وفرص العمل والقضاء على التفاوت الطبقي وإهدار الثروات . لابد كذلك من دفع الجماهير والشباب خاصة إلى تحمل مسؤولياته في عملية التغيير وبناء الوطن لابد من معالجة ظاهرة الأنانية وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن والشعب وعلى تطوير الخطاب الوطني وأن يتبوأ البعثيون مكانة مرموقة في الدفاع عن كل ما هو ايجابي وما تحقق للشعب وأن ننقد السلوك الانتهازي والتخريبي الذي يتعشعش في عقول الشباب الذي يطالب بالأخذ فقط دون العطاء . لابد من فضح بعض الأفكار التي تزرع اليأس وعدم الثقة التي تحرض على الهدم وتقصي فكرة البناء والمحافظة على المكاسب. لا يمكن أن نطلب من شخص أن يناضل من أجل الوحدة العربية وهو بعيد كل ابعد عن القيم الوطنية.


علينا أيها الرفاق أن نكون في مستوى تحديات العصر التي أصبحت متشعبة وتتعاظم خطورتها وتهدد مستقبل الأجيال . على الأقل إذا لم نعش الوحدة العربية نكون قد وفينا بالعهد وليحكم علينا التاريخ أننا لم نتخاذل أو لم نستسلم قي حياتنا النضالية أمام الظروف الصعبة التي تعيشها الأمة أو أننا لم ندخر جهدا في خدمة الحزب والأمة.

 

 





الاحد٢٦ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب س . ع الجزائر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة