شبكة ذي قار
عـاجـل










كان موعدنا الصبح و يفصلنا عنه  سويعات قليلة و للهفتنا  للقاه لم نذق طعم النوم شوقا لهذا اللقاء .. قضينا ليلتنا نقلب صفحات الأحداث التي نعتقد بأنها  ستحصل في ساحة التحرير .. هل  ستستقبلنا شوارعها ؟؟ هل ستستوعبنا نحن الذين سنشد الرحال إليها من كل مدن و شوارع و أزقة بغدادنا الحبيبة ؟؟ .

 

كنا نعتقد بأن الحكومة ستعمل جاهدة على عرقلة  نجاح تظاهرة ثورة الغضب و أن هذه الحكومة ستحاول أن تحقق نجاحا كبيرا لها لتخفي وجهها القبيح  أذا نفذت ما تدعيه بأنها ستحمي التظاهرات باعتبارها حقا كفله الدستور  و سوف تمتنع من التصدي لها ، هذه الأفكار و غيرها الكثير كانت تدور في الرؤوس حتى أن وصلت الساعة الثامنة صباحا نهضنا بكل حزم لنتوجه إلى ساحة التحري وسط قلب حبيبتنا بغداد .

 

كانت شوارع بغداد خالية إلا من أعداد هائلة من العجلات العسكرية  المختلفة الأنواع  ومحملة بالجنود المدججون بالسلاح وهم يتفحصون  بأنظارهم و بواسطة المناظير  المكبرة لكل مواطن  يمر  من أمامهم .. المسافة التي تفصل بيننا و بين قبلتنا أكثر من عشرة كيلو مترات ، المسافة طويلة و شاقة على من  تجاوز عمره منتصف العقد الخامس و لكن المشاركة في يوم الغضب أمنية كنا نحلم بها و قررنا المسير إلى وجهتنا سيرا على الإقدام مهما كانت الصعوبات ..

 

حددت القوات الأمنية طرقا لسير السابلة في التوجه من الكرخ إلى الرصافة حيث هدفنا ساحة التحرير و خلال مرورنا بهذه المسالك  تعرضنا مرات عدة إلى إجراءات التفتيش الدقيق حيث منع عبور حتى الأقلام التي تعودنا على حملها و صادروها منا في أول سيطرة ..  الجيش و الأجهزة الأمنية تتوزع بكثافة لا مثيل لها على طول  خط سيرنا مما زرع فينا التوجس  و الخوف من خاتمة الأمور و اعتقدنا بأن هذه القوات لابد وإنها تنوي فعل شي ضد الجماهير التي ستتجمع في ساحة التحرير ، و بالرغم من ذلك زاد إصرارنا على أكمال مسيرتنا حتى كانت الساعة الحادية عشر و بضع دقائق و صلنا الساحة و وجدناها تموج ببحر من البشر من جميع الطوائف و المذاهب  في منظر رهيب لم تألفه ساحات و حدائق هذا المكان من قبل .. تجمعت هذه الآلاف بالرغم من منع التجول الذي فرضته الحكومة على جميع أحياء بغداد و في بعض الإحياء منع حتى حركة المشاة سعيا لمنع وصول أبناء العراق الغيارى الذين ينوون المطالبة بحقوقهم المشروعة .. حضرت هذه الآلاف من الجماهير بالرغم من مناظر الإرهاب التي شاهدها أثناء  قطعه مسافات طويلة في شوارع بغداد للوصول إلى مكان التظاهر.

 

في ساحة التحرير كانت هذه الآلاف تهتف بهتافات  أفهمت رجال الدولة و قيادات الجيش و المليشيات الذين كانوا يتخذون من أسطح  المباني المحيطة بهذه الساحة مكانا يراقبون  منه هدير الجماهير و يعدون عليهم حتى أنفاسهم بأن هذه التظاهرة سلمية من خلال شعار ردده الجميع ( تظاهرة سلمية ... تظاهرة سلمية )  و (سلمية ... سلمية ) و طيلة فترة الساعات الأولى من زمن هذه التظاهرة لم يحدث شيئا  من أعمال العنف  و لم يتجاوز المتظاهرون على الأمن  و غيره ،  بل عمد العشرات منهم إلى رفع كل النفايات التي كانت موجودة في الشارع و اخذ البعض بكنس  الشوارع ..

 

كانت الهتافات تطالب بجلاء القوات المحتلة و تقديم الخدمات و توفير  الوظائف و أصلاح العملية السياسية و محاربة الفساد و المفسدين  و طالب أهالي بغداد باستقالة أمين و محافظ و رئيس مجلس محافظة بغداد فورا لتسببهم بإهمال  مدينة بغداد و تدميرها .

 

كما عبر  الآلاف من المشاركين في هذه التظاهرة عن غضبهم من الوعود و الخطب الرنانة و التي كانت تحمل الكثير من الوعود منذ الاحتلال إلى يوم التظاهرة و خاصة  الوعود التي كان يطلقها رئيس الوزراء نوري المالكي حيث ردد الآلاف شعارات تقول ( كذاب كذاب نوري المالكي كذاب )  و ( قفاص  قفاص  نوري المالكي قفاص ) و ( غشاش  غشاش نوري المالكي غشاش )  و طالبت  بعض الشعارات باستبدال الوزراء بوزراء من خارج العراق  مثل  ( عينوا وزراء  من بنغلاديش لان لديهم ضمير ) و شعارات كثيرة و متنوعة تدل على الوعي الذي يتحلى به المواطن العراقي و يعرف تفصيلا مكامن الخلل في هذه الحكومة و ارتباطاتها من خلال ترديد شعارات ترفض العمالة للأجنبي و ترفض  التدخلات الخارجية مثل شعار ( إيران بره بره  بغداد تبقى حرة )  و شعارات أخرى كثيرة و متعددة ترفض الحكومة و رموزها ..

 

و بارتفاع درجات الحرارة ارتفعت موجات غضب المتظاهرون و حاولت مجاميع كبيرة  عبور جسر الجمهورية الذي يربط  ساحة التحرير بالمنطقة السوداء التي تضم سفارات دول الاحتلال و مقرا لحكومة بغداد و كان مغلقا بكتل كونكريتية عازلة من نفس نوع الجدار الصهيوني في فلسطيننا الحبيبة و استطاع المتظاهرون إسقاط ثلاث كتل  منها مما فسح المجال للمتظاهرين الاندفاع عبرها ليجدوا أمامهم آلاف من رجال مكافحة الشغب لينهالوا على المتظاهرين و بكل عنف ضربا بالهراوات و العصي الكهربائية و تنشب مواجهة  بين الجانبين  ، جانب المتظاهرون يستخدمون الحجارة و التي كانت شحيحة في هذا المكان  و الجانب الأخر قوات الأمن العراقية و بكل صنوفها ومنها قوات مكافحة الشغب ..

 

و أمام إصرار المواطنين على البقاء في أماكنهم و محاولتهم عبور الجسر  زادت إجراءات القمع الحكومي داخل الساحة و قامت بعدة محاولات لتفريق المتظاهرين حتى وصل الأمر إلى استخدام   المروحيات الضخمة  عندما حاولت طائرتان كبيرتان بالتحليق في علو منخفض جدا لتولد رياحا شديدة فوق الحشود مما زاد غضب هذه الجموع و اندفاعها إلى مدخل الجسر الجمهوري و الذي تسده كتل ضخمة من قوات الأمن العراقية .

 

و خلال تلك الإحداث كان عدد من قادة الجيش  و عدد من رجال الحكومة الذين ينتمون للأحزاب الحاكمة المتنفذه يعطون الأوامر لمعالجة  هذا الزخم الكبير من الغضب الذي يحمله أبناء الرافدين على المحتل و أعوانه .. و في محاولة بائسة استخدمت القوات الأمنية خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين و عندما عجزت تم إصدار الأوامر باستخدام قنابل الصوت و الرصاص الحي مما زادت عدد الإصابات و زيادة  الغضب الشعبي و كان عارما..  و عندما لم تجد الحكومة طريقة أخرى لتنفيذ تفريق  هذه التظاهرة نزلت قوات كبيرة من الجيش تستخدم البنادق و الهراوات بالضرب  المبرح على أبناء العراق العزل و إطلاق الرصاص و حوصرت هذه الجماهير في وسط الساحة حيث كانت كل الطرق مغلقة من قبل  قوات الأمن و بصعوبة بالغة استطاع  العديد من المتظاهرين  التفرق في الأزقة تتبعهم قوات الجيش و الشرطة ..

 

و خلال هذه الإحداث كان البث المباشر مقطوعا و الاعتداء على رجال الصحافة و مضايقتهم مستمرا حيث تم اعتقال العشرات منهم و صودرت الأفلام التي هي بحوزتهم و التي وثقوا فيها أساليب الإجرام الإرهابي الذي استخدمته الحكومة ضد المتظاهرون .

 

و بتفريق هذه التظاهرة و بهذا الشكل كان لزاما علينا أن نجد مخرجا للعودة الى مساكننا و رحنا نفتش عن معبر يعيدنا إلى جانب الكرخ فوجدنا أن جميع الجسور قد تم غلقها و منع عبور  السابلة عبرها حتى استطعنا العبور و بالكاد عبر جسر الحديد القريب من منطقة العطيفية لنصل بعد ساعات طويلة إلى مساكننا بعد أن لقينا ما لقينا من متاعب في رحلة العودة ،  و رغم تلك المتاعب و ما سقط من جرحى في هذه التظاهرة إلا أنني كنت فرحا جدا حيث استطاعت هذه التظاهرة الكشف عن الوجه الحقيقي لهذه الحكومة و كشف زيف الادعاءات الأمريكية في  قيام ديمقراطية يقودها عملائهم في بغداد

 

هذا و قد شنت القوات الحكومية حملة اعتقالات واسعة لعدد كبير من المتظاهرين و نال  رجال الصحافة الجزء المهم من هذه الاعتقالات ..  و أستمرارا لمسلسل الكذب الذي تمارسه الحكومة خرج علينا كذاب بغداد الناطق بأسم الحكومة لينفي الأحداث الدامية التي تناقلتها وسائل الاعلام المختلفة و الاعتقالات التي تعرض  لها ابناء شعبنا في ساحة التحرير و خارجها .

 

 





الاحد٢٤ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب احمد الدليمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة