شبكة ذي قار
عـاجـل










إن المشروع النهضوي المتكامل العربي كان جزء منه يتركز على الديمقراطية والى جانب الهوية الوطنية والقومية في نفس الوقت , وطرح النموذج الديمقراطي للدولة الوطنية والتي تقوم عليها الدولة القومية الديمقراطية الاشتراكية.إن الحركة القومية الثورية العربية لاقت إعتراضات من بعض العلماء المسلمين وخاصة في قضية الوحدة العربية والاشتراكية ,  ومن إعتراضاتهم أيظاً عليها إفتقارها للايديولوجية المطلوبة للتعامل مع الفكر والمجتمع الاسلامي والغير الاسلامي وكان البعث الخالد هو الحل وهو النموذج العربي للفكر القومي الاشتراكي الذي أستطاع تحقيق وحدة فكرية فريدة بين الدين والواقع وجعل من الاسلام العمود الفقري لبنيان الفكر الثوري العربي حينما وضع الاسلام كثورة شاملة في الموضع الصحيح والسليم من الحياة العربية وبهذالصدد يقول المفكر العربي الكبير ومؤسس البعث الاستاذ ميشيل عفلق:( فالاسلام هو الهزة الحيوية التي تحرك كامن القوى في الامة العربية فتجيش بالحياة الحارة، جارفة سدود التقليد وقيود الإصطلاح. مرجعة اتصالها مرة جديدة بمعاني الكون العميقة، ويأخذها العجب والحماسة فتنشئ تعبر عن اعجابها وحماستها بالفاظ جديدة واعمال مجيدة، ولا تعود من نشوتها قادرة على التزام حدودها الذاتية، فتفيض على الأمم الأخرى فكراً وعملاً، وتبلغ هكذا الشمول).(1)  , وبهذه المناسبة إن مؤسسي الفكر القومي كانوا من رجال الدين ومن علمائه مثل عبد الرحمن الكواكبي والذي كان من عالماً في الدين وكذلك كان محمد عزة دروزة ذوو إتجاه ديني وبالمناسبة أن سيد قطب مفكر حركة الاخوان المسلمين وهو من الدعاة كان يميل للاتجاه القومي وقد أبدى تفهماً لمشروع الوحدة العربية وأيد قيام الوحدة العربية.فقضية الثورة موجودة عند العرب سواء على المستوى الفكري أو الفعل أي بمعنى إن العرب لا يحتاجون من أحد أن يعلمهم أو ينسخ لهم الثورات ويدعوهم الى إقامة مجتمعهم العربي بخصوصية دينية أو علمانية أو أي شكل من أشكال المجتمعات الاخرى فهم يمتلكون الدراية والخبرة في طبيعة وخصوصية المجتمع أو النظام السياسي الهدف عندهم لان لديهم الخبرة الكافية في تنوع الانظمة  , وإن الثورات بالاصل لاتستنسخ لان كل ثورة ولها ضروفها وعناصر تكوينه ,  ويمكن للثورات أن تؤثر في بعضها من ناحية التنضيج , فمثلاً ثورة البعث في العراق في 8 شباط نضجت الظروف لثورته في 8 إذار.

 

ولم تكن ثورة شعبنا العربي في تونس ومصر من نتائج الثورة الايرانية وأقصد الثورة الايرانية التي أطاحت بنظام الشاه في عام 1979 والتي أكلت قادتها وأنحرفت بل سُرقت من حاضنتها الجماهيرية لتتحول الى نظام قمعي بنمطية وشكلاً يختلف عن حكم الشاه ولكنها بفلسفتها وإجرائاتها لا تختلف عن قمعية نظام الشاه , وهذا يجعلنا بأن نقول أن ثورة الشعب الايراني ضد نظام الشاه في عام 1979 قد وئدت باللحظة التي ركب موجتها رجال الدين وأصحاب الاغراض الخاصة في الحكم وإنتهت الى حكم طبقة أوليغارشية مستبدة.وبهذا لايمكن أن تكون ثورتي شعبنا في تونس ومصر قد تأثرت بأي نموذج إنتفاضي ففي التأريخ العربي القديم والحديث والمعاصر ما يغذي روح الثورة في أقطارنا العربية .إنها ثورة شعبية ضد أنظمة الحزب الواحد المستبد , والحزب الواحد في نموذج الحكم بن علي و مبارك هو الحزب الذي أفرزته السلطة وعاش في ترفها وأستقى من بيروقراطيتها وبذلك كان فاقداً للقاعدة الجماهيرية أي حزب شكله الحاكم أو السلطة فكان جزءاً من السلطة ومن أجهزتها  , وأعضائه هم أعضاء السلطة و المنتفعين.

 

وأيظاً اثرت في أشعال الثورتين عوامل قومية منها فشل هذه الانظمة و النظام العربي الرسمي عامة في معالجة اية قضية قومية بل أن النظام العربي الرسمي ساهم في خنق ومن ثم قتل اي نموذج عربي ثوري , والموقف من القضية الفلسطينة واضحٌ جداً فالتراجعات والاستسلامية اصبحت حقيقة في ضياع الحق العربي في فلسطين ,  والموقف الرسمي العربي بل التأمر على العراق في عام 1991 ومن ثم المساهمة في غزوه في عام 2003 وإزاحة النظام الوطني القومي الثوري منه كل تلك العوامل ساعدت على غرس و نموالشجاعة عند الشعب العربي التونسي والمصري بالانتفاض ضد هذه الانظمة فهي ليست ثورة جياع بل ثورة جماهيرية حقيية وشاملة.وإن حقيقة كل الثورات الجماهيرية في الوطن العربي كانت ولا زالت تتأثر بالوضع القومي العربي وهي تشكل إنتفاضة لرفض اي واقع بأئس تفرضه ظروف الامة السلبية فثورات البعث الخاد سواء في القطر العراق أو القطر السوري كانت جزء من إنتفاضة لرفض الواقع المتردي الذي تعيشه الامة فثورة 17تموز من عام 1968 كانت جزء منها رد على واقع الهزيمة التي فرضته هزيمة حزيران 1967وثورات البعث الخالد في عام 1963 في القطرين العراقي والسوري كانتا جزءاً من رد على جريمة الانفصال لوحدة القطرين المصري والسوري في عام 1961 , وثورة الشعب الجزائري البطل كانت ضد قوة الاستعمار الفرنسي وقد تداخلت في بلورتها كل العوامل المحلية الوطنية والقومية وحتى العالمية لتعكس أيظاً قوة الانسان العربي في المقاومة وتحقيق الثورات على قوى الطغيان والاستعمار .وإن تمكن قوى الردة والشعوبية والامبريالية من إزاحة نظام البعث في العراق نتيجة حرب كونية في عام 2003 كان بسبب الموقف الوطني والقومي والانساني للنظام الوطني القومي في العراق ,  فالرب والتأريخ سيحفظ تجربة البعث الخالد في سوريا البطلة لكي يبقي سوريا القاعدة الامينة للثورة العربية المعاصرة.وتبقى جذوة الثورة العربية في العراق المتمثلة بمقاومته البطلة والتي يقودها ايظاً البعث الخالد مرتكزاً وخندقاً متقدما للثورة العربية , هكذا هي الثورة العربية مستمرة ومحافظة على أهدافها ما دام البعث الخالد يقودها كمقاومة عربية وقاعدة أمينة تحمي ظهور المقاومين الحقيقين و معه كل الاحزاب و الحركات والتيارات الوطنية والقومية وحتى الاممية منها يقفون صفاً منيعاً بوجه الامبريالية الصهيونية والحاقدين على هذه الامة الانسانية.فهذه الحقيقة لابد أن يعرفها الشقيق والصديق والعدو بأن العرب يشربون مع شايهم أو قهوتهم الصباحية مبادئ الثورة ولا يجوز لاي من كان أن يركب موجة الثورة العربية وتحت أي مبرر لكي ينسب له الفضل في الثورة وخاصة من مجاميع سبق لها ان ركبت الثورة في ميادينها الوطنية وهي اليوم في مأزق تأريخي بين خطاب يوجه للخارج يحمل دعوة للشعوب بالثورة وبين حقيقة نظام طبقي ديكتاتوري متخلف يمنع الحريات ويقتل من يتجرأ على نقد النظام اوحتى التظاهر ضده , فهي مفارقة وتعارض مع حتمية التطور التأريخي لثورات الشعوب.إن ثورة الشعب العربي في مصر و تونس والعراق وكل الوطن العربي خالصة بنقائها العربي وبقوة ثوارها العرب من القوميين الاشتراكيين بعثيين وناصرين وقوميين وشيوعين وإسلاميين حقيقين وكل جهد عربي مخلص لهذه الامة ومن غير المسموح لاي أجنبي أن يتطاول بسرقتها و تجيرها لحسابه الخاص ,  وإن كان هنالك من جهد تستطيع أي قوة إقليمة أو دولية أن تقدمه للعرب والى الثورة العربية تحتاج فسوف يكون هذ الدعم سواء كان من العالم الاسلامي أو الغربي أو الافريقي أو الامريكي اللاتيني بعدم التخل في الشأن العربي الداخلي .. إرجو للشعب الايراني المسلم والجار العزيز أن يحقق ثورته ويتجاوز محنته ومن الله التوفيق.


وأما الموقف الامريكي المنادي بتحقيق الديمقراطية فهو أيظاً يفتقد للدراية و الحكمة , فالادراة الديمقراطية أرادت من موقفها من ثورة الشعبية في تونس ومصر وبالذات في مصر أن تقفز على الحدث نفسه وتسجل موقفا متقدماًً لها أمام الشعب المصري لانها توقعت سقوط النظام المصري و بنفس السيناريو في تونس ,  ولكنها أخطئت كثيراً لان الثورة الشعبية في تونس ومصر وفي اي قطر عربي مرشحاً لهذا الحدث تقع في مفهوم وسلوكية الثورة العربية , ولكن الذي يختلف بين الثورتين هو نوعية القيادة والتكوين الثوري للشعب فالوهج والايمان القومي الثوري في مصر الحبيبة عالٍ وكبير جداً عنه في تونس , فالرئيس حسني مبارك بالرغم من كل الاعتراضات عليه فهو يشكل رمزاً وطنياً مصرياً و قائدعسكري وهذا ترتب عليه إنه لايترك ساحة ميدان الحرب بسهولة وايظاً أستطاع ان يختار التوقيتات المناسبة بالتغيرات وأن يأتي بأشخاص يقودون معه المسيرة الحرجة لهم درجة من المقبولية لدى الشعب وايظاً من العسكر المخلصين له وقد أدار المرحلة الاكثر حرجاً بذكاء وخاصة في التعامل مع الحدث وكيفية إمتصاص الاندفاعات , وأما الشعب العربي المصري فهو مشهود له بأنه حفيد الثوار الوطنيين القوميين وقد تشرب من ثورة 23 يوليو العظيمة وهذا يجعلنا نحترم شجاعته في إنتفاضته مع إحترامه لرموزه الوطنية , فأكثرية المعتصمين في ميدان التحرير من الشباب قبلوا برحيل رئيسهم وبكرامة لانهم يعلمون جيداً أن الرئيس مبارك بالرغم من كل سلبياته فهو يُعد رمزا من رموز الشعب المصري ,  بالرغم من دوره التأمري في ترتيب النظام العربي الرسمي للمشاركة في العدوان على العراق في عام 1991 وكذلك أيظاً دوره في غزو العراق وما قدمه من دعم لوجستي للغزاة في عام 2003.

 

ومهما تفنن الامريكان بأساليب دعاياتهم حول الديمقراطية فهي تبقى مكشوفة فالادارة الامريكية أرادت من موقفهم هذا بالاضافة لحجز موقف مستقبلي في علاقاتهم مع الدولة المصرية بالنظام الجديد الا إنهم أرادوا أن يمحو بعض الاتهامات للادارة الجمهورية السابقة مما أقترفته من جرائم بحق شعب العراق تحت كذبة نشر الديمقراطية في المنطقة , وإن دل هذا الموقف الامريكي على شئ فإنه يدل على طبيعة الامبريالية في التخلي عن أصدقائها إذا ما أحترقت ورقتهم  , فهم قد فعلوها مع حاكم الفليبين في العقد السابع من القرن الماضي وكذلك مع شاه إيران ومع السادات أيظ , وكذلك يدل على جهل الستراتيجية الامريكية في تفسير الوضع العربي بشكل عام والوضع في مصر بشكل خاص , فنظام حسني مبارك قائم ومنذ أكثر من ثلاثة عقود والديمقراطية غائبة عنه ونفس الوضع في حكم زين العابدين بن علي  , ولكن الخوف الامبريالي الصهيوني على مصالحهم في المنطقة جعلهم يتخلون عن أصدقائهم ومنذ اللحظة الاولى للثورة , والذي نريد أن نقوله أن العرب يعرفون حق المعرفة الديمقراطية وبالاساس موجودة في أديانهم السماوية وقد مارسوها بطرق مختلفة عبر تأريخهم وبنسبية الظرفين الزماني والمكانب للتجربة الديمقراطية ولا يحتاج العرب من يمنحهم الديمقراطية أو يقدم لهم النصح والخبرة بديمقراطية قد تؤدي الى كارثة بمصر على غرار ما حصل في العراق من فوضى عارمة وإنحلال الدولة وسقوط كل الروابط الادارية والقضائية والسياسية وستكون بالنتيجة كارثة على العرب وستصب في مصالح الامبريالية الصهيونية لان العرب حينذاك سوف يعيشون نكبة كبيرة (لاسمح الله) وقديعيشون عقوداً وهم يدارون نكبتهم ويتركون حقوقهم وخاصة في فلسطين ولينفرد الكيان الصهيوني باللعب في المنطقة وبكل حرية..حفظ الله مصر وشعب مصر البطل وكان معه في ثورته وأبعد الله كل سوء على هذه أُمتنا الناهضة بثوارها المخلصين ... أمين


 

(1) خطاب القي على مدرج الجامعة السورية في 5 نيسان عام 1943 

 

 





الخميس٠٧ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة