شبكة ذي قار
عـاجـل










تعد الأخلاق من أهم القيم المعنوية ومن أهم الأسس الحضارية لذلك أكد عليها الإسلام الحنيف وكذلك منظومة القيم الإنسانية والعادات والأعراف الاجتماعية لما لها من تأثير خاص في سجية وطبيعة الإنسان السوي، حتى في زمن الجاهلية الأولى كان العرب فيها يمتدحون مكارم الأخلاق ومن الطبيعي ان يفخر الإنسان بدماثة الأخلاق وحسن السلوك والتصرف والمعاني العالية ومن الغريب ان يحصل العكس وهو ما يمكن تسميته بالتفاخر المذموم الذي يمقته كل ذو عقل مدرك واعي، فالفخر المذموم هو آفة من الآفات القاتلة لصاحبها وهو من الصفات السيئة المنبوذة وحقيقة الأخلاق تكمن في داخل النفس و السلوك العملي تعبير مباشر عن ذلك ونتيجة له ولذلك إذا كان القلب فاسداً لا يستطيع الإنسان أن يستمر في التظاهر والمجادلة بالأخلاق السطحية، فبعض الناس قد يتكلفون الأخلاق، لكن ذلك لن يدوم إن لم يكن ذلك نابعاً من اعتراف داخلي بقيمة هذه الأخلاق.

 

ما دفعني للتطرق لهذا الموضوع هو ما يحصل في بلدي العراق خلال فترة الاحتلال ومنها اللقاء مع القاضي منير حداد وما ذكره لصحيفة الوطن الكويتية في مقابلة أجريت معه فهو أجاب عن سؤال بما يلي ( وأنا أتشرف أنا وأخواتي العشرة ان أي منا لم يخدم صدام حسين في العسكرية ولم يحارب في الكويت أو إيران، ثلاثة من أخواني التحقوا بالبرزاني وهربوا للخارج واثنان من أخواني استشهدا وعندي شقيق كان سائق دبابة في الحرب العراقية الإيرانية وأخذوه للجبهة غصبا عنه فسرق الدبابة وسلمها للإيرانيين ) هذا كلامه وبكل بساطه نراه يفتخر به وهو ما قلنا عنه التفاخر المذموم وهذه الكلمات تعود بنا إلى الوراء قليلا فمعدن العراقي ليس بهذه السطحية بل على العكس تماما هذه الأخلاق غريبة ودخيلة عن قيم المجتمع والواضح إنها من نتاج الاحتلال إلا نتذكر جميعا ان الجندي العراقي وحين تمتعه بإجازته كان يحرص على ان يبرز نموذج إجازته لعائلته وأصدقائه وحتى لحبيبته لأنه يريد ان يثبت وطنيته وقيامه بالدفاع المشرف عن ارض بلده وشرف العراقيات وقسما بالله العلي القدير إنني كنت شاهدا على حالات مشرقة ومنها على سبيل المثال شقيق يحسد شقيقه لأنه نال شرف المساهمة في الدفاع عن العراق وهو لم تتح له الفرصة لصغر سنه ولم يهدأ له بال والى ان حانت له الفرصة ونال شرف الدفاع عن وطنه أملا بان يأتي الزمن ليفخر بالمواقف أمام أولاده وغيرها الكثير.

 

هذا هو المعدن الأصيل للعراقي إلا ان الحياة سارت وتسير اليوم بالمقلوب فلا ثبات على المواقف وما كان معيبا قبل سنوات نراه مفخرة اليوم فالسارق أصبح وطنيا ومن خان بلده وشعبه نراه اليوم في أعلى الهرم وكم استغربت لصدور قرارات من جهات حكومية تتنكر لتضحيات الشهداء ومنها على سبيل المثال ان يكرم الهارب من الخدمة العسكرية وان يقول لي الشرف اني كنت هاربا!! والأغرب من كل ذلك ان يصدر قرار من ما يسمى السلطة التشريعية باعتبار جريمة الهروب تلك الجريمة التي كانت تسمى جريمة مخلة بالشرف خدمة مجزية لأغراض العلاوة والترفيع ان هذه ليست مزحة بل قرار صدر ونشر في الجريدة الرسمية الوقائع العراقية ومن أمثلتها الأخرى مشاهدتي العيانية للمحامية مريم الريس وللقاضي رؤوف رشيد فالأولى شاركت في مؤتمر المحامين العرب في بيروت والثاني في مؤتمر المحامين العرب في تونس وجميع زملائهم في الوفد والحمد لله على قيد الحياة يتذكرون مداخلاتهم وأحاديثهم حول العراق وحكومته ودفاعهم وتبنيهم للمواقف وهذا قبل الاحتلال بأشهر فكيف يتغير الزمن ليصبحوا بين ليلة وضحاها من بين المضطهدين؟ وفيما يخص القضاء فجميع رجاله ومنهم المحاميين يعلمون ان القاضي حين يرى ان بينه وبين طرفي القضية سواء كانت مدنية أو جنائية رابط قربى أو صداقة أو خلاف يصدر من ذاته ودون طلب قرارا يتنحى فيه من النظر في هذه القضية أو تلك ويسبب قراره ويقول استشعرت الحرج لذا اعتذر عن النظر في هذه الدعوى نعم هذه هي طيبة شعبنا وأخلاق القضاء التي كانت سائدة في العراق واليوم من ينظر القضايا ويحكم فيها بل ويميز القرارات خصوم سياسيين ولا يستشعرون الحرج بل ويصرون على عدم التنحي أليست هذه عادات دخيلة جاءت وترسخت مع الاحتلال..اللهم أهدني أحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت و اصرف عني سيء الأخلاق فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت..

 


msm_ata@yahoo.com

 

 





الاثنين٢٧ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب منهل سلطان كريم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة