شبكة ذي قار
عـاجـل










- 1 -


ان انتفاضة الشعب المصري التي اندلعت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي وقبلها انتفاضة الشعب التونسي تذكراننا بانتفاضة الشعب العراقي في شهر كانون الثاني من عام 1948 ، تلك الانتفاضة التي قبرت معاهدة بورتسموث التي عقدتها حكومة صالح جبر مع بريطانيا . وكانت تلك الانتفاضة بقيادة الاحزاب الوطنية الفاعلة آنذاك بالاتفاق مع مختلف المنظمات المهنية والنقابات العمالية قد حققت هدفها ومهدت لتصاعد حركة التحرر الوطني العراقية ، اذ تلتها وثبة الشعب العراقي في عام 1952 ثم توجت بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 .


ونشهد اليوم حالة من الغليان الثوري في معظم انحاء العالم العربي ، غليان نشهده بدرجات متفاوتة وفق الظروف الموضوعية في كل بلد عربي . غير أن تأثيره متبادل ويشمل بشكل ملموس علاقات المنطقة العربية مع العالم سياسيا واقتصاديا . وهو ذو مردود ايجابي باتجاه التحولات التي ستجري في العالم العربي والعالم كله . وقد أفلحت انتفاضة الشعب المصري في تحطيم ركائز النظام القائم و شله وتجريده من شرعيته . ولم يعد رأس النظام  الفاسد حسني مبارك يحظى بمكانة تليق برئيس دولة . فهو منبوذ من الشعب ، وقد تزعزعت المؤسسات والمرافق الاساسية في الدولة كأجهزة الامن والبرلمان ، وانهار الحزب الحاكم وتفككت المؤسسات الاقتصادية والادارية . وثمة حالة من الشلل أصابت الدولة ككل ودفعت أخلص حلفاء النظام المصري ، أي الولايات المتحدة الامريكية ودول غربية اخرى واسرائيل، الى التعبير عن مخاوفهم مما حدث ويحدث في مصر وانعكاس ذلك وتأثيره في منطقة كانت حتى الامس القريب دارا آمنة لهم ( كما كان يكرر نوري السعيد في العراق قبل ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 : دار السيد مأمونة ) .

 

واذا بانتفاضة الشعبين التونسي والمصري تضع المنطقة برمتها على طريق النفاذ من الوضع المؤلم والمزري الذي أنهك شعوبها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وأشاع بين الجماهير حالة اليأس واللامبالاة ، وأضعف النشاط السياسي الوطني مما أتاح للحكام العرب فرصة التمادي والتوغل في نهج السياسة اللاوطنية ، وجعل الدول المعادية تسرف في التدخل والتغلغل في جميع مرافق الحياة السياسية والاجتماعية ناهيك عن نهب ثرواتنا بسهولة دون رادع أو رقيب . وأصبحت أوطاننا مسرحا لجميع مخابرات الدول المعادية وفي طليعتها الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل. ونشيرهنا الى أن هذا الواقع قد ترسخ بفضل نهج الحكام العرب بعد غزو العراق في عام 2003 وازاحة آخر نظام وطني في المنطقة ، اذ قدموا العراقشعبا ووطنا فريسة لكل الكلاب المسعورة في المنطقة وخارجها كي تمزق أرض العراق
الطاهرة وشعبه النبيل الذي اتجه ، على الرغم من ذلك كله ، الى المقاومة الوطنية المسلحة في سبيل تحرير البلاد وقطع أيادي المحتل وأتباعه الاشرار .


لقد انطلقت من تونس ومصر صرخة النهوض من الكبوة لسحق الانظمة الفاسدة ولتقول للعالم أننا شعوب حية لاتسمح للاعداء والخونة بصنع حاضرنا ومستقبلنا . نحن من يتولى ذلك بدون حكام فاسدين يتوجب عليهم أن يتدبروا مصيرهم كما فعل حاكم تونس زين العابدين وكما سيفعل مبارك وأمثاله الآخرون .


أكدت انتفاضة الشعب المصري أهمية دور مصر بوصفها دولة ذات ثقل  وأهمية كبيرة ، فالاحداث الجارية فيها دفعت حكام اسرائيل المتغطرسين الى الصراخ والعويل تعبيرا عن خوفهم مما سيحدث في المنطقة بعد انهيار أقوى حليف لهم ، تربطهم به علاقات متينة وتنسيق وتعاون وثيقين واسعين مما يحدث عادة بين طرفين يأتمن أحدهم ألآخر . ومحور التعاون والتنسيق بين حكام مصر واسرائيل يرتبط بالوضع في العالم العربي ، وخاصة ما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني . وهنا يؤدي مبارك وأتباعه دور الوسيط المنحاز الى اسرائيل في التمهيد الى تراجع الجانب الفلسطيني عن حقوقه تدريجيا.

 

وقدبلغ الأمر بنظام مبارك حد اتخاذ مواقف معادية علنا تجاه الشعب الفلسطيني. وتمثل ذلك ، على سبيل المثال ، ببناء الجدار الفولاذي العازل على الحدود مع غزة ، وفتح أبواب العمل في مصر أمام رجال الاعمال الاسرائيليين وبيع الغاز المصري لاسرائيل بثمن بخس وغض النظر عن نشاطات الموساد على الاراضي المصرية وتجنيد ضعاف النفوس لخدمته والاساءة الى جبهة المثقفين المصريين الذين أدوا دورا كبيرا في تحجيم عملية التطبيع بين مصر واسرائيل .


كانت اسرائيل من اولى الدول التي سحبت رعاياها من مصر . لكن ذلك لا يعني أن الموساد قد أوقف نشاطه،فخلاياه النائمة ستضطلع بدور تخريبي حسب تطورات الوضع


-2-


في مصر ، الى جانب مهمة توطيد الصلات مع المسؤلين المصريين .


وأثرت الانتفاضة المصرية في مواقف الادارة الامريكية التي كشفت حقيقة سياستها ، اذ توحي في الظاهر وكأنها مع حرية اختيار الشعب المصري ، لكنها بعد أن فوجئت بأحداث مصر وامكان تأثيرها في المنطقة بما يهدد مصالحها شرعت بالنشاط  لانقاذ ما يمكن انقاذه ومن اجل حرف الانتفاضة عن هدفها الجوهري أو افراغها من محتواها الحقيقي والتخفيف من آثارها قدر الامكان . ولم يكن دور النظام المصري في رعاية وخدمة المصالح الامريكية خافيا على أحد . فهو الذي كان يمهد لتمرير أي مشروع أو عمل عدواني تنوي الولايات المتحدة تنفيذه في المنطقة ، خاصة ما يتعلق بمسألتين رئيسيتين :

 

القضية الفلسطينية والوضع في العراق . فقد عمل نظام مبارك بنشاط على تسهيل العدوان الامريكي على العراق في عام 1990 وبعد ذلك في عام 2003، واستغل الحصار المفروض على العراق بهدف استغلاله اقتصاديا . وفي الشأن الفلسطيني انكشف دوره في طمس معالم القضية الفلسطينية والسير بها نحو الضياع التدريجي لصالح اسرائيل . ويبدو موقف الادارة الامريكية انتهازيا، في حين انه محسوم لصالح نظام مبارك عمليا،اذ أرسلت فرانك ويزنر الى القاهرة لمتابعة الاحداث مباشرة .

 

واتضح ، كما ذكرت صحيفة انتيبندت البريطانية ، أنهيعمل في شركة أمريكية تقدم خدمات خاصة الى الحكومة المصرية . ومن هذه الخدمات ، كما يبدو ، دفع مبارك الى المناورة قدر الامكان والبقاء حتى يتوفر للادارة المريكية وحلفائها ، ومنهم اسرائيل ، وقت يكفي للتناور واعداد بديل من شأنه افراغ الانتفاضة المصرية من محتواها . فالادارة الامريكية ليست بصدد حماية أو انقاذ مبارك ، انها تهدف الى حماية مصالحها أساسا . ويقول الامريكان ان مصر لن تعود الى ما كانت عليه ، وهذا صحيح فيما يتعلق بطبيعة السلطة أيام مبارك . ولكن الصحيح كذلك أن الادارة الامريكية ستسعى لوضع الرتوش على النظام المصري وستعمل بكل ما في وسعها على اجهاض الانتفاضة وحماية مصالحها . ولهذا يتوجب،وفي هذه الايام بالذات مع استمرار الانتفاضة، اعتماد اليقظة والحذر من مناورات الخداع والاغراء ، خاصة وان العدو ليس سهلا على الرغم من انه منهك ومصاب في الصميم .


وتبدو ايران ظاهرا وكأنها تتابع الاحداث ، لكنها في واقع الامر تسعى لحرف الانتفاضة عن طريقها وفق تصوراتها عن مستقبل المنطقة ككل . وهي تعتقد بأن الانتفاضة ستترك فراغا تقوم هي بسده كما أعلن خامنئي في خطبة يوم الجمعة في الرابع من شباط الجاري ( اقامة شرق أوسط اسلامي ). وهذا الاسلامي بمفهوم خامنئي اسلام طائفي وليس

 

- 3 -


اسلاما حقيقيا كما يفهمه المسلمون الحقيقيون . وسرعان ما جاءه الرد من ساحة التحرير في القاهرة ( لا يمكنك افساد الروح النقية للثورة المصرية ). فالانتفاضة المصرية تمثل الاديان وتمثل طموح الشعب المصري وشعوب المنطقة بأسرها الى التقدم والتطور في جميع مجالات الحياة. وهذا ما يطمح اليه الشعب الايراني أيضا ، فهو كذلك يعاني ما يعاني جراء سياسة نظامه الحالي . والاولى بخامنئي أن يتدارك أمره قبل أن يكون مصيره كمصير مبارك .


ولم يكن سلوك حكام بغداد أفضل ، فقد سارعت حكومة المالكي الى التعبير عن موقف يدل على مدى تخلفها وابتعادها عن الواقع وتنصلها من قضية الشعب المصري وكأنه شعب غريب لا تربطه بالشعب العراقي وشائج الاخوة ، وقبل كل شيء الدين الذي يحلو للمالكي ورهطه التبجح به . وبدلا من السكوت اختار أسوأ ما يمكن أن يواجه به انتفاضة الشعب المصري : فقد أكد مرارا امكان تقديم كل التسهيلات للعراقيين المقيمين في مصر من أجل عودتهم الى العراق وابتعادهم عن بؤر التوتر في مصر . انها دعوة تستفز مشاعر الشعب العراقي عامة والعراقيين المقيمين في مصر خاصة . فأنت، أيها البلطجي، تدعو للعودة اولئك الهاربين منك ومن جرائمك ، من القتل الذي يتعرض له كل مواطن عراقي يوميا ، من التفرقة الطائفية المقيتة ، من روح الكراهية والبغضاء والتفرقة والتمييز بين المواطنين ، من استباحة شرف وأعراض العراقيين . لقد لجأ هؤلاء الى وطنهم الثاني مصر ولن يتخلوا عن دعم الانتفاضة والاشقاء المصريين . فهم يدركون أن انتصارهم انتصار للشعب العراقي . والذي رحب بهم في مصر هو الشعب وليس نظام مبارك .

 

وجاء الرد على بلطجي بغداد من ساحة التحرير في القاهرة حيث رفع العلم العراقي ليعبر عن دعمه وتضامنه مع المقاومة الوطنية المسلحة والشعب العراقي. وذلك الرهط المهيمن على مقدرات العراق يبرهن في كل تصرفاته على أنه غريب ولايدرك تقاليد الشعب العريقة . وشعبنا يأبى أن يقوده جهلة لا يفقهون معنى الوطنية ويرضخون طواعية لخدمة أعداء الشعب والوطن .


لقد أثبتت انتفاضتا تونس ومصر أن شعوب المنطقة ترفض أن تعامل باسلوب العصر الحجري . وهي تطالب بنظام وطني حقا يشكل أساسا جوهريا لادارة شؤون الدولة واقامة حكم وطني يمثل ارادة الشعب حقا ولا يمكنه الانحراف عن الطريق السليم ، طريق صيانة السيادة والاستقلال وتوفير كل المقومات لضمان التطور اللاحق .


- 4 -


وعكس ذلك ، فان اللجوء الى استخدام الديمقراطية كمصطلح أو واجهة للتستير على موبقات النظام لم يعد ينطلي على شعوبنا . كما هو حال الرهط الذي يهيمن على مقاليد  الامور في وطننا . وعكس ما كان عليه الحال في نظامي تونس ومصر ، فان الوطنية الحق هي التي تحقق الديمقراطية ، وخلاف ذلك يعني أن خللا أو انحرافا طرأ على وطنية النظام .وعندها يجب التصدي وعدم السماح بتماديه في الغي . 

 

اننا في العراق نعاني القهر من مجموعة جاء بها المحتل وسلمها مقاليد الامور  لادارة وطن تم القضاء على دولته . ومع الاحتلال يعيث ذلك الرهط في البلاد فسادا ،
حتى أن السوء بلغ أوجه،ولم يعد أمام الشعب الا الكفاح بكل الوسائل والأساليب، وخاصة المقاومة الوطنية المسلحة ، في سبيل حسم الصراع وفرض البديل الديمقراطي والوطني الحق .


ان انتفاضتي الشعبين التونسي والمصري صرخة بوجه الانظمة الاستبدادية المتخلفة في العالم العربي ، وقد وجدت هذه الصرخة صداها في العراق .

 

 





الجمعة٠٨ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحمد كريم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة