شبكة ذي قار
عـاجـل










في أعوام الخمسينات والستينات وحتى السبعينات ، لم يخل بلاغ عسكري انقلابي من ذريعة فلسطين ، فقد كان الانقلابيون يرتدون قميص عثمان الفلسطيني فيغذون السير إلى دار الإذاعة والى جانبها الأركان العامة فإذا بفلسطين تحضر إلى الساحات العامة فيما تمتلئ شوارع العاصمة باليافطات المدوية ثم ننام على صباح التحرير فإذا بالصراخ يبح حناجرنا التي تلتهب فنستريح من عناء الذهاب إلى المدرسة بموجب تقرير طبي من طبيب معروف وموثوق .


الآن يمور الوطن العربي بادئا من شماله الإفريقي وصولا إلى مصر ، بأحداث جسام تقلب أنظمة سياسية عاتية على موجات الأثير بتكنولوجيا الاتصالات دون حاجة إلى دبابة ومدفع وطائرة بل ودون حاجة إلى إهدار المزيد من دماء المواطنين لان الدعوة إلى التغيير تتم بواسطة المواقع الالكترونية الاجتماعية ، ومن خصائصها الإفلات من رقابة الأجهزة السرية وأنها من جهة أخرى تحتفظ بسرية العنوان والاسم والطالب والمتلقي إذا أراد المصدر أن يخفي هويته .


ثورة التكنولوجيا الحديثة تجمع الشعوب بالملايين دون قدرة النظام على إحباطها ، وتالياً فإنها ثورة سلمية لا تتطلب الصراع ضد صفوف حرس النظام ورجال الأمن والشرطة ومن النادر أن يصل زوار الفجر إلى دعاة التغيير الرئيسيين إلا بالشبهة الشخصية والمعلومة المسبقة عن آراء الشباب ومواقفهم .


ثورة شباب العصر ونموذجها ما حدث في مصر ، لا تقود إلى احتراب وصراع ودماء .. بل تقود إلى مطالب يمكن أن يذعن لها النظام السياسي إذا اتسم بالحكمة والعقلانية ، وإلا فإنها المواجهة العنفية بين النظام وجماهير الشعب التي تكون قد أصبحت مليونية ، فإذا ما ركب النظام رأسه كما حدث في ليبيا ، فإذا البلاد تنقلب إلى ساحات دماء ، وهو في جميع الأحوال ، ليس لصالح النظام الذي تتقوض شرعيته فيغدو عصياً على البقاء أو الاستمرار مهما كانت سطوته وقوة شكيمته الأمنية ، والمحصلة هو أن الشعب مهما كانت خسائره هو في النهاية الذي سيربح .


انه يربح الخروج من تخلفه المديد ، يربح حركته التاريخية ، يربح كرامته ، انه يربح نفسه والعالم ، فليس قليلاً أن يهتف المصريون اليوم :


ارفع راسك واصرخ أنا مصري ...
ولعل ذلك لا يكون بسبب الشعور العاطفي الآني ، فتكرار عودة الملايين إلى الساحات تبقى قائمة مادامت ثورة الاتصالات قائمة ، وقد يكون من الصحيح أن النظام السياسي يمتلك هو الأخر مثل هذه التكنولوجيا لكنه لا يمتلك عزم الشعب نفسه ،فإرادة التغيير مهمة أصيلة لدى الشعب لأنها تتضمن أهدافاً أساسية متعددة:


القضاء على الاستبداد وحكم الفرد ، والقضاء على الفساد الذي وضع الشعب في قاع الحاجة والهوان ، ثم القضاء على كل ما يستتبعه نظام طاغ من تدمير لروح الأمة وتشطير لأبنائها إلى مزق طائفية واحترابات دينية كما هو نموذجها في العراق .


يمكن مع المشهد العربي القائم اليوم ، القول بان بقاء النظام السياسي إلى الأبد ، قد بات خارج العصر ، بل هو سُبّة في جبين الشعوب التي ترتضي المعايشة معه ، فهو من جهته لا يفعل شيئاً لصالح الشعب المنكوب، إن لم يعمل على جنون نهبه وتجويعه ، وهو من جهة أخرى لا يجري إلا خلف استمرار بقائه ، مع ضمان ما بعد الأجل بالتوريث ، وهو في حالته هذه ، يتعامل مع البلد كمزرعة له ولأبنائه وأقربائه وأتباعه ، لا على صعيد القيم المادية والاثرائية فحسب ، بل على صعيد تركيز الدولة ومؤسساتها وغنائمها في يد الأقربين ، كأنه مع عائلته من كوكب آخر ، ومع امتداد الوقت ( أربعون عاماً للقذافي وثلاثون عاماً لمبارك وربع قرن لزين العابدين ... ) ينظر الحاكم لنفسه بمرآة الأنا الخصوصية وكأنه ظل الله على ارض وطنه ، فلا يعود يسمع كلاماً لمشورة ولا يهتز لمظلمة ، ولا يرى الناس إلا من طرف نظارته أو فخامة حكمته .. ولهذه الأسباب وسواها قال الكواكبي :

" قد يميت الطغيان الإنسان ولكن أفظع منه انه يميت الروح "


في العالم المعاصر اليوم ، لم يعد ثمة احترام لنظم سياسية من هذا النوع ، أما الاحترام الدبلوماسي الظاهري فانه استعراضي يعوم على طلب المصالح ليس إلا .


في بريطانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية اسقط البريطانيون بطل الحرب ونستون تشرشل لأنهم خشوا أن ينظر رئيسهم المقبل إلى نفسه نظرة البطل الفرد الذي قاد حرباً عالمية وربحها ، في بلادنا ركب الحكام ظهورنا عقوداً بحالها ، لا لشيء وإنما ببساطة لان السيد القذافي ربح حرباً ضد السنوسية دون أن يطلق رصاصة واحدة ، في مصر ثلاثون عاماً لان الطيار حسني مبارك خاض حرب تشرين دون أن يربحها العرب ، في تونس ركب ابن علي شعب تونس ربع قرن لأنه كان اقرب المخابرات للرئيس الراحل بو رقيبة ، أما في العراق فيمكنه أن يتباهى انه اسقط النظام الوطني ( للديكتاتور ) صدام حسين بقوات أمريكية فهو كما تسميه اتفاقيات جنيف ومعاهدة لاهاي ومحاكم نورمبرغ ... انه نظام دمية قام بواسطة الاحتلال واستمر بسببه ، والخلاصة انه لا ديمقراطية في الوطن العربي ، ديمقراطية لبنان طائفية ، فان اهتزت شعرة الطائفية في لبنان ، اقترب من وعيد الحرب الأهلية ، في سورية فان النظام السياسي قائم على أركان الحزب الواحد ، أما الأحزاب الأخرى فلا قرار لها وهي اضعف من أن تجتمع على قرار قد يخالف رأي النظام .


لم يعد أمامنا إلا الاستعانة بالـ ( فيس بوك وتويتر ) وسواهما ، علنا نصل إلى مطالب إصلاحية وليس بالضرورة ثورات وانقلابات ودماء ...


فالشعب يريد الكرامة ، يريد الخبز ، يريد العيش الكريم دون غطرسة الأنظمة واستعلائها ، إذ لا شيء يدعوها إلى الغطرسة والاستعلاء ، فبلادنا محتلة ، ومازالت ، وإسرائيل تنظر إلى جميعنا شذراً فلا تقيم لنا شأن ولا تخشى كل خطاباتنا النارية ، إسرائيل مازالت في الجولان ولبنان وفلسطين وسيناء ووادي الأردن .. إسرائيل مازالت كابوسنا الأزلي ، ورغم كل خطاباتنا الاستهلاكية عن تدمير إسرائيل ، فإننا مازلنا بين ممانع من بعيد أو معتدل من قريب ، فلا الممانعة أخافت إسرائيل ، ولا الاعتدال حظي باحترامها ، مما نعلمه أن الميت – الحي شارون ، ألقى مبادرة بيروت العربية في سلة مهملات مكتبه ، ثم أدار ظهره لثلاثمئة مليون عربي ومليار وثلاثمئة مليون مسلم في العالم .
 

 

 





الاحد٢٤ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حمدان حمدان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة