شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تتعرض المنطقة العربية منذ نضالها ضد الاستعمار ، ونشوء حركات التحرر العربية المطالبة باستقلال الدول العربية لزلزال قوي بحجم مايحدث الآن على امتداد الوطن العربي منذ قرابة خمسة شهور .


تغييرات متسارعة وحراك اجتماعي وسياسي يفصله نصف قرن تقريبا عن التاريخ المعاصر الذي توجت فيه حركات التحرر نضالها بالاستقلال ، وأربعة عقود عن واقع الانقلابات الثورية في العالم العربي استقر بعدها نظام الحكم في تلك الدول .


وبين الواقع الحالي وما نشاهده اليوم وبين استقرار نظام الحكم منذ عقود حدثت عدة تغييرات أهمها:-


1- تراجع شعار قومية المعركة قولا وفعلا ووقوف الفلسطيني وحده في معركة التحرير وتداعي العمق العربي المساند للقضية الفلسطينية بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد أواخر السبعينات .


2- انهيار الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية وانتصار النظام الرأسمالي ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية ودخول السياسة العالمية في نظام القطب الواحد في بداية الثمانيات .


3- انتقال المعركة لتحرير فلسطين من المواجهة العسكرية للخيار السلمي وانسحاب مصر الدولة الأهم من قيادة الأمة العربية .


4- احتلال العراق بعد حصار 13 عاماً من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وتغييب عنصر فاعل ومتقدم في مقارعة الاستعمار والنفوذ الإسرائيلي في المنطقة برضا وخيانة عدد من الأنظمة العربية , العام 2003 .


خلال تلك العقود الأربع لم تسقط إسرائيل خيارها العسكري ورغم توقيعها على اتفاقيات مع م . ت . ف إلا أنها ظلت تراوح مكانها بدون أي تنازلات تذكر تعطى زخم للحلول السلمية ، والتعاطي معها ، وتفتح آفاقا للإيمان بصحة هذا الخيار .


في المقابل انكمش العرب في محيطهم الإقليمي يعيشون على ذكريات انتصارات لم تغير من مستقبل المنطقة شيء بل وضعت العرب على طريق يأملون منه الوصول لسلام مع إسرائيل وهم يعرفون يقين المعرفة أنهم لن يصلوا إليه لسبب واحد وهو أن خيارهم ظل واحدا بدون رؤية أي بدائل حتى عندما ترتجف شواربهم لأي حدث كبير ضد العالم العربي في المنطقة ، لاتتعدى مواقفهم الشجب والاستنكار بل حتى مبادرتهم والتي عمرها عشرة سنوات أغرقتهم أكثر وهم ينظرون إليها كمرآة تعكس ضعفهم وبلادتهم كل يوم ، في وقت جلسوا على عروشهم مطمئنين أن الأولاد لن ينقلبوا على آبائهم ، يريحهم كثيرا أن تحتل العراق وأفغانستان ويقتل الملايين فيهما ،بادعاء الحرب على الإرهاب ، فهذا مطمئن أكثر أن الأمريكان لايحاربون العرب والمسلمين بل الإرهابيين ويكفيهم أن يتلو في بياناتهم وأحاديثهم شجبهم للإرهاب حتى يرضى عنهم الأمريكان .


ضربت إسرائيل لبنان وبعدها قطاع غزة في حربين أرجعت البلدين عقود للوراء وقضت على مقدراتهم ، وراح ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى وأكثر مالوحوا به سحب المبادرة العربية وتجميد علاقات هنا وهناك لم يكن من الصواب أصلا أن يلوح بهم فهم بطبيعتهم إشارة لضعف وخضوع قادة النظام العربي الذين يعيشون في عصر مضى وولى , عصر لم تكن التقنيات والتكنولوجيا وسرعة المعلومة وانتشارها بهذا الحجم , مراهنين أن الحياة ستطحن أبناء شعبهم وتنال من قدرتهم على الابتكار .


هذا التجاهل الأعمى لما عليه الحياة من تسارع وما عليه الجيل الجديد من قدرات وإمكانيات تتعايش مع التقنيات كالماء والهواء خلق فجوة بين جيلين بينهما " جيل يقف مترددا " ، بين جيل النظام السياسي والأجيال الشابة التي تستقي المعلومة عبر التكنولوجيا والتأثير المتفاعل مع الآخرين عبر مواقع المحادثات المختلفة بينهم ، وعلى مسافة قريبة جيل يتنازع مابين التقدم للحاق بركب الحضارة وبين الثبات خوفا من التغيير ، فهو جيل عاصر الحروب والتهديدات ودخل عصر السلام والمفاوضات فأصبح مع الوقت يأمل التغيير فالحياة تسحقه كل يوم وخائفا يقنع نفسه بمبدأ انه لا يجوز أن ينقلب على والده من هنا كان الشباب أسرع حركة وأكثر اندفاعا لإحداث التغيير فهم لايرزحون تحت أعباء التاريخ كما آبائهم ، ولا يثقلهم الزمن الجميل وهم يسيرون طريقهم كشبان يملكون الاستعداد للتضحية تحكمهم ثقافتهم التي هي ثقافة عصرية أساسها السرعة وسباق الزمن والانفتاح على العالم .


من هنا وجب أن نطلق على ثورتهم مسمى (ثورة عصرية) وليس ثورة الشباب وبالأخص عندما نعرف أن إطلاقهم الشرارة دفع بكل الفئات العمرية وبكل الشرائح الاجتماعية للمشاركة منذ اليوم الأول ، وأصبح الحراك الاجتماعي شاملا وعاما ، ومعبرا عن حاجة المجتمع للتغيير رغم أن الكثيرين راوحوا مكانهم ليس معارضة لها بل خوفا من عدم نجاحها أو خروجها عن مسارها ، الجميع توافق على المبدأ فكان التيار جارفا أضعف الجميع أمام قوة التغيير والثبات على الموقف لهذا انحازوا له .قاربت هذه الثورة العصرية عدة مرات أن تحيد عن مسارها ولكن قوة ما أرجعتها لتظل هي قائدة التغيير ، ربما تكون ناتجة عن طاقة وحيوية كامنة ليس بالإمكان تحييدها أو إطفاء جذوتها ، وربما براءة وطهارة قادتها وأفرادها وظهورهم غير طامعين وبشكل لايظهر قيادة لهم جعلهم أفضل البدائل لإحداث التغيير ، وربما خوف لدى كل من يراقب من ظهور تيارات أخرى في الصورة منهم من لم يكن له دور يذكر في السابق أو كان مقربا من النظام أو ليس له تأثير شعبي أو يكون متطرفا يحدث تغييرا جذريا بكل التركيبة الاجتماعية والدينية والسياسية في المجتمع وفي علاقات الدولة بالمحيط .


مخاوف صاحبت الثورات العصرية


1- في بداية الثورات وأؤكد على عدم التعميم بمصطلح " الثورة العربية الكبرى " لاختلاف البيئة والمصالح والأساليب رغم محاولة الإعلام العربي وضعها في بوتقة واحدة لوحظ أن سقف المطالب كان عادلا وطموحا بحيث أنه ناسب واقع التحول الآمن إلا أنه مع كل لحظة أصبح يتعقد ويعلو لمكاسب أكبر ليشمل النظام برموزه كلها وسلطاته وعقده الاجتماعي (الدستور) وهذا زاد المخاوف على مصير الثورة وأين ستودي بمصير الدولة والشعب .


2- تنامت العصبية الجاهلية لدى الكثيرين وعقلية الانتقام والثأر والدعوات للقتل وفي هذا توجه نحو الهدم لا البناء فهذا نموذج بعيد عن ديننا الإسلامي وعن كل القوانين التي عرفتها المجتمعات المتحضرة وفي هذا انحراف لمسار الثورة عن أهدافها ومثال سيء يظهر الثورة بعقلية تميل للدم وبالتالي تضع مصير البلاد في يد غير أمينة فكان لزاما عليها أن تبقى الأيدي بيضاء ونظيفة طالما أحدثت التغييرات المرجوة وكان نموذجي مصر وتونس أكثر هدوءاً ونقاء مما يجري في ليبيا الآن من انقلاب عسكري .


3- محاولة العد يدون سرقة انجازات الثورة وتكرر ظهورهم الإعلامي، أناس يحصدون ثورة نقية بالاعتداء على الدولة بكل رموزها ، غير راضين عن أي شيء وغير مكتفين بما أنجز ، وليس لديهم صبر وجلد ، يعجلون التغييرات وكأن الدولة بيت صغير من السهل إعادة ترتيبه ، بمعنى " يريدونها فوضى يعيدون فيها ترتيب أوراقهم ليتقدموا بعدها بالحلول " .


الموقـف الدولـي


قد أتحفنا الموقف الأمريكي والأوروبي بادعاءات حرصه الشديد على حقوق الإنسان ، وبتعليقاته الإعلامية المنظمة ، التي عملت على أن تبقى في الصورة ولاتغيب عنها وكأنها ترسم خارطة لطريق الثورة ، وما زاد من حيرتنا بأن تلك الأنظمة التي لطالما ارتبطت بهم وروجت لسياساتهم أصبحت بعيدة كل البعد عنهم بل تقف في خندق معاكس لطموحاتهم ومصالحهم فما الأسباب التي دعت لذلك :


هل هي تغيرات أوجبتها ترهل وضعف تلك الأنظمة وشكواها المستمر من إسرائيل وممارساتها.


هل هي حاجة النظام الدولي لسياسات أكثر مرونة وانفتاح على الغرب لإحداث تغييرات تقف في وجه المد الديني.


أم هي استراتيجيات لا نكاد نلمسها في المدى القصير ولكن قد تؤدي إلى المزيد من القسمة للعالم العربي خصوصا وأن التغيرات العاصفة لازالت تدور في فلك العالم العربي .


لماذا تأييد كل مايجري وفي خطابات جاهزة للإعلام ، وكيف بالإمكان وضع العالم العربي على حافة هاوية بالإمكان فقد السيطرة فيها في أي وقت والسؤال المحير في حال فقدت تلك السيطرة هل بالإمكان أن نشهد أي انتصارات ،أم أحكمت السيطرة علينا بشكل ندخل في فوضى ليست بالتأكيد خلاقة لنا بل تصب في مصلحة إسرائيل في نهاية الأمر .


لماذا سكت الموقف الدولي عن كل مآسي العرب من العراق ولبنان وفلسطين ولازال ويدعي الوقوف مع المطالب العربية بالتغيير، ولا يخجل وسط كل هذا الحراك السياسي أن يقف ضد فلسطين مؤيدا لإسرائيل ، هل يقول لنا بوضوح أنا عدوكم فابحثوا عن صديق أفضل ومن ترى هذا الصديق الأفضل (إيران – تركيا – أوروبا – روسيا ) عوالم لها مصالح إقليمية وتجارية مع العرب تتوسع إقليميا على حساب العرب في وقت تزداد الهوة داخل المجتمعات العربية وتتسع ويقسم العرب في كل يوم لطوائف وأديان وقوى ممانعة وقوى غير ممانعة .


أين فلسطين كقضية ممـا يجـري ؟

*- يعتقد البعض من الفلسطينيين أن الأمور تسير لصالحهم رغم أن الجميع يتجه للهاوية ولم يقطف أحد ثمارا تذكر إلا عبر وسائل الإعلام ، فنحن أيضا انتقلنا بعيدا عن واقعنا الفعلي وعن رؤية عدونا الحقيقي ، وسقفنا السياسي والمقاوم لا يزال في حالة هبوط أو يراوح مكانه ، وانتصاراتنا أصبحت في قوة مفرداتنا اللغوية وحسن التعبير في تسجيل انجازات لم نلمسها .


نحن نذبح يوميا ونحاصر بدون عون حقيقي لنا وقد حاربتنا إسرائيل لأكثر من عشرين يوما تأكدنا فيها أن لاأحد يعيننا ومن يقدم على ذلك على استحياء يبقى خائفاً أن يتهم بأنه وقف عونا لنا حتى لو أراد ذلك، هل هذه الثورات التي نصفق لها آملين إحداث تغييرات تصب في مصلحتنا ، أقدمت على طرح موقف واضح من القضية الفلسطينية غير ماهو معروف واعتدناه ؟ المؤشرات تقول أننا لازلنا وحدنا وفي هذه الثورات كل الأحزاب تحاول وضع موطئ قدم لها لتعتلي السلطة في تلك البلاد وجميعها تتحفظ في الأمور الخاصة بفلسطين ولا تستطيع أن تندفع في تفكيرها مجرد تفكيرها لتحرير فلسطين فالوضع الداخلي يشغلهم لأقصى مدى .


*- أكاد أقتنع أن الجميع تعب من قضيتنا ، وعلى أنقاضنا وانقسامنا ظهرت إيران كقوة ممانعة ، وآخرون يدعون خسارتهم بالاهتمام بنا ،قضايا أخرى في محيطهم الجغرافي ، ماذا علمتنا الثورات نحن الفلسطينيون ؟ ما تعلمناه هو تعزيز الانقسام هذا هو الدرس الذي ارتأينا تعلمه فنحن لازلنا نشكل الأشياء بما يتلاءم ومصالحنا ، فاستعدادنا لم ينضج بعد لنتنازل لبعضنا في وقت نتنازل فيه للجميع ، لمن يغدق علينا المال ، ولمن يذبحنا ، ولمن يحتلنا ، ولمن يصعد على جماجمنا مدعيا الممانعة والمقاومة .


*- أين القوة التي استمديناها مما يحدث (لاقوة) هي أوهام لازلنا نمسك بها لنقول أن الأوراق القوية بحوزتنا في وقت نخسر فيها أوراقنا الفعلية فالعرب لم يوحدهم العدو المشترك ، مابالك الآن وكل يتربص بالآخر، والشعب العربي تنتظره تحديات كبرى ، ماذا سنجني من انقسام لبنان والبحرين واليمن والسودان وتونس وليبيا وجيبوتي والصومال وكل من ينتظر دوره ؟ لن نجني شيئا .


*- لماذا تسير البوارج الإيرانية لسوريا ومنذ أن قامت الثورة وهي تلهج ليل نهار بعدائها للأمريكان وإسرائيل هل هذا ماكانت تنتظره إيران على مر التاريخ لتعيد مجدها القديم ، هل هذا هو الوضع الإقليمي الجديد والذي تطرح فيه قوة إقليمية للمنطقة بعد أن أحتل العراق وضعفت مصر , أم مكاسبها الإقليمية لا تتم إلا على حساب تقسيم العرب ...أتحدى إيران أن تطلق صاروخا على إسرائيل ! والسؤال المحير لماذا كان تدخلها سافرا في أوضاع العرب , ولم تختلف لهجتها عن آخرين يقفون في خندق العداء معها , هل تقاطعت المصالح في لحظة زمنية معينة ؟ إن إيران في طريقها لتصبح قوة إقليمية لايعني أنها تقف في خانة العداء لإسرائيل بل العلاقة بينهما لازالت (العداء المكشوف والاتفاق في آن معا) بحيث العداء مع اسرائيل يجعلها تحقق أطماعها في التوسع الإقليمي بينما الاتفاق هو على تدمير العرب والوطن العربي .


*- كما أن توسعها وكبر دورها الإقليمي سيكون على حساب قوت شعبها وإضعاف اقتصادها بحيث ستجد نفسها غارقة في مشكلات إقليمية متعددة في وقت تزداد حاجة شعوبها نحو التغيير ، فالولايات المتحدة تمارس الحروب بكل الطرق وقد يكون توسع وتمدد إيران هو بداية الطريق لتدميرها وإضعاف اقتصادها لتعود لحجمها الطبيعي أو يتم تغييرها من الداخل فلماذا نراهن عليه.


*- ولنرى حجم ما وصلنا إليه من تخاذل , بصمت الأنظمة العربية على ما يجري في ليبيا , وإعطاء الغطاء السياسي لقوى استعمارية لإنهاء مقدراته , واحتلاله فالمسالة مسالة وقت ليس إلا.


*- إن حجم التغييرات الماضية والمقبلة توجب علينا كفلسطينيين أن نوحد جهودنا فالقضية الفلسطينية لم تعد على أولويات العالم والعرب دخلوا في إصلاحات وتدمير لبنية النظام لن ينتهوا منها لسنوات ونحن أحوج مانكون الآن لرؤية التهديدات الحقيقية المقبلة بعيدا عن التفرد والأنانية فالقادم أصعب والفرصة مهيأة أكثر لإسرائيل والعالم لإنهاء ما يمكن إنهاؤه وبات من الواضح أن تصفية الحسابات المختلفة معها هي السيناريوهات القادمة , واليوم نرى كيف تتهرب إسرائيل من اى مسئولية قانونية عن جرائمها في قطاع غزة ،وتطالب بكل عنجهية رمى تقرير غولد ستون في مكب النفايات والى الأبد وكيف تقتلنا بكل وحشية الآن ويوميا غير آبهة بالعالم والمجتمع الدولي لأنها تعلم جيدا أنها مشروع وليست دولة.

 

 





الاربعاء٠٢ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جمال ابو لاشين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة